نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(فأقبل الحسن نحو الكساء) (21)

التوجه نحو العظيم

مسألة: يستحب الإقبال والتوجه نحو العظيم والوفود إليه، كما صنع الحسن والحسين وعلي وفاطمة (عليهم السلام).

فإن العظيم يُزار ولا يزور[1] إلاّ إذا كان مأموراً بالزيارة بنفسه، كما في رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث كان يزور لتبليغ رسالات الله أو للحسبة، وكذلك كان علي (عليه الصلاة والسلام) يدور في الأسواق للحسبة فيأمر وينهى، وقد وردت بذلك روايات متعددة.

وقد ورد في وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله): (طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه وأحمى مياسمه)[2] فإن كثيراً من الأطباء في العصور السابقة، وفي عصرنا الحاضر، في بعض البلاد كالهند والصين، يدورون في الأسواق والأزقة وعلى البيوت والمحلات وغيرها لأجل معالجة المرضى.

وكذلك كان الأنبياء والرسل يدورون في أماكن مختلفة، وكان عيسى (عليه السلام) ينتقل من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرض نفسه على القبائل قبيلة قبيلة ويذهب إلى هنا وهناك.

ومن المعلوم إن الوفود على التعظيم والاستماع له، سواء كانت عظمته معنوية أم علمية أم نحو ذلك، يوجب إستفادة الإنسان من معنوياته وعلومه وما أشبه، ولذا ورد: من مشى إلى العالم خطوتين، وجلس عنده لحظتين، وتعلم منه مسألتين، بنى الله له جنتين، كل جنة أكبر من الدنيا مرتين، وقد ذكرنا في بعض كتبنا أن الله سبحانه وتعالى لا منتهى لرحمته، كما أن الإنسان الذي يدخل الجنة لا منتهى لوجوده هناك زماناً، ولهذا فأمثال هذه الأحاديث ليست مستبعدة إطلاقاً.

وعدم تصديق بعض الناس لمثل هذه الأمور، أو زعمهم أنها غير مجدية، لا يغير هذه الحقيقة، فإن مَثل الآخرة بالنسبة إلى الدنيا، كمثل الدنيا بالنسبة إلى الطفل الذي في الرحم، فإذا قيل للطفل الذي في الرحم: إن الدنيا بهذه السعة وهذه الألوان والكيفيات والخصوصيات والمزايا، لا يكاد يصدق، بل ليس بمقدوره أن (يتصور) ذلك فضلاً عن (التصديق)، لأن الإنسان إنما يصدق ما ألفه واستأنس به، ولذا ورد إن الإنسان يرى في الآخرة: (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).

ثم إن استحباب الإقبال نحو العظيم ـ بالإضافة إلى أنه عقلي ـ مشمول لمثل قوله (عليه الصلاة والسلام): (ولم يوفر صغيركم كبيركم)[3] كما قال العكس مشمول لقوله (عليه الصلاة والسلام): (ولم يرحم كبيركم صغيركم)[4]، إلى غير ذلك من الأدلة في الجانبين.

ثم إن الإقبال نحو المعصوم (عليه السلام) والوفود إليه وزيارته، هو أجلى مصاديق هذا الأمر الراجح، ولا فرق في ذلك بين حالة حياتهم (عليهم السلام) وحالة مماتهم (عليهم السلام) وقد وردت روايات متواترة في فضل زيارة قبورهم (عليهم السلام) خاصة زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) فراجع.

[1] أي من شأنه ـ إكراماً لمكانته ـ أن يزوره الناس، وليس من الصحيح أن يتعامل الآخرون معه كمعاملتهم للأفراد العاديين، ولكن ذلك ليس بمعنى أن يتكبر على الناس فإن التكبر مذموم، بل هذا الكلام للإرشاد إلى ضرورة إكرامه وتعظيمه وعدم التوقع منه كما يتوقع من الآخرين.

[2] نهج البلاغة: الخطبة 108. وفيه: أحمى مواسمه.

[3] مستدرك الوسائل: 12/333 ب 39 ح 3.

[4] مستدرك الوسائل: 12/333 ب 39 ح 3.