![]() |
|
حدود ولاية الفقيه في فقه الإمام الشيرازي - كتاب في حلقات (1)
موقع الإمام الشيرازي
محتويات البحث: * المدخل * الفصل الأول: حدود ولاية الفقيه وقيود الولاية 1- لا ولاية للفقيه إذا لم يكن مرضيا لله تعالى 2- لا ولاية تكوينية للفقيه أبداً 3- لا ولاية للفقيه على سائر الفقهاء 4- لا ولاية للفقيه على منع الفقهاء أو الناس من إبداء آرائهم 5- لا ولاية للفقيه على مقلدي سائر الفقهاء 6- لا ولاية للفقيه في الشؤون الشخصية للناس 7- لا ولاية للفقيه في تشريع الأحكام 8- لا ولاية للفقيه إذا ظلم أو ضيّع حق أحد 9- لا ولاية للفقيه على خلاف المصلحة العامة 10- لا ولاية للفقيه في غير دائرة الأحكام الثانوية 11- لا ولاية للفقيه خارج إطار أحكام الإسلام 12- لا ولاية للفقيه على ظلم الأقليات ومنعهم عن حقوقهم. 13- لا ولاية للفقيه على نقض المعاهدات الدولية أو الإساءة للدول الأخرى 14- لا ولاية للفقيه إذا لم يرض به الناس ولياً وحاكماً 15- لا ولاية للفقيه على الأجيال القادمة 16- لا ولاية للفقيه طوال حياته، بل هي مادام الناس راضون بحكومته 17- لا ولاية تعيينية للفقيه بل هي تخييرية 18- لا ولاية للفقيه إذا استبدَّ لا يجوز الاستبداد في الحكم 19- لا ولاية إلا لشورى الفقهاء 20- لا ولاية للفقيه إذا لم ينطبق عليه أحد العناوين العامة 21- لا ولاية للفقيه إذا أُحِرز خطؤُه أو عصى وأذنب 22- لا ولاية للفقيه في أكثر من مقدار الضرورة 22- لا ولاية للفقيه إذا لم يراع الاحتياط الوجوبي 23- لا ولاية للفقيه إذا لم يتأس بالمعصومين (عليهم السلام) 24- ولاية الفقيه خاضعة للرقابة الاجتماعية ومقيدة بالقوانين 25- ولاية الفقيه مقيدة بغائية عمران البلاد وازدهارها.
* الفصل الثاني مقارنات واستنتاجات وخلاصات بين ولاية الفقيه لدى الإمام الشيرازي والديمقراطية (الاستشارية) (الولاية) مفهوم مؤسساتي وليس امراً فرديا مقارنة بين ولاية الفقيه في الفقه الشيرازي وبين منكري ولاية الفقيه الفوارق بين ولاية الفقيه وولاية المعصومين (عليهم السلام).
* الفصل الثالث وسائل ردع الحاكم والحكومة عن الظلم والاستبداد أوعية الحرية الدولة وضمانات مراعاة القانون الرقابة على الحكام الرقابة على أجهزة الدولة الجماعات الضاغطة وسائل الضغط كيفية مجابهة قوى الضغط المنحرفة حق عزل الحاكم (إقرار حق التجمع والتنظيم: منع اتخاذ الحُجّاب: من آليات حل مشكلة الطوائف
* الفصل الرابع صورة عامة عن الحكومة الإسلامية في فقه الإمام الشيرازي من سمات الحكومة الإسلامية وصورة عامة عن الحكومة المستبدة ملامح النظام الديكتاتوري.
* الملحق (1) حرمة الغصب والمصادرة والاجحاف والضرائب حرمة البهتان والافتراء حرمة الخيانة والغلول حرمة الغش والتدليس والمكر.
* الملحق (2) الحريات الأساسية حرمة الأشخاص والأموال حقوق الإنسان السياسية منح الحريات الاقتصادية للناس حرية العقيدة والشعائر الدينية: لا عنف ولا إرهاب لا للتجسس عدم جواز تفتيش البيوت: لا للتعذيب. حرمة الظلم.
