![]() |
|
احتجاجات أوروبية واسعة تطالب بتصنيف الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً
موقع الإمام الشيرازي 24/جمادى الأولى/1447
شهدت مدن أوروبية عدة خلال الأيام الماضية موجة احتجاجات منسّقة تطالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة بإدراج تنظيم "الإخوان المسلمين" على قوائم الإرهاب الدولية. وانطلقت أولى الفعاليات في فيينا وبراغ في 12 نوفمبر، ثم امتدت إلى لندن وباريس وبرلين في 15 منه، لتستمر بعدها في جنيف ودبلن وأمستردام وبروكسل تباعاً. ووفق منظّمي الحملة، فإن الهدف هو رفع الغطاء القانوني والسياسي عن التنظيم، وفرض قيود مشددة على أنشطته وشبكاته المالية داخل أوروبا. وتطالب الاحتجاجات بتجميد أرصدة الجماعة، ووقف تحويل الأموال التي يُشتبه في توجيهها لجهات متطرفة في مناطق مختلفة من العالم، إضافة إلى فرض حظر سفر على قادة التنظيم وملاحقة من تورّط منهم في العنف أمام القضاء الدولي. المحتجون رفعوا شعارات تدعو إلى كشف ما وصفوه بـ"الوجه الحقيقي لأيديولوجية التنظيم"، مؤكدين أن الإخوان يعملون داخل أوروبا بواجهات خيرية وتعليمية وسياسية، لكنها تُستخدم وفق قولهم للتأثير على الجاليات المسلمة وخلق عزلة ثقافية تُسهّل التجنيد الفكري نحو التطرف. وتطالب الحملة أيضاً بتعزيز التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني من أجل حماية الشباب من الخطاب المتشدد، وتوفير الدعم لضحايا العنف الذي ارتكبته جماعات مرتبطة بفكر التنظيم في بلدان الصراع. أيديولوجيا متطرفة .. لا تمثل الإسلام وفقاً لإعلامها، حملة الاحتجاجات الأوروبية توجه رسائل حاسمة تحذر من الفكر المنحرف الذي يستخدم الدين لأغراض سياسية أو ذاتية، وتؤكد أن هذا كله يخالف جوهر الإسلام وقيمه الإنسانية العليا. كما تؤكد حملة الاحتجاجات بقوة أن التنظيمات المتطرفة لا تمثل المسلمين بأي حال، وأنها تشوه الإسلام في أوروبا وتسعى الى تدمير التعايش بين الأديان والثقافات، مشددة على أن توظيف الدين لمصالح خاصة يناقض تماماً التسامح والرحمة والعدل التي يدعو إليها الإسلام. وتوضح أن هذه الجماعات المتشددة لا تعكس بأي شكل صورة المسلمين المعتدلين، وأن هدفها الأساسي من تشويه الدين هو نشر الفتنة وهزّ الثقة بين المجتمعات والطوائف المختلفة. في السياق، فإن أسباب هذا التصعيد الأوروبي ضد الإخوان المسلمين، يعود المحللون إلى الخلفية الفكرية للإخوان التي تُتهَمَ تاريخياً بتوفير أرضية خصبة للتطرف رغم خطابها السياسي المعتدل ظاهرياً. فالتنظيم، الذي أسسه حسن البنا عام 1928، اعتمد منذ بداياته على بنية هرمية مغلقة، وأنشأ الجهاز الخاص (التنظيم السري) الذي تورّط في عمليات اغتيال وصدامات سياسية في منتصف القرن الماضي. أما المنظّر الأكثر تأثيراً، سيد قطب، فقد قدّم مفاهيم "الحاكمية" و"جاهلية المجتمع" و"التكفير السياسي"، والتي أصبحت لاحقاً الأساس النظري الذي اعتمدت عليه تنظيمات القاعدة والجماعات الجهادية الحديثة. ومن هذا المنطلق، يرى عدد من الأجهزة الأوروبية أن "الإخوان يشكّلون بيئة فكرية تمهّد للتطرف"، حتى إن لم يمارس التنظيم العنف بشكل مباشر داخل أوروبا. يوسف القرضاوي… مفتي الفتنة والدم ومن أبرز الشخصيات التي يتوقف عندها المراقبون، يوسف القرضاوي، الذي يُعد المرجعية الدينية الأهم للتنظيم لعقود. فقد أصدر سلسلة من الفتاوى التي شرعنت العنف بعد 2003، واعتبر العمليات الانتحارية في العراق "جهاداً مشروعاً". بالرغم من أن تلك العمليات كانت تستهدف الشيعة في الشوارع والأسواق والمستشفيات والحسينيات، وأيضاً في أثناء الزيارات المليونية، زيارة الأربعيين على وجه الخصوص. وقد أسهمت فتاوى القرضاوي في إذكاء الانقسام الطائفي وسفك الدماء في العراق، في وقت كان هذا المفتي الدموي يُستَقبَل بحفاوة - مرات ومرات - في دمشق (إبان حكم بشار الأسد)، كما تستضيفه جهات شيعية - في كل عام - في العاصمة اللبنانية بيروت، بوصفه "رمزاً إسلامياً للمقاومة". هذا الإرث - بحسب خبراء أوروبيين - وظف عبر منصات ومؤسسات مرتبطة بالتنظيم داخل القارة الأوروبية، ما دفع بعض الحكومات إلى اعتبار أن "الخطر الحقيقي للإخوان المسلمين ليس في العنف المباشر، بل في إنتاج بيئة فكرية تُشرعن الانتقال إلى العنف". لماذا تتحرك أوروبا الآن؟ تتفق التقارير الأمنية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا في تقييمها لـ"الإخوان المسلمين" على ثلاثة عوامل رئيسية: * الخطاب المزدوج؛ حيث خطاب معتدل للإعلام والسلطات، مقابل خطاب هوياتي انعزالي فتنوي متشدد داخل بعض المراكز الدينية. * وجود جمعيات تُستَخدَم كواجهات لتحويل الأموال نحو جماعات متطرفة خارج أوروبا. * نشاط مؤسسات عديدة مرتبطة بـ "الإخوان المسلمين" داخل أحزاب وبرلمانات محلية. وهكذا، فإن الاحتجاجات الأوروبية تعكس تحوّلاً واضحاً في موقف أوروبا من "الإسلام السياسي." فإن "الإخوان المسلمين"، الذين وُصِفوا لعقود بأنهم "الإسلام المعتدل"، يواجهون اليوم ضغطاً شعبياً ورسمياً يطالِب بتصنيفهم كـ "تنظيم إرهابي"، وتجفيف منابع تمويلهم، ووقف قدرتهم على التأثير داخل المجتمعات الأوروبية. بالتالي، إذا استمر هذا الزخم، فقد يكون العالم أمام مرحلة جديدة في التعامل الدولي مع هذا التنظيم، عنوانها هو تشديد الرقابة، ومحاصرة الشبكات المالية، واستعادة الفضاء العام من الخطابات الدينية المتطرفة.
|