لا حرية حقيقية للناس دون حرية حقيقية للصحافة


العراق ما زال مصنفاً من بين دول العالم شديدة الخطورة على حياة الصحفيين أو على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وذلك بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2025

 

موقع الإمام الشيرازي

 

تُعَد حرية الصحافة، كما ورد في تعريفها، حقاً أساسياً يكفل حرية التعبير والنشر دون تدخل مفرط من الدول، ويحميها الدستور والقانون في المجتمعات الديمقراطية. هذا المبدأ، الذي تبنته السويد كأول دولة في العالم عام 1788، يهدف إلى تمكين الصحفيين من نقل الحقائق، ومراقبة السلطة، والدفاع عن حقوق المجتمع، وتعزيز النقاش العام. لكن الواقع العالمي يظهر فجوة كبيرة بين هذا المبدأ والممارسة.

في السياق، حذَّر الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو من أن "حرية الصحافة تواجه تهديدا غير مسبوق".

جاء ذلك في رسالة بمناسبة "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، أمس، أكد فيها أن "حرية الناس مرهونة بحرية الصحافة" في ظل عالم يعاني من النزاعات والانقسامات، معتبرا أن الصحافة الحرة والمستقلة خدمة عامة أساسية "والعمود الفقري الذي تستند إليه مبادئ المساءلة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان".

وقال الأمين العام إن عمل الصحفيين يزداد صعوبة وخطورة عاما تلو العام، فيما يتعرضون للاعتداءات والاحتجاز والرقابة والترهيب والعنف والموت، لمجرد قيامهم بعملهم، ويزداد عدد القتلى في صفوفهم في مناطق النزاع، "ولا سيما في غزة".

ويمثل اليوم العالمي، الذي يتم إحياؤه في 3 أيار/مايو من كل عام - تذكيراً للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، وكما أنه يوم للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة، وفرصة تقييم حالة حرية الصحافة والدفاع عن وسائل الإعلام ولإحياء ذكرى الصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في أداء واجباتهم.

وعلى الرغم من الاحتفاء العالمي بهذا اليوم والمساعي الدولية لحماية حرية الصحافة، فإن الكثير من الدول ومنها العراق لا تزال لم تتخذ خطوات جادة تجاه الجرائم المتكررة ضد حرية الصحافة.  

وهكذا، يواجه الصحفيون في العراق واقعاً مأزوماً في ظل غياب البيئة الآمنة للعمل وسط انتهاكات وتحديات مختلفة، من مضايقات ومحاولات تكميم الأفواه بالتهديد أو التضييق أو التصفية الجسدية، إلى استدعاءات قضائية وضغوط أمنية، ومنع التغطيات ومصادرة المعدات وغيرها.

وقد صُنف العراق من بين دول العالم شديدة الخطورة على حياة الصحفيين أو على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وذلك بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2025.

من جهته، يؤكد رئيس "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق"، فاضل الغرّاوي، أن "الصحفيين في العراق هم الفئة الأكثر عرضة للانتهاكات مقارنة بالإعلاميين، نظراً لطبيعة عملهم المرتبط بالتقارير الاستقصائية وتغطية القضايا السياسية والأمنية الحساسة، وهو ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع مصادر النفوذ والسلطة".

ويضع مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 العراق في المرتبة 155 عالمياً.

وبيّن الغرّاوي، أن العراق لا يزال يسجل أعلى عدد من الصحفيين الشهداء عالمياً خلال الثلاثين عاماً الماضية، بواقع أكثر من 340 صحفياً من أصل 2660 صحفياً قتلوا عالمياً خلال الفترة ذاتها.

ودعا الغرّاوي، الحكومة العراقية ومجلس النواب والمؤسسات المعنية كافة، إلى الإسراع بتشريع قانون "حق الحصول على المعلومة" لضمان حرية الوصول إلى المعلومات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، مشدداً على أهمية تشريع قانون شامل لحماية الحريات الصحفية، وتوفير بيئة قانونية آمنة للصحفيين.

مع ذلك، تظل الصحافة الحرة والمهنية حجر الزاوية لمجتمعات واعية وحرة وحيّة ومسؤولة. ورغم التحديات السياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية التي تواجهها، فإن الطموحات لتعزيز حريتها ومهنيتها تبقى ممكنة من خلال تعاون عالمي وإرادة سياسية قوية. في "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، يُذكّرنا شعار "المعلومات كمنفعة عامة" بأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية ومجتمعية تتطلب حماية مستمرة وتطويراً دائماً لتظل صوت الحقيقة ومرآة المجتمع، والشعلة التي تضيء طريق الحرية والسلام والكرامة الإنسانية.

6/ ذو القعدة / 1446هـ