موقع الإمام الشيرازي
1/ ربيع الثاني/1447
هوية كتاب
العنوان: Taking
Religion Seriously (أخذ الدين على محمل الجد)
المؤلف: Charles
Murray (تشارلز موراي)
اللغة: الإنجليزية
الناشر: Encounter
Books (الولايات المتحدة)
تاريخ النشر: 2025
عدد الصفحات: 152
التصنيف الموضوعي: Nonfiction
/ Religion & Spirituality — السيرة الذاتية الفكرية وتحليل
علاقة الدين بالعقل والمجتمع
السعر: 29.99
دولار أمريكي
------------------------
في زمن يزداد فيه التهوين من دور الدين
في الحياة العامة، يأتي تشارلز موراي ليقدّم دعوةً معاكسة؛ وهي
ألا نستهين بالدين ولا نُقصّره إلى مجرد بقايا طقوس أو متاع
ثقافي، بل نعترف به كمكوّن أساسي في بناء الشخصية والمجتمع
والمؤسسات. في كتابه Taking Religion Seriously يطالب موراي
القرَّاء ــ بمنطق علمي وسرد واضح ــ بإعادة وضع الدين في مركز
التحليل الاجتماعي والسياسي، كقوة مُشكِّلة للسلوك المدني،
ومصدَر للالتزام الأخلاقي، ومحرِّك للشبكات المجتمعية التي
تحافظ على تماسك الأفراد داخل الجماعات.
تتأرجح أهمية هذه الرسالة بين بعدين:
أولاً، برفضها التبسيطية التي تتعامل مع الدين كظاهرة هامشية
لا تأثير لها على صنع القرار العام أو على جودة الحياة
الاجتماعية؛ وثانياً، بترسيخها فكرة أن التعامل مع الدين بجدية
لا يعني التوظيف الأيديولوجي له، بل فهم آثاره الطويلة المدى
على العادات، وعلى العمل التطوعي، وعلى احترام القوانين، وعلى
قدرة المجتمعات على إعادة إنتاج نفسها أخلاقياً. وهذا يجعل هذا
الكتاب "أخذ الدين على محمل الجد" ذا قيمة خاصة للقراء
المسلمين، لأن مجتمعاتنا تواجه اليوم أسئلة عن العلاقة بين
الإيمان والمؤسسات، بين الروحانيّة والحداثة، وبين المرجعية
الأخلاقية والفاعلية السياسية.
صدر كتاب Taking Religion
Seriously للمفكر الأميركي "تشارلز موراي" في سياق أميركي
اتّسم بتصاعد الجدل حول دور الدين في الحياة العامة، وبخاصة في
الجامعات ومناهج العلوم الاجتماعية. عنوان الكتاب وحده يشي
برسالة مؤلفيه: لا يمكن لأي فهم جاد
للإنسان والمجتمع أن يتجاهل البعد الديني، سواء أكان المرء
مؤمناً أو غير مؤمن، متديناً أو علمانياً.
يأتي هذا الطرح في لحظة تاريخية كان
فيها الدين في الغرب يُعامل بوصفه ظاهرة ثقافية ثانوية، أو
"موضوعاً خاصاً" لا مكان له في النقاشات الكبرى المتعلقة
بالسياسة والاقتصاد والفلسفة. أراد موراي أن يقول: إن
أي مقاربة من هذا النوع ستظل مبتورة، لأنها تتغافل عن أحد أعمق
المحركات في حياة البشر. وفي السياق التاريخي، إصدار
هذا الكتاب، الآن (سبتمبر 2025)، ومع اقتراب الانتخابات
الأمريكية (نوفمبر 2025)، فإنه قد يتم ربط الكتاب بالنقاشات
حول القيم الدينية في السياسة، خاصة مع صعود الخطاب الديني في
الحملات الانتخابية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
أيضاً، هذا الكتاب ليس مجرد سيرة ذاتية،
بل دعوة للتفكير النقدي في الدين في عصر العلم والعلمانية. قد
يُعتبر خطوة جريئة من موراي لتوسيع آفاقه، لكنه قد يترك أسئلة
بدون إجابة بسبب طبيعته الاستكشافية.
