نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(فقلت: نعم إن جدك تحت الكساء) (20)

الإجابة على الأسئلة

مسألة: تستحب الإجابة على سؤال السائل فإنه من مصاديق (قضاء الحوائج)، وقد يكون من صغريات (إرشاد الجاهل) و (تنبيه الغافل) ومن مصاديق (المعروف).

وهذا أيضاً ينقسم إلى الأحكام الخمسة كما ذكرناه في باب السؤال على تلك الوتيرة.

ويصح أن تكون الإجابة باللفظ أو الكتابة أو الإشارة، لأن الكل يفيد شيئاً واحداً.

نعم قد يكون بعضها أولى من بعضها الآخر، فإن في الجواب لفظاً إحتراماً لا يتحقق ـ عادة ـ مثله في الإشارة.

الوضوح والتعجيل والإيجاز

يستحب أيضاً التعجيل في الإجابة وبدون لبس أو إبهام[1] ولذا نرى إنها (عليها السلام) فور سؤال الحسن والحسين (عليهما السلام) قالت: (نعم إن جدك تحت الكساء)، و (ها هو مع ولديك تحت الكساء).

كما يرجح أن يكون الجواب على قدر السؤال[2] ولكن قد يكون تطويل الجواب وتفصيله مطلوباً، وإن كان أكثر من حدود سؤال السائل كما أنها (عليها الصلاة والسلام) قالت: (تحت الكساء) زيادة على المسؤول عنه[3] لمحبوبية التكلم مع المحبوب كما ذكره علماء البلاغة في قوله سبحانه: ((هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى))[4] حيث كان تكلمه مع الله سبحانه وتعالى محبوباً لموسى مع أن في إجابته: ((هي عصاي)) كفايةٌ في مقام الجواب على سؤال الله سبحانه وتعالى.

ولكن قد يكون السبب في إطالة الجواب على سؤال الله، جهة أخرى غير هذه الجهة التي ذكرها علماء البلاغة من محبوبية إطالة الكلام مع السائل وهي:

إن موسى (عليه السلام) أراد أن يعدد الفوائد، كي يستكشف أن الله سبحانه وتعالى أراد أية فائدة منها، حيث لم يكن هناك قرينة مقامية تعين المراد والهدف المقصود، كما إذا قال إنسان لشخص آخر بيده كتاب: ما هذا الذي بيدك؟

فيقول: كتاب فيه مختلف العلوم الأدبية من النحو والصرف والبلاغة والاشتقاق ونحوها، وهو بهذا يحاول أن يطلع السائل على محتويات الكتاب، حتى إذا كان مراده النحو أو الصرف أو البلاغة أو الإشتقاق، اشتراه أو استعاره أو ما أشبه ذلك، وإذا كان مراده اللغة أو التفسير مثلاً أو ما أشبه ذلك لم يأخذه، إلى غير ذلك من الفوائد المحتملة في إطالة السؤال أو الجواب، ولربما كان في إجابتها (تحت الكساء) جهة أخرى غير صرف محبوبية الكلام مع المحبوب فليدقق.

ثم إن الأفضل في الجواب ـ كما أشير إليه ـ أن يكون حسب مقتضى الحال من الإجمال أو التفصيل.

كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاب: نحن من ماء، في القصة المشهورة، لأنه (صلى الله عليه وآله) لم يرد أن يبين الخصوصيات، وقد صدق (صلى الله عليه وآله) لأن الإنسان مخلوق من ماء.

وقد لا يمكن التفصيل، لأن ذهن الطرف المقابل لا يستوعبه أو يتحمله كما قال سبحانه: ((يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي))[5] فإن الإنسان لا يستوعب حقيقة الروح، كما أنه لا يستوعب حقيقة النفس والعقل، وكثير من الصفات النفسية، كالغضب والحزن والصفات الأخرى، بل إن الإنسان يجهل حتى حقيقة نفسه[6]، وقد يكون من حكم ذلك: إن يعترف الإنسان بعجزه فيعدل عن غروره وكبريائه.

ولذا نحن نعيش سبعين أو ثمانين أو مائة، وربما مائة وخمسين سنة، وبعد ذلك كله لا نعرف كثيراً من حقائقنا الداخلية، إلاّ على نحو مجمل جداً، فما هو المخ؟ وما هو الكبد؟ وما هي الرئة؟ إلى غير ذلك.

نعم أنبياء الله والمعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين) يعرفون الشيء الكثير الكثير الذي لا نعرف منه حتى القليل القليل، وهذا بحث طويل مذكور في كتب علم (النفس الإنسانية) وفي كتب سائر العلوم المرتبطة بحقائق الأشياء.

وقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) الذي هو في أعلى مراتب العلم قائلاً: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً))[7].

وأخيراً فإنه يمكن الاسترشاد بهذه الرواية ـ حديث الكساء ـ ونظائرها لضرورة اهتمام الأبوين والأمهات بما يسأله الطفل، وعدم إهمال الإجابة على أسئلته ـ كما يفعله كثير من الآباء والأمهات ـ وقد ثبت علميا ما لذلك من التأثير الكبير على شخصية الطفل وفكره وسلوكه الحالي والمستقبلي.

[1] إذ ذلك من مصاديق (الإتقان) ى والتعجيل تعجيل في قضاء حوائج الإخوان.

[2] وذلك من (الحكمة).

[3] إذ ظاهر السؤال كان عن أصل وجوده (صلى اله عليه وآله).

[4] طه: 18.

[5] الإسراء: 85.

[6] كتب أحد علماء الغرب كتاباً أسماه: (الإنسان ذلك المجهول).

[7] طه: 114.