موقع الإمام الشيرازي
عنوان الكتاب: Religion and the Rise of
Capitalism
المؤلف: بنجامين م. فريدمان
اللغة: الإنكليزية
نبذة عن
الكتاب
يستكشف هذا الكتاب العلاقة التاريخية
العميقة بين الأفكار الدينية والتطور الاقتصادي للرأسمالية في
عموم بلاد الغرب. يركز فريدمان، وهو أستاذ بارز في الاقتصاد
بجامعة هارفارد الأمريكية، على كيفية تشكيل المعتقدات الدينية
- خاصة البروتستانتية - للأفكار الاقتصادية منذ عصر الإصلاح
الديني في القرن السادس عشر حتى العصر الحديث. يتتبع الكتاب
تأثير الفكر الديني على مفاهيم مثل العمل، والثروة، والفردية،
والسوق، مع التركيز على شخصيات بارزة مثل مؤسس علم الاقتصاد
السياسي، آدم سميث، والاقتصادي توماس
مالتوس. كما يناقش كيف أثرت التغيرات في التفسيرات
الدينية على السياسات الاقتصادية والمجتمعية، مشيراً إلى أن
الرأسمالية لم تكن مجرد نتاج قوى مادية، بل تأثرت بشدة بالقيم
والأخلاق الدينية. كتاب "الدين وصعود الرأسمالية" عمل رصين
يقدم نظرة شاملة عن كيفية تشابك الدين والاقتصاد في صياغة
العالم الحديث. أيضاً، هذا الكتاب مهم للمهتمين بفهم الجذور
الفكرية للنظام الاقتصادي الذي نعيشه اليوم.
النقاط
الرئيسية
التأثير البروتستانتي: يوضح
فريدمان كيف ساهمت الأخلاق البروتستانتية، مثل قيمة العمل
الشاق والادخار، في تعزيز الفكر الرأسمالي.
التطور التاريخي: يربط
الكتاب بين التغيرات في اللاهوت المسيحي ونشأة الاقتصاد الحديث
في بريطانيا وأمريكا.
التوازن بين الدين
والاقتصاد: يقدم تحليلًا متوازنًا يُظهر أن الدين لم
يكن دائمًا داعمًا للرأسمالية، بل أحيانًا نقيضًا لها.
الأهمية المعاصرة: يناقش
كيف لا تزال الأفكار الدينية تؤثر على السياسات الاقتصادية في
العصر الحديث، مثل قضايا العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل
للثروة.
لماذا يستحق
القراءة؟
عمق التحليل: يقدم
المؤلف تحليلًا ممتعًا ومُحكمًا يجمع بين التاريخ والاقتصاد
والدين بأسلوب سلس.
رؤية جديدة: يتحدى الكتاب الفكرة
التقليدية بأن الرأسمالية نتجت فقط عن عوامل اقتصادية، ويبرز
دور القيم الروحية.
مناسب للجميع: بأسلوب
واضح، يناسب الكتاب القراء المهتمين بالتاريخ الاقتصادي،
والدين، أو العلاقة بين الفكر والمجتمع.
تقييمات
القراء
حظي الكتاب بإشادة واسعة لعمق أبحاثه
وأسلوبه الجذاب. وصفته بعض المراجعات بأنه "إعادة
صياغة ممتازة لتاريخ الرأسمالية"، بينما أشار آخرون إلى
أنه قد يكون كثيفًا قليلًا للقراء غير المعتادين على التاريخ
الاقتصادي.
تأثير الدين
على السياسات
في الكتاب، يناقش المؤلف، بنجامين م.
فريدمان، تأثير الدين على السياسات الاقتصادية والاجتماعية عبر
التاريخ، مع التركيز على كيفية تشكيل المعتقدات الدينية
للسياسات في السياق الغربي، وذلك من خلال:
تشكيل القيم الاقتصادية
وفقاً للكتاب، ساهمت
الأخلاق البروتستانتية، خاصة الكالفينية، في تعزيز قيم مثل
العمل الشاق، والانضباط، والادخار، مما أثر على سياسات دعمت
الرأسمالية، مثل تشجيع المبادرة الفردية وحرية السوق.
