نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(الرِّجْسَ) (63)

بحث في معنى الرجس والعصمة

مسألة: يجب الإجتناب عن الرجس حدوثاً ورفعه بقاءً، وقد يكون مستحباً، كلٌّ في مورده، بالنسبة لكل فرد، واستفادة ذلك من هذه الجملة ((وأذهب عنهم الرجس)) لفهم الملاك منه[1] بل الأولوية من وجه، ولقرينة دليل الأسوة وغير ذلك.

و (الرجس) عبارة عن: القذارة والوساخة، سواءً القذارة المعنوية أم المادية، الشرعية منها والعرفية، مما يستقذره العرف ولا يعد في الشرع من النجاسات، وكذلك الوساخة في النفس نوعان:

وساخة محرّمة يجب إزالتها كوساخة الشرك.

ووساخة مكروهة من الأفضل إزالتها كالجبن وما أشبه ذلك.

فاللام للجنس (في قوله (صلى الله عليه وآله): الرجس) فيكون دعاؤه (صلى الله عليه وآله) طلباً لإذهاب كل أنواع الرجس عنهم (عليهم السلام) الظاهر منه والباطن، الروحي والجسمي، المادي والمعنوي المحرم منه والمكروه[2].

وهذا يدل على ما فوق العصمة، لأن العصمة عبارة عن الإعتصام عن الذنب والسهو والخطأ والنسيان والجهل وما أشبه ذلك، والإطلاق يدل على ما فوق ذلك، ويشمل حتى ترك الأولى، وقد ذكرنا في بعض الكتب الكلامية أنهم (عليهم الصلاة والسلام) منزهون عن ترك الأولى أيضاً.

بل قلنا ببراءة الأنبياء (عليهم السلام) من ترك الأولى، وإن نسب اليهم على قول مشهور، لكننا هناك نفينا ترك الأولى بالنسبة إلى الأنبياء (عليهم السلام) أيضاً، وبينا أن ما ظهر منهم من بعض الأعمال والآثار فإنما هو باب المقتضيات المخفية، مثلاً: في قوله سبحانه: ((عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى))[3] المراد به المعنى المجازي[4] لا الحقيقي، فإنه لم يكن عصياناً ـ على ما حققناه ـ لا بالمعنى اللغوي ولا معنى ترك الأولى، وإنما كان مقدراً من الله سبحانه وتعالى أن يفعل ذلك، حتى ينزل إلى الأرض، لأن آدم (عليه السلام) خلق للأرض[5] كما في قوله سبحانه: ((إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً))[6] وإنما أُسكن أولاً في الجنة، فلكي يخرج منها فيتذكر محله فيها ويبكي وينقطع إلى الله سبحانه وتعالى أكثر فأكثر، ويكون ميله وميل ذريته إلى الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى في جنته أكثر فأكثر[7]، وهكذا بالنسبة إلى كل نبي.

وعلى أي حال فهذا بحث كلامي لا يرتبط بالمقام، وإنما ذكرناه استطراداً وإلماعاً فقط.

[1] لتنقيح المناط القطعي.

[2] سواء كان رجساً في الفاعل (الرجس الفاعلي) أم في الفعل (الرجس الفعلي) كما عبّر في نظيره بالمعصية الفعلية والفاعلية.

[3] طه: 121.

[4] ربما يكون المراد: نظير الأوامر الإمتحانية، أو المراد: إن ما جرى كان شيئاً صورياً تمثيلياً، وقد يكون مراده من (المقتضيات المخفية) ذلك.

[5] وفي حديث الإمام الرضا (عليه السلام)... (فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده ولم يخلقه للجنة... )مجمع البحرين مادة عصا.

[6] البقرة: 30.

[7] وهناك جواب آخر في حديث الإمام الرضا ((عليه السلام)) في حديث طويل جواباً على شبهة رجل قال ((عليه السلام)):... أما قوله عز وجل في آدم ((وعصى آدم ربه فغوى))[طه:121] فـ..كانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض، وعصمته تجب أن تكون في الأرض، ليتم مقادير أمر الله عز وجل، فلما أُهبط إلى الأرض وجُعل حجة وخليفة، عصم بقوله عز وجل: ((إن الله اصطفى آدم ونوحاً...)) [آل عمران: 33] مجمع البحرين مادة عصا.