**************** المدخل اختلف الفقهاء حول ولاية الفقيه وانه هل للفقيه ولاية أم لا؟ وهل هي مطلقة أو مقيدة؟ وقد تصوَّر الكثيرون ان الإمام الشيرازي يقول بالولاية المطلقة للفقيه، لكن الباحث المحقق سرعان ما يكتشف انه قيدها بقيود كثيرة، وان المحصلة النهائية لنظره الفقهي عن ولاية الفقيه هي أولاً: انها مقيدة بقيود كثيرة جداً[1] وثانياً: انها لا تتنافى مع الاستشارية[2] ولا مع حرية الناس في اختيار الحاكم ولا مع التداول السلمي للسلطة ولا مع نظام التعددية في الحكومة. وسيظهر من بعض المباحث الآتية انه يرى الولاية التعليقية للفقيه لا التنجيزية، أي الولاية الشأنية لا الفعلية، وانها لا تكون فعلية إلا بقيود من أهمها رضا الناس به فإذا رضوا به صارت ولايته فعلية منجزة وإلا فلا ولاية له. ولكن قبل ذلك لا بد أن نقوم بدراسة أمر بالغ الأهمية وهو أنه: هل تطورت آرائه حول ولاية الفقيه طوال خمسين عاماً من بداية طرحه لنظرية ولاية الفقيه[3]، أو كان مبناه على تفكيك الإرادتين: الجدية والاستعمالية؟
1- تفكيك الإرادة الجدية عن الاستعمالية في مطلقات (موسوعة الفقه) الذي استظهره بعض المحققين هو ان مبنى الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) في العديد من المسائل المتعلقة بالشؤون العامة، كان على تفكيك الإرادة الجدية عن الإرادة الاستعمالية، كما جرت سيرة المعصومين الأطهار (عليهم السلام) على ذلك كما حقق في الأصول، ولذلك كثيراً ما كان العام أو المطلق يصدر من إمام فيما يصدر الخاص أو المقيد أو غيرهما من إمام آخر أو من نفس الإمام في زمن آخر، ولذا وجب الفحص عن المخصصات والمقيدات في كلمات كافة المعصومين بدءً من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ووصولاً للإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف وإن ورد العام في كلام الرسول الأعظم أو الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما، وذلك لأن مبناهم (عليهم السلام) على تفكيك الإرادتين، بل كان مبنى الكتاب العزيز على ذلك، وذلك لحِكَم ومصالح شتى ومنها مقتضيات مقام التعليم المغاير لمقام الفتيا. ومما يرمز إلى ذلك ويشير إليه: الدلالات الثلاثة: دلالة الاقتضاء، ودلالة التنبيه والإيماء، ودلالة الإشارة. إذا عرفت ذلك عرفت ان إطلاقات كلامه (قدس سره) عن ولاية الفقيه محمولة على المقيدات والمخصصات التي صرح بها في ثنايا الفقه في العشرات من المواطن.
2- تطور الفكر الفقهي وقد احتمل بعض الفقهاء ان يكون ذلك (الإطلاق في مواضع من الفقه والتقييد في مواضع أخرى) محمولاً على تطور حركته العلمية والفقهية حيث انه كان يرى في البدايات ولاية الفقيه المطلقة ثم انه بعد ذلك عدل عنها إلى المقيدة، وهذا ممكن كما انه ليس نقصاً بل هو علامة الانصاف والموضوعية والتكامل، وما أكثر الفقهاء الذين عدلوا عن آرائهم إلى آراء لاحقة، بل لقد اشتهر عن الشيخ الطوسي انه تناقض في فتاواه حتى حمل عليه ابن ادريس بحملات شديدة، لكن الحق انه كان يعيد دراسة فتاواه من جديد وقد يصل إلى دليل أو وجه دلالة لم يصل إليها من قبل ولقد اجاد صاحب الحدائق في كتابه لؤلؤة البحرين بقوله عن الطوسي: (والحق ان الشيخ "الطوسي" صارت له خيالات متناقضة وأمور متعارضة لأنه كان حديد الذهن شديد الفهم حريصاً مع كثرة التصانيف وجمع التصانيف). ولكن هذا الرأي على وجاهته في موارد قد يكون مرجوحاً بالنسبة للرأي الأول في هذا المورد (مبحث ولاية الفقيه)، وذلك لوجود شواهد على الرأي الأول ومنها ان جلّ المقيدات لم تأت في اخريات عمره بل انها توزعت على مساحة أكثر من مائة مجلد من مجلدات الفقه، كما ان إطلاقاته أيضاً توزعت على هذا المدى الواسع. فقد بنى إذاً على تفكيك الإرادتين، نعم قد تصح فكرة التطور في بعض القيود.
