شباب عراقيون شيعة في جحيم أوكرانيا


 

 

موقع الإمام الشيرازي

7/ربيع الثاني/1447هـ

 

 

في أعماق الخنادق الأوكرانية، حيث تتردد أصداء المدافع والطائرات بدون طيار، يقاتل عشرات إن لم يكن مئات الشباب العراقيين الشيعة إلى جانب الجيش الروسي. هؤلاء الشباب، الذين يأتون غالباً من مدن الوسط والجنوب الفقيرة، لم يحلموا يوماً بأن يصبحوا وقوداً لحرب لا شأن لهم بها. إنهم ضحايا سلسلة من التلاعبات السياسية والاقتصادية، حيث يتحالف الفقر المزمن في العراق مع شبكات تجنيد عراقية (بغطاء سياسي) بدعم من دول، لتحويل أحلام البحث عن عمل إلى كوابيس من الدماء والموت.

الوقوع في الفخ

بدأت القصة في أروقة موسكو والقرى الروسية البعيدة، حيث يصل الشباب العراقيون عبر تأشيرات سياحية أو وعود زائفة بعقود عمل كسائقين أو طهاة في مطاعم أو مصانع. يروي عباس الحمدالله، المعروف على وسائل التواصل بـ"عباس المناصير"، وهو عراقي انضم إلى الجيش الروسي في 2022، كيف لاحظ إعلاناً مضيئاً على هاتفه في مطعم في موسكو يعد برواتب شهرية تصل إلى 2000-3000 دولار، بالإضافة إلى الجنسية الروسية بعد الخدمة. "كان الإعلان يعد بالحياة الجديدة، لكنني وجدت نفسي في باخموت، أقاتل في الطين والنار"، يقول عباس في مقابلة مع "الحرة"، محذراً الشباب العراقيين: "فكروا ألف مرة قبل هذه الخطوة".

وفقاً لتقارير من لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، يقدر عدد العراقيين الذين انضموا إلى صفوف روسيا بحوالي 1000 إلى 2000 مقاتل، معظمهم شيعة من خلفيات فقيرة، ومعظمهم قُتِلَ في المعارك (حوالي 200 قتيل). هؤلاء ليسوا متطوعين أحرار؛ إنهم ضحايا تجنيد منظم. في 29 سبتمبر 2025، حكمت محكمة النجف على رجل عراقي يدعى ريسان فلح كامل بالسجن المؤبد بتهمة الاتجار بالبشر، بعد أن شكل مجموعات من الشباب وأرسلها إلى روسيا للقتال مقابل المال أو وعد بالوصول إلى أوروبا. "كان يستغل اليأس، يعد بالعمل ثم يحولهم إلى مقاتلين"، قال مسؤول أمني في النجف.

فقر وتلاعب سياسي

لماذا يغامر هؤلاء الشباب بحياتهم في حرب بعيدة؟ المبررات "التعيسة"، كما يصفها محللون سياسيون، تكمن في الفقر المدقع في العراق، بلد الثروات الهائلة من النفط الذي يتدفق ملايين الدولارات يومياً، لكنه يفشل في توفير فرص عمل لشبابه. معدلات البطالة بين الشباب العراقيين تتجاوز 40% في المناطق الشيعية الجنوبية، حيث يعاني ملايين من الفقر والبطالة المزمنة. "التخطيط الاقتصادي الضعيف والفقر العالي يجعل الشباب فريسة سهلة للتجنيد، كما حدث في حروب الوكالة السابقة"، يقول الخبير السياسي جعفر زيارة.

لكن الفقر وحده لا يكفي؛ هناك تلاعب سياسي واضح. روسيا، المحاصرة بسبب الحرب في أوكرانيا، تعتمد على "اللحم الرخيص" من الدول الفقيرة، مستغلة الشبكات الإجرامية لجذب المقاتلين بوعود كاذبة.

واضح، وجود تورط "إسلامي/سياسي"، كما يصفه مراقبون، يثير غضباً داخل العراق. منظمات حقوقية مثل مركز العراق لحقوق الإنسان تتهم فصائل مسلحة بالاستغلال، مشيرة إلى أن هذا ينتهك الدستور العراقي الذي يحظر المشاركة في صراعات خارجية. "هؤلاء الشباب يبحثون عن فرصة في بلدهم، لكنهم يُرسلون إلى مجزرة"، يقول علي العبادي، رئيس المركز.

قضية إنسانية وأخلاقية

هذه ليست مجرد قصة حرب؛ إنها مأساة إنسانية تكشف عن فشل الدولة العراقية في حماية مواطنيها. مئات الشباب، باحثون عن لقمة عيش في بلد يصدر نفطاً بمليارات الدولارات، يجدون أنفسهم في خنادق أوكرانيا، يُقتَلون أو يُعَذَّبون. الحكومة العراقية أصدرت تحذيرات، لكنها غير كافية؛ لا توجد حملات توعية قوية أو عقوبات على المتورطين في التجنيد.

من الناحية الأخلاقية، هذا التورط يناقض قيم الإسلام التي ترفض الاعتداء والحروب غير العادلة. بالتالي، كيف يمكن تبرير إرسال شباب شيعة ليصبحوا أدوات في حرب إمبريالية روسية؟ إنه تلاعب بالأرواح، حيث تُباع دماء الشباب وتُزهَق مقابل تحالفات سياسية قذرة.

وهكذا، يظل السؤال: متى ستوقف حكومة العراق هذا النزيف؟ هل ستستثمر ثرواتها في شبابها بدلاً من تركه فريسة للمتاجرين بالحروب؟ قصص مثل قصة عباس المناصير، الذي نجا وعاد ليحذر الآخرين، تذكير مؤلم بأن الحل يكمن في بناء اقتصاد عادل، لا في إرسال الشباب إلى حرائق لا تنتمي إليها. حتى ذلك الحين، تستمر المأساة، وتتردد أصداؤها من بغداد إلى كييف.

* هذا التقرير مبني على تقارير من الجزيرة، ويورونيوز، والحرة، ومنتدى الشرق الأوسط، مع تحليل يركّز على الجوانب الإنسانية والأخلاقية.