موقع الإمام الشيرازي
كتاب "صناعة الدولة المسلمة الحديثة:
الإسلام والحوكمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" باللغة
الإنكليزية (424 صفحة)، من تأليف د. مالكة زغل (Malika
Zeghal)، الأستاذة في جامعة هارفارد، وتعمل في قسم اللغات
والحضارات الشرق أوسطية القريبة ولجنة دراسة الأديان.
المؤلفة باحثة معروفة بأعمالها حول
العلاقة بين الدين والسياسة في العالم الإسلامي، مع تركيز خاص
على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لها عدة مؤلفات من
بينها "Gardiens de l’Islam" (حراس الإسلام) الذي يتناول دور
علماء الأزهر في مصر المعاصرة، وكتاب "Islamism in Morocco:
Religion, Authoritarianism, and Electoral
Politics" (الإسلاموية في المغرب: الدين، السلطوية، والسياسة
الانتخابية). تتميز أبحاث مالكة زغل بالعمق التاريخي والتحليل
السياسي، حيث تستكشف كيفية تفاعل الدول مع الإسلام؛ كدين مفضل
ومؤسسة اجتماعية، عبر الزمن.
يُعد كتاب "صناعة الدولة المسلمة
الحديثة: الإسلام والحوكمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" لـ
"مالكة زغل"، إضافة بارزة إلى الأدبيات الأكاديمية التي تتناول
العلاقة المعقدة بين الإسلام والدولة في العالم العربي
والإسلامي. صدر الكتاب عن دار نشر جامعة برنستون في عام 2024،
ويأتي ضمن سلسلة دراسات برينستون في السياسة الإسلامية، ليقدم
تحليلًا مبتكرًا يعيد صياغة الرواية التقليدية حول علمنة الدول
في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد حظي الكتاب بمراجعة نقدية
من ليزا أندرسون، الخبيرة البارزة في السياسة المقارنة
والدراسات العربية.
جوهر الكتاب:
إعادة تقييم دور الإسلام في الحوكمة
ينطلق الكتاب من فرضية مركزية تتحدى
التصور السائد بأن الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد
تحولت إلى دول علمانية بشكل كامل خلال العصر الحديث. تقدم د.
مالكة زغل رؤية مغايرة ترى أن الدول في هذه المنطقة حافظت على
دورها كـ"حارسة" للإسلام كدين مفضل، حتى مع تبنيها تقنيات
حوكمة غربية. تستند هذه الفرضية إلى دراسة تاريخية شاملة تمتد
من بدايات الحوكمة الدستورية في القرن التاسع عشر، مرورًا
بتجارب الديمقراطية ما بعد الربيع العربي. من خلال هذا الإطار،
تؤكد المؤلفة أن الجدل حول تطبيق دعم الدولة للإسلام ومعناه قد
أدى إلى انقسام سياسي عميق بين المحافظين ومعارضيهم، وهو
انقسام يسبق الاستقطاب الذي شهدته القرن العشرين مع صعود
السياسة الجماهيرية والحركات الإسلامية.
تعتمد مالكة زغل في تحليلها على مصادر
متنوعة تشمل المشاريع الدستورية، والإنفاق العام، وتسجيل
الطلاب في المدارس، والمناهج الدراسية، لتظهر كيف أن الدول
المسلمة الحديثة، على الرغم من توسعها في المجالات غير
الدينية، زادت بشكل كبير من توفير الخدمات الدينية العامة،
وخاصة التعليم الإسلامي. هذا التوسع، كما ترى المؤلفة، غذى
الانقسام السياسي بين الإسلاميين وخصومهم، مما يعكس تعقيدات
العلاقة بين الدولة والدين في المنطقة.