هذه القيم ساعدت في صياغة سياسات اقتصادية في بريطانيا وأمريكا
تركز على الفردية بدلاً من التدخل الحكومي الواسع. ركزت
التعاليم البروتستانتية على التقشف وتجنب الإسراف، مما عزز
ثقافة الادخار والاستثمار بدلاً من الاستهلاك المفرط. هذا
التأثير ساعد في صياغة سياسات اقتصادية تدعم تراكم رأس المال،
وهو عنصر أساسي في نمو الرأسمالية، خاصة في بريطانيا وأمريكا
خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
العدالة الاجتماعية والتوزيع
يشير فريدمان إلى أن التفسيرات
الدينية لم تكن دائماً داعمة للرأسمالية غير المقيدة.
في بعض الأحيان، دفعت التعاليم الدينية، خاصة في المسيحية، نحو
سياسات تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، مثل دعم الفقراء
وتقليل التفاوت الاقتصادي. على سبيل المثال، أثرت الأفكار
الدينية في القرن التاسع عشر على سياسات مثل إصلاح قوانين
العمل، وتحسين الرعاية الاجتماعية.
التوتر بين الدين والسوق
يوضح الكتاب أن الدين لعب دوراً
مزدوجاً؛ دعم الرأسمالية في بعض الأحيان، وانتقادها في أحيان
أخرى. فكر ديني معين دعا إلى سياسات تقييدية للسوق، مثل منع
الربا أو فرض ضرائب تصاعدية لمعالجة التفاوتات. هذا التوتر أثر
على صياغة سياسات متوازنة بين النمو الاقتصادي والمسؤولية
الاجتماعية. يشير فريدمان إلى أن البروتستانتية لم تكن دائمًا
داعمة للرأسمالية بشكل مطلق. في بعض الحالات، عارضت طوائف
بروتستانتية الجشع والاستغلال، مما أدى إلى دعم سياسات للحد من
التفاوتات الاقتصادية أو حماية العمال.
التأثير المعاصر
يربط فريدمان بين الأفكار الدينية
الماضية والسياسات الحديثة، مشيراً إلى أن القيم الدينية لا
تزال تؤثر على نقاشات حول سياسات اقتصادية مثل الضرائب،
والرعاية الصحية، والبيئة. على سبيل المثال، تدعم بعض الجماعات
الدينية سياسات حماية البيئة استناداً إلى فكرة "رعاية
الخليقة". يُظهر الكتاب أن الدين لم يكن مجرد خلفية
ثقافية، بل قوة فعالة في صياغة السياسات الاقتصادية
والاجتماعية. سواء من خلال تعزيز الرأسمالية أو الدعوة لضوابط
أخلاقية، كان للأفكار الدينية دور حاسم في تحديد مسار السياسات
عبر العصور.
الأخلاق البروتستانتية وقيم
العمل
لعبت
البروتستانتية، خاصة الكالفينية، دوراً محورياً في تعزيز فكرة
أن العمل الشاق والإنتاجية هما تعبير عن الإيمان والالتزام
الديني. اعتبر الكالفينيون النجاح المادي علامة على "الاختيار
الإلهي"، مما شجع على الانضباط والمثابرة. هذه القيم
أثرت على سياسات اقتصادية تركز على الفردية، مثل دعم حرية
المبادرة وتقليل التدخل الحكومي في الأسواق.
إعادة صياغة مفهوم الثروة
على عكس بعض التعاليم الكاثوليكية التي
كانت تنظر إلى الثروة بحذر، رأت البروتستانتية أن الثروة
المكتسبة، بشكل مشروع، يمكن أن تكون نتيجة إيجابية للعمل
الجاد. هذا الفكر دعم سياسات تحفز النمو الاقتصادي، مثل قوانين
حماية الملكية الخاصة وتشجيع التجارة.
التأثير على المجتمع والسياسات
الاجتماعية
ساهمت البروتستانتية في نشر فكرة
المسؤولية الفردية، مما أثر على سياسات مثل إصلاح أنظمة
الرعاية الاجتماعية في القرن التاسع عشر، حيث تم التركيز على "مساعدة
من يساعد نفسه." في الوقت نفسه، دعمت بعض الطوائف
البروتستانتية سياسات خيرية لدعم الفقراء، لكن برؤية تتماشى مع
الانضباط الاقتصادي.
وفقًا لفريدمان، كانت
البروتستانتية قوة حاسمة في صعود الرأسمالية من خلال تعزيز قيم
العمل، والادخار، والمسؤولية الفردية، مما انعكس على سياسات
اقتصادية واجتماعية دعمت النمو الاقتصادي. لكنها أيضًا
أوجدت توازنًا أخلاقيًا حيث طالبت أحيانًا بضوابط على السوق
لضمان العدالة.
