المنبر الحسيني .. الوسيلة الأهم


(من كتابات الإمام الشيرازي الراحل)

 

موقع الإمام الشيرازي

 

المنبر الحسيني أثبت نفسه على طول التاريخ ومرّ العصور، بأنه من أفضل الوسائل، وأهم العوامل، لحفظ قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) وإبقائها حية طرية، تتفاعل مع القلوب والضمائر، والنفوس والأرواح، والعقول والعواطف.

ومن المعلوم: إن قصة الإمام الحسين (عليه السلام) هي أهم قصة يتمكن المسلمون بسببها من تبليغ القرآن والإسلام، ونشر التقوى والفضيلة في ربوع الأرض عامة، وبين المسلمين خاصة، وذلك لأن قصة الإمام الحسين (عليه السلام) هي قصة حقيقية وواقعية، عقلانية بحتة، وفي نفس الوقت، عاطفية صرفة أيضاً، وليست هناك عند البشرية قصة مثلها، ولا قضية تضاهيها في الاستهواء والتأثير، والجذب والتسخير، واستقطاب الجماهير، فقد نقل لي أحد خطباء المنبر الحسيني ما يلي:

قال: كنت وجماعة من خطباء المنبر الحسيني في سيارة قد استأجرناها لتنقلنا من مكان إلى آخر، وفي الطريق تلاطف أحدنا مع سائق السيارة بملاطفات انجرّ الكلام بينهما إلى ما لا يليق، قال ذلك الخطيب: فتداركت الموقف وأخذت اعتذر من السائق، لأصرف ذهنه عما جرى، واغسل ذاكرته عن الكلام غير اللائق، الذي كلّمه به صديقنا الخطيب، والذي ربما جرح خاطره، وكدّر عواطفه، فلما قدّمت له اعتذاري وانتهيت من كلامي، التفت اليّ السائق وقال بكل احترام واجلال وتواضع وخشوع: يا سماحة الشيخ إنه لم يبدر اليّ منكم ما يستدعي الاعتذار والتنصّل، كيف وإن لكم حق الحياة عليّ؟ إذ بسببكم هداني الله تعالى إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وعليّ أن أؤدّي حقكم، وأقدم جزيل الشكر الذي يجب علي بالنسبة إليكم.

قال الخطيب وهو يواصل قصته: فسألت السائق حينئذ عن قضيّته، وكيف هداه الله تعالى بسببنا؟

فأجاب قائلاً: لقد كنت في أول شبابي، وعلى أثر المحيط الفاسد الذي كنت أعيش فيه، والأصدقاء السوء الذين كانوا يصحبونني، منحرفاً أشد الانحراف، وبعيداً غاية البعد عن التقوى والفضيلة.

وذات مرّة وقد أنّبتني نفسي اللوّامة، ووخزني ضميري ووجداني على ما أمارسه من انحراف، واقترفه من ذنوب، إذ وقع طريقي على مجلس من مجالس الإمام الحسين (عليه السلام)، فحملت نفسي، وأنا ألومها على انحرافها، وأعتب عليها لانزلاقها واعوجاجها، على أن اشترك في هذا المجلس الحسيني، فدخلت فإذا بالخطيب على المنبر وهو يعظ الناس ويرشدهم، ويفسّر لهم بعض الآيات الكريمة، ويقرأ عليهم نزراً من الأحاديث الشريفة، فأخذتني مواعظه، وأثّرت في قلبي نصائحه، وصقلت نفسي الآيات والروايات التي كان يرتلها على مسامعنا، ثم عرّج من نصائحه ومواعظه إلى قراءة المصيبة على قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وحكى لنا عن كيفية جهاده في سبيل الله، ومواساته لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، إلى أن وصل إلى حكاية ما قاله أبو الفضل العباس (عليه السلام) يوم عاشوراء، عندما قطع الأعداء يمينه من رجزه في وجه الأعداء وهتافه بهم:

والله إن قطعتموا يميني  ***  إني أحامي أبداً عن ديني

فبكيت بكاءً شديداً، وقلت في نفسي متمتماً: كيف تسمح لنفسك، وأنت تدّعي حب أبي الفضل العباس (عليه السلام)، أن تهتك حرمة الدين بمواصلة انحرافك، واستمرار جرائمك وجناياتك، وأبو الفضل العباس (عليه السلام) قد ضحّى بنفسه، وقدّم يديه لحماية الدين وحفظ حرمة الإسلام؟ فهزّني ذلك من الأعماق، وأيقظني من رقدتي وغفلتي، وجعلني أندم على ما سلف مني، وأعزم على إصلاح نفسي.

وبالفعل فقد توفقت للتوبة، واهتديت إلى طريق الأوبة، وأخذت جادة الصواب، وسرت في طريق التقوى والفضيلة، كل ذلك ببركة ذلك الخطيب الحسيني، ثمّ تحسنت حالتي، وتخلّصت من شقوتي وكآبتي، والحمد لله رب العالمين، لذا بقيت وأنا أرى نفسي مديناً لرجال الدين، وأرى لخطباء المنبر الحسيني حق الحياة عليّ، كما أرى على نفسي أن أجلّهم واحترمهم، وأن أكون لهم من الشاكرين دوماً وأبداً.

 

19/ المحرّم الحرام/1439هـ