الفكرة
الأساسية للكتاب
تقول المؤلفة مالكة زغل إن الدول في
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تصبح علمانية تمامًا (أي تفصل
الدين عن الحكم) كما يعتقد بعض. بدلاً من ذلك، ظلت هذه الدول
تدعم الإسلام وتعتني به، حتى مع استخدامها أساليب حديثة في
الحكم مستوحاة من الغرب. تستخدم المؤلفة أمثلة: الدساتير،
والميزانيات الحكومية، والمدارس لتوضح أن الدول زادت من تقديم
خدمات دينية، مثل التعليم الإسلامي، مع الوقت. هذا الدعم
للإسلام، بحسب رأيها، تسبب في انقسام سياسي كبير بين من يؤيدون
دور الدين في الحكم ومن يعارضونه، وهو انقسام بدأ منذ زمن طويل
واستمر حتى اليوم.
السياق
التاريخي والجغرافي
يغطي الكتاب نطاقًا جغرافيًا واسعًا
يشمل تونس، والمغرب، ومصر، وتركيا، وسوريا، ولبنان، وهي دول
تتشارك في تجربة تاريخية مشتركة لكنها تختلف في مساراتها
السياسية والاجتماعية. من خلال هذا التنوع، تستعرض المؤلفة كيف
استمر الإسلام كعنصر مركزي في الحوكمة، حتى في ظل التغيرات
الجذرية مثل الاستعمار، والاستقلال، ومحاولات التحديث. على
سبيل المثال، تتناول العلاقة بين الدولة وهيئة العلماء (الأزهر
في مصر، والزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب)، مشيرة إلى
أن السلطة المعيارية لهؤلاء العلماء ظلت قائمة عبر الأنظمة
السياسية المختلفة، مما يعزز فكرة استمرارية الدور الديني
للدولة.
مراجعة
أندرسون
في مراجعتها المنشورة في 25 فبراير
2025، تقدم ليزا أندرسون تقييمًا دقيقًا للكتاب، مشيدة بقدرته
على تقديم تحليل تاريخي واقتصادي وسياسي متكامل يعيد النظر في
الروايات التقليدية حول العلمانية في المنطقة. تسلط أندرسون
الضوء على قوة الكتاب في كشف الجذور التاريخية العميقة
للانقسامات السياسية المعاصرة حول الإسلام في الحوكمة، وترى
أنه ينجح في تجاوز الثنائيات البسيطة مثل "العلمانية مقابل
الإسلامية" ليقدم صورة أكثر دقة وتعقيدًا.
تشيد ليزا أندرسون بالكتاب لأنه يقدم
نظرة جديدة ومفصلة عن دور الإسلام في الحكم. قالت إنه يساعدنا
على فهم سبب الخلافات السياسية الحالية حول الدين في المنطقة.
مع ذلك، أندرسون أشارت الى أن الكتاب لم يهتم كثيرًا بكيف أثرت
سياسات الدولة على الأقليات الدينية، أو أن المؤلفة ركزت بشكل
كبير على دور الإسلام دون مناقشة التحولات العلمانية في بعض
الدول مثل تركيا.
تحليل نقدي
من وجهة نظر تحليلية، يقدم الكتاب
مساهمة في فهم العلاقة بين الدين والدولة، ويثير أسئلة حول مدى
تعميم استنتاجاته. فبينما تؤكد المؤلفة على استمرارية دور
الإسلام في الحوكمة، يمكن القول إن هذه الاستمرارية ليست موحدة
عبر المنطقة. ففي تركيا، على سبيل المثال، شهدت فترة ما بعد
تأسيس الجمهورية تحت قيادة أتاتورك محاولات جذرية لفصل الدين
عن الدولة، وهو ما قد يتعارض مع فكرة الاستمرارية التي تدافع
عنها المؤلفة. وعلى النقيض، في دول مثل مصر، حيث لعب الأزهر
دورًا محوريًا حتى في ظل أنظمة علمانية نسبيًا مثل نظام عبد
الناصر، تبدو حجة المؤلفة أكثر تماسكًا.
علاوة على ذلك، يمكن أن يُنظر إلى تركيز
الكتاب على التعليم الإسلامي كمؤشر على دعم الدولة للدين على
أنه نقطة قوة ونقطة ضعف في آن واحد. فبينما يعكس هذا التركيز
دقة تحليلية في تتبع السياسات العامة، فإنه نوعا ما يغفل
أبعادًا أخرى للعلاقة بين الدولة والدين، مثل القوانين
الشخصية، أو دور المحاكم الشرعية، أو حتى الخطاب السياسي الذي
يستخدم الدين كأداة للشرعية.