الكاثوليكية
والاقتصاد
في الكتاب، يتناول بنجامين م. فريدمان
تأثير الدين على الاقتصاد بشكل عام، لكنه يركز بشكل أقل على
الكاثوليكية مقارنة بالبروتستانتية. ومع ذلك، يشير إلى أن
الكاثوليكية لعبت دوراً مختلفاً ومعقدًا في التطور الاقتصادي،
خاصة في سياق صعود الرأسمالية، وفقاً لما يلي:
موقف حذر تجاه الثروة
تاريخياً، اتخذت
الكاثوليكية موقفاً متشككًا من الثروة المادية، معتبرة إياها
محتملة لإلهاء المؤمنين عن القيم الروحية. ركزت
التعاليم الكاثوليكية على الزهد والصدقة، مما جعلها أقل
تشجيعًا لتراكم رأس المال مقارنة بالبروتستانتية. هذا الموقف
أثر على السياسات الاقتصادية في الدول الكاثوليكية، مثل
إسبانيا والبرتغال في العصور الوسطى، حيث كان التركيز أكثر على
تمويل المؤسسات الدينية أو الاستكشاف بدلاً من تطوير أسواق
رأسمالية.
موقف الكنيسة من الربا
لقرون، حظرت
الكنيسة الكاثوليكية الربا (إقراض المال بفائدة)، معتبرة إياه
خطيئة. هذا الحظر أعاق تطور النظام المصرفي والممارسات
الرأسمالية في المناطق الكاثوليكية مقارنة بالمناطق
البروتستانتية التي كانت أكثر تسامحًا مع الفائدة. لكن، بحلول
ما يُعرَف بـ "عصر النهضة"، بدأت الكنيسة تخفف من موقفها
تدريجيًا، مما سمح بتطور اقتصادي أكبر، لكنه ظل أبطأ من الدول
البروتستانتية مثل هولندا وإنجلترا.
الصدقة والعدالة الاجتماعية
ركزت الكاثوليكية
على الصدقة كواجب ديني، وفي العصور الوسطى، كانت الكنيسة
الكاثوليكية نفسها مؤسسة اقتصادية كبرى، تدير المستشفيات
والمدارس، وتوجه الموارد نحو الأعمال الخيرية. في العصر
الحديث، أثرت التعاليم الكاثوليكية، مثل تلك الواردة في
الرسائل البابوية (Rerum Novarum عام 1891، وإن لم يذكرها
الكتاب صراحة)، على سياسات تهدف إلى حماية العمال ومواجهة
التفاوتات الناتجة عن الرأسمالية.
تباين مع البروتستانتية
يشير فريدمان إلى أن الكاثوليكية،
على عكس البروتستانتية، لم تربط النجاح المادي بالفضيلة
الدينية بنفس الدرجة. بينما رأت البروتستانتية (خاصة
الكالفينية) في العمل والثروة علامة على الاختيار الإلهي، فيما
ركزت الكاثوليكية أكثر على الطاعة الروحية والجماعة.
هذا الاختلاف جعل المناطق البروتستانتية، مثل إنجلترا وهولندا،
أكثر ديناميكية في تطوير الرأسمالية مقارنة بالمناطق
الكاثوليكية، مثل فرنسا أو إيطاليا، في القرون الأولى
للرأسمالية.
التأثير في العصر الحديث
يلمح الكتاب إلى أن الكاثوليكية
استمرت في التأثير على السياسات الاقتصادية الحديثة، خاصة في
دعمها للعدالة الاجتماعية. على سبيل المثال، دعمت
الكنيسة الكاثوليكية في القرن العشرين سياسات تهدف إلى تقليل
التفاوت الاقتصادي والدفاع عن حقوق العمال، وهو ما يعكس توترًا
مستمرًا مع الرأسمالية غير المقيدة.
بالتالي، وبحسب الكتاب، كان
تأثير الكاثوليكية على الاقتصاد أقل دفعًا للرأسمالية، مقارنة
بالبروتستانتية، بسبب حذرها تجاه الثروة وحظر الربا في وقت
مبكر. ومع ذلك، ساهمت في تشكيل اقتصاد أكثر تركيزًا على
الجماعة والعدالة الاجتماعية، مما أثر على سياسات دعم الفقراء
وحماية العمال. هذا الدور جعل الكاثوليكية قوة متوازنة، تقاوم
أحيانًا الجوانب الأكثر جشعًا في الرأسمالية.
