نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(يا ولدي ويا شافع أمتي) (35)

الاعتقاد بالشفاعة

مسألة: يجب الاعتقاد بالشفاعة، ولا يخفى إنها من ضرورات العقل قبل أن تكون من ضرورات الشرع، وهي من الفطريات، ومما تسالمت عليها الملل، والإختلاف إنما هو في المصاديق والخصوصيات وهي عبارة عن شفع شيء بشيء، ليتمكنا من الوصول إلى نتيجة مطلوبة، كما أن الإنسان يساعد الحمّال في حمله أو السيارة لتتحرك الماكنة، أو ما أشبه ذلك، ولقد قامت عليها الأدلة الأربعة، ويدل على كونها من ضروريات الشرع: الآيات والروايات المتواترة.

ومن أنكر الضروري، فإن رجع إنكاره إلى تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله) كان غير مرتد، على ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) وغيره في مبحثه، وقد ذكرنا حكم الإرتداد في الفقه وذكرنا شروطه هناك فراجع.

وكما يجب الاعتقاد بالشفاعة، يجب ـ من باب إرشاد الجاهل وهداية الغافل ـ على العالم بيانها للناس وإلفاتهم إليها.

الثناء بالحق

مسألة: يستحب الثناء بالحق والجهر بفضائل الآخرين، خصوصاً إذا كانت نافعة مستلزمة للحث نحو المكارم، ولذا قال (صلى الله عليه وآله) للحسن (عليه السلام): (صاحب حوضي) وللحسين (عليه السلام): (شافع أمتي) وكما قال الحسين (عليه السلام): (يا من اختاره الله).

ولا يخفى إن كلّ المعصومين (عليهم السلام) شركاء في جميع الفضائل والمناقب، كما يستفاد من مجموعة من الروايات، وإن تجلت بعضها في بعضهم[1] بمقتضى تنوع أدوارهم واختلاف ظروفهم ومسؤلياتهم، حتى بدا بعض الصفات ألصق ببعضهم من بعض، وأضحى بعضهم مظهراً لبعظها في الدنيا والآخرة. ولذا كان علي (عليه السلام) صاحب الحوض، وكلهم (عليهم السلام) واقفون على الحوض، وكلهم شفعاء، إلى غير ذلك.

وهذه الخصيصة إما في الكيفية أو في الكمية أو في الجهة أو في غيرها، وذلك كما أن هناك علاقة بين بعض الأشياء وبعضها الآخر في الخلقة تكويناً، فالدواء الفلاني للصفراء والدواء الآخر للسوداء، والنار توجب الحرارة، والثلج يبرد وهكذا.

وأولياء الله سبحانه كذلك، حيث إن كل إمام (عليه السلام) سبب ووسيلة لقضاء حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، كما يظهر من الروايات وإن كان الكل لكل الحوائج إقتضاءً وفعلية في الجملة.

وهل الترابط والعلائق بين سلسلة المقتضيات والأسباب والشرائط وبين مقابلاتها، سواءً في الماديات أم المعنويات، كان ذاتياً بسبب خصوصية في ذا وذاك، أم أنه بالجعل نظراً لتعلق إرادته تعالى بذلك، فكان من الممكن جعل الثلج والنار بالعكس في التأثير، وهكذا وهلم جرا؟

احتمالان، بل احتمالات[2].

ولا شك إن الله سبحانه قادر على ما يتصور من الممكنات، إلاّ أن الكلام في الكيفية الخارجية[3] والتي هي خارجة عن حدود علمنا.

الشفاعة للناس

مسألة: تستحب الشفاعة للناس إذا لم يكن هناك محذور.

وإنما يفهم من (شافع أمتي) استحباب الشفاعة للناس ـ بالإضافة إلى كونه كشف الكرب وقضاء الحاجة ـ لأن أهل البيت (عليهم السلام) لا يتصفون بصفة إلاّ كانت حسنة، مما يدل على ذلك، لفهم العرف الملازمة ولأدلة التأسيّ.

ولا يخفى إن الشفاعة ـ كما أشرنا إليها ـ عبارة عن شفع شيء بشيء، لنيل درجة أو قضاء حاجة، وذلك فيما كان المشفوع له، أهلاً للشفاعة وكانت للشفيع إمكانية ذلك، مثل مساعدة الحمال على حمل ثقله، فالحمال أهل للحمل والمساعد أهل للمساعدة، وهذا أمر عقلائي في الماديات والمعنويات.

لايقال: فما معنى قوله تعالى: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى))[4]؟

لأنه يقال: تأهيل النفس يعتبر نوعاً من السعي، فإن السعي قد يكون بالواسطة وقد يكون مباشرة، كما أن العلم الذي (نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه)[5] كما في الرواية، يعد نتيجة تأهيل الإنسان نفسه لذلك، وكما في قوله تعالى: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))[6].

لا يقال: قد نرى في الدين ما ليس من السعي كالإرث؟

لأنه يقال: إنه من سعي المورث، مثل الضيافة حيث إنها من سعي المضيّف، وكما في (المرء يحفظ في ولده)[7] والذي عليه بناء العقلاء وسيرتهم، وهكذا يمكن القول هنا، بأنه من سعي الشافع، فإذا لم تكن له الشفاعة لم يكن للشافع ما سعى.

أما احتمال إنه تخصيص، فغير ظاهر، لأن سياق الكلام يأبى عن التخصيص[8].

ثم إن شفاعتهم (عليهم السلام) بعضها بسبب إن الإفاضة من الله إلى المشفوع له بواسطتهم وبعضها بسبب مكانتهم وجاههم الذي حصلوه بالطاعة والعبادة، والتفصيل في كتب الكلام.

[1] كالصبر في الإمام الحسن ((عليه السلام)) والشجاعة في الإمام الحسين والعبادة في الإمام السجاد والعلم في الصادقين (عليهم السلام) وإن كان المتأمل يستطيع أن يستكشف من ومضات حياة كل واحد منهم كل تلك الصفات فيرى في الإمام علي ((عليه السلام)) القمة في الصبر والشجاعة والعبادة والعلم وهكذا وهلم جرا.

[2] منها: التوليد أو الإعداد أو التوافي.

[3] ومن مصاديقها ذاتية أو عرضية العلاقة بين العلة والمعلول، ودخول ما سبق في المتن في دائرة الممكن أو أنه مندرج في دائرة المحال.

[4] النجم: 39.

[5] بحار الأنوار : 70/140 ب 52 ح 5 (بيان). وفي 1/225 ح 17 عن الصادق ((عليه السلام)) قال لعنوان البصري: (يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه).

[6] الطلاق: 2 ـ 3.

[7] عوالم العلوم: 11/473 باب 21.

[8] حول هذا المبحث راجع (الفقه: الاقتصاد) للإمام المؤلف (قدس سره).