آمِنْ: لماذا يجب على الجميع أن يكونوا متدينين

Believe: Why Everyone Should Be Religious

(روس دوثات)



 

موقع الإمام الشيرازي

 

كتاب " Believe: Why Everyone Should Be Religious/  آمِنْ: لماذا يجب على الجميع أن يكونوا متدينين" من تأليف روس دوثات، وهو كاتب عمود في صحيفة "نيويورك تايمز" ومؤلف معروف، صدر في فبراير 2025 عن دار زوندرفان (Zondervan).

يقدّم الكتاب، الذي يمتد على 240 صفحة، حجة عقلانية ومتعاطفة لصالح الإيمان الديني، موجهًا بشكل أساسي إلى المتشككين والذين يبحثون عن معنى روحي في عالم يهيمن عليه الفكر العلماني. دوثات، وهو كاثوليكي ملتزم، لا يكتفي بالدفاع عن المسيحية فقط، بل يوسع رؤيته ليشمل الدين بشكل عام كإطار منطقي ومفيد لفهم الكون والوجود البشري.

في هذا الكتاب، يسعى المؤلف إلى الرد على التحديات الفكرية التي تواجه الإيمان في العصر الحديث، حيث يرى أن الكثيرين - سواء كانوا ملحدين أو متدينين جزئيًا أو مؤمنين يعانون من الشكوك - يتوقون إلى إيمان أعمق، لكنهم يجدون صعوبة في التوفيق بين المعتقدات الدينية التقليدية وما يعرفونه عن العالم اليوم. يجادل بأن الإيمان، في ضوء المعرفة الحالية، يجب أن يكون أسهل من عدم الإيمان، مقدمًا "مخططًا" للتفكير الذي ينقل القارئ من الشك إلى الإيمان.

ويتناول الكتاب، عبر سبعة فصول، عدة محاور رئيسية تهدف إلى إثبات أن الدين ليس فقط مفيدًا اجتماعيًا ونفسيًا، بل هو أيضًا استجابة عقلانية للواقع. تشمل هذه المحاور:

لماذا يتطلب عدم الإيمان تجاهل العقل؟

يرى دوثات أن رفض الإيمان يتطلب تجاهل ما تقوله لنا قدراتنا العقلية عن النظام الكوني. يشير إلى أن العالم، بتعقيده وتنظيمه، يوحي بوجود تصميم أو غاية، وهو ما يتماشى مع الرؤية الدينية أكثر من المادية العلمانية.

وعلى عكس الافتراض السائد بأن العلم يناقض الدين، يقدم دوثات أمثلة على اكتشافات علمية حديثة (مثل نظرية الانفجار العظيم وتعقيد الوعي البشري) تجعل الرؤية الدينية أكثر مصداقية، حيث تشير إلى وجود عقل مدبر وراء الكون.

ويناقش دوثات استمرار التجارب الروحية والظواهر الخارقة (مثل المعجزات وتجارب الاقتراب من الموت) حتى في عصر التكنولوجيا، معتبرًا أن هذه الظواهر تقدم دليلاً على وجود أكثر مما تراه العين المادية.

كيفية السعي الديني في ظل تنوع الأديان؟

يقترح المؤلف نهجًا منفتحًا للبحث الديني، حيث لا يشترط اختيار دين معين منذ البداية، بل يشجع على استكشاف التقاليد الدينية الكبرى (مثل المسيحية والإسلام واليهودية والهندوسية والبوذية)، معتبرًا أن كل منها يحمل حكمة تراكمية تستحق الدراسة.

في الفصل الأخير، يكشف دوثات عن إيمانه الشخصي بالمسيحية، موضحًا كيف أن قصة يسوع توفر إجابة فريدة لأسئلة وجودية مثل مشكلة الشر والمعاناة، ليس كدليل منطقي بل كرواية وحياة تجسد الإيمان بالله سبحانه.

يتميز الكتاب بأسلوب واضح ومباشر، مع لمسة من الفكاهة والدقة التي يشتهر بها المؤلف في كتاباته الصحفية. يتجنب التعصب أو التبشير المباشر، ويظهر تعاطفًا مع المتشككين، مما يجعله موجهًا بشكل رئيسي إلى القراء العلمانيين أو أولئك الذين يشعرون بالانجذاب للروحانية لكنهم مترددون في تبني دين معين. مع ذلك، يمكن للمؤمنين أيضًا الاستفادة منه كأداة لفهم كيفية مناقشة إيمانهم مع الآخرين.