في المحصلة، يُعد "The Making of the
Modern Muslim State" عملًا رائدًا يقدم إطارًا جديدًا لفهم
العلاقة بين الإسلام والحوكمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
من خلال تحليلها الدقيق والموسع، تنجح المؤلفة في إعادة صياغة
السردية التاريخية وتسليط الضوء على تعقيدات هذه العلاقة.
الكتاب يساعد على فهم كيف شكل الإسلام
الدول الحديثة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يقدم تحليلًا
واضحًا ومفيدًا، ومراجعة ليزا أندرسون تضيف له قيمة بإشارتها
إلى نقاط القوة والضعف. أندرسون، بدورها، تؤكد أهمية الكتاب مع
تقديم زوايا نقدية تعزز من قيمته الأكاديمية.
يبقى الكتاب دعوة مفتوحة للتفكير النقدي
في كيفية تشكل الدولة المسلمة الحديثة، وكيف يمكن أن تستمر هذه
الديناميكيات في التأثير على المستقبل السياسي للمنطقة. الكتاب
أيضاً يدعونا للتفكير أكثر في كيف يمكن أن يؤثر الإسلام على
مستقبل السياسة في هذه المنطقة.
مؤشرات
(1) رأي ليزا أندرسون في
الكتاب: نظرة جديدة وفهم الخلافات السياسية
في مراجعتها للكتاب، أشادت ليزا
أندرسون، وهي باحثة معروفة في السياسة المقارنة، بالطريقة التي
قدمت بها المؤلفة تحليلًا جديدًا ومفصلًا عن دور الإسلام في
حكم الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بدلًا من النظرة
التقليدية التي تقول إن هذه الدول أصبحت علمانية (أي فصلت
الدين عن السياسة)، تُظهر المؤلفة أن الإسلام ظل جزءًا مهمًا
من الحكم حتى اليوم. أندرسون رأت أن هذا التحليل "جديد" لأنه
يبتعد عن الأفكار البسيطة مثل "الدولة إما دينية وإما
علمانية"، ويوضح بدلاً من ذلك كيف تعايشت الدول مع الإسلام
واستخدمته بطرق مختلفة عبر التاريخ.
أندرسون أضافت أن الكتاب يساعدنا على
فهم سبب الخلافات السياسية الحالية حول الدين في المنطقة. على
سبيل المثال، هناك نزاعات بين من يريدون أن تكون الدولة دينية
أكثر (مثل الإسلاميين) ومن يريدون تقليص دور الدين (مثل
العلمانيين). المؤلفة تُظهر أن هذه الخلافات ليست جديدة، بل
بدأت منذ زمن طويل، عندما بدأت الدول تدعم الإسلام بطرق مثل
بناء المدارس الدينية أو وضع قواعد مستوحاة من الشريعة.
أندرسون اعتبرت أن هذا التفسير يربط الماضي بالحاضر بطريقة
ذكية، مما يجعلنا نفهم لماذا لا تزال هذه المشاكل موجودة
اليوم، مثل الجدل حول الدستور في مصر أو تونس بعد الربيع
العربي.
(2) قوة الكتاب ونقده: التركيز
على استمرار الإسلام مقابل تجربة تركيا
الكتاب قوي لأنه يشرح تاريخ العلاقة بين
الدين والدولة بطريقة واضحة ومفصلة. مالكة زغل تستخدم أمثلة
ملموسة، مثل الدساتير القديمة، وكيف أنفقت الدول أموالها على
التعليم الإسلامي، وكيف أثر ذلك على المجتمع. على سبيل المثال،
تتحدث عن مصر وكيف ظل الأزهر مركزًا دينيًا مهمًا حتى في عهد
حكام علمانيين مثل جمال عبد الناصر. هذا الشرح التاريخي يجعل
القارئ يرى كيف كان الإسلام دائمًا جزءًا من هوية الدولة، حتى
لو بدا أنها تتجه نحو الحداثة أو العلمانية.
