حرية الصحافة منظومة قيم وحقوق وواجبات


 

 

موقع الإمام الشيرازي

 

 

أُُقِرّ "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، من قبل الأمم المتحدة عام 1993، بهدف التذكير بواجب حماية حرية الصحافة، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون، والتأكيد على دور الإعلام الحر في بناء المجتمعات الديمقراطية.

بالتالي، فإن الثالث من آيار/ مايو هو يوم للتضامن مع الصحفيين، خاصة الذين يواجهون الرصاص والقمع والخوف، ومن يقاومون الرقابة والتضليل، بالإضافة الى أنه يوم لتكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم أو حريتهم في سبيل نقل الحقيقة.

هذا اليوم، أيضاً، تذكير بأهمية حرية الصحافة لدعم كشف الفساد والانتهاكات، وحماية حق المواطن في الوصول إلى المعلومة، ودعم التنوع الفكري والنقاش العام الحر، ومن ثم تمكين التنمية والعدالة الاجتماعية، فإن حرية الصحافة حجر أساس المجتمع الحر والدولة النزيهة والعادلة.

في واقع حرية الصحافة، اليوم، الإعلام لم يعد فقط سلطة رابعة، بل جزء من معركة النفوذ والمصالح، كما أن المؤسسات الإعلامية الكبرى - عموماً - أصبحت خاضعة لرأس المال أو الأجندات السياسية. بالموازاة، فإن المضمون المهني يتراجع لصالح السبق السريع، والإثارة، ولو كان على حساب القيم الأخلاقية والإنسانية، وحتى لو شكَّل تهديداً للأمن المجتمعي واستقرار الدولة،. وهكذا، فإن النتيجة هي تقلص مساحة التحقيقات الاستقصائية الجادة، وارتفاع حجم "الترفيه" المغلف أو المقنع بالإعلام.

اليوم أيضاً، وفي الدول ذات الأنظمة الاستبدادية أو الأيديولوجية أو العسكرية، وهي ليست قليلة العدد؛ أبرزها الصين وكوريا الشمالية والدول العربية والإسلامية، لا يزال الصحفي يُعتقل بتهم فضفاضة مثل "نشر الشائعات" أو "المساس بالهيبة الوطنية"، أو "التجسس لدولة أخرى"، كما يُمنع من العمل أو يُجبر على مغادرة البلاد، بالإضافة الى أنه يُستهدف بالتشهير والاغتيال المعنوي، وأحياناً الجسدي.

في السياق، التقارير السنوية لـ"مراسلون بلا حدود" تكشف عن أكثر من 500 صحفي معتقل حول العالم، وتصاعد في العنف الرقمي ضد الصحفيات.

بالموازاة، برزت مؤخراً مشكلة "التعتيم والأخبار المُصنّعة." فإنه في عصر الذكاء الاصطناعي، أصبح من السهل تصنيع "أخبار كاذبة" بمظهر احترافي. في الوقت، أن التضليل الإعلامي تستخدمه أنظمة ديكتاتورية تروّج لرواية واحدة، وجماعات متطرفة تستغل الإعلام البديل، وشركات ضخمة تدير منصات رقمية تتحكم بالرأي العام. عليه، الصحفي اليوم لم يعد فقط ناقلاً للحدث، بل حارساً على الحقيقة.

وهكذا، في "اليوم العالمي لحرية الصحافة" يجدر التأكيد على ألا تكون "حرية الصحافة" مجرد "ذكرى سنوية" بل كفاح متواصل وعمل يومي من أجل إنجاز تشريعات محلية حامية للصحفيين، لا مقيّدة لهم، وتنمية ثقافة إعلامية لدى الجمهور؛ ليصبح أكثر وعياً بما يقرأ ويتابع، ثم دعم الصحافة المحلية لأنها الأقرب لنبض الناس، بالإضافة الى تعزيز الحماية القانونية عبر إصدار قوانين دولية تجرّم اعتداءات الدول على الصحفيين، ودعم المحاكم الدولية لمحاكمة الجناة.

أخيراً، في "اليوم العالمي لحرية الصحافة" يجدر التذكير بأن حرية الصحافة منظومة متكاملة من القيم والحقوق والواجبات، وأن الخطر الحقيقي يكمن اليوم في "إغراق الجمهور بما يمنعه من التفكير." وفي عالم يضيق بالحقائق، ويزداد فيه الضجيج، تبقى الصحافة الحرة صوت من لا صوت لهم، وبوصلة المجتمعات في طريقها وكفاحها نحو الحرية والكرامة والحقيقة.

يقول المرجع الديني المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): "لكي نبدأ بتغيير وإصلاح واقعنا المأزوم، وصولاً الى واقع سليم وواعد؛ ومن النقطة الصحيحة، ينبغي تحقيق واحد من أهم أسس الحياة وهي الحرية؛ ومنها حرية الصحافة وحرية التعبير، فإن الحرية هي أساس البقاء ثم التقدم، كما أنها ديمومة التحرك نحو الأفضل، فإن الإنسان إذا لم يكن حراً فإنه لن يظل حياً فكيف يمكنه أن يتقدم؟"

5 / ذو القعدة / 1446هـ