المؤلفات |
(فلما اكتملنا جميعاً تحت
الكساء) (أخذ أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطرفي الكساء) (45) |
اجتماع القلوب والأجسام[1] |
مسألة: يستحب التجلي في التجمع وإظهاره زيادة على أصل الإجتماع، ولربما لذلك أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطرفي الكساء. فإن الأخذ بطرفي الكساء، أوجب للتجمع، وأدل على كثرة المحبة، فإنه إذا كان التجمع ألصق بعضه ببعض، كانت القلوب أقرب، ولربما كان لذلك استحباب أكل الجماعة من إناء وصحن واحد، ولعل لهذه الجهة أيضاً عبر القرآن الحكيم عن الزوجين بقوله: ((هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ))[2] ولذا يستحب ذلك هنا وفي غيره، بالملاك. ولا يخفى إن تجمع القلوب وتقاربها مبعث كل خير، لأنه يوجب التعاون على البر والتقوى والتقدم في الحياة، وربما يجتنب الإنسان كثيراً من المعاصي، كالغيبة والتهمة والنميمة وغير ذلك. ولتقارب القلوب أسباب ظاهرية وأخرى خفية وباطنية. فمن الأسباب الظاهرية: الإقتراب من الناس، لأن القرب منهم يوجب[3] محبتهم، وكثرة الإلتفاف بهم توجب مزيداً من الإحساس بآلامهم وآمالهم، وتستلزم التعرف على مشاكلهم، والتفاهم الأكثر معهم، ولذا نرى الحكومات الإستشارية دائماً تقترب من الناس، بخلاف الحكومات الديكتاتورية حيث تنقطع عن الناس، وتفرض حواجز بينها وبينهم، وهكذا الفرق بين كل استشاري وكل مستبد، أخذاً من رب العائلة إلى ما فوقه من التجمعات. وأما الأسباب الخفية والباطنة فمنها: الخوف من الله سبحانه، قال تعالى: ((لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ))[4] وقال (صلى الله عليه وآله): (بنيّة صادقة)[5] وفي الآية الكريمة: ((بِقَلْبٍ سَلِيمٍ))[6]. والإسلام يأمر بالأمرين معاً، ولذا أوجب بر الوالدين وصلة الرحم، وقد أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بعطف الكبير على الصغير، واحترام الصغير الكبير. والتجمع المتلاصق تحت الكساء من مظاهر التجمع الظاهري. وفي كثير من الأحاديث دلالة على أنهم (عليهم الصلاة والسلام) كانوا يجتمعون ـ في مناسبات مختلفة ـ حتى قبل خلق الخليقة في العرش كما ورد في الرواية[7]، وكذلك كانوا (عليهم السلام) يجتمعون في حال حياتهم وبعد مماتهم، كما اجتمعوا في مصرع الحسين (عليه الصلاة والسلام) ليلة الحادي عشر من المحرم كما ورد في المقاتل[8]. ومن المعلوم إنهم (عليهم السلام) ((أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ))[9] فلا عحب من ذلك. |
[1] حول هذا المبحث بنقاطه المختلفة يراجع للمؤلف: (الفضيلة الإسلامية)، (الفقه: الإجتماع) (الفقه: السياسة) (الفقه: الدولة الإسلامية) (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) وغيرها. [2] البقرة: 187. [3] بنحو المقتضي. [4] الأنفال: 63. [5] أمالي الصدوق: 65 ح 2 ط بيروت. [6] الشعراء:89. [7] راجع عوالم العلوم للبحراني 11/21 ب 2 ح 10 ط2. تحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عج) عن فضائل الشيعة. ورواه البحار 11/144 ح 9. [8] معالي السبطين 2/45 المجلس 12 ط قم. [9] آل عمران: 169. |