لكن هناك نقد محتمل للكتاب، وهو أن زغل
ربما ركزت كثيرًا على فكرة أن الإسلام استمر دوره في الحكم دون
تغيير كبير. هذا قد لا ينطبق على كل الدول. على سبيل المثال،
في تركيا بعد تأسيس الجمهورية في عشرينيات القرن العشرين تحت
قيادة مصطفى كمال أتاتورك، حاولت الدولة تقليص دور الإسلام
بشكل واضح. ألغت الخلافة، وحظرت المدارس الدينية التقليدية،
وجعلت القوانين علمانية أكثر. هذه التجربة تُظهر أن بعض الدول
حاولت على الأقل الابتعاد عن الدين، وهو ما قد يتعارض مع فكرة
د. زغل عن "الاستمرارية". النقد هنا هو أن الكتاب ربما لم يعطِ
هذه الحالات المختلفة وزنًا كافيًا، مما يجعل تحليلها يبدو
أحيانًا غير كامل.
(3) كيف شكل الإسلام الدول
الحديثة في المنطقة
الكتاب يساعدنا على فهم كيف أثر الإسلام
على تشكيل الدول الحديثة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطريقة
عميقة ومستمرة. المؤلفة تُظهر أن الإسلام لم يكن مجرد دين
يمارسه الناس في حياتهم الخاصة، بل كان أداة استخدمتها الدول
لإدارة المجتمع وبناء هويتها. على سبيل المثال، في تونس
والمغرب، دعمت الدول مؤسسات دينية مثل الزيتونة والقرويين، مما
ساعدها على السيطرة على التعليم والثقافة. في مصر، استخدمت
الحكومات الأزهر لدعم شرعيتها، حتى في أوقات التحديث.
الكتاب يوضح أيضًا أن هذا الدور للإسلام
لم يتوقف مع الاستعمار أو الاستقلال. حتى عندما جاءت أنظمة
حديثة أو ديمقراطية، ظل الإسلام حاضرًا في السياسة، سواء من
خلال القوانين (مثل قوانين الأسرة المستندة إلى الشريعة) أو من
خلال دعم التعليم الديني. هذا التشكيل يظهر أن الدول لم تستطع
التخلص من الإسلام كجزء من هويتها، حتى لو حاولت أحيانًا أن
تبدو علمانية. على سبيل المثال، بعد الربيع العربي في 2011،
عادت مناقشات الدين والدولة بقوة في دساتير تونس ومصر، مما
يثبت أن الإسلام لا يزال يؤثر على شكل الدول الحديثة.
دور الأقليات
الدينية
الكتاب يركز على كيف حافظت الدول في
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على دور الإسلام كعنصر مركزي في
الحوكمة، من خلال دعم التعليم الديني، والدساتير، والسياسات
العامة. لكن هذا التركيز على الإسلام كدين مفضل للدولة يثير
تساؤلات حول وضع الأقليات الدينية (مثل المسيحيين، اليهود،
البهائيين، أو الشيعة في دول ذات أغلبية سنية، والعكس) التي
عاشت في هذه الدول عبر التاريخ. دور الأقليات وتأثرهن بسياسات
الدولة الدينية يمكن مناقشته من عدة زوايا:
(1) الأقليات في ظل دعم الدولة
للإسلام
تؤكد المؤلفة أن الدول زادت من تقديم
الخدمات الدينية، مثل التعليم الإسلامي، كجزء من هويتها
الحديثة. هذا الدعم كان له تأثير مباشر على الأقليات الدينية.
على سبيل المثال:
في مصر: الأقباط
المسيحيون، الذين يشكلون حوالي 10% من السكان، واجهوا تحديات
بسبب تركيز الدولة على التعليم الإسلامي في المناهج الرسمية.
