![]() |
وفقاً لموقع "نومبيو" المعيشة في العراق أقل تكلفة من دول الخليج.. ولكن! العراق بلد غني، لكنه يعاني من سوء الخدمات وإدارة الموارد، والفساد، وهشاشة في الأمن في بعض المناطق، والسلاح المنفلت، بالإضافة الى ضعف في تطبيق القانون وتحقيق العدالة. هذا يجعل تكلفة المعيشة ليست مجرد مسألة أرقام، بل تجربة يومية صعبة لمعظم العراقيين
موقع الإمام الشيرازي
صدر عن موقع "نومبيو"، المتخصص في رصد مستويات المعيشة حول العالم، تقرير بشأن تكلفة المعيشة في الدول العربية، حيث جاء العراق في المركز السابع عربياً من ناحية ارتفاع تكلفة المعيشة. وبحسب التقرير، فإن تكلفة المعيشة للفرد في العراق تبلغ 695 دولاراً شهرياً، ما يضعه في المرتبة السابعة بين الدول العربية من حيث الغلاء. وتصدرت قطر القائمة كأغلى دولة عربية في تكلفة المعيشة، حيث بلغ متوسط الإنفاق الشهري للفرد فيها 1,098 دولاراً، تلتها الإمارات بمتوسط 1,089 دولاراً، ثم لبنان بـ 882 دولاراً، فالكويت بـ 885 دولاراً. أما السعودية، فجاءت في المرتبة السادسة بتكلفة شهرية قدرها 810 دولارات للفرد، تليها العراق، ثم الأردن التي سجلت 607 دولارات شهرياً. وجاءت مصر في المرتبة التالية بتكلفة معيشة قدرها 562 دولاراً، ثم الجزائر بـ476 دولاراً، تليها تونس بـ 460 دولاراً، فيما سجلت المغرب أدنى تكلفة معيشة بين الدول العربية عند 450 دولاراً شهرياً للفرد. هل هذا التقييم يطابق الواقع؟! موقع "نومبيو" يذكر أن مستوى المعيشة في قطر والإمارات ولبنان والكويت ثم السعودية، أغلى من مستوى المعيشة في العراق! لكن؛ أليس من الصحيح أن ينظر الموقع الى مستوى متوسط الدخل، والخدمات التي توفرها الحكومة للخروج بتقييم أكثر قرباً ومطابقة للواقع. مثلاً، في السعودية متوسط الدخل أعلى، والخدمات أفضل وأكثر وأقل تكلفة، وبعضها مجاناً. إذن، كيف يكون مستوى المعيشة في قطر والإمارات ولبنان والسعودية، على سبيل المثال، أعلى تكلفة من العراق؟ موقع نومبيو (Numbeo) هو قاعدة بيانات تعتمد على تجميع بيانات من المستخدمين حول العالم بشكل جماعي (crowdsourced)، بالإضافة إلى بعض المصادر الرسمية التي يتم جمعها يدويًا. هذا يعني أن البيانات قد تكون مفيدة كمؤشر عام، لكنها ليست دقيقة بشكل مطلق لعدة أسباب: تفاوت المساهمات: البيانات تعتمد على إدخالات المستخدمين، وقد تختلف جودتها وعددها بين الدول. في بعض الدول مثل العراق، قد تكون البيانات محدودة أو غير شاملة لجميع المناطق. التقلبات الاقتصادية: تكاليف المعيشة تتغير بسرعة بسبب التضخم، تقلبات العملة، أو الأحداث السياسية والاقتصادية. المنهجية: "نومبيو" يقيس تكلفة المعيشة بناءً على سلة استهلاكية تشمل الإيجار، الطعام، النقل، والخدمات الأساسية. لكنه لا يأخذ بالضرورة في الاعتبار الفروقات في مستويات الدخل أو جودة الخدمات الحكومية بشكل مباشر. تفسير الأرقام "موقع نومبيو" يقيس التكلفة المطلقة لسلة استهلاكية (طعام، إيجار، نقل، خدمات) بالدولار الأمريكي. هذا يعني أن الدول التي لديها أسعار أعلى للسلع والخدمات (مثل السعودية بسبب اقتصادها المرتبط بالنفط، ارتفاع أسعار العقارات في الرياض وجدة، والاعتماد على الواردات) ستظهر "أغلى". العراق، رغم تحدياته، قد يكون أقل تكلفة بسبب انخفاض أسعار بعض السلع الأساسية أو الإيجارات في مناطق معينة. متوسط الدخل في السعودية أعلى بكثير من العراق. وفقًا لتقديرات عام 2025، نصيب الفرد من الناتج المحلي في السعودية يقارب 20,000 دولار سنويًا، بينما في العراق حوالي 5,760 دولارًا. هذا يعني أن السعوديين لديهم قدرة شرائية أعلى، مما يجعل تكلفة 810 دولارات شهريًا أقل تأثيرًا على حياتهم مقارنة بـ695 دولارًا في العراق، حيث الدخل أقل. السعودية توفر خدمات عامة (صحة، تعليم، دعم الوقود) بجودة أعلى وتكلفة أقل (أو مجانية في كثير من الحالات) مقارنة بالعراق، الذي يعاني من