اليهودية
والاقتصاد
في سياق تأثير اليهودية على الاقتصاد
وتأثير الكاثوليكية الحديثة، فإن الكتاب لا يركز بشكل مباشر
على اليهودية، في الوقت أنه يتحدث عن الكاثوليكية الحديثة بشكل
محدود، مع ذلك يمكن استنباط تأثير اليهودية على الاقتصاد من
السياق التاريخي الذي يقدمه والمعارف التاريخية العامة:
الدور التاريخي في التجارة
والمال
تاريخياً، لعبت الجاليات اليهودية دورًا
بارزًا في التجارة والصيرفة، خاصة في أوروبا خلال العصور
الوسطى، بسبب القيود الدينية المفروضة على المسيحيين (مثل حظر
الربا في الكاثوليكية). سمح ذلك لليهود بتولي أدوار في الإقراض
والتمويل، مما ساهم في تطور النظام المصرفي المبكر. هذا الدور،
وإن لم يُناقش بتفصيل في الكتاب، يتماشى مع فكرة فريدمان بأن
الأطر الدينية شكلت الأنشطة الاقتصادية، حيث ملأت اليهودية
فجوة تركتها قيود دينية أخرى.
القيم اليهودية والعمل
تشجع التعاليم
اليهودية على العمل الجاد، والتعليم، والمسؤولية الاجتماعية،
وهي قيم تتماشى مع الإنتاجية الاقتصادية. على سبيل المثال،
التأكيد على التعليم في التقاليد اليهودية ساهم في تمكين
الأفراد اقتصاديًا، خاصة في العصر الحديث. الكتاب لا
يتناول هذه النقطة مباشرة، لكن يمكن ربطها بنقاش فريدمان حول
كيف تدعم الأطر الدينية الفردية والنمو الاقتصادي.
الصدقة والمجتمع
تؤكد اليهودية على الـ "تزداكاه"
(الصدقة) كواجب ديني، مما عزز بناء شبكات دعم مجتمعية قوية.
هذه الشبكات ساعدت الجاليات اليهودية على تحقيق استقرار
اقتصادي في ظل ظروف صعبة، مثل الاضطهاد أو التهمش، وفقاً لمؤلف
الكتاب. هذا الجانب يشبه إلى حد ما دور الكاثوليكية في دعم
الفقراء الذي يذكره فريدمان، لكنه يختلف في تركيزه على المجتمع
اليهودي الداخلي.
التحديات والصور النمطية
يتجنب الكتاب الخوض في الصور النمطية
حول اليهودية والمال، لكن التاريخ يظهر أن الدور الاقتصادي
لليهود أُسيء تفسيره أحيانًا، بحسب الكتاب، مما أدى إلى وصمهم.
فريدمان، في سياقه العام، يركز على التأثيرات الإيجابية للدين
على الاقتصاد، مما يوحي بأن اليهودية ساهمت في النمو الاقتصادي
عبر أدوارها في التجارة.
وهكذا، فإن اليهودية
ساهمت في الاقتصاد من خلال دورها في التمويل والتجارة، مدعومة
بقيم التعليم والعمل والصدقة. وإن لم يركز الكتاب عليها
بشكل مباشر، يمكن ربط تأثيرها بأفكار فريدمان حول كيفية تشكيل
الأطر الدينية للسلوك الاقتصادي.
تأثير
الكاثوليكية الحديثة
يتناول مؤلف الكتاب، فريدمان،
الكاثوليكية بشكل أساسي في سياقها التاريخي، ويلمح إلى استمرار
تأثيرها في العصر الحديث، خاصة في نقاشات السياسات الاقتصادية
والعدالة الاجتماعية من خلال ما يلي:
العدالة الاجتماعية والعمال
وفقاً للكتاب، في العصر الحديث (من
أواخر القرن التاسع عشر فصاعدًا)، أصبحت الكاثوليكية قوة داعمة
لسياسات تحمي العمال وتعالج التفاوتات الناتجة عن الرأسمالية.
وعلى الرغم من أن الكتاب لا يذكرRerum
Novarum (1891) صراحة، إلا أن هذه الرسالة البابوية وضعت
أساساً للتعاليم الكاثوليكية الحديثة التي تدعو إلى حماية حقوق
العمال، والأجور العادلة، والنقابات. يشير فريدمان إلى أن
الكاثوليكية، على عكس البروتستانتية التي ركزت على الفردية،
وظلت تدعم رؤية جماعية، مما أثر على سياسات الرعاية الاجتماعية
في الدول الكاثوليكية.