بينما كان لهم مدارس خاصة بهم، فإن السياسات العامة التي تعزز
الهوية الإسلامية للدولة جعلتهم يشعرون أحيانًا بالتهميش، خاصة
في القوانين المتعلقة ببناء الكنائس أو التمثيل السياسي.
في لبنان: النظام
الطائفي يعطي كل طائفة (مسيحيون، شيعة، سنة، دروز) دورًا في
الحكم، لكن دعم الدولة لمؤسسات دينية معينة (مثل المدارس
الإسلامية السنية أو الشيعية) أحيانًا أدى إلى توترات بين
الطوائف، حيث شعرت بعض الأقليات بأن الدولة تميل لصالح طائفة
على حساب أخرى.
في المغرب: اليهود،
الذين كانوا أقلية تاريخية مهمة، تأثروا بسياسات الدولة التي
ركزت على تعزيز الهوية الإسلامية بعد الاستقلال. على الرغم من
أن الملكية حمت اليهود تاريخيًا، فإن التعليم والثقافة الرسمية
أصبحت أكثر تركيزًا على الإسلام، مما قلل من حضورهم الثقافي
تدريجيًا.
(2) القوانين والتمييز
الاجتماعي
سياسات الدولة التي تدعم الإسلام لم
تقتصر على التعليم، بل شملت أيضًا القوانين، مثل قوانين
الأحوال الشخصية (الزواج، الطلاق، الميراث) التي استندت غالبًا
إلى الشريعة الإسلامية. هذا أثر على الأقليات بطرق مختلفة:
في دول مثل مصر وسوريا، كان على
الأقليات المسيحية إدارة شؤونها الشخصية عبر محاكم دينية خاصة
بهم، لكن هذه المحاكم كانت تحت إشراف الدولة، التي كانت تميل
لتفضيل النظام الإسلامي. هذا أحيانًا جعل الأقليات يشعرون
بأنهم مواطنون من "الدرجة الثانية".
في تركيا قبل أتاتورك، كانت الأقليات
(مثل الأرمن واليونانيين) تخضع لنظام "الملل" العثماني، الذي
أعطاهم بعض الحقوق، ولكنه عزلهم عن الهوية الإسلامية للدولة.
بعد التحول العلماني، تغير الوضع، لكن الكتاب لا يناقش هذا
التحول بالتفصيل.
(3) الانقسام السياسي
والأقليات
المؤلفة مالكة زغل تتحدث عن كيف أن دعم
الدولة للإسلام أدى إلى انقسام بين الإسلاميين والعلمانيين.
الأقليات الدينية كانت غالبًا طرفًا متأثرًا بهذا الانقسام:
في تونس بعد الربيع العربي، عندما كُتب
الدستور الجديد في 2014، كان هناك جدل حول مدى تركيز الدولة
على الإسلام. الأقليات (مثل العلمانيين أو غير المسلمين) دعموا
غالبًا الجانب العلماني، خوفًا من أن يؤدي تعزيز الهوية
الإسلامية إلى تقييد حقوقهم.
في سوريا، الأقليات مثل العلويين
والمسيحيين دعموا نظام بشار الأسد في بعض الأحيان لأنه قدم
نفسه كحامٍ لهم ضد الإسلاميين، مما يظهر كيف أثر الانقسام الذي
تحدثت عنه مالكة زغل على ديناميكيات الأقليات.
دور الأقليات يكشف عن تعقيد العلاقة بين
الدين والدولة. فبينما ساعد دعم الإسلام في بناء هوية موحدة
للدولة، فإنه أحيانًا عزز الانقسامات الاجتماعية. في بعض
الحالات، مثل المغرب أو تونس، حاولت الدول حماية الأقليات
للحفاظ على الاستقرار، لكن في حالات أخرى، مثل مصر أو سوريا،
أدى التركيز على الإسلام إلى توترات طائفية. المؤلفة لو تناولت
هذا الجانب بمزيد من التفصيل، لكان الكتاب يقدم صورة أكثر
اكتمالًا عن كيف شكل الإسلام الدول الحديثة، ليس فقط للأغلبية
المسلمة، بل للمجتمع بأكمله.
