![]() |
|
من مفارقات العراق الغني!! "أبو الأيتام" يوقف معاناة تلاميذ بدراجات هوائية
موقع الإمام الشيرازي 28/جمادى الأولى/1447
يقول الله تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الحجر:92)، ويقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم" (نهج البلاغة: خطبة 167)
في مبادرة إنسانية تضيء عتمة الإهمال الحكومي، قام الأكاديمي العراقي هشام الذهبي، المعروف بلقب "صانع الأمل" و"أبو الأيتام"، بتقديم 200 دراجة هوائية وخوذ واقية لطلاب مدرسة في محافظة ذي قار. وجاءت هذه اللفتة لـ إنهاء معاناة تلاميذ أطفال يقطعون سيراً على الأقدام مسافات تصل إلى خمسة كيلومترات يومياً للوصول إلى مدارسهم، في تناقض قاسٍ مع الثراء الهائل لبلادهم. أرقام صادمة وتناقض موجع إن مبادرة الذهبي لا تسلط الضوء فقط على إهمال مدرسة واحدة، بل تكشف عن حجم المأساة التي يعيشها قطاع عريض من الأطفال. فإن معاناة الأطفال؛ خاصة تلاميذ المدارس، باتت حديث الناس. فإن من غرائب العراق، أنه بلد يطفو على بحر من النفط، ويملك تاريخاً علمياً وثقافياً عريقاً، لكن نظامه التعليمي يعجز عن توفير أبسط مستلزمات الدراسة لتلاميذ المدارس؛ فالكتب المدرسية غير متوفرة، أو تتأخر وزارة التربية في توزيع الكتب لأسابيع، ما يجبر الأسر على شرائها بأسعار مرتفعة من السوق. أما القرطاسية، فقد تحولت إلى عبء مالي يثقل كاهل العائلات، حتى أن بعض الآباء يضطرون لتقليص نفقات الغذاء أو الدواء لتأمين حاجات أبنائهم الدراسية. أما نقص المدارس، وتراكم أكثر من خمسين تلميذا/طفلاً في صف صغير، وضعف الخدمات الأساسية، فقصتها طويلة ومريرة. إنها مأساة لا تحدث إلا في بلد أنهكه الفساد حتى النخاع. في السياق، هذا الواقع المأزوم لأطفال العراق يذكّر أيضاً بشريحة كبيرة من الأيتام. فإنه وفقاً لبيانات المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق (IHCHR) ومنظمات دولية، فإن عدد الأيتام يبلغ حوالي 5 ملايين طفل، وهو ما يمثل نحو 5% من إجمالي الأيتام في العالم. في الوقت أن مئات الآلاف من هؤلاء الأطفال يعملون في سوق العمل، وقد يفتقر نحو 45 ألف طفل منهم إلى الأوراق الثبوتية الرسمية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والضياع. أين سيرة الإمام أمير المؤمنين؟ يكتسب هذا المشهد قيمة أعمق ومرارة أكبر عند مقارنته بما يدّعيه المسؤولون في العراق، الذي يُعَد من أكثر بلدان العالم بعدد وحجم المناسبات والعطل الدينية. فلطالما زعم المسؤولون والحزبيون أنهم يسيرون على نهج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المعروف بـ "أبو الأيتام وكافل الأرامل"، والزهد والتواضع، ورمز العدالة الاجتماعية. بالتالي، فإن معاناة هؤلاء الأطفال الجائعين أو السائرين في بلد تطفو على بحر من النفط، تستدعي التذكير بجانب من سيرة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كان يتفقد الأرامل والأيتام ليلاً، وحين وجد أماً تحاول تسلية أطفالها الجياع بوعاء ماء يغلي، حمل الطحين والسمن بنفسه على ظهره رافضاً مساعدة خادمه قنبر، قائلاً: "أنا أوْلى بحمله منك". وفي قصة عجيبة أخرى تكشف الخلق الإنساني العظيم لأمير المؤمنين وعطفه الأبوي؛ حيث انحنى فيها الإمام ليُرْكِب طفلاً يتيماً يريد اللعب على ظهره، حتى غفا الطفل على ظهر "حاكم الدولة، وكافل الأمة". هذه القصص المدهشة التي يرددها المسؤولون والحزبيون عادة، خاصة في مواسم الانتخابات والمناسبات الدينية، يجسد جانباً منها هشام الذهبي في الشوارع، بينما ينام أطفال الأيتام وهم يكابدون مشقة الطريق ليلاً ونهاراً. منقذ لجيل ضائع ويُعَدّ الذهبي نموذجاً نادراً للعطاء المستدام، فمؤسسته "البيت العراقي للإبداع" ليست مجرد مأوى، بل مصنع للأمل والتغيير. ومنذ تأسيسه عام 2004، اعتمد الذهبي على تبرعات الخيرين لـ: * إيواء ورعاية مئات الأيتام والمشردين، الذين وجدوا أنفسهم وحيدين بسبب الحروب والنزاعات. * توفير التعليم والرعاية النفسية؛ فبدلاً من أن يصبحوا عمالة رخيصة أو ضحايا للشارع، تخرج العشرات من "البيت العراقي" ليصبحوا أفراداً ناجحين ومبدعين في المجتمع العراقي. * تحويل الحزن إلى طاقة إيجابية؛ حيث يركز الذهبي على دعم مواهبهم وقدراتهم، ليصبح عدد كبير منهم نماذج يُحتذى بها في مختلف المجالات. وفي الوقت الذي يُذكَر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) محذراً من أن "ظلم اليتامى والأيامى ينزل النقم، ويسلب النعم". ووصيته: "الله الله في الأيتام، لا تغبوا أفواهم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فإني سمعت رسول الله يقول: مَنْ عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار" (مستدرك الوسائل: ج13 - ص192) .. في هذا الوقت؛ يظل السؤال معلقاً: هل يحتاج العراق، بثرائه الهائل، إلى مبادرات فردية لتأمين دراجة هوائية بسيطة لأبنائه، بينما تُنهَب المليارات وتضيع الأيتام؟!! |