نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(إنهم مني وأنا منهم) (57)

توثيق الترابط بين الأقرباء

مسألة: يستحب توثيق عرى الترابط بين الأقرباء، ومن طرق ذلك تعريفهم وتذكيرهم دوماً بأن بعضهم من بعض، خاصة إذا كانت لبعضهم منزلة رفيعة، فإن ذلك فيما إذا كانوا جميعاً على الدين والإيمان، يوجب تماسكهم وتعاونهم على الخير والتزامهم بصلة الرحم، وبالتالي يستلزم قوة هذا التجمع الصغير بل والمجتمع الأكبر نظراً لتشكله منه.

فإن التجمع قوة وكلما كان تماسكه أكثر كانت قوته أكثر، والمعرفة مقدمة للتجمع والتمسك والتعاون بشكل أقوى.

أما خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لله سبحانه: أنهم (عليهم السلام) منه، فإن ذلك من التخضع والأستعطاف والإلتماس، مثل أن يقول الفقير للغني: هؤلاء أولادي فتكرّم عليَّ وعليهم بالمال.

هذا بالإضافة إلى أن الأقرباء إذا عرفوا أنهم ينحدرون من كبير في العلم والفضيلة، حفزهم ذلك على التحلّي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فإن الإنسان مندفع إلى طلب المعالي والترفع بذاته خصوصاً إذا عرف إن المنسوب إليه رفيع.

وهذا من أسباب ابتعاد أولاد الأئمة (عليهم السلام) وذويهم عن الدنايا وترفعهم عنها، بخلاف أولاد أمية والعباس ومن إليهما، إذ نجد في أولاد الأئمة (عليهم السلام) وإخوتهم وذويهم، إن معرفتهم بنسبهم أوجبت أن يرتفعوا عن الدنايا، ويتصفوا بكثير من المزايا.

وقد ذكرنا في بعض الكتب أن نسبة بعض الأمور الشائنة إلى أولاد الأئمة (عليهم السلام) لم يثبت منها ثبوتاً شرعياً، بحيث يبرأ الناسب شرعاً، وما ذكر في بعض الكتب لا سند له، نعم الثابت قصة ولدي آدم ونوح (عليهم السلام)، وذلك استثناء، إذ ما ذكرناه ليس على نحو العلّية بل الإقتضاء الغالب ولذا ورد: (الولد سر أبيه).

الإحتمالات في معنى (إنهم مني وأنا منهم)

يمكن أن يكون المراد من قوله (عليه السلام): (إنهم مني وأنا منهم) أحد أمور[1]: منها: إن خلقتهم (عليهم السلام) كانت بسببه (صلى الله عليه وآله) كانت بسببهم[2]، كما قد يدل على هذا حديث (لولاك...)[3] وتقريره: ان لولا النبي (صلى الله عليه وآله) لم يخلق الله تعالى الأفلاك ونظائرها، فلم يتيسر لأحد أن يحيا هذه الحياة، ولولا علي وفاطمة (سلام الله عليهما) لم يخلق الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله).

وبعبارة أخرى: إن الكون كمجموعة، بدون خلقته (صلى الله عليه وآله) وخلقتهم (صلى الله عليه وآله) ناقص، والله سبحانه لا يخلق إلاّ الكامل ـ كل في حده ـ بل لغو ونقض للغرض فليدقق، فلولاه (صلى الله عليه وآله) لكان الكون ناقصاً، فلم يكن الله له ولهم (عليهم السلام) خالقاً، وبالعكس.

ومنها: المعنى الذي ربما يستظهر من قوله (صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين)، لذا قالوا: الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، وكذلك قد يراد بـ (إنهم مني وأنا منهم) ذلك.

ومن المحتمل أن يراد بـ: (حسين مني وأنا من حسين)، المعنى الأول المذكور في قوله (صلى الله عليه وآله): (إنهم مني وأنا منهم) من التسبيب في أصل الخلقة.

ومنها: إن الإعتبار الدنيوي والمكانة الدنيوية في القلوب والأفكار وغيرها لأهل البيت (عليهم السلام) من النبي وكذا ما للنبي (صلى الله عليه وآله) في الدنيا من المنزلة والذكر الحسن فهو من تضحيات أهل البيت (عليهم السلام) ونتيجة تفانيهم في سبيله وسبيل دينه.

ومنها: ما سبق، ولكن بلحاظ الآخرة.

ومنها: باللحاظين معاً وغيرهما أيضاً، ويؤيد هذا المعنى: الجمل السابقة على هذه الجملة (ان هؤلاء).

ومنها: إن هذه عبارة عرفية، تدل على شدة الترابط والتماسك بينه (صلى الله عليه وآله) وبينهم (عليهم السلام)، وترمز إلى إن ما يصيبه يصيبهم وما ينفعه ينفعهم وبالعكس، ونظيره ما يقوله الملك أو الحاكم لشعبه: أنا منكم وإليكم.