3- الولاية العامة لا المطلقة والإطلاق إضافي وهناك رأي ثالث: يرى انه لم يكن يقصد من الولاية العامة الولاية المطلقة، بل المراد بها العامة أي الشاملة للشؤون العامة، وكان يرى (المقيدة) بالنسبة للقيود الكثيرة التي ذكرنا خمسة وعشرين منها. والملخص: ان تعبير (المطلقة) تعبير إضافي فهو مطلق من جهة ومقيد من جهة أخرى. أي هي مطلقة بالنسبة إلى (ولاية الحسبة) فانها أعم منها لكنها مقيدة بقيود كثيرة جداً وبعضها لم تقيد به (الحسبة) بنفسها[4].
الفصل الأول حدود ولاية الفقيه وقيود الولاية
لولاية الفقيه في فقه الإمام الشيرازي قيود كثيرة جداً: من حيث المتعلَّق، فلا ولاية له على الأحكام وعلى الشؤون الشخصية و... ومن حيث المساحة، فلا ولاية له على سائر الفقهاء ومقلديهم. ومن حيث الصلاحيات وحدودها، فلا ولاية له إذا لم يتطابق رأيه مع المصلحة العامة للناس، و... ومن حيث الامتداد الزمني. ومن حيث شروط العلة المحدثة لفعلية ولايته. ومن حيث شروط العلة المبقية ككونها مشروطة برضا الناس فلو لم يرض به الناس حرم عليه قسرهم وجبرهم على الرضوخ له. ومن حيث العلة الغائية، فلا ولاية له إذا لم يقم بمهمته الأساسية وهي عمران البلاد وازدهارها وصلاح العباد وتقدمهم. إلى غير ذلك. وإليكم فهرساً بعناوين القيود التي قيّد بها الإمام الشيرازي الراحل ولاية الفقيه في موسوعته الفقهية:
1- لا ولاية للفقيه إذا لم يكن مرضيا لله تعالى قال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه: (الحاكم الإسلامي هو الذي يجمع بين شرطين: الأول: كونه مرضيا لله سبحانه وتعالى. الثاني: كونه منتخبا من قبل أكثرية الأمة. اما الشرط الأول: فان الولاية لله سبحانه، عقلا وشرعاً، فلا يحق لأحد تولي الأمر بدون رضاه سبحانه، اما عقلاً فلأن الله سبحانه خالق الخلق ومالك الملك وكما لا يجوز – عقلاً – ان يتصرف أحد في ملك أحد إلا برضاه، كذلك لا يجوز التصرف في ملك الله إلا برضاه، واما شرعا، فلورود الآيات والروايات بلزوم ان يكون من يلي الأمور مرضيا له سبحانه، مثل آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ}، وآية {اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وغيرهما مما تقدم، ومثل الروايات المتقدمة)[5]. والحاصل: ان ولاية الفقيه ليست ذاتية بل هي – على فرضها – اكتسابية وهي في طول ولاية الله تعالى بل هي في طول ولاية الأئمة (عليهم السلام) فمادام لم يمنحه الله الولاية فلا ولاية له، وأول شرط في منحه الولاية هو كونه مرضياً لله تعالى لكن رضا الله تعالى شرط صعب جداً جداً وما سيأتي يتضمن إشارة إلى ذلك: لا ولاية لغير العادل ان اشتراط رضا الله تعالى يشير إلى الشروط المعهودة في مرجع التقليد: ومنها: الاجتهاد. ومنها: العدالة، فإذا لم يكن الفقيه عادلاً فلا ولاية له أبداً، ومن الواضح ان ظلم