الأقليات الدينية تأثرت بسياسات الدولة
التي دعمت الإسلام من خلال التعليم، والقوانين، والانقسامات
السياسية. في مصر، شعر الأقباط بالتهميش أحيانًا؛ في لبنان،
أثرت السياسات على التوازن الطائفي؛ وفي تركيا، تغير وضع
الأقليات مع التحولات العلمانية. هنا، انتقدت أندرسون الكتاب
بأنه ركز على الأغلبية المسلمة دون مناقشة كافية لتجربة
الأقليات، مما قد يحد من شمولية التحليل.
دور الشيعة في
سياق الكتاب
كتاب د. مالكة زغل يركز على كيف حافظت
الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الإسلام كعنصر مركزي
في الحوكمة، من خلال دعم التعليم الديني، والدساتير، والمؤسسات
الإسلامية. لكن في الدول ذات الأغلبية السنية (مثل مصر، وتونس،
والمغرب)، أو حتى في دول متعددة الطوائف (مثل لبنان وسوريا)،
يثير هذا التركيز على "الإسلام" كمفهوم موحد تساؤلات حول كيفية
تعامل الدول مع الشيعة كأقلية دينية أو كجماعة لها هوية دينية
وسياسية مميزة. دور الشيعة يمكن مناقشته من خلال عدة جوانب:
(1) الشيعة في الدول ذات
الأغلبية السنية
في الدول التي درستها المؤلفة، مثل مصر
وتونس والمغرب، الشيعة ليسوا أقلية كبيرة عدديًا، لكنهم كانوا
موجودين تاريخيًا أو أصبحوا لاحقًا جزءًا من النقاش السياسي
والديني:
مصر: الشيعة في مصر قليلون جدًا (أقل من
1% من السكان)، بحسب الكتاب، لكن الدولة، التي ركزت على دعم
الإسلام السني من خلال الأزهر، اتخذت موقفًا متشددًا ضدهم. على
سبيل المثال، في العصر الحديث، واجه الشيعة قيودًا على ممارسة
شعائرهم (مثل إحياء عاشوراء) بسبب سياسات الدولة التي رأت في
التشيع تهديدًا للهوية السنية الموحدة. هذا يتماشى مع فكرة
المؤلفة أن الدولة "حارسة للإسلام"، لكن الإسلام هنا كان سنيًا
بشكل أساسي، مما أدى إلى تهميش الشيعة.
تونس: الشيعة في تونس تاريخيًا لم
يكونوا قوة كبيرة، لأن البلاد كانت مركزًا للمالكية (مذهب
سني). لكن بعد الربيع العربي، ظهرت بعض التوترات مع صعود
الحركات الإسلامية السنية (مثل النهضة)، وأي محاولات للتشيع
قوبلت بحذر من الدولة التي حاولت الحفاظ على هوية إسلامية
موحدة.
المغرب: الشيعة أقلية صغيرة جدًا،
والدولة، التي تروج لنفسها كحامية للإسلام السني المالكي تحت
قيادة الملك كـ"أمير المؤمنين"، اتخذت موقفًا صلبًا ضد أي نشاط
شيعي، خاصة بعد مخاوف من نفوذ إيران في المنطقة بعد العام
2000. دعم الدولة للتعليم السني، كما تذكر المؤلفة، جعل الشيعة
خارج الإطار الرسمي للحوكمة.
(2) الشيعة في دول متعددة
الطوائف
في لبنان وسوريا، حيث الشيعة لهم حضور
قوي، يصبح دورهم أكثر تعقيدًا في سياق تحليل المؤلفة:
لبنان: الشيعة يشكلون حوالي 30-40% من
السكان، وهم جزء من النظام الطائفي الذي يوزع السلطة بين
الطوائف. المؤلفة ربما تحدثت عن كيف دعمت الدولة اللبنانية
مؤسسات دينية، لكن هذا الدعم لم يكن موحدًا لـ"الإسلام" ككل،
بل كان مقسمًا بين السنة والشيعة. على سبيل المثال، الشيعة
طوّروا مؤسساتهم الخاصة (مثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى،
تأسس 1967) لتلبية احتياجاتهم التعليمية والدينية. لكن عندما
زادت الدولة من دعمها للخدمات الدينية، كما تقول المؤلفة،
استفاد الشيعة جزئيًا من خلال أحزاب مثل حزب الله وحركة أمل،
اللذين استخدما هذا الدعم لتعزيز قوتهما السياسية. هذا أدى إلى
انقسامات داخلية، حيث رأى السنة والمسيحيون أن الشيعة يهيمنون
أحيانًا على النظام بسبب هذه الديناميكية.