السياق الثقافي

يأتي الكتاب في وقت يشهد تراجعًا لـ"الإلحاد الجديد" الذي قاده كتاب مثل ريتشارد دوكينز، وكريستوفر هيتشنز، وظهور اهتمام متجدد بالدين حتى بين شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك وآيان هيرسي علي. يستغل دوثات هذه اللحظة ليقدم "لاهوتًا جديدًا" يجمع بين العقل والروحانية، موجهًا دعوة للانضمام إلى تقليد ديني كخطوة منطقية ومثمرة.

دوافع تأليف الكتاب

لم يصرح المؤلف بشكل مباشر في نص منشور بقائمة محددة من الأسباب الشخصية التي دفعته لكتابة هذا العمل، لكن يمكن استنتاج دوافعه من خلال سياق الكتاب، أسلوبه، ومسيرته الفكرية ككاتب ومفكر. استنادًا إلى محتوى الكتاب وسيرته ككاتب عمود في "نيويورك تايمز" ومؤلف كتب سابقة مثل "The Decadent Society" و"Bad Religion"، يمكن تحديد عدة أسباب محتملة دفعت دوثات إلى تأليف هذا الكتاب:

(1) الاستجابة للفراغ الروحي في العصر الحديث

المؤلف يلاحظ في كتاباته المتكررة وجود أزمة معنى في المجتمعات الغربية، حيث أدى الابتعاد عن الدين إلى زيادة الشعور بالعزلة، القلق، وفقدان الهدف. من خلال الكتاب، يبدو أن المؤلف مدفوع برغبة في معالجة هذا الفراغ، مقترحًا أن الدين - بما فيه من طقوس وروايات ومجتمع - يقدم حلاً عمليًا وعقلانيًا لهذه الأزمة. يشير إلى أن الكثيرين، حتى المتشككين، يتوقون إلى شيء أكبر من المادية العلمانية، وهذا التوق قد يكون دافعًا شخصيًا له لتقديم "خريطة طريق" للإيمان.

(2)  التغيرات الثقافية والفكرية في السنوات الأخيرة

الكتاب يأتي في سياق تراجع موجة "الإلحاد الجديد" التي سيطرت على النقاش العام في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بقيادة أمثال ريتشارد دوكينز وسام هاريس، وظهور اهتمام متجدد بالروحانية والدين حتى بين شخصيات علمانية بارزة. دوثات، كمراقب ثقافي حاد، ربما شعر أن الوقت مناسب لتقديم حجة إيجابية للدين في لحظة تبدو فيها الأفكار العلمانية المتشددة أقل جاذبية، وربما أراد أن يكون صوتًا في هذا التحول.

(3) إيمانه الشخصي وتجربته مع الشك

ككاثوليكي ملتزم، يعترف دوثات في الكتاب بأن رحلته الدينية لم تكن خالية من الشكوك. هذا الجانب الشخصي قد يكون دافعًا قويًا له لكتابة هذا الكتاب، حيث يحاول أن يشارك كيف وصل إلى إيمانه عبر التفكير العقلاني والاستكشاف. يبدو أنه يريد مساعدة الآخرين الذين يواجهون نفس الصراعات الفكرية التي مر بها، مما يعكس رغبة في التواصل مع جمهور يعاني من التوتر بين العقل والروحانية.

(4) الدفاع عن الدين كإطار عقلاني

يبدو المؤلف مدفوعًا برغبة في تحدي الفكرة السائدة بأن الدين غير عقلاني أو مجرد خرافة قديمة. في الكتاب، يجادل بأن الإيمان يتماشى مع العقل والعلم الحديث أكثر مما يفعل الإلحاد أحيانًا. هذا الهدف قد يكون نابعًا من إحباطه من السرد العلماني الذي يهيمن على الثقافة الشعبية، ورغبته في إعادة تأطير الدين كخيار معقول للأفراد المعاصرين.

