اقتصاد لبنان.. قد يصل إلى مرحلة الموت التام ويعزل لبنان


 

 

موقع الإمام الشيرازي

 

وسط تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتزايد في معدلات الفقر، وانخفاض شامل للقيمة الشرائية، وانهيار مؤسساتي في كافة القطاعات، حذر صندوق النقد الدولي لبنان من مغبة تأخير الإصلاحات المطلوبة.

وأعرب رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان إرنستو راميريز ريغو، أن إجراءات مصرف لبنان ليست كافية لإنقاذ الاقتصاد، بسبب عدم قدرة الزعماء السياسيين على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للإفراج عن المساعدات الدولية، بينما تعاني البلاد من أزمات متعددة.

وأكد رئيس البعثة في ختام زيارة إلى بيروت إن "لبنان لم يقم بإصلاحات عاجلة، ما سيثقل كاهل الاقتصاد في السنوات المقبلة".

وأعلن صندوق النقد الدولي في نيسان/أبريل 2022 عن اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة، لم تسلك غالبيتها سكة التطبيق بعد.

وبعد اختتام بعثته زيارة للبنان، أوضح الصندوق أن الافتقار للإرادة السياسية في اتخاذ قرارات صعبة يضعف القطاع المصرفي هناك، مشددًا على ضرورة اتخاذ قرارات سياسية شاملة لاحتواء العجز المالي وبدء إعادة هيكلة النظام المصرفي.

وأكد الصندوق أن هناك فرصة لإجراء إصلاحات شاملة لتعزيز الحوكمة والمحاسبة في مصرف لبنان المركزي، لكن الحكومة بحاجة لتنفيذ استراتيجية مالية متماسكة لاستعادة القدرة على تحمل أعباء الديون، وإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية.

من جهته، اعتبر أنيس بوذياب الخبير الاقتصادي وعضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، أن تحذيرات صندوق النقد للبنان، ليست المرة الأولى حيث سبق وأن حذر في أبريل/نيسان الماضي، من تعثر الاقتصاد لتنفيذ الإصلاحات، وأرجع السبب إلى البطء الشديد في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للذهاب للاتفاق، الذي وقع مع الصندوق منذ 7 أبريل عام 2022.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تعثر إقرار الإصلاحات يعود إلى البطء الشديد في انتظام العمل المؤسساتي وغياب المؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، ووجود حكومة هي إلى حد بعيد لتصريف الأعمال فقط، ولا تستطيع أن تقوم بكل ما ينبغي القيام به، بالإضافة إلى الانقسام الشديد في المجلس النيابي والسلطة التشريعية، حيث هناك منهم ما لا يريد حضور الجلسات لانتخاب رئيس، ومن يرفض القيام بهذه الإصلاحات.

ويرى بوذياب أن الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد ليست من الصندوق وحسب، بل يطلبها الشعب اللبناني، لأنها تضع اقتصاد البلاد على الطريق الصحيح لإعادة النهوض ووقف الأزمة الراهنة.

تفاقم أزمة الفقر

وقال إن ما يمكن أن يصل له الاقتصاد اللبناني في ظل غياب هذه الإصلاحات، تعمق أزمة الفقر واتساع نطاقها، وزيادة الاقتصاد النقدي الذي تحذر منه السلطات المالية الدولية، خاصة البنك الدولي وغيره، حيث اعتماد الاقتصاد النقدي يعني أن هناك تبييضا للأموال، وبالتالي وضع لبنان على اللائحة الرمادية دوليا، وهو ما يضعف قدرته على استيراد السلع وفتح الاعتمادات، ناهيك عن عن أن مؤسسات الدولة الرسمية محللة، خاصة التعليم الرسمي وقطاع الكهرباء والاتصالات، وهو ما يزيد الأمر سوءا وتعقيدًا، ويأخذ البلاد إلى مسار طويل حتى النهوض.

وشدد على ضرورة وضع هذه الإصلاحات قيد القوننة ويتم تشريعها وتصبح قوانين، وبالتالي وقف الأزمة وهذا يتطلب بذل جهود من كافة القوى السياسية للبدء في هذه العملية، معتبرًا أن على رأس الإصلاحات المطلوبة قانون الكابيتال كنترول، وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقانون انتظام المالية العامة، من أجل وضع موازنات متوازنة ووقف العجز فيها.

