مفهوم الدولة/ دولة الإنسان في فكر الإمام الشيرازي الراحل


(الذكرى الرابعة والعشرون لرحيله قدس سره)

 

موقع الإمام الشيرازي

 

 

الإمام الشيرازي (قدس سره) يعتبر الدولة أداة حيوية لتنظيم المجتمع وضمان استقراره. من وجهة نظره، الدولة ليست مجرد هيكل سياسي، بل هي نظام متكامل يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد. أهمية الدولة تكمن في قدرتها على توفير الأمن والعدالة والرفاهية، وهي بمثابة العمود الفقري للمجتمع الذي يمكّن الأفراد من ممارسة حقوقهم وواجباتهم بحرية وأمان. كما يشدد (قدس سره) على أن الدولة العادلة يجب أن تكون خالية من القمع والاستبداد، وأن تقوم على مبدأ المواطنة الحقيقية التي تضمن مشاركة الجميع في إدارة شؤون البلاد. في هذا السياق، يرى أن العدالة ليست مجرد شعار، بل ممارسة يومية تتجلى في سياسات الدولة وسلوك حكامها.

------------------------------------

المرجع الديني المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (1347 – 1422هـ) يرى أن الدولة يجب أن تكون قائمة على أسس العدالة والشورى والحرية. رؤيته للدولة تنطلق من مفهوم الإسلام كدين شامل ينظم شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. يؤمن (قدس سره) بأن الدولة يجب أن تكون أداة لخدمة الإنسان وتحقيق كرامته، وليست أداة للقمع أو السيطرة. هذا المفهوم يتماشى مع فكرته عن "دولة الإنسان"، حيث تكون الدولة مسؤولة عن توفير بيئة تمكّن الإنسان من العيش بكرامة وتحقيق تطلعاته الروحية والمادية.

كما دعا إلى فكرة الدولة التي تحترم التعددية الفكرية والسياسية، حيث يرى أن التعددية لا تعني الفوضى، بل هي وسيلة لإثراء الحياة السياسية وتحقيق استقرار اجتماعي، بشرط أن تكون ضمن إطار أخلاقي وقانوني مستمد من الشريعة الإسلامية، يقول (قدس سره): "الإنسان بطبيعته كثيراً ما يميل إلى الطغيان، والذي يردعه عن ذلك الإيمان بالله واليوم الآخر، مضافاً إلى نظام التعددية السياسية، حيث تمنع الطاغوت عن طغيانه ولو نسبياً، وهذا ما نفتقده في بلادنا" (من أسباب ضعف المسلمين – ص 117).

الدولة نظام متكامل

الإمام الشيرازي يعتبر الدولة أداة حيوية لتنظيم المجتمع وضمان استقراره. من وجهة نظره، الدولة ليست مجرد هيكل سياسي، بل هي نظام متكامل يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد. أهمية الدولة تكمن في قدرتها على توفير الأمن والعدالة والرفاهية، وهي بمثابة العمود الفقري للمجتمع الذي يمكّن الأفراد من ممارسة حقوقهم وواجباتهم بحرية وأمان. مع ذلك، يؤكد (قدس سره): "الوظيفة الأساسية للدولة هي الإدارة والمراقبة" (الاقتصاد بين المشاكل والحلول – ص 106).

كما يؤكد (قدس سره) على دور الدولة في نشر الثقافة والمعرفة، ويرى أن التأليف والتعليم هما أساس النهضة الحضارية، وهو ما يعكس اهتمامه البالغ بالتعليم وتشجيعه العلماء والمفكرين على المساهمة في بناء المجتمع. الدولة، في نظره، يجب أن تكون داعمة للعلم والمعرفة، لأن ذلك يؤدي إلى تقدم المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الدولة العادلة

الدولة العادلة، من وجهة نظر الإمام الشيرازي، هي تلك التي تقوم على مبدأ العدل كقيمة إسلامية أساسية. العدل هنا يشمل العدالة السياسية (توزيع السلطة بشكل عادل)، والعدالة الاجتماعية (توفير المساواة في الفرص والحقوق)، والعدالة الاقتصادية (القضاء على الفقر).

يؤكد (قدس سره) إن "البقاء إنما يكون للذي بنى أساسه على العدل والقسط، والعاقبة إنما تكون للذي رص بنيانه على قواعد الفطرة والعقلانية، بينما الذي أسس بنيانه على خلاف ذلك، كان مصيره الزوال والسقوط" (فقه العولمة – ص 81). يرى (قدس سره) أن الدولة العادلة هي التي تحترم حقوق جميع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية، وتعمل على إشراك الجميع في صنع القرار عبر آليات مثل الشورى.

كما يشدد على أن الدولة العادلة يجب أن تكون خالية من القمع والاستبداد، وأن تقوم على مبدأ المواطنة الحقيقية التي تضمن مشاركة الجميع في إدارة شؤون البلاد، يقول (قدس سره): "لا دكتاتورية في الإسلام، لا في السلطة السياسية، ولا في المرجعية الدينية، ولا في التنظيمات الحزبية، بل الإسلام دين الحريات والتعددية والعدالة الاجتماعية" (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين – 297). في هذا السياق، يرى أن العدالة ليست مجرد شعار، بل ممارسة يومية تتجلى في سياسات الدولة وسلوك حكامها.

دولة الحكم الرشيد

دولة الحكم الرشيد، في فكر الإمام الشيرازي، هي التي تجمع بين الكفاءة والأخلاق في إدارة شؤون المجتمع. الحكم الرشيد يعني أن تكون الدولة قائمة على قادة يتحلون بالحكمة والنزاهة، ويعملون بمبدأ الشفافية والمسؤولية، يقول (قدس سره): "المعيار الشرعي للتصدي للعمل في المجتمع الإسلامي هو الكفاءة، مضافاً إلى الإيمان، لأن الكفاءة سببٌ في تطوير وتقدم العمل على عكس المحسوبية والمنسوبية، والتي هي سببٌ رئيسي في التخلف" (الدولة الإسلامية رؤى وآفاق – ص 49). يؤمن (قدس سره) بأن الحكم الرشيد يتطلب وجود مؤسسات قوية تحمي الحقوق وتمنع التجاوزات، مع التأكيد على أهمية الفصل بين السلطات لضمان التوازن والرقابة.

كذلك، دعا إلى أن تكون دولة الحكم الرشيد بعيدة عن الدكتاتورية أو احتكار السلطة، وهو ما يظهر في انتقاده للأنظمة التي تعتمد حزبًا واحدًا أو عقيدة واحدة مفروضة، حيث يعتبر أن مثل هذه الأنظمة تؤدي إلى القمع والعنف. بدلاً من ذلك، دعا إلى التعددية السياسية كوسيلة لتحقيق التوازن وضمان الحكم الرشيد.

ختاماً

المرجع الديني المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (1928-2001م) يرى الدولة كإطار تنظيمي يقوم على العدالة والشورى والحرية، ويخدم الإنسان ويحقق كرامته. أهميتها تكمن في توفير الأمن والعدالة والرفاهية، بينما الدولة العادلة هي التي تضمن المساواة وحقوق المواطنين، ودولة الحكم الرشيد هي التي تجمع بين الكفاءة والأخلاق، وتعتمد على التعددية والشفافية. توجهه العام يعكس حرصه على بناء مجتمع متماسك يقوم على القيم الإسلامية الأصيلة مع مراعاة متطلبات العصر.

14/ شوال / 1446هـ