(5) دعوة للحوار بين المتشككين والمؤمنين

ككاتب يتميز بقدرته على مخاطبة جمهور واسع، قد يكون المؤلف قد أراد تأليف كتاب يعمل كجسر بين المتشككين والمؤمنين. أسلوبه المتعاطف وابتعاده عن التعصب الديني يشيران إلى أنه كان يهدف إلى فتح حوار، وليس فرض عقيدة. ربما شعر أن هناك حاجة إلى صوت يستطيع التحدث بلغة مشتركة بين هذين المعسكرين في وقت تشتد فيه الاستقطابات.

(6) إرثه الفكري كمفكر محافظ معتدل

المؤلف، كشخصية بارزة في الأوساط المحافظة المعتدلة، ربما أراد أن يترك بصمة فكرية تجمع بين اهتماماته الطويلة الأمد بالدين، الثقافة، والمجتمع. بعد كتب مثل "Bad Religion" التي نقدت الانحرافات في الدين الأمريكي، يبدو أن هذا الكتاب هو محاولته لتقديم رؤية إيجابية وبناءة، بدلاً من النقد فقط، مما يعكس تطوره ككاتب ومفكر.

هل العلمانية ضد الدين؟ وهل العلمانية أقل أماناً من الدين؟

المؤلف، روس دوثات، في هذا الكتاب يقدم نظرة نقدية ومعقدة للعلمانية، لكنه لا يصورها ببساطة كعدو للدين أو كشيء يتعارض معه بشكل مطلق. بدلاً من ذلك، يتناول العلمانية كظاهرة ثقافية وفكرية لها نقاط قوتها وضعفها، مع تركيز خاص على حدودها وقصورها في الإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى. لفهم موقفه بشكل كامل، دعنا نفصل نظرته إلى العلمانية في سياق السؤال:

(1) نظرة المؤلف للعلمانية

المؤلف يرى العلمانية كإطار فكري واجتماعي أصبح مهيمنًا في العالم الغربي الحديث، حيث يتم تهميش الدين أو استبعاده من الحياة العامة والشخصية لصالح رؤية مادية تعتمد على العقل والعلم كمصادر وحيدة للحقيقة والمعنى. في نظره، العلمانية ليست مجرد غياب الدين، بل هي "مشروع" نشط يروج لفكرة أن البشر يمكنهم العيش بشكل كامل ومُرضٍ دون الحاجة إلى الإيمان أو المعتقدات الدينية.

ومع ذلك، هو لا يرفض العلمانية بالكامل. يعترف بإنجازاتها، مثل تعزيز الحرية الفردية والتقدم العلمي، لكنه ينتقد ما يراه كغطرسة فكرية فيها - أي افتراضها أنها تستطيع استبدال الدين تمامًا دون ترك فراغات نفسية أو وجودية. يشير إلى أن العلمانية، على الرغم من نجاحها في بعض المجالات، فشلت في تقديم إجابات مقنعة عن قضايا مثل معنى الحياة، التعامل مع المعاناة، أو أصل الوعي البشري.

(2) هل يعتبر العلمانية ضد الدين؟

المؤلف لا يصف العلمانية صراحةً بأنها "ضد الدين" بمعنى العداء المباشر أو القمعي في كل الحالات. بدلاً من ذلك، يراها كمنافس للدين، لأنها تقدم رؤية بديلة للعالم تتعارض غالبًا مع الافتراضات الدينية. في نظره، العلمانية تميل إلى تقويض الدين ليس من خلال هجوم مباشر دائمًا، بل من خلال تهميشه تدريجيًا كجزء غير ضروري أو متجاوز من التجربة البشرية.

على سبيل المثال، يجادل بأن العلمانية تفترض أن العقل والعلم يمكنهما تفسير كل شيء، مما يجعل الإيمان يبدو كشيء غير عقلاني أو زائد عن الحاجة. لكنه يتحدى هذا الافتراض، مشيرًا إلى أن هناك جوانب من الوجود - مثل النظام الكوني أو التجارب الروحية - لا يمكن للعلمانية تفسيرها بسهولة، مما يجعل الدين ليس فقط متوافقًا مع العقل بل ربما أكثر تماسكًا مع الواقع من العلمانية في بعض النواحي. لذا، بدلاً من اعتبار العلمانية "ضد الدين" بشكل مباشر، يراها المؤلف كبديل غير كافٍ يتنافس مع الدين على تشكيل رؤية الناس للعالم، لكنه يفتقر إلى العمق والغنى الذي يقدمه الإيمان.

