![]() |
نصف قرن على الحرب الأهلية في لبنان .. الحل بدولة مؤسسات قوية لا يوجد منتصر حقيقي في الحروب بل هناك مجتمع بأكمله يدفع الثمن
موقع الإمام الشيرازي
مائة ألف قتيل وسبعة عشر ألف مفقود بحسب الأرقام الرسمية، هؤلاء الضحايا هم إحدى نتائج الحرب في لبنان، التي تسمى بـ "الحرب الأهلية"، وربما الأصح تسميتها بـ "حرب الأحزاب" حيث أشعل الحرب وأدامها الأحزاب، وما كان الشعب اللبناني سوى ضحية. وهو شبيه لما حدث في العراق في الأعوام 2005- 2008. اليوم، يشهد لبنان عودة تدريجية؛ أكثر ثقة، الى دولة المؤسسات القوية، في ظل العهد الجديد الذي يكرس اللبنانيون فيه جهودهم على بناء لبنان جديد، حر وآمن ومستقر. وتزامناً مع ذلك، وفي الذكرى الـ50 لاندلاع الحرب في لبنان، التي اندلعت في 13 نيسان/أبريل من عام 1975، نظمت "الكتلة الوطنية" ندوة سياسيّة حواريّة، في الجمعة الماضية، جمعت الأستاذة في العلوم السياسية الدكتورة كارمن أبو جودة، والأكاديمي والباحث السياسي الدكتور حارث سليمان، والأستاذ في القانون الدولي الدكتور رزق زغيب، حاورتهم الإعلامية لارا نبهان وذلك في متحف سرسق في بيروت. سؤال الحرب ما زال مطروحاً بداية، ألقى الأمين العام للكتلة الوطنية ميشال حلو كلمة، لفت فيها إلى أن "السؤال عن انتهاء الحرب الأهلية لا يزال مطروحًا حتى اليوم، رغم مرور 35 عامًا على وقف القتال"، مشيرا إلى أنه "لكي نتمكن من قول 'تنذكر وما تنعاد'، يجب أولًا أن نتذكر"، مؤكدًا أن "التذكر ليس من أجل الجيل الذي عاش الحرب، بل من أجل الأجيال الجديدة التي قد تكون عرضة لإعادة هذه الحرب". وأضاف: "إذا لم نتعامل مع حربنا الأهلية بكل مأساتها، كيف يمكننا أن نكون على يقين بأنها انتهت؟". سؤال حول توصيف الحرب الباحث والأكاديمي الدكتور حارث سليمان، أشار إلى أنّ ريمون إدّه كان من القلائل الذين رفضوا اتفاق القاهرة، وطالبوا بقوات دولية، ورفضوا العنف وحمل السلاح، لافتًا إلى أنّ إدّه تمتع ببصيرة ثاقبة ونظرة واضحة استشرفت مخاطر الانزلاق نحو الحرب. وشدّد سليمان على أنّ إرث ريمون إدّه يُشكّل اليوم قيمة وطنية كبيرة، تمامًا كما أن تجديد حزب الكتلة الوطنية يشكّل تحدّيًا يقع على أكتاف من يتصدى لذلك. وأشار سليمان إلى أنّ "السؤال المطروح حول توصيف الحرب، أهي أهلية؟ ـ هل هي داخلية؟ أم حرب الآخرين على أرضنا؟ أم حرب من أجل الآخرين؟ ـ يعكس ميل اللبنانيين الدائم إلى تحميل الخارج المسؤولية، متناسين أنّ أبناء البلد شاركوا في الحرب، التي فُتحت على كل أشكال التدخل الخارجي." واستنتج أن الحروب الأهلية لا تكون داخلية فقط، بل هي متزامنة ومترادفة مع التدخل الخارجي. ولفت إلى أنّ الاستعداد والإنطلاق الفعلي للحرب بدأت في آيار عام 1973، وانطلق معها المسار نحو الانفجار الكبير، مستذكراً قول بسمارك "إن أكثر حرب تحقق ربحاً هي الحرب التي تم تفاديها." الهوية الطائفية والعصبية القبلية