كتاب "Taking Religion Seriously" عمل
يُعد سيرة ذاتية فكرية تتناول تطور موقفه من الدين، وخاصة
المسيحية، عبر عقود. يروي موراي، وهو عالم اجتماع معروف بأعمال
مثل "The Bell Curve" و "Coming Apart"، رحلته من "اللا
أدرية" البعيد إلى الانخراط الجاد في استكشاف الأفكار الدينية.
عليه، يستهدف الكتاب أولئك الذين، مثلما كان المؤلف في
البداية، يعتبرون الدين غير ذي صلة، خاصة الأشخاص المتعلمين
والناجحين الذين تم تهميشه في بيئاتهم الاجتماعية.
بالتالي، الكتاب يقدم وجهة نظر شخصية
بدلاً من كونها دراسة أكاديمية تقليدية. يشرح المؤلف كيف بدأ
يتساءل عن وجود الله من خلال استكشاف مواضيع مثل الفيزياء (مثل
النظريات حول الانفجار العظيم)، وعلم النفس التطوري، وطبيعة
الوعي، بالإضافة إلى الجوانب المتعلقة بالمسيحية مثل أصالة
الأناجيل وموثوقية النصوص ورواية القيامة. يؤكد المؤلف أن فهم
الدين يتطلب جهداً فكرياً كبيراً، مقارناً إياه بدراسة
القانون، ويشجع القراء على التعمق في هذا الموضوع بدلاً من
الاكتفاء بالمعتقدات السطحية.
المؤلف، المعروف بأبحاثه في علم
الاجتماع والسياسة العامة، يأتي إلى هذا الكتاب من خلفية
علمانية قوية، مما يجعل رحلته الفكرية نحو الدين مثيرة
للاهتمام. في أعمال مثل "The Bell Curve" (1994)، ركز على
الذكاء والاختلافات الاجتماعية، وغالباً ما أثار جدلاً بسبب
نهجه العلمي الجريء، وكتابه "Taking Religion Seriously" يمثل
انعطافة، حيث يتحول من تحليل البيانات إلى استكشاف أسئلة
وجودية وروحية. هذا الانتقال قد يعكس تطوراً شخصياً ناتجاً عن
تقاعده أو إعادة تقييم حياته، وهو ما يضيف طبقة من الأصالة إلى
النص.
يبدو الكتاب أنه يهدف إلى تعزيز حوار
بين العلم والدين، وهو موضوع شائك في ثقافة غربية تتأثر
بالعلمانية. من خلال مناقشة الانفجار العظيم، وعلم النفس
التطوري، والوعي، يحاول المؤلف ربط العلوم الطبيعية بالأسئلة
الإيمانية/الروحية، مما قد يجذب القراء الذين يبحثون عن توافق
بين العقل والإيمان.
منهجية الكتاب
فيما يتعلق بالمنهجية والنهج، على عكس
كتب المؤلف السابقة التي تعتمد على البيانات الإحصائية، هذا
الكتاب يعتمد على الرواية الشخصية والتأمل الفلسفي. هذا النهج
قد يثير انتقادات من الأكاديميين الذين يفضلون الأدلة
التجريبية، لكنه يجعله أكثر إمكانية للوصول إلى جمهور غير
متخصص. المؤلف يشجع على "الجدية" في التعامل مع الدين، وهو ما
يعني قراءة النصوص المقدسة وتقييمها نقدياً، وهو أمر نادر في
الأدبيات العلمانية التي غالباً ما تتجاهل هذه النصوص أو
ترفضها دون تحليل. بالتالي، المؤلف يوجه الكتاب بشكل خاص إلى
"النخبة" المتعلمة التي تتجاهل الدين، وهو أمر يتماشى مع نقدته
السابق للطبقة العليا في"Coming Apart" (2012) . يجادل أن هذه
الفئة فقدت الاتصال بالقيم التقليدية، بما في ذلك الدين، مما
أدى إلى انهيار اجتماعي. الكتاب قد يكون دعوة لإعادة تقييم هذه
القيم من منظور عقلاني. في الوقت، أن موقف المؤلف "كلا
أدري(Agnostic) " يميز الكتاب عن الأعمال الدينية التقليدية.