ويرى أن هذا يحتاج أيضا إلى تحديد كيفية توزيع الخسائر، وهل هي فعلا خسائر أم التزامات على الدولة، مؤكدًا أن هذه الخطوات تحتاج إلى غطاء وتوافق سياسي للبدء في العملية الإصلاحية.

انهيار مرتقب

في السياق، يرى عماد عكوش الخبير الاقتصادي اللبناني، أن التحذيرات تأتي في ظل ما وصل إليه الاقتصاد اللبناني من صعوبة وتراجع كبير في الناتج القومي وفي حجم موازنة الدولة والتي كانت تقدر بحوالي 12 مليار دولار قبل بداية الأزمة، فيما وصلت اليوم مع موازنة العام 2023 إلى حوالي 2،2 مليار دولار، على أمل رفعها مع موازنة العام 2024 إلى حوالي 3،1 مليار دولار.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، على الرغم من هذه الأزمات المتراكمة، وتراجع القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام بما يزيد عن 80%، وانهيار القطاع المصرفي وضياع ودائع اللبنانيين والتي قدرت بحوالي مئة مليار دولار، لا يزال لبنان قادر على النهوض، إذا ما تم إقرار الإصلاحات والقوانين المطلوبة، فيما يزيد تأخير الإقرار من المأساة.

وقال إن اقتصاد لبنان وفي ظل غياب الإصلاحات المطلوبة قد يصل إلى مرحلة الموت التام، وعزل لبنان عن العالم، وانهيار كامل للمؤسسات العامة التي لا تزال تقدم ولو بنسبة ضئيلة جدا بعض الخدمات، موجودة كهيكل.

ويرى أن في حالة الاستمرار في هذه الأزمة وعدم إقرار هذه الإصلاحات فأن هذه الهياكل ستنهار بالكامل ويكون من الصعب إعادة بناء مثيل لها في المدى المنظور، ويصبح لبنان خارج الخارطة العالمية، واعتباره بلدا موبوءًا يتجنبه الجميع ويرفضون التعامل معه.

في السياق، تواجه حكومة تصريف الأعمال في لبنان، برئاسة نجيب ميقاتي، أزمة جديدة مع نفاد أموال صندوق النقد الدولي التي صرفها مجلس الوزراء، بعد رفض نائب حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، تحويل الأموال لتغطية نفقات رئيسية للحكومة إذا لم يتوفّر الغطاء القانوني له.

ووجّه النائب مارك ضوّ سؤالاً إلى الحكومة عبر الأمانة العامة لمجلس النواب حول هذا الموضوع، معلناً أن الحكومة «صرفت مبلغ 1.139 مليار دولار، الذي حصل عليه لبنان من صندوق النقد الدولي في سبتمبر (أيلول) 2021»، في وقت حذّر خبراء من أن الدولة «ستصبح عاجزة عن دفع رواتب القطاع العام، وستصبح أمام خيارين؛ إما مواجهة الناس في الشارع، أو الخضوع لشروط صندوق النقد والبدء بالإصلاحات».

وقد بررت وزارة المال اللبنانية صرف أموال صندوق النقد لضرورات حتّمتها حاجة الدولة لها. وقد أوضح مصدر مسؤول في وزارة المال لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل ما صرفته الوزارة من أموال السحب الخاص موثّق بالمستندات، وقد قدمتها لدعم أدوية السرطان والأمراض المستعصية والمزمنة وغسيل الكلى، وشراء القمح، ثمّ دعم كهرباء لبنان، وشراء المحروقات، وبعدها تسديد قروض مستحقّة للبنك الدولي، وغيرها»، مشيراً إلى أن «المبلغ المتبقّي يقارب 70 مليون دولار أميركي».

في المقابل، اعتبر رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، أن «الحكومة ورئيسها صرفوا هذه الأموال خلافاً للقوانين المالية المرعية الإجراء، وخلافاً للتعهد الذي قدّموه للمجلس النيابي». وهو ما رأى فيه الخبير المالي والاقتصادي، سامي نادر، أن «صرف أموال السحب الخاص يكرّس عدم مصداقية الدولة أمام الخارج».

 

2/ربيع الأول/1445هـ