الإمام الشيرازي الراحل .. بناء الاقتصاد وتأمين الحياة الكريمة من مسؤولية الحكومات


من كتابات المرجع الديني المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده)

 

موقع الإمام الشيرازي

12/ربيع الثاني/1447

 

من الضروري اهتمام الدولة بالاقتصاد، فكما يقال "الكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية". عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً)(البقرة: 201)، قال: "رضوان الله في الجنة في الآخرة، والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا" (وسائل الشيعة: ج12 - ص2). وعن المعلّى بن خنيس قال: رآني أبو عبد الله (عليه السلام) وقد تأخرت عن السوق فقال (عليه السلام): "اغدُ إلى عزك" (وسائل الشيعة: ج12 - ص3). إلى غيرها من الروايات الكثيرة، التي تحث على الغنى والتجارة وغير ذلك، والاقتصاد في الدولة الإسلامية (وهكذا الدول الحديثة) يعتمد على:

أ- إطلاق حريات الناس في التجارة والزراعة، والصناعة، والعمارة، وحيازة المباحات، وما أشبه ذلك، حتى إذا أثْرى الشعب أثْرَتْ الدولة، من خلال تقديم الشعب الضرائب الإسلامية، وبالتالي انخفاض ما يقع على الدولة من الإرهاق، لقلّة الفقراء والمساكين.

ب- التجارة (الدولة نفسها تقوم بالتجارة).

ت- ما تستفيده من المعادن وغيرها.

ث- قلّة موظفي الدولة، فإن كثرة الموظفين التي نشاهدها في الدول الحاضرة، هي نتيجة (الديكتاتوريات) و(الجهل) وقد رأيت في تقرير دولي أنّ (جمال عبد الناصر) كان بحاجة إلى موظفين قلة، لإدارة شؤون مصر، لكنه ضاعف العدد أضعافاً كثيرة، لأنه كان بحاجة إلى المصفقين، وبهذه الخطوة جلب الإفلاس الى مصر، وإفقار أهلها، كما أنّ تكثير الدوائر الحكومية لا وجه له إلاّ الجهل، فإن الدوائر الكثيرة توجب كبت الحريات، وإضاعة الطاقات، وزيادة جيش العاطلين، إذ أن موظفي تلك الدوائر عاطلون في الحقيقة، ويضاعفون الكَلَّ على الدولة؛ كَلٌّ لأنّهم يستهلكون ولا يعملون عملاً نافعاً، وكَلٌّ لأنّهم يستنفذون طاقات الناس في مراجعة الدوائر، وصرف أموالهم فيما لا يعود لهم إلاّ بالضرر. بالتالي، على الدولة أن تغلق الدوائر الحكومية الزائدة. كما ينبغي إرجاع الدوائر اللازمة إلى حجمها الطبيعي، كدائرة القضاء ونحوها، فإنّ دائرة القضاء الموجود الآن أكبر من دائرة القضاء الموجود في الإسلام بمائة ضعف أو ما يشبه ذلك.

هـ- تجنب التبذير، فإنه ينبغي لرؤساء الدولة تجنب في رواتبهم في شؤونهم الشخصية، أو ما يسمى بشؤون الدولة، فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان يصرف لنفسه كأقل المسلمين في معيشته. فقد روي عن إحدى زوجاته: كنا نعيش بالأسودين "الماء والتمر"، وكنا نُطعم بالأحمرين "اللحم والحنطة" (سنن ابن ماجه: ج2 - ص1388).

ثم، إنّ الدولة الإسلامية (وهكذا يجدر بجميع الدول) إلى جانب عدم تبذيرها وعدم سرقتها، لا تحتكر المال، بل المال مال الله، والأمة عباد الله، والدولة أمين الله، ولذا تقوم بكل حوائج الناس، فلا تجد في الدولة الإسلامية إنساناً ليست له داراً، أو محتاجاً، أو فتى أو فتاة بلا زواج، أو إنساناً عاطلاً عن العمل، لأنه إذا كان عطله بسبب عدم وجود رأس المال، زوّده برأس المال، وإن كان سببه عدم العمل، فإنه حيث تطلق الدولة الحريات، فليس هناك من لا يجد عملاً.

إنّ ما تقدم من إعطاء الإسلام لحاجات الفرد ليس خاصاً بالبلاد النفطية؛ كما يُزْعَم، ففي بعض العهود الإسلامية الصحيحة كانت حاجات الناس موفورة، وإنْ لم يكن نفط ولا معدن آخر، بل وإنْ لم يكن لهذه المعامل الكبيرة الكثيرة الإنتاج أثرٌ، والسر يتلخص في كلمات:

(1)  الحريات الموفورة.

(2)  الأرض المباحة لكل أحد.

(3)  الإيمان المحفز لصحة العمل.

(4)  إشغال الناس كل طاقاتهم الفكرية والبدنية.

(5)  احترام أموال الدولة (أموال الشعب) والتعامل معها بأمانة ومسؤولية.

والدولة الإسلامية إذا قامت توفر كل ذلك.

ففي صدد البند الأول يقول سبحانه: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ)(الأعراف: 157). وللبند الثاني ورد: "الأرض لله ولمن عمّرها)(وسائل الشيعة: ج17 - ص326). وللبند الثالث يقول القرآن الحكيم: (قُلِ اعْمَلُوا)(التوبة: 105). ويقول: (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ)(الطور: 21). وفي الحديث: "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله" (وسائل الشيعة: ج 12- ص42). وعن البند الرابع ورد في الحديث: "فكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة" (نهج الفصاحة: ص436). ومن المعلوم أنّ فكرة إصلاح الدنيا داخلة في هذه الكلية.

وتقدم في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ وجد ماءً وتراباً ثم افتقر فأبعده الله" (وسائل الشيعة ج12- ص24). وفي حديث: إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان إذا رأى أحداً سأل عن عمله؟ فإنْ قيل: لا عمل له، قال (صلى الله عليه وآله): "سقط من عيني" (انظر المستدرك: ج 13 - ص11).

وفي حديث آخر، أنّه (صلى الله عليه وآله) رأى يداً عاملة قد أثر فيها العمل، فقال (صلى الله عليه وآله): "إن هذه يد يحبها الله". وفي حديث ثالث؛ إنه (صلى الله عليه وآله) رأى فاطمة (عليها السلام) في عمل شاق، فقال لها: "يا فاطمة، تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة" (نور الثقلين : ج5 - ص594).

أما البند الخامس: فهو من الوضوح بمكان. وفي الآية الكريمة: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(آل عمران:161). وفي حديث آخر: "إن الله أوحى إلى داود نِعْمَ العبد أنتَ لولا أنك تأكل من بيت المال، فبكى داود وأخذ يأكل من كسب يده" (وسائل الشيعة: ج12 - ص 22)، إلى غيرها من الأحاديث الكثيرة في كل بند.