عن زيارة الأربعين وحولها .. هل نجحت؟!


 

 

"هنيئاً لزوار الأربعينية المباركة على بلوغ هذا الشرف الرفيع الذي نالوا به زيارة الله (عزّ وجلّ) في عرشه، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)، كما في متواتر الروايات الشريفة ... لاشكّ في أن المشاكل في العراق كثيرة، مشاكل من داخل العراق ومن خارجه، ولكن ورغم ذلك، يجب التكاتف لرفع المشاكل الموجودة عن مدينة كربلاء وكل مدن العراق .. وأؤكد على الأعزاء الذين فرغوا عن أداء زيارة الأربعين، بقلوب طاهرة، العمل بحكمة وإخلاص، ليصبح عراق أهل البيت (عليهم السلام)، وسائر بلاد المؤمنين، أمثلة راقية يُحتذى بها في العقائد الرصينة، والخُلق الرفيع، والعمل الصالح"

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

 

موقع الإمام الشيرازي

النظام السياسي الذي لا يوفر للشعب أهم متطلبات الحياة؛ مثل الكهرباء، في جو لاهب تتجاوز فيه درجة الحرارة حاجز الخمسين درجة مئوية، على مدى عشرين سنة، رغم أن العراق من أغنى بلدان العالم بمصادر الطاقة، هذا ليس نظاماً فاسداُ وفاشلاً فقط، بل هو أيضاً نظام لا يحترم الشعب ولا يريد الخير له، ولا يُرجى الخير منه، بالتالي لا مبرر لاحتمال توقع الخير منه للدين والمذهب وسائر القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، والموت خير له من الحياة

-----------------------------

الزيارة الأربعينية هي "الشرف الرفيع" للشيعي، وهي قطب الشعائر ومحورها، وهي الشعيرة الأبرز في الوجدان الشيعي، وهي الأشهر في عموم العالم تعريفاً بالشيعة!! وهي الأقوى جذباً واستقطاباً، والأضخم مشاركة وحضوراً رغم أنها الأطول زمناً!!

بالتالي، فإن الاهتمام بالزيارة الأربعينية من أعظم الأعمال الصالحة وأيضاً من أهم الأعمال الإصلاحية، وما كربلاء – الثورة والقضية والذكرى – إلا إصلاح، فقد أعلن ذلك سيد الشهداء قائلاً: "إنما خرجتُ لطلب الإصلاح."

ولا جدال في أن المطلوب أولاً لنجاح الزيارة الأربعينية هو الحضور الواسع، وكلما كان الحضور أوسع كان النجاح أكبر. مع ذلك، فإن الاستفادة القصوى من زيارة الأربعين هو الارتقاء بإيمان المؤمنين والمؤمنات ورفع درجات ورعهم ووعيهم وأخلاقهم. يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): "على الزائر الحسيني أن يعرف قدْر نفسه، وعليه أن يتحلّى بالصفات الإيمانية الفاضلة، لتحقيق أدب الزيارة ونتائجها المرجوة، وهي: الإخلاص لله تعالى، السعي والمشاركة في إنجاز الأعمال الصالحة، الالتزام بالأخلاق الحسنة."

مع ذلك، ليس هناك ما يمنع من مشاركة أوسع في زيارة الأربعين، من قبل شيعة العراق والعالم، كما يمنع الحال الذي عليه العراق ومنذ عشرين سنة!كما أنه ليس هناك ما يشوش على زيارة الأربعين كالذي يجري في العراق ومنذ عشرين عاماً!

مما يمنع من مشاركة أوسع في الزيارة الأربعينية واقع مدينة كربلاء والمحافظات التي حولها وسائر محافظات ومدن وأقضية وقرى العراق وحتى المنافذ الحدودية .. واقع هذه المدن أقل ما يقال في وصفه أنه بائس ومحبط ومزري. يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): "لاشكّ في أن المشاكل في العراق كثيرة، مشاكل من داخل العراق ومن خارجه، ولكن ورغم ذلك، يجب التكاتف لرفع المشاكل الموجودة عن مدينة كربلاء وكل مدن العراق."

بالتالي، يصعب تطوير الزيارة الأربعينية والواقع العراقي مأزوم على المستويات كافة: المؤسساتية، والقانونية، والأمنية، والخدمية (ماء وكهرباء وشبكات التصريف)، والصحية، والاقتصادية، والمالية، والاستثمارية، والاجتماعية، والثقافية، والاتصالاتية، والتكنولوجية، والإعلامية.

أيضاً، مما يحدّ من توسع مشاركة العراقيين وسائر الشيعة في العالم وأيضا يشوش على الزيارة الأربعينية هو أن العراق (بلد أهل البيت وزيارتي الغدير والأربعين والحوزات الدينية) يعاني من أزمات كبيرة وخطيرة حيث إن:

في العراق معدل البطالة الأعلى عربياً والثالث عالمياً!

وفي العراق أكثر من 13 مليون مواطن تحت خط الفقر!

وفي العراق أكثر من 11 مليون مواطن أميَ (لا يعرف القراءة والكتابة)!

وفي العراق تزايد بأعداد المتعاطين للمخدرات!

وفي العراق تزايد بأعداد المنتحرين من الشباب والشابات!

وفي العراق تزايد بعدد طالبي اللجوء في أوروبا بسبب أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية!

وفي العراق عدد قتلى "طرق الموت" أكثر من قتلى جائحة كورونا!

في السياق، فإن مما يحدّ من توسع مشاركة العراقيين وسائر الشيعة في العالم وأيضا يشوش على الزيارة الأربعينية هو أن العراق (بلد أهل البيت وزيارتي الغدير والأربعين والحوزات الدينية) يعاني من أزمات كبيرة وخطيرة منها:

(1) كشف مؤشر حرية الصحافة للعام عن أن حرية الصحافة في العراق تعيش واقعاً مأزوماً لدرجة أن أصبح العراق "في الترتيب المخزي" بحسب منظمة مراسلون بلا حدود!!

(2) لفت تقرير أعدته مؤسسة المجلس الأطلسي (AtlanticCouncil)‏ وهي مؤسسة أمريكية بحثية مستقلة مؤثرة في مجال الشؤون الدولية، الى أن بيئة العراق غير المستقرة، وتفشي الفساد، وتدهور البنى التحتية، وعدم تطور النظام القضائي، عوامل أدت بمجملها إلى إحباط الواقع الاقتصادي في العراق بسبب إحباط عمل المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء. وأشار التقرير إلى أن الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية يعزّز نظام المحسوبية على حساب أصحاب الكفاءات!!

(3) أكدت المفوضة الأممية في العراق تفاقم الفساد، وضعف الحوكمة، ووجود جهات مسلحة خارج إطار الدولة، والإفلات من العقاب، والسياسة الفئوية، وسوء تقديم الخدمات، وعدم المساواة، والبطالة، والاعتماد المفرط على النفط، وأن ذلك يؤثر بدوره على المواطن العراقي العادي ويغذي الشعور العام بالظلم ويؤدي إلى تفاقم التوترات داخل المجتمعات المحلية وفيما بينها!!

(4) كشف تقرير البنك الدولي أنه لا تزال آفاق المستقبل الاقتصادي للعراق عرضة لمخاطر كبيرة، ويرجع ذلك في الأساس إلى التحديات الهيكلية العميقة في كل قطاعات الدولة.وأكد التقرير إن من أهم المخاطر: انتشار الفساد، وسوء الادارة والتوظيف، ونقص فرص العمل، ومشاكل القطاع المالي، وسوء الخدمات والمخاطر الأمنية!!

(5) أكد تقرير لمؤسسة هيريتيج البحثية والتعليمية الأمريكية إن المؤسسات العراقية التي تقدم البيانات للمؤسسات الدولية غير موثوق بها لأسباب عديدة منها عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي في البلاد. وإن العراق يحتاج بشكل خاص إلى تحسين الأمن، واستعادة سيادة القانون بشكل كامل، حتى يتمكن الاقتصاد من النمو والازدهار كباقي البلدان المجاورة.

(6) دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الذين في مواقع السلطة والنفوذ في العراق إلى أن يتخذوا من مصالح الشعب العراقي وحقوقه الانسانية قبل كل شيء نبراساً لهم، وأن يتصدوا للفساد والتمييز والافلات من العقاب وتغير المناخ والعقبات الرئيسية الأخرى التي تعترض سبيل تحقيق الاستقرار والسلام الدائمين.وأكد المسؤول الأممي أيضا أهمية اتخاذ إجراءات سريعة وشفافة لمنع الإفلات من العقاب في القضايا المتعلقة بالتظاهرات التي شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 و30 نيسان/أبريل عام 2020.وأشار إلى أن المفوضية وثقت مقتل ما لا يقل عن 487 متظاهر و7,715 جريحا خلال تلك التظاهرات بسبب استخدام القوة من قبل قوات الامن العراقية والعناصر المسلحة ضد المتظاهرين.

ولا يخفى أن النظام السياسي في العراق، الذي أنتج كل هذا الفساد والخراب والدمار والآلام والمعاناة، يقوده "سياسيون شيعة" يُظهِرون أنفسهم - مع كل زيارة أربعينية – بأنهم يخدمون زوار الأربعين وووالخ، وهذا مما يشوه صورة زيارة الأربعين المباركة التي قامت على أساس مظلومية سيد الشهداء الذي أعلن الثورة على الطاغية يزيد – وكل الطغاة والفاسدين الى يوم الدين - قائلا "إنما خرجت لطلب الإصلاح"!!

كل ذلك، يؤكد أن الوضع في العراق مأزوم بمخاطر كبيرة وينتظر مخاطر كبيرة وينذر بمخاطر أكبر، وإن المشاكل ستتفاقم والأوضاع قد تتفجر، وستزداد معاناة الناس وتشتد آلامهم... وهذا مما يكشف أن الزيارة الأربعينية ستظل أسيرة نظام سياسي فاسد وفاشل، لا يتعظ بتجربة، ولا يعتبر بعبرة.

ما يعني إن الواقع في العراق يحتاج الى تغيير وإصلاح، وهذا لا يتحقق إلا بالعزم والتخطيط والعمل، يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): "هناك أشخاص يعيشون من دون تخطيط، ويقولون أن كل ما يأتي فهو خير، ولكن الصحيح، أولاً: أن يخطط ويعزم السير على ما خطّط. ثانياً: والأهم من ذلك أن يعرف الهدف الذي يخطط له."

ويقول المرجع الديني المجدد الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده):

"السياسة المنحرفة تخنق كل خطوة باتجاه تقدم البلاد وتحسّن وضع العباد. وإن تأخّر المسلمين في العديد من المجالات؛ خاصة الحقوق والسياسة والعدالة والصحة والتعليم والاقتصاد والتجارة والرفاه وغير ذلك، ناشئ من فساد أو ضعف وفشل في أداء الواجب الملقى على عاتق كثير من المسؤولين. لذلك من الطبيعي أن تعيش الشعوب المسلمة على هامش الحياة السياسية، وذلك بسبب السياسة المنحرفة التي تجعل الناس في واد لا يعيرون أهمية لما يجري في بلادهم. نتيجة لذلك، فإن هذه الشعوب عموماً لا تحب حكامهما ولا تثق بهم بل تسعى لإسقاطهم."

ويقول (قده): "بما أن المجتمعات البشرية في تقدم وتطور دائم، فإن المجتمع الذي لا يكون متقدماً بمستوى تقدم المجتمعات الأخرى أو بفاصل كبير، فإنه يكون متأخراً ومتخلفاً؛حيث إذا توقف المجتمع عن التقدم صار مجتمعاً متأخراً ومتخلفاً.رُوي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: "مَنْ استوى يوماه فهو مغبون، ومَنْ كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومَنْ كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومَنْ لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومَنْ كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة" (أمالي الصدوق: 766)".

ختاماً.. ببقاء العراق على هذا الوضع المأزوم لا يمكن تحسين واقع زيارة الأربعين "المليونية الحاشدة المتنامية" أبداً. بالتالي، فإن تأهيل وتطوير زيارة الأربعين؛على مستوى الحاضر ومتطلباته المتنامية والمتسارعة وأيضاً على مستوى المستقبل؛يتحقق بعد إصلاح واقع العراق في كافة المجالات؛ السياسية والقانونية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والسياحية والأمنية ... وحينها يمكن أيضاً الاستفادة القصوى من هذه الزيارة العظيمة التي هي الشرف الرفيع لكل شيعي، وهي قطب الشعائر الشيعية، بل هي تمثل الهوية الشيعية عقدياً وثقافياً.

 

25/ صفر/1445هـ