سوريا: الشيعة العلويون، الذين يشكلون
حوالي 10-15% من السكان، سيطروا على الحكم منذ انقلاب حافظ
الأسد في 1970. على الرغم من أن النظام قدم نفسه كعلماني، فإن
دعم الدولة للإسلام (كما في التعليم الديني الذي ذكرته
المؤلفة) كان غالبًا موجهًا لخدمة الأغلبية السنية، بينما حافظ
العلويون على هويتهم الخاصة خارج الإطار الرسمي. هذا التوازن
الدقيق جعل الشيعة العلويين في موقع قوة، لكنه أثار أيضًا
معارضة من السنة، مما يتماشى مع فكرة المؤلفة عن الانقسام
السياسي الناتج عن دعم الدولة للدين.
(3) الانقسام السياسي والشيعة
تشير المؤلفة مالكة زغل إلى أن دعم
الدولة للإسلام أدى إلى انقسام بين الإسلاميين والعلمانيين،
لكن في الدول التي بها شيعة، أصبح هذا الانقسام أكثر تعقيدًا
بسبب التوترات السنية - الشيعية:
في لبنان، دعم الدولة للخدمات الدينية
عزز قوة الشيعة سياسيًا من خلال حزب الله، لكنه أثار مخاوف
السنة والمسيحيين من هيمنة شيعية، مما زاد من الاستقطاب
الطائفي.
في سوريا، دعم النظام العلوي للإسلام
كان رمزيًا أكثر منه عمليًا لكسب تأييد السنة، لكن هذا لم يمنع
السنة من رؤية النظام كـ"شيعي"، خاصة مع دعم إيران وحزب الله
له خلال الحرب الأهلية بعد 2011.
مراجعة أندرسون
في مراجعتها، ربما انتقدت ليزا أندرسون
أن المؤلفة لم تتناول بشكل كافٍ التنوع داخل الإسلام نفسه، بما
في ذلك دور الشيعة. بينما ركزت المؤلفة على الإسلام ككيان موحد
تدعمه الدولة، فإن هذا التركيز قد يتجاهل كيف اختلف تعريف
"الإسلام" بين السنة والشيعة، وكيف أثر ذلك على ديناميكيات
الحوكمة. على سبيل المثال:
في مصر، لماذا لم تُناقش القيود على
الشيعة كجزء من سياسة الدولة لدعم الإسلام السني؟
في لبنان وسوريا، لماذا لم تُفصل زغل
بين تأثير الدولة على السنة والشيعة؟ هذا الغموض قد يجعل
تحليلها أقل دقة في السياقات الطائفية.
دور الشيعة يكشف عن تعقيد دعم الدولة
للإسلام. في الدول السنية، كان الشيعة غالبًا مهمشين أو مُنظر
إليهم كتهديد، مما يعزز فكرة المؤلفة عن الدولة كحارسة
للإسلام، لكن بنكهة سنية واضحة. في الدول متعددة الطوائف،
استفاد الشيعة أحيانًا من هذا الدعم لتعزيز قوتهم (كما في
لبنان)، أو استخدموه كأداة للسيطرة (كما في سوريا)، لكنهم
أثاروا أيضًا ردود فعل معاكسة من السنة والأقليات الأخرى. لو
ناقشت المؤلفة هذا التنوع، لكان الكتاب يقدم صورة أكثر شمولية
عن كيف شكَّل الإسلام الدول الحديثة.
1 / شوال / 1446هـ