كما أكد سليمان أن "المشكلة البنيوية في لبنان تكمن في طبيعة البنية السوسيوبوليتك، حيث يسمح النظام السياسي، لأحزاب طائفية، وهي أحزاب ليست ديموقراطية، ولا يتم فيها وداخلها تدوال السلطة والإمرة، بل تقوم على الهوية الطائفية والعصبية القبلية، حيث يسعى كل من هذه الأحزاب إلى توحيد الجماعة الطائفية؛ التي يدعي تمثيلها والدفاع عن حقوقها، ويقوم بتصفية كل تعدد داخل ساحتها الداخلية، ويتم قمع الأصوات المخالفة، ثم يحاول فرض غلبته على باقي الأطراف الأخرى، عبر التحالف والاستقواء برافعة إقليمية ودولة خارجية إقليمية أو دولية." وأضاف: "الأحزاب هذه هي أدوات استبداد يمارس داخل كل طائفة، ومنصة لاستدراج تدخل خارجي، واصطفاف داخل محاور إقليمية، وهذا ما دفع ويدفع الأحزاب الطائفية الأخرى إلى التكتل في مواجهتها، في دوّامة لا تنتهي من الصراعات"، مردفًا: "البنية السياسية الاجتماعية هذه حولت لبنان من وطن ودولة الى ساحة صراع ومتاريس حروب." ما هو الحل؟ وأكد سليمان أنّ "الحلّ يبدأ من جعل الدولة أقوى من أحزاب الطوائف، عبر تمكينها وتعزيز دورها، من أجل حماية الأفراد، وتقديم الرعاية والحماية والخدمات لهم، والى إتاحة التعدد السياسي داخل كل طائفة، وصولاً الى قيام أدوات سياسية متعددة الانتماءات وعابرة للانقسامات الهوياتية." كما ذكّر أن "المشكلة لا تكمن في النظام بحد ذاته أو النصوص الدستورية، بل في المنظومة السلطوية المافياوية الفاسدة التي استغلّت هذا النظام لمصالحها، وعمّقت الانقسام بدل أن تسعى إلى معالجته." فهم الحرب شرط أساسي في السياق، تناولت الأستاذة في العلوم السياسية الدكتورة كارمن أبو جودة، الحرب الأهلية من بُعدها الإنساني، وتوقفت عند الجذور العميقة لهذه الحرب، وأسبابها البنيوية، معتبّرةً أن "فهمها بالإضافة إلى معالجة نتائجها شرطٌ أساسي لإيجاد حلول جدّية للخروج من دوّامة العنف." مضيفة "في الحروب، لا يوجد منتصر حقيقي، بل هناك مجتمع بأكمله يدفع الثمن." مذكّرة بأنّ "الحرب انتهت رسميًا في عام 1990، لكنّ أحدًا لم يسأل عن الضحايا. فهناك أكثر من مئة ألف قتيل وسبعة عشر ألف مفقود بحسب الأرقام الرسمية، إلى جانب المهجّرين والجرحى والآلاف ممن لا يزالون يعانون حتى اليوم". المشكلة الحقيقية من جهته، الأستاذ في القانون الدولي الدكتور رزق زغيب، قال: "عندما يحتكر حزب تمثيل طائفته لعقود طويلة، حتى ولو تمتع برمزية دينية أو قدسية، فإن النتيجة الحتمية ستكون الغرق في الفساد." موضحاً أنه "من دون تداول السلطة، لا يمكن كسر حلقة الفساد، لأن النظام الديموقراطي لا يقوم على الاحتكار، بل على التبدّل والمساءلة". وعن ملف السلاح، لفت إلى أن "معيار نجاح أي مسار لنزعه هو ألّا يشعر المحيط الحاضن لهذا السلاح بأن هذا المسار يستهدفه أو يقهره"، مشيراً إلى أن "المشكلة الحقيقية هي في مقاربة مسألة ليس فقط السلاح بل أيضاً المسلحين".
15/ شوال / 1446هـ |