فقوله (صلى الله عليه وآله): (إنهم مني وأنا منهم) يأتي مؤكداً للجمل السابقة، وشدة الارتباط والقرب بينه (صلى الله عليه وآله) وبين أهل بيته (عليهم السلام) أوضح من الشمس، وهي تتجلى في القرب المادي النسبي والقرب الروحي والمعنوي والفكري والقرب في المنشأ لأنهم كلهم (عليهم السلام) من نور واحد، ولذا قال (صلى الله عليه وآله): (خلق الله الناس من أشجار شتى وخلقني وأنت [يا علي] من شجرة واحدة)[4].

ومنها: إن الخلقة لولا خلقة النبي (صلى الله عليه وآله) لم تدل على كمال الخالق، فلولاه (صلى الله عليه وآله) لم يخلق الله تعالى الخلق، إذ أنه حينئذ سيدل على عدم كمال قدرته، كالبنّاء الماهر لا يبني الدار الناقصة لدلالتها على عدم كماله[5].

الولاية التشريعية والتكوينية[6]

يستنبط[7] من قوله (صلى الله عليه وآله): (إنهم مني وأنا منهم): ثبوت الولاية التشريعية والتكوينية لأهل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى وجود الأدلة الكثيرة الدالة على ذلك.

فالولاية التشريعية بمعنى: أن بأيديهم (عليهم السلام) التشريع. والتشريع فيهم يعني نفس ما يعنيه الحديث الشريف الوارد فيه (صلى الله عليه وآله): (إن الله أدّب نبيه على أدبه ففوّض إليه دينه)[8]، على تفصيل ذكره السيد عبد الله الشبر (قدس سره) وغيره في كتبهم[9] وقد ألمعنا إليه في بعض الكتب الفقهية.

وأما الولاية التكوينية فبمعنى: أن لهم (عليهم السلام) أن يتصرّفوا في الكون بإذنه سبحانه، بل هم (عليهم السلام) يتصرفون بإذنه تعالى، كما يتصرف عزرائيل بإذنه سبحانه في الإماتة، وكذلك بالنسبة إلى بعض الملائكة حيث قال سبحانه: ((فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً))[10].

وفي الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي أو مثلي، أقول للشيء: كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون) وهذا يمكن تحققه بالنسبة إلى الطبقة العادية من الناس، فكيف بهم (عليهم السلام) وهم من المعدن الأسمى والجوهر الأعلى؟ كما قال (صلى الله عليه وآله): (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)[11]، وفي قصة عيسى (عليه السلام) دلالة على ذلك حيث كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله سبحانه وتعالى، وهم (عليهم السلام) أفضل من عيسى (عليه السلام) لما ورد من أن عيسى (عليه السلام) يصلي خلف الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)[12]، بالإضافة إلى الروايات المتعددة والتي تعد من ضروريات مذهبنا، وقد أشرنا إلى هذا ا المبحث في مقدمة الكتاب.

[1] قد يكون المقصود: إن كل واحد منها تمام المراد، وقد يكون المقصود كون كل واحد منها بعض المراد وأحد المصاديق وهذا أرجح بالنظر إلى سياق الحديث كله وإلى إطلاقه، وإلى القرائن المقامية والمقالية الأخرى، إضافة إلى أن نظر المصنف هو ذلك كما يظهر من استنباطه اللاحق.

[2] قد يكون المقصود: بنحو الدور المعي، وقد يمثل لذلك بالمتضايفين كالمتوازيين والأخوين (متوافقين كانا أم متخالفين).

[3] عوالم العلوم: 11/26 ب3 ح1.

[4] بحار الأنوار: 15/19 ب1 ح30.

[5] الفرق بين هذا وما سبق، إن هذا بلحاظ مرحلة الإثبات، وذاك بلحاظ مرحلة الثبوت.

[6] حول هذا المبحث راجع (الفقه: البيع الجزء الرابع) و(شرح التجريد) للمؤلف.

[7] نظراً لإطلاقها، بل ودلالتها على (الوحدة)، وإذا تعذرت الحقيقة (الوحدة الذاتية) فستكون بلحاظ الصفات والآثار جميعاً باعتباره أقرب المجازات.

[8] بحار الأنوار: 104/342 ب5 ح4.

[9] يراجع: نهج الحق وكشف الصدق للعلاّمة الحلي (قده)، وكفاية الموحدّين، وإحقاق الحق للتستري (قده) وغيرها.

[10] النازعات: 5.

[11] الكافي: 8/177 ب8 ح197.

[12] راجع الخصال: 1/320 ح1 باب الستة ط قم.