نقص في البنية التحتية والخدمات العامة. "نومبيو" لا يأخذ جودة الخدمات الحكومية في الحسبان بشكل مباشر، بل يركز على التكاليف التي يدفعها الفرد. على سبيل المثال، في العراق، قد يضطر الأفراد لدفع تكاليف إضافية لمولدات الكهرباء الخاصة أو المياه، وهذا قد يرفع التكلفة الفعلية التي لا تظهر بالكامل في بيانات "نومبيو". تكلفة المعيشة في العراق رغم أن التكلفة المطلقة في العراق أقل (695 دولارًا مقابل 810 دولارات)، فإن انخفاض الدخل ونقص الخدمات (مثل الكهرباء المتقطعة، ضعف الرعاية الصحية، وانعدام الأمن في بعض المناطق) يجعل العيش في العراق أكثر صعوبة من الناحية العملية. بمعنى آخر، 695 دولارًا في العراق قد تكون أثقل بكثير على الفرد من 810 دولارات في السعودية بسبب الفروقات في الدخل والخدمات. وهكذا، فإن تقرير "نومبيو" يقيس التكلفة المطلقة وليس "القدرة على تحمل التكلفة". السعودية تظهر أغلى بسبب ارتفاع أسعار السلع والإيجارات، لكن بفضل الدخل الأعلى والخدمات الأفضل، مستوى المعيشة فيها أسهل من العراق. العراق، رغم انخفاض التكلفة الاسمية، يعاني من تحديات تجعل الحياة أصعب. وبحسب تقرير "نومبيو" فإن تكلفة المعيشة في العراق (695 دولارًا شهريًا). هذا الرقم يمثل متوسطًا تقريبيًا لفرد يعيش في مدينة مثل بغداد أو أربيل، ويشمل الإيجار، والطعام، والنقل، والخدمات الأساسية. الإيجار: شقة بغرفة واحدة في بغداد قد تكلف بين 200-400 دولار شهريًا في منطقة متوسطة. الطعام: تكلفة البقالة الأساسية لفرد قد تتراوح بين 100-200 دولار شهريًا، مع ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة. الخدمات: الكهرباء متقطعة، مما يجبر الأفراد على دفع تكاليف إضافية للمولدات (50-100 دولار شهريًا). المياه والإنترنت تضيف تكاليف أخرى. النقل: الوقود رخيص نسبيًا، لكن تكاليف الصيانة أو النقل العام تضيف حوالي 30-50 دولارًا. التحديات الحقيقية في العراق انخفاض الدخل: متوسط الراتب في العراق (خاصة خارج القطاع الحكومي) قد لا يتجاوز 400-600 دولار شهريًا، مما يجعل 695 دولارًا عبئًا ثقيلًا على الكثيرين. نسبة الفقر: حوالي 25% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، مما يعني أن الثروة النفطية لا تصل إلى الجميع. نقص الخدمات: الكهرباء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية غير مضمونة، مما يزيد التكاليف غير المباشرة (مثل شراء مياه معبأة أو علاج خاص). التضخم: العراق يعاني من تقلبات اقتصادية بسبب اعتماده على النفط، مما يرفع أسعار السلع الأساسية باستمرار. هل الرقم واقعي؟ الرقم 695 دولارًا قد يكون مرتفعًا بعض الشيء بالنسبة للأفراد الذين يعيشون بأنماط استهلاكية بسيطة أو في مناطق ريفية. لكنه واقعي في المدن الكبرى، خاصة إذا أُخذ الإيجار بعين الاعتبار. دراسة أخرى (2023) أشارت إلى أن الرواتب في العراق تنفد قبل نهاية الشهر لدى معظم الموظفين، مما يؤكد صعوبة تحمل هذه التكلفة. الحقيقة الأعمق العراق بلد غني، لكنه يعاني من سوء الخدمات وإدارة الموارد، والفساد، وهشاشة في الأمن في بعض المناطق، والسلاح المنفلت، بالإضافة الى ضعف في تطبيق القانون وتحقيق العدالة. هذا يجعل تكلفة المعيشة ليست مجرد مسألة أرقام، بل تجربة يومية صعبة للكثيرين. على سبيل المثال، حتى لو كانت السلع الأساسية رخيصة، فإن انقطاع الكهرباء يجبر العائلات على إنفاق المزيد على بدائل مثل المولدات. وبالمثل، انخفاض جودة التعليم والصحة يدفع الأفراد للبحث عن حلول خاصة باهظة الثمن. لذلك، فإن للتأكد من مستوى المعيشة في العراق، على سبيل المثال، لابد من التحقق من مصادر متعددة. بالإضافة إلى موقع "نومبيو"، يمكن النظر إلى تقارير البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، أو دراسات محلية عراقية؛ لفهم توزيع الدخل والتكاليف. فضلاً عن التحدث إلى العراقيين. 16/ شوال / 1446هـ |