فإنه بدلاً من الدفاع عن الديانة المسيحية مثلا كحقيقة مطلقة،
يقدمها كفرضية تستحق الاستكشاف، مما قد يجعل الكتاب جسراً بين
المؤمنين والمتشككين.
على هذا، المؤلف لا يدّعي أن لديه جميع
الإجابات، بل عمل على إظهار الشك، والبحث، والمحاولة. وهذا
يمنح الكتاب صدقية، خصوصاً لمن هم من خلفيات مشابهة — أشخاص
متعلمين، ربما ملحدين أو لاأدريين — يشعرون بأن الدين قد يكون
شيئاً ما مهماً رغم شكوكهم. أيضاً، الكتاب قد يكون جسراً بين
منطق العقلانيين الذين ينظرون للدين بعين النقد، وبين من يرون
في الدين تجربة روحية تحتاج أيضًا إلى العقل.
وفي عصرٍ يُشجّع العلم والتكنولوجيا
والتشكك، كثيرون يفترضون أن الدين متناقض مع العلم، أو أنه ترف
فكري. لذلك، المؤلف في هذا الكتاب يتحدّى هذا الافتراض،
مدّعياً أن الدين يمكن أن يكون موضوعاً مجدياً للتفكير، وأن
الرفض التام قد يكون تشوّهًا معرفياً يُضيّع فرصاً روحية
وأخلاقية.
الدين كعنصر
بنيوي لا عابر
الفكرة الجوهرية
التي يقدّمها الكتاب هي أنّ الدين ليس مجرد قناعة شخصية أو طقس
اجتماعي، بل هو جزء بنيوي من تكوين الإنسان، وفاعل رئيسي في
التاريخ والحضارة. كل محاولة لإقصاء الدين من دائرة التحليل
الأكاديمي أو السياسي تُفضي إلى تشويه صورة الإنسان.
ينتقد المؤلف بشدة ما يسمّيه "النموذج
الاختزالي" في العلوم الاجتماعية، حيث يتم تفسير السلوك الديني
عبر أدوات الاقتصاد أو علم النفس أو الاجتماع فقط، من دون
الاعتراف بجدية البعد الإيماني الذي يوجّه الأفراد والجماعات.
وهنا، يقترح العودة إلى مقاربة أكثر توازناً، تعترف بالدين لا
كظاهرة مرضية أو طارئة، بل كإطار معنى يشكّل وعي الإنسان وفعله
في العالم.
يستهل المؤلف كتابه بوصف خلفيته
الشخصية، حيث كان قد تخلى عن الدين خلال سنوات دراسته في جامعة
هارفارد، متأثراً بالبيئة العلمانية السائدة. لكنه يصف كيف بدأ
يعيد النظر في موقفه مع مرور الوقت، مدفوعاً بأسئلة حول المعنى
والأخلاق. على ذلك، يقترح المؤلف أن الدين يمكن أن يكون ممارسة
فكرية، وليس مجرد إيمان أعمى، ويشارك تجاربه في استكشاف مختلف
التقاليد الدينية مثل اليهودية والبوذية والطاوية، مع التركيز
على المسيحية كتقليد أكثر قرباً إليه. وهكذا، فإن الكتاب يعكس
صراع المؤلف الفكري ويضع نموذجاً لمن يرغب في التعامل مع الدين
بجدية دون الحاجة إلى التزام ديني تقليدي.
من الناحية الفكرية، يقدم الكتاب
منظوراً جديداً بوصفه دعوة للتفكير النقدي في الدين بدلاً من
رفضه أو قبوله دون تحليل. ومع ذلك، قد يثير جدلاً بين القراء
الذين يفضلون النهج التقليدي للإيمان أو الذين يرون الدين غير
متوافق مع العقلانية. موقف موراي "كلا أدري" لا يدعي الخبرة،
بل يشارك رحلته الشخصية كبداية محتملة للآخرين. قد يرى بعض أن
التركيز على التجربة الفردية يحد من عمق التحليل اللاهوتي،
لكنه يجعله يصل إلى جمهور أوسع من المتشككين أو المتحفظين.