الناس ومصادرة حقوقهم المشروعة من المحرمات بل من الكبائر. من مقومات العدالة في الولي الفقيه وهذه عناوين لبعض الكبائر التي يوجب ارتكاب احدها ولو لمرة واحدة السقوط عن العدالة ومن ثمَّ سقوط الفقيه عن الولاية، وذلك حتى إذا قلنا بأن العدالة هي الملكة العاصمة فكيف إذا قلنا بانها الاستقامة على جادة الشرع إذ على هذا الأخير فان الصغيرة أيضاً مسقطة على العدالة فكيف بالكبيرة؟ 1- السرقة وغصب أموال الناس، وان مصادرة أموال الناس هي أسوأ من السرقة لأنها ضمّت إلى جانب التعدي على أموال الناس بأخذها بلا وجهٍ حق، القهر والقسر. 2- أكل السحت وهو المال الحرام بوجه مؤكد كأكل مال اليتيم ظلماً والربا، وما حصل عليه من أعمال الولاة الظلمة أو أخذ بحكم قضاة الجور ومنه الضرائب. 3- الكذب، ومنه الفتوى بغير علم، واسوأ أنواعه البهتان. 4- نقض العهد والخيانة. 5- الولاية للظالمين بل مطلق معونتهم. 6- الإسراف والتبذير. 7- المحاربة لأولياء الله والموالاة لأعدائه. 8- سب المؤمنين وإذلالهم وإهانتهم وإيذائهم. 9- غش المؤمنين. 10- غيبة المؤمن. وحول هذه البنود الهامة تحدث الإمام الشيرازي في العديد من كتبه وقد اقتبسنا[6] بعض كلماته من موسوعة الفقه فراجع الملحق (1). ولا يخفى ان غش غير المؤمن أيضاً حرام وكذا سب أو إذلال مطلق الإنسان المصون العرض نعم يخرج منه ما كان من باب رد الاعتداء بالمثل لقوله تعالى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} و{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}.
2- لا ولاية تكوينية للفقيه أبداً وهذا النفي من الواضحات التي قياساتها معها، فانه لا وجه لتوهم ان الفقيه له ولاية تكوينية كالأنبياء والرسل والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين. ولعل من البديهيات أيضاً ان التبحر في الفقه والأصول ليس من العلل المعدة ولا المسبِّبات التوليدية للحصول على أدنى درجات الولاية التكوينية فكيف بأوسطها أو أعلاها؛ إذ لا سنخية بين ذينك وهذه أبداً، بل ان كانت علة معدة فهي تهذيب الأنفس وترويضها (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى) فمن فعل ذلك حقاً وإن كان عامياً في الفقه والأصول فقد ينال بعض الدرجات في حدود خاصة، فلا ترابط بين العلم والفقه والمرجعية وبين الولاية التكوينية أبداً.
3- لا ولاية للفقيه على سائر الفقهاء قال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه العقائد: (س- هل للفقيه ولاية على فقيه آخر أو على غير مقلديه في الفتوى والحكم؟ ج- الفقيه حجة على مقلديه لا على فقيه آخر ومقلديه ولا فرق بين الفتوى والحكم. س- إذا كان الفقيه حاكماً على بلاد المسلمين وبيده زمام السلطة هل يجب على غيره من الفقهاء أن يطيعوا حكمه؟ ج- لا وإنما اللازم شورى الفقهاء والمراجع).[7]. وستأتي تصