![]() |
حرية الصحافة .. ركيزة نهوض المجتمعات الحرة
موقع الإمام الشيرازي
في الثالث من آيار/مايو من كل عام، يحتفي العالم بـ "اليوم العالمي لحرية الصحافة". وفي خضم هذا الاحتفاء، تبرز حقيقة مركزية لا تخبو رغم تعاقب الأزمات والأنظمة، وهي: "لا حرية للناس بلا حرية للصحافة." هذه العبارة ليست مجرد شعار بل تمثل جوهر العلاقة بين المواطن والإعلام، وبين الدولة والحرية، وبين الحقيقة والسلطة. سلطة رقابية وصوت الناس الصحافة ليست فقط مهنة أو وسيلة لنقل الأخبار، بل هي سلطة رقابية، وجسر لنقل صوت الناس، ومنبر لطرح الأسئلة الصعبة، ومصدر لمساءلة من في السلطة. بدونها، تتسلل الرقابة، وتتضخم الرواية الرسمية، ويُختزل الوعي الجمعي في ما يُسمح بنشره فقط. لقد قال الرئيس الأميركي توماس جيفرسون ذات مرة: "لو كان عليّ أن أختار بين حكومة بلا صحافة أو صحافة بلا حكومة، لاخترت الثانية بلا تردد." إنه تصريح يختزل الإدراك العميق بأن الحرية تبدأ من المعرفة، والمعرفة تبدأ من إعلام لا يخشى قول الحقيقة. حين تُقيَّد الصحافة، تُقيَّد الحرية في دول عديدة، تُعتَقَل الكلمة، وتُغتال الحقيقة، وتُرهَب الأصوات الصحفية المستقلة. الصحفيون في بعض البلدان يعملون تحت التهديد، وفي ظروف خطيرة، لأنهم يلامسون جوهر ما تخشاه الأنظمة القمعية: نقل الحقيقة دون إذن. في هذه المجتمعات، تُصادَر حرية الناس بشكل غير مباشر؛ فما لا تراه العين لا يدفع الناس إلى التغيير، وما لا يُقال لا يُحاسَب عليه أحد. وهكذا تُخلَق بيئة يغيب فيها الوعي وتتراجع فيها المشاركة الشعبية. لكن حرية الصحافة لا تعني الفوضى أو نشر الإشاعة؛ فالمهنية هي ما يُعطي الصحافة الحرة مصداقيتها. الإعلام المهني يلتزم بالتدقيق والموضوعية والتوازن. في المقابل، تنتشر اليوم موجات من الأخبار المُصنّعة والتضليل الإعلامي، إما عبر منصات موجهة، أو "جيوش إلكترونية" هدفها تشويه الخصوم وخلط الأوراق، مما يجعل دور الصحافة المستقلة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. المهنية الصحفية تتطلب المهنية الصحفية الالتزام بمعايير أخلاقيات عالية، مثل الدقة، والموضوعية، والاستقلالية. لكن هذه المعايير تواجه تحديات متزايدة في ظل التطورات التكنولوجية، وخاصة الذكاء الاصطناعي. ففي حين يوفر الذكاء الاصطناعي أدوات مبتكرة لجمع المعلومات وتحليلها، فإنه يثير مخاطر مثل "التزييف العميق "(deepfakes)، الذي يهدد مصداقية الإعلام وثقة الجمهور. يؤكد يوم حرية الصحافة لعام 2025 على ضرورة مواجهة هذه التحديات عبر تعاون بين الحكومات، الإعلام، والمجتمع المدني لضمان تدفق المعلومات بحرية مع الحفاظ على الخصوصية وحرية التعبير. وفي العالَمَيْن العربي والإسلامي، عموماً، تعاني الصحافة من ضغوط اقتصادية تؤثر على المهنية، مثل هيمنة الخطوط التحريرية الموالية للسلطة أو الخوف من فقدان الإعلانات، مما يحد من استقلالية الصحفيين. كما أن غياب الأمان الوظيفي، خاصة للصحفيين المستقلين (الفريلانسر)، يجعلهم عرضة للتخلي عنهم دون تعويضات، مما يضعف قدرتهم على العمل بحرية ومهنية. دعوة إلى المستقبل في عالم يتغير بسرعة، تصبح الصحافة الحرة بوابة المستقبل، لا فقط من خلال تسليط الضوء على ما يجري، بل بطرح الأسئلة الكبرى حول العدالة، التنمية، والبيئة، والحقوق، والمستقبل المشترك. وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن ذلك بوضوح، في "اليوم العالمي لحرية الصحافة" حين قال: "حرية الناس مرهونة بحرية الصحافة." وهنا قد تكون الترجمة الأدق أنه قال إن حرية الناس تعتمد على حرية الصحافة، أي لا انفصال بين الاثنين. لا حرية للناس بلا حرية للصحافة... هي ليست مجرد عبارة، بل تحذير وإنذار وتذكير بأن قمع الصحافة هو أولى خطوات تقييد المجتمع كله. وفي المقابل، حماية الصحافة الحرة هي حماية للكرامة الإنسانية، وحق المواطن في أن يعرف، ويحاسب، ويشارك في تقرير مصيره. ففي هذا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن يكون الدفاع عن الصحافة الحرة دفاعاً عن مستقبل الناس وحقهم في الحياة الكريمة والاختيار الواعي. 7 / ذو القعدة / 1446هـ |