المؤلفات |
(بِنتِ رَسُول اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّم) قَالَ سَمِعْتُ فاطِمَةَ أَنِّها قالَت) (2) |
رواية النساء |
مسألة: يستحب للنساء أيضاً رواية الأحاديث[1] لأنها (صلوات الله عليها) أسوة. فإنها (عليها السلام) وإن كانت معصومة ولها خصائص مثل حرمة زواج علي (عليه السلام) عليها ما دامت في قيد الحياة، إلاّ أن الظاهر من الأدلة إنهم (عليهم السلام) أسوة إلاّ فيما خرج بالدليل، وليس المقام من المستثنى. ويدل على كونها (سلام الله عليها) أسوة: إنها معصومة نصاً وإجماعاً وعقلاً، والمعصومة لا تفعل إلاّ ما يطابق رضى الله سبحانه، كما ورد في الأحاديث ما يدل على إنها أسوة[2]. وكذلك حال مريم الطاهرة (عليها السلام). وفي بعض الروايات: إنها (صلوات الله عليها) تعادل علياً (عليه السلام)[3]. وفي جملة من الروايات: إنها (سلام الله عليها) أفضل من غير أبيها (صلى الله عليه وسلم)[4]. كما يشهد به: (لم يكن لفاطمة كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه)[5]. وقال الحسين (عليه السلام): (أمي خير مني)[6] إلى غيرها من الروايات[7]. ومن الواضح إن ذلك ليس فقط لأجل علمها، وإن كان علمها في غاية السمو والرفعة، بل لأن الله سبحانه خلقها رفيعة، كما خلق الماء الحلو والذهب والشمس أرفع من المر والصخر والقمر، حيث إن نوره مستفاد من نور الشمس، وفي الحديث: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)[8]. لا يقال: فإذا خلقها الله كذلك فما هو فضلها؟. لأنه يقال: نقضاً: فما هو فضل الذهب والماء الحلو والأذكياء والعباقرة؟. وحلاً: بأن حكمة الخلق تقتضي خلق كل ما يمكن ـ من المجرة إلى الذرة ـ فإذا لم يخلق الله كذلك فلماذا؟ وإذا خلق كل شيء هكذا، فلماذا لا يخلق الأدون فالأدون وهكذا؟[9] ولا شك إن رفعة علمها أيضاً من أسباب رفعتها، وكذلك حال الأنبياء والأوصياء (خلقكم الله أنواراً)[10][11]. |
رواية الرجال عن النساء |
مسألة: يجوز رواية الرجال عن النساء في الجملة. لإطلاق الأدلة، بالإضافة إلى ما في هذا الحديث، كما يجوز العكس أيضاً. وهكذا رواية النساء عن النساء، والرجال عن الرجال، بالضرورة. والمراد بالجواز: الأعم من المباح والواجب والمستحب، كل حسب الموازين المقررة. والإسلام إنما منع ما منع لفلسفة، ولم يمنع مثل ذلك، وبذلك يظهر أن ما ورد في بعض الروايات: (صوت المـرأة عورة)[12] إنما هو مثل ما ورد مـن: (إن المـرأة عورة)[13] يراد به المنع عن الاختلاط والمفاسد، ولذا قال سبحانه: ((فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ))[14] ولم يقل: فلا تتكلمن. وتكلم الرجال مع النساء وبالعكس قامت عليه السيرة، والروايات دلت على ذلك أيضا. وذلك هو المراد بحديث: (أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل)[15]. فإن المراد من (أن لا يراها رجل): رؤية جسمها العاري وما أشبه مما منعه الإسلام، كما أن المراد من (أن لا ترى رجلاً) رؤيتها الجسم العاري من الرجل. وإلاّ فمن الواضح حضور النساء مجالس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدثهن معه (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك بالنسبة إلى علي (عليه السلام) وسائر الأئمة (عليهم السلام) مما هو كثير. ومن المعلوم إن أمثال هذه الإطلاقات ـ كسائر الإطلاقات ـ تُقَيَّد بما عُلم من الشريعة، وذكرها الفقهاء في الكتب الاستدلالية والرسائل العملية. |
رواية حديث الكساء |
مسألة: يستحب رواية حديث الكساء بصورة خاصة، وقد جرت عادة كثيرة من المؤمنين منذ مئات السنين على رواية هذا الحديث، في المحافل والمجامع بقصد التبرك وقضاء الحوائج. |
تسمية المرأة |
مسألة: يجوز للرجل تسمية المرأة في الجملة. فإن جابراً سمى الزهراء (عليها السلام) بالإسم، وكذلك كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) يسمون النساء، من (خديجة) (عليها السلام) ومن سبقتها من فضليات النساء أو شرارهن إلى آخر أم من أمهات الأئمة (عليهم السلام) وهي السيدة نرجس (عليها السلام) أمام الأقارب والأجانب. وقبل ذلك سمى الله سبحانه مريم الطاهرة في القرآن الحكيم، وهو يتلى آناء الليل وأطراف النهار. ومن الواضح أن ذلك ليس خاصاً بالله وبهم (عليهم السلام) ولذا ذكرهن علماؤنا الأعلام على المنابر وفي الكتب وغيرها. كما لا يحرم ذكر بعض الخصوصيات لهن، كارتفاع القامة والعمر ونحوهما، وإنما يستثنى (التشبيب) كما ذكر في الفقه. وكذلك لا إشكال في العكس بأن تسمي المرأة الرجل ـ محرماً أو غير محرم ـ لإطلاق الأدلة وعدم دليل على الحرمة، بل ولا كراهة، نعم الظاهر حرمة التشبيب أيضاً منها بالنسبة إليه، للملاك وإن لم يتعرض له المشهور من الفقهاء. وكذلك ما إذا كان ذكر الاسم إغراءاً، لا من جهة كونه ذكراً للاسم، بل من جهة العارض. وهل الاسم يعدّ من حقها بحيث إذا كرهت ذلك لم يجز الذكر، حيث إنه تصرّف في حق الغير أو لا؟. لا يبعد الثاني، وكذلك بالنسبة إلى من لم يرض ذكر اسمه من الرجال، إلاّ إذا كان هناك محذرو خارجي فالمنع بسببه لا بسبب ذكر الاسم. |
