نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكِ يا فاطِمَةُ) (5)

ترتيب المطالب

مسألة: يرجح ترتيب المطالب على وجه يفيد مطابقة مرحلة الإثبات لمرحلة الثبوت، كما قالت (عليها السلام): (دخل عليّ أبي... فقال) فجاءت (سلام الله عليها) بفاء التفريع ولم تقل: (وقال) وفرقهما واضح.

فإن في اللغة العربية خصوصيات، حتى بالنسبة إلى الكلمة وجزء الكلمة، كما قالوا قوله سبحانه وتعالى: ((ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ))[1] مع أنه لا وجه ـ كما قد يتوهم ـ لحذف الياء، قالوا لأنه حكاية عن سرعة كلامه، حيث إن المسرع في كلامه يحذف بعض الكلمة، ولغتهم وإن لم تكن لغة العرب، لكن الله سبحانه وتعالى حذف الياء علامة على ذلك في لغتهم.

ومثلاً: قال علي (عليه الصلاة والسلام) فيما يروي عنه:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة ***ضرغام آجام وليث قسورة[2]

فإن الإمام (عليه السلام)، لم يرد ذكر المرادفات للأسد لمجرد التكرار والجمال، وإنما أراد خصوصيات الأسد في أحواله المختلفة، فإن كل أسم وضع لخصوصية من خصوصيات الأسد، فالأسد يسمى (حيدراً وحيدرة): حينما ينزل من مكان مرتفع كالجبل ونحوه، حيث يستلزم المهابة الشديدة.

ويسمى (ضرغام آجام) لأن الضرغام في الآجام يزأر فيمللأ الأجمة بصوته المرعب. ويقال له: ليث، باعتبار تلوثه بالفريسة، وهذا منظر مخيف جداً للفريسة وللإنسان الذي يشاهدهما.

ويسمى: قسورة، فيما إذا كان يطارد حيواناً أو قطيعاً من الحيوانات، فلذا قال سبحانه: ((كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ))[3].

وورد في بعض كتب العرب، أن امرؤ القيس قال قصيدة مطلعها: (دنت الساعة وانشق القمر) ثم نزل قوله تعالى: (اقتربت الساعة)[4]. فقال بعض أدباء الجاهليين: إن هذه الآية تمتاز بسبعين نكتة من حيث الفصاحة والبلاغة، على كلام امرء القيس.

استحباب الابتداء بالسلام

مسألة: يستحب الابتداء بالسلام حتى من الكبير على من دونه.

ولذا سلم الرسول وعليٌّ (عليهما السلام)، على فاطمة (عليها السلام)، بل في بعض الروايات: استحباب سلام الكبير على الصغير، وقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلم على الأطفال، وفيه من التواضع والتعليم ما ليس في عكسه.

وكذا الأمر في سلام الراكب على الراجل، إلى غير ذلك من أحكام السلام الكثيرة وقد جمعها ابن العم السيد عبد الهادي (قدس سره) في رسالة مستقلة أنهاها إلى الف مسألة.

وقد ذهبنا في (الفقه) إلى كفاية لفظ (سلام). و (سلاماً) في تحقق السلام، كما يدل على ذلك الإطلاقات والآية: ((قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ))، ويؤيده الإعتبار وسياتي تفضيل ذلك. فالمستفاد من الحديث استحباب السلام الكامل، لأنهم سلموا عليها (عليهم السلام) بالصيغة الكاملة[5]، بالإضافة إلى أنه نوع احترام، واحترام المؤمن، فكيف أمثالهم (عليهم السلام) من آكد المستحبات.

كما أن سلامهما عليها وجوابها لهما (عليهما السلام) دليل على استحباب سلام الصغير أيضاً، فليس خاصاً بالكبير، بل ربما يقال بوجوب جواب الكبير لغير البالغ أيضاً، كما تقتضيه الإطلاقات، آية وروايةً، فتأمل[6]. نعم حديث الكساء لا يدل على أزيد من الرجحان.

السلام على فاطمة (عليها السلام)

مسألة: يستحب السلام على فاطمة (صلوات الله عليها) حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (السلام عليك)، وقد دل عليه بعض الأحاديث أيضاً.

ولا فرق في ذلك (فيها وفي سائر المعصومين (عليهم السلام)) بين حيهم وميتهم، فهم حاضرون ناظرون ((أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ))[7].

سلام الرجل على المرأة

مسألة: يستحب سلام الرجل على المرأة إذا كانت من محارمه، ولذا سلم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) على فاطمة (سلام الله عليها).

أما في محارم: فلا إشكال.

وأما في غير المحارم: فإذا لم يكن بتلذذ وريبة، ولذا ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسلم على النساء، وعليٌّ (عليه السلام) كان يسلم على غير الشابة منهن، والسر: لكي لا يتخذ أسوة للآن مجتمع مكة كان يختلف عن مجتمع الكوفة، حيث تجمع فيه أخلاط من الناس، وكان من مظان افتتان الناس.

ومنه يعلم وجه سلام الصحابة على نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في بعض التواريخ، وعلى الزهراء (عليها السلام).

والظاهر الحرمة في سلام المرأة على الرجل الأجنبي، إذا كان عن تلذذ أو خوف ريبة، أما بدونهما فلا إشكال، ولذا كن يسلمن على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كما في بعض التواريخ.

نعم إذا سلم أحدهما على جماعة من مثله، وفيه الجنس المخالف، مثل الرجل على مجموعة من النساء والرجال ـ في قافلة مثلاً ـ أو المرأة على جماعة من الرجال والنساء، فهو أبعد من الفتنة والريبة.

وإذا لم يحرم السلام في موضع كان مستحباً، إلاّ في الموارد المكروهة، كما ورد في موارد خاصة مذكورة في كتب الأحاديث.

ثم إذا حرم السلام، فالظاهر عدم وجوب الجواب، لا نصراف أدلة الوجوب إلى السلام غير المحرَّم.

[1] الكهف: 64.

[2] الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ص 38 ط قم.

[3] المدثر: 50 ـ 51.

[4] القمر: 1.

[5] لأصالة الأسوة، والإلتزام بأن أفعالهم داخلة في دائرة الواجب أو المستحب، لا غير ومما يشهد له وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر، بأن تكون كل أفعاله لله [راجع تحف العقول: ص 54 ح 152 ط طهران]، وذلك في المباح ممكن أيضاً عبر النية فـ(انما الأعمال بالنيات) [وسائل الشيعة: 1/35ب 5 ح 10].

[6] قد يكون الوجه: رفع التكاليف عنه وبالنسبة إليه مطلقاً إلاّ ماخرج.

[7] آل عمران: 169.