نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(وأومأ بيده اليمنى إلى السماء) (46)

الإشارة في الأمور الهامة

مسألة: ترجح الإشارة في الأمور المهمة، ومن مصاديق ذلك: الإشارة إلى السماء حين الدعاء، وكذا إلى العظيماء، ورجحانها في الأعم، يستفاد من ملاك هذا الحديث، وله شواهد ومؤيدات أُخرى.

فإن في الإشارة تأكيداً للهدف الذي يتوخاه الإنسان، لأنه تنسيق بين العمل والقول، فمن سألك عن الطريق تقول: من الجانب الأيمن وتشير إليه أيضاً، إلى غير ذلك من الأمور خصوصاً إذا كانت لها أهمية.

وكما تستحسن الإشارة في الأمور الحسنة، تستقبح في الأمور السيئة. وقد قال الكفار: ((كَذَّابٌ أَشِرٌ)).[1] وأجابهم سبحانه بقوله ((سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ)).[2] وقال الحسين (عليه السلام): (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً)[3].

فـ (الأشر): الفرح، المتكبر، الطاغي. وربما: من يشير استهزاءاً، فتأمل.

و (البطر): من بطرته النعمة سببت له غروراً وعدم مبالاة بالحياة وبتغييراتها.

و (المفسد): من يفسد المصالح ويحرفها عن طريقها الطبيعي.

و (الظالم): يشمل بإطلاقه، من يظلم نفسه أو الناس أو الحيوان أو الجماد، ولذا ورد: (فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم)[4].

ثم قد تكون الإشارة لمجرد الدلالة، كما قال سبحانه: ((فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا))[5].

ولا يخفى إن للإيماء والإشارة أحكاماً متعددة تكليفية ووضعية، مذكورة في مختلف أبواب الفقه، أخذاً من باب (الطهارة) وانتهاءاً إلى باب (الديات)، كرفع اليدين إلى الآذان في حال التكبير، ورفعهما قبال الوجه في القنوت، وفي حالة الدعاء، وفي باب الحج، حيث إن من أشار إلى الصيد كانت عليه كفارة، وإشارة الأخرس في النكاح والطلاق وسائر المعاملات، والإشارة حين الوصية فيمن لا يتمكن من الكلام، كما في قصة أمامة حيث كانت تشير بالوصية كما ذكره المستدرك[6]، وكذلك إشارة المريض بعينه ـ مثلاً ـ تقوم مقام أعضائه في أداء أعمال الصلاة و...

وكذلك بالنسبة إلى غير الأخرس والمريض، فإن الإشارة كثيراً ما تؤدي نفس مؤدى الكتابة والعبارة، مما ذكر مفصلاً في مختلف الأبواب الفقهية.

أنواع الإشارة وأحكامها

مسألة: يرحج كون الإشارة بتمام الكف وشبهها، وتحرم فيما إذا تضمنت استهزاءاً وشبهه، وكان من عادة الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يشير بتمام كفه، لأن فيه نوعاً من الإحترام، كما أنه (صلى الله عليه وآله) إذا أراد التكلم مع أحد كان يتوجه إليه بكل بدنه لا برأسه فقط، لأن التوجه بكل البدن فيه نوع من الإحترام.

والإشارة في هذه الأماكن مستحبة، وقد تكون واجبة لأسباب عارضة، كما أن الإشارة الموجبة للإيذاء أو الإهانة محرّمة.

وقد كان من المحرّم على الرسول (صلى الله عليه وآله) الإشارة الخفية بعينه فيما يقصد إخفاءه عن جلسائه، كما ورد هذا الإختصاص في قصة الحكم بن العاص، حيث كان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أمر بقتله، لكن الأصحاب لم يقتلوه عندما حضر مجلس الرسول (صلى الله عليه وآله) واعتذروا أنه لم يشر إليهم بعينه فقال الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ حسب الرواية ـ: ألم تعلموا ان الإشارة بالعين محرّمة عليّ؟.

وكذلك فإن من الحرام خائنة الأعين، ومعنى خائنة الأعين: خيانتها في المحرمات؟ مثل: النظر إلى ما يحرم النظر إليه من النساء الأجنبيات، وبالعكس في الرجال وشبه ذلك، والفرق بين النظر وبين خائنة العين: إن النظر ليس فيه إخفاء، بينما (خائنة الأعين) يتضمن معنى الإخفاء.

والإشارة بأقسامها السابقة[7] لا فرق فيها بين الإشارة بالعين أو الرأس أو اليد أو اللسان أو الرجل أو غيرها، إذ أنها كلها مصاديق لتلك الكليات المحكومة بالحرمة أو الإستحباب أو الكراهة، ومن هذا الباب الهمز واللمز، ولذا قال سبحانه: ((وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ))[8].

رفع اليد حين الدعاء

مسألة: يستحب رفع اليد إلى السماء حين الدعاء.

وقد ورد التصريح بهذا في الحديث الشريف، معللاً بأن الأرزاق والمقادير الإلهية تنزل من السماء.

تقديم الميامن

مسألة: يستحب تقديم الميامن في الأعمال، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبدأ بميامنه، كما في الأحاديث[9] نعم ربما يستظهر من حديث تقديم الرجل اليسرى في حالة الخروج من المسجد[10] وفي حالة الدخول إلى بيت الخلاء، وكما يظهر من معتاد المتشرعة من تطهير الموضع باليد اليسرى: إن الأشياء غير الحسنة يكون الأفضل فيها استخدام اليد اليسرى، كما أنه كذلك بالنسبة إلى إعطاء الكتاب باليد اليسرى للمجرمين في الآخرة[11].

ولعل لتقديم اليمنى في مختلف الأمور[12] علّة ظاهرة وعلّة خفية، والله أعلم بالأحكام والمصالح.

أما الظاهرة: فربما لأن اليد اليسرى حيث كانت أقرب إلى القلب لم تحتج إلى الحركة والفعالية التي تحتاج إليها اليد اليمنى البعيدة عن القلب، حيث تحتاج إلى التحرك الأكثر كي تتوازن مع اليسرى في القوة والنشاط والحيوية.

وأما الخفية: فللتفاؤل باليمنى، فإن التفاؤل له شأن كبير في تحقيق الحياة السعيدة للفرد والأمة، بخلاف التشاؤم، ولذا ورد (تفاءلوا بالخير تجدوه) إذ التفاؤل يشجع على الإستمرار والإستقامة والمضي إلى الأمام، بينما التشاؤم والتطير وما أشبه يوجب العكس، ولذا ورد: (إذا تطيرت فامض)[13] إلى غير ذلك.

[1] القمر: 25.

[2] القمر: 26.

[3] مقتل الحسين ((عليه السلام)) للمقرم: 139 ط قم.

[4] نهج البلاغة: الخطبة 167.

[5] مريم: 29.

[6] راجع مستدرك الوسائل: 14/126 ب 41 ح 1. عن دعائم الإسلام 2/362 ح 1320.

[7] المحرمة والمستحبة والواجبة...

[8] الهمزة: 1.

[9] راجع وسائل الشيعة: 1/316 ب 34 ح 3 ط طهران.

[10] راجع جامع أحاديث الشيعة: 4/476 ب 21 ح 7.

[11] قال تعالى في سورة الحاقة: 25 ـ 26: ((وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه)).

[12] ومن ذلك التختّم باليمين، والمصافحة بها.

[13] تحف العقول: 50 ح 122 ط طهران.