(3) هل العلمانية أقل أمانًا من الدين؟

المؤلف لا يستخدم تعبير "أقل أمانًا" بشكل صريح في الكتاب، لكن يمكن استنتاج من تحليله أنه يرى العلمانية كخيار أقل استقرارًا وأقل موثوقية من الدين على المستويين الفردي والجماعي. هذا الرأي ينبع من عدة نقاط:

الفراغ الوجودي: يجادل المؤلف بأن العلمانية تترك الناس دون إطار متماسك لفهم المعاناة أو الموت أو الغاية، مما قد يؤدي إلى القلق واليأس. الدين، في المقابل، يوفر روايات وطقوسًا تساعد الأفراد على مواجهة هذه التحديات، مما يجعله "أكثر أمانًا" بمعنى أنه يقدم دعمًا نفسيًا واجتماعيًا أكبر.

التناقضات الداخلية: يرى المؤلف أن العلمانية تعتمد على افتراضات غير مثبتة (مثل أن الكون مجرد صدفة مادية)، وهي افتراضات تتطلب قفزات في المنطق قد تكون أصعب من قبول فكرة وجود خالق أو غاية. في هذا السياق، الدين يبدو "أكثر أمانًا" لأنه يتماشى مع حدس البشر حول النظام والمعنى.

التجربة التاريخية: المؤلف يلمح إلى أن المجتمعات العلمانية، رغم تقدمها، غالبًا ما تعاني من أزمات ثقافية أو أخلاقية (مثل انهيار الروابط المجتمعية أو صعود النرجسية)، بينما المجتمعات الدينية تمتلك مرونة أكبر بفضل قيمها المشتركة وإحساسها بالهدف. هذا يشير إلى أن الدين قد يكون "أكثر أمانًا" كأساس للمجتمع. لكن من المهم ملاحظة أن المؤلف لا يقدم العلمانية كشيء خطير بطبيعته أو يجب رفضه تمامًا. هو لا يدعو إلى ثيوقراطية أو معاداة العلمانية بشكل متطرف، بل ينتقدها كنظام غير كافٍ لتلبية الاحتياجات البشرية العميقة مقارنة بالدين.

خاتمة

هذا الكتاب هو عمل فكري متميز يقدم حالة مقنعة للإيمان الديني كاستجابة عقلانية وإنسانية لأسئلة الحياة الكبرى. سواء كنت متشككًا تبحث عن معنى أو مؤمنًا يسعى لتعميق فهمه، يقدم الكتاب مسارًا مدروسًا لاستكشاف الإيمان في عالم معقد. بالتالي، الكتاب ليس مجرد دفاع عن الدين، بل دعوة للتفكير بعمق في مكاننا في الكون وكيف يمكن للدين أن ينير هذا الطريق.

بشكل عام، يبدو أن المؤلف سعى الى تأليف هذا الكتاب بدافع مزيج من الدوافع الشخصية (إيمانه وتجربته مع الشك)، الثقافية (الرد على العلمانية واستغلال لحظة الاهتمام المتجدد بالدين)، والفكرية (إثبات أن الإيمان خيار عقلاني). بالتالي، الكتاب يعكس شغفه باستكشاف الأسئلة الكبرى حول المعنى والوجود، ورغبته في مساعدة القراء على التفكير في الدين بطريقة جديدة ومنفتحة. إذا كنت تريد تحليلًا أعمق لأي من هذه النقاط، أنا هنا للمساعدة!

في نظر المؤلف، العلمانية ليست بالضرورة "ضد الدين" بشكل عدائي دائم، بل هي منافس يقدم رؤية محدودة للعالم تفتقر إلى العمق الذي يوفره الإيمان. لا يصفها بأنها "أقل أمانًا" مباشرة، لكنه يوحي بأنها أقل موثوقية واستدامة من الدين في مواجهة التحديات الوجودية والاجتماعية. موقفه هو دعوة للتفكير في الدين كبديل أكثر تماسكًا وعقلانية، وليس هجومًا شاملاً على العلمانية.

5 / شهر رمضان المبارك / 1446هـ