صوت الأجنبية |
مسألة: يجوز سماع صوت الأجنبية، حتى في غير مورد الضرورة، في الجملة، وإلاّ لما كانت فاطمة (سلام الله عليها) تروي لجابر (رحمه الله تعالى). أما الجواز فللأصل والسيرة والروايات المتعددة، في مكالمة النساء للرجال في غير مورد الضرورة، أما الضرورة فإنها تبيح المحرمات، كما ورد: ((إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ))[16] وفي الحديث: (ليس شيء مما حرم الله، إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه)[17] والمراد بالاضطرار هنا: الأعم من الإكراه، فإنهما يطلقان على كليهما في غير مورد المقابلة كالفقير والمسكين (إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا). نعم قد تقدم أن المحرّم هو الخضوع بالقول، للآية والرواية، ولا يبعد أن يكون ذلك أيضاً مقيداً بقوله سبحانه: ((فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ))[18] فإذا لم يكن هناك من كان ذلك لم يتم دليل على الحرمة حتى في صورة الخضوع. وعليه يحمل جعل الإمام الباقر (عليه السلام) مإلاّ للنوادب يندبنه في منى[19]، مع وضوح أن صوتهن كان مسموعاً من خلف الخيام. أما أن يكون ذلك استثناءاً من الخضوع، حتى عند من يطمع من مرضى القلب، فبعيد جداً. ولذا لم أجد من الفقهاء من منع قراءة النساء في مجالس العزاء، وإن كان الصوت يصل إلى مسامع الرجال، والمسألة بعد بحاجة إلى التأمل والتتبع. وهل العكس ـ بأن يخضع الرجل بالقول فتطمع أنثى في قلبها مرض ـ كذلك، أم بالنسبة إلى الذكور في من يطمع شذوذاً جنسياً؟ لا يبعد الثاني ملاكاً، أما الأول فبعيد، فتأمل. |
[1] قد يذكر الخاص بعد العام أو قبلة والصغرى بعد الكبرى لأهميتها أو لطرد احتمال الاستثناء أو لغير ذلك من الجهات وعلى ذلك جرى ديدن الكتاب، كما قد يتكرر ذكر المسألة تمهيدا لذكر فوائد جديدة وإضافات عديدة، وقد تذكر بعض المسائل باعتبارها كبرى لصغرى مذكورة في كلماتها عليها السلام. [2] راجع الاحتجاج: ص 467 ط مشهد. [3] راجع مناقب أبن شهر آشوب 3/349 ط قم. [4] راجع دلائل الإمامة للطبري: ص 28 ط نجف. ويستفاد من حديث المصحف وفيه: (كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله... والأنبياء والملائكة). [5] الكافي: 1/461 ح 10 ط طهران. [6] الإرشاد للشيخ المفيد: ص 232 ط بيروت. [7] والحديث عن ذلك تفصيلاً تجده في ثنايا الكتاب، وقد أشرنا إلى ذلك في المقدمة. [8] نهج الفصاحة ص 635 ح 3152 ط طهران. [9] أشار الإمام إلى أجوبة أخرى على هذا السؤال في العديد من كتبه ومنها (الفقه حول القرآن الحكيم) و(القول السديد في شرح التجريد) و(شرح المنظومة) وغير ذلك. ولعل مما يجاب به عن الإشكال: إن الله تعالى لعلمه بأن الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) سيكونون ـ في دار الدنيا ـ خير من سيخرج من الامتحان الإلهي، لذلك أفاض عليهم المزيد من لطفه وفضله وجعلهم من معدن أسمى وذلك كما أن الاستاذ لو اكتشف أن أحد تلامذته سيكون أشد الجميع اجتهاداً ومثابرة، فإن من الطبيعي ومن العدل أيضاً أن يوليه الأستاذ مزيداً من الاهتمام ويخصه ـ دون سائر التلاميذ ـ بمقدار أكبر من الوقت والتوجيه والعطاء ((أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها)) [الرعد: 17] وربما يفسر الأمر أيضاً بالنجاح في عالم الذر أو عوالم أخرى أسبق، مما سبب مزيداً من الإفاضة على الناجح، في العوالم اللاّحقة. [10] مفاتيح الجنان: ص 547 ط بيروت. [11] حول هذا المبحث راجع (الفقه: البيع) و(القول السديد في شرح التجريد) للمؤلف و(عبقات الأنوار) لمير حامد حسين الموسوي الهندي و(إحقاق الحق) للتستري و(البحار). [12] عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى النساء عن إظهار الصوت إلاّ من ضرورة). مستدرك الوسائل: 14/280 ب 90 ح 5 ط قم. [13] عن الصادق (عليه السلام): (اتقوا الله في الضعيفين يعني بذلك اليتيم والنساء وإنما هن عورة) الكافي: 5/511 ح 3. [14] الأحزاب: 32. [15] مناقب أبن شهر آشوب 3/341 ط قم. ورواه عنه البحراني في العوالم ج 11/128 ح 3. [16] الأنعام: 119. [17] وسائل الشيعة: 3/270 ب 12 ح 6 ط اسلاميه. [18] الأحزاب: 32. [19] الكافي: 5/117 ح1: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي أبي: يا جعفرأوقف لي من مالي كذا وكذا من النوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى). |