توقعات حول
الكتاب
إذا نقلنا هذه الأطروحة إلى السياق
العربي والإسلامي، تتبدى مفارقة لافتة. ففي حين يعاني الغرب من
تجاهل الدين أكاديمياً، يعاني المسلمون من تسييس الدين وإفراغه
من مضمونه الروحي. في عموم بلاد المسلمين زعامات ومؤسسات
وأحزاب وتوجهات "إسلاموية" كثيراً ما تُستَخدم أداةً للصراع
السياسي أو غطاءً لشرعنة الفساد والاستبداد، بدلاً من أن تكون
مصدراً لإعادة بناء الأخلاق العامة وتجديد المعنى في حياة
الناس.
من هنا، يمكن
قراءة الكتاب بوصفه مرآة عاكسة؛ الغرب مدعوّ لأن يأخذ الدين
على محمل الجد معرفياً، ونحن مدعوون لأن نأخذه على محمل الجد
أخلاقياً. كلا الطرفين يواجه تحدياً مغايراً، لكن الجذر
واحد: كيف نعيد للدين مكانته الطبيعية في حياة الإنسان من دون
أن نختزله أو نسيّسه؟
يكتسب الكتاب أهميته أيضاً لأنه يُعدّ
نوعاً من النقد الداخلي للمؤسسة الأكاديمية الغربية. المؤلف
موراي، المعروف بآرائه المثيرة للجدل في قضايا الطبقية
والذكاء، يوجه هنا نقداً من زاوية مختلفة، حيث ليس ثمة علم
اجتماع أو سياسة مكتمل من دون إدماج جاد للبعد الديني. هذا
النقد يشبه، في بعده العميق، ما يطرحه بعض المفكرين العرب
الذين يحمّلون النخب الأكاديمية مسؤولية التغاضي عن الأسئلة
الأخلاقية الكبرى، وانغماسها في التحليل التقني البارد.
إن ترجمة الكتاب إلى العربية ـ إن حصلت
ـ، أو وصول هذا الكتاب الى الوسط الفكري والثقافي في بلاد
المسلمين، ستفتح باباً واسعاً للتفكير في أسئلة مثل:
هل نتعامل مع الدين كحقيقة حية في وجدان
الناس، أم مجرد أداة في صراع الهويات؟
ما مدى قدرة الفكر الإسلامي المعاصر على
إنتاج مقاربة نقدية تأخذ الدين على محمل الجد والإجابة عن
الأسئلة المتوالدة عبر تطور العلوم والتكنولوجيا؟
كيف نعيد وصل الدين بالعلم والمعرفة
التي توسعت في الألفية الثالثة لدرجة انها غيرت عموم تفاصيل
حياة البشرية؟
الجواب عن هذه الأسئلة ليس يسيراً، لكنه
يسلط الضوء على حاجة ملحّة لإعادة التفكير في العلاقة بين
الدين والدولة والمجتمع.
وهكذا، كتاب Taking Religion
Seriously ليس دعوة للتدين، ولا دفاعاً لاهوتياً عن العقيدة،
بل هو نداء أكاديمي إلى أنسنة العلوم الاجتماعية، بإدخال الدين
إلى قلب التحليل بدل تهميشه. قيمة الكتاب أنه يذكّر بأن الدين
ـ مهما تغيّرت أشكال المجتمعات ـ يظل جزءاً أصيلاً من التجربة
الإنسانية.
للوسط المجتمعي الإسلامي، فالأهمية تكمن
في قلب المعادلة، يعني أنه لسنا بحاجة فقط إلى أن يأخذ
الأكاديميون الدين على محمل الجد، بل أن تأخذه المؤسسات
الدينية والسياسية نفسها على محمل الجد، بالشكل الذي يستعيد
المسلمون الإسلام الحقيقي. عندها فقط يمكن أن يتحول الدين من
أداة صراع وفساد، إلى قوة معنوية وأخلاقية وإصلاحية قادرة على
المساهمة في بناء حياة أكثر عدلاً وحرية ومعنى، حياة كريمة
تليق بالإنسان.