نقد الرأسمالية غير المقيدة
يشير المؤلف الى أنه في
القرن العشرين والحادي والعشرين، عارضت الكنيسة الكاثوليكية
الجوانب الأكثر جشعًا في الرأسمالية، مثل التركيز المفرط على
الربح على حساب الإنسان. على سبيل المثال، دعا
الباباوات مثل يوحنا بولس الثاني وفرانسيس إلى اقتصاد يعطي
الأولوية للكرامة الإنسانية. يلمح الكتاب إلى هذا الدور من
خلال نقاشه عن التوتر بين الدين والسوق، حيث تدعو الكاثوليكية
إلى ضوابط أخلاقية على الاقتصاد.
التأثير على السياسات البيئية
في العصر الحديث، برزت الكاثوليكية
كمدافع عن السياسات البيئية، كما يتضح من رسالة البابا
فرانسيس Laudato Si’ (2015) التي تربط العدالة البيئية
بالعدالة الاقتصادية. الكتاب لا يذكر هذا صراحة، لكن فكرة
فريدمان عن استمرار تأثير الدين على السياسات تنسجم مع هذا
الاتجاه.
التحديات في العالم العلماني
يشير فريدمان إلى أن تأثير الكاثوليكية
على السياسات الاقتصادية تضاءل نسبيًا في العالم الحديث بسبب
العلمنة، خاصة في أوروبا. ومع ذلك، تظل الكنيسة قوة مؤثرة في
دول مثل أمريكا اللاتينية وأجزاء من أفريقيا، حيث تدعم سياسات
مكافحة الفقر والتفاوت.
عليه، الكاثوليكية
الحديثة أثرت على الاقتصاد من خلال دعمها للعدالة الاجتماعية،
وحماية العمال، ونقد الرأسمالية غير الأخلاقية. يرى
فريدمان أن هذا التأثير يعكس استمرارية الدور الديني في صياغة
السياسات، وإن بدرجة أقل في العالم العلماني.
الإسلام
والاقتصاد
يركز الكتاب بشكل رئيسي على تأثير
المسيحية، وخاصة البروتستانتية والكاثوليكية، على صعود
الرأسمالية في الغرب، ولا يتناول الإسلام والاقتصاد بشكل
مباشر. مع ذلك، يمكن الإشارة الى تأثير الإسلام على الاقتصاد
استنادًا إلى السياق التاريخي والاقتصادي العام، مع ربطها
بأفكار الكتاب حول كيفية تشكيل الأطر الدينية للسلوك
الاقتصادي.
التجارة والشبكات الاقتصادية
في العصور الوسطى
شجَّع الإسلام التجارة منذ نشأته في
القرن السابع، حيث عمل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في
التجارة، مستثمراً أموالاً من السيدة خديجة بنت خويلد (عليها
السلام)، مما أعطى التجارة مكانة مرموقة. خلال العصر الذهبي
الإسلامي (القرون 8-13)، ازدهرت المدن الإسلامية مثل بغداد،
والقاهرة، وقرطبة كمراكز تجارية عالمية تربط الشرق بالغرب.
يتماشى هذا مع فكرة فريدمان بأن الأطر الدينية يمكن أن تعزز
النشاط الاقتصادي. على الرغم من أن الكتاب يركز على السياق
الغربي، فإن الإسلام، مثل البروتستانتية لاحقًا، قدم إطارًا
أخلاقيًا للتجارة يشجع على الصدق والعقود العادلة.
وكما شجعت التعاليم اليهودية على العمل
الجاد، والتعليم، والمسؤولية الاجتماعية، وهي قيم تتماشى مع
الإنتاجية الاقتصادية، الإسلام كذلك، يقول الإمام الشيرازي
الراحل (قدس سره)، في كتابه (فقه المال): "يستحبّ
جمع المال الحلال، ويستحب الإنفاق في سبيل الله، في غير الواجب
اكتسابه والواجب إنفاقه، ويدلّ عليه روايات متواترة، فعن
الإمام الصادق (عليه السلام) "لا خير في من لا يحبّ جمع المال
من حلال، يكفّ به وجهه ويقضي به دَينه ويَصِل به رَحِمَه"
(ص 9).
نظام الزكاة والعدالة
الاجتماعية
الزكاة، أحد أركان الإسلام الخمسة، تفرض
دفع نسبة معينة من الثروة سنويًا للفقراء والمحتاجين. هذا
النظام يعزز إعادة توزيع الثروة ويحد من التفاوت الاقتصادي،
مما يشبه إلى حد ما تركيز الكاثوليكية على الصدقة الذي يذكره
فريدمان. أثرت الزكاة على السياسات الاقتصادية في الدول
الإسلامية التاريخية، حيث أُنشئت مؤسسات لجمعها وتوزيعها، مما
دعم الاستقرار الاجتماعي.
حظر الربا وتطوير التمويل
الإسلامي
يحظر الإسلام الربا (الفائدة)، مما دفع
إلى تطوير أنظمة تمويل بديلة مثل المضاربة (الشراكة في الأرباح
والخسائر) والمرابحة (بيع بتكلفة زائدة متفق عليها). مع ذلك،
يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "يستحب
المضاربة بإنصاف، والإنصاف أن يكون الربح بينهما بحسب الموازين
العادلة، لا أن يجحف أحدهما بالآخر" (فقه المال: ص 63).
هذه الأنظمة شجعت الاستثمار الأخلاقي وساهمت في استقرار
الأسواق في العالم الإسلامي التاريخي. يقارن هذا مع حظر الربا
في الكاثوليكية المبكرة الذي يذكره فريدمان، لكن الإسلام طور
حلولاً عملية مبكرة أتاحت نموًا اقتصاديًا دون انتهاك القواعد
الدينية.
الأخلاق الاقتصادية والعمل
يشجع الإسلام على العمل الجاد والكسب
الحلال، مع التأكيد على الأخلاق في التعاملات التجارية. القرآن
الكريم والنبي الأكرم وأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)
يدعوون إلى الصدق، والأمانة والنزاهة، وتجنب الغش، مما خلق
إطارًا أخلاقيًا للاقتصاد. هذه القيم تشبه الأخلاق
البروتستانتية التي يناقشها فريدمان، حيث عززت الانضباط
والإنتاجية، لكن الإسلام ركز أيضًا على المسؤولية الاجتماعية
أكثر من الفردية المطلقة. يقول الإمام الشيرازي الراحل (قدس
سره): "يستحب العمل باليد والأكل
والإنفاق من كدّها، فإن الإمام أمير المؤمنين قد أعتق ألف
مملوك من كدّ يده" (فقه المال ص 65).
التأثير في العصر الحديث
في العصر الحديث، أدى إحياء التمويل
الإسلامي إلى إنشاء بنوك ومؤسسات مالية تتوافق مع الشريعة،
والتي تنمو عالميًا بقيمة سوق تتجاوز تريليوني دولار. هذا يعكس
قدرة الإسلام على التكيف مع الاقتصادات الرأسمالية مع الحفاظ
على هويته الأخلاقية. على غرار نقاش المؤلف حول استمرار تأثير
الدين على السياسات الحديثة، يؤثر الإسلام على السياسات
الاقتصادية في دول عدد من بلدان العالم الإسلامي، حيث تدمج
المبادئ الإسلامية في التخطيط الاقتصادي.
التحديات والتباينات
مثل الكاثوليكية التي ناقشها فريدمان،
واجه الإسلام توترات مع الرأسمالية الحديثة، خاصة في قضايا مثل
الاستهلاك المفرط أو الاستغلال. بعض العلماء المسلمين يدعون
إلى اقتصاد متوازن يتجنب الجشع، بينما يتبنى آخرون الرأسمالية
مع تعديلات شرعية. الدول الإسلامية تختلف في تطبيق المبادئ
الاقتصادية الإسلامية، مما يعكس تنوع التفسيرات الدينية، وهي
نقطة مشابهة لتباين التأثير الديني في السياق المسيحي الذي
يذكره الكتاب.
بالتالي، رغم أن كتاب فريدمان لا يتناول
الإسلام مباشرة، يمكن ربط تأثير الإسلام على الاقتصاد بأفكاره
حول الدين كقوة تشكل السلوك الاقتصادي. فقد ساهم الإسلام في
تطوير التجارة، والتمويل الأخلاقي، وإعادة توزيع الثروة، عبر
الخمس والزكاة، مع الحفاظ على إطار أخلاقي يوازن بين النمو
الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. في العصر الحديث، يستمر
التمويل الإسلامي في النمو، مما يعكس قدرة الإسلام على التكيف
مع الرأسمالية مع الحفاظ على قيمه، وفقاً للكتاب.
1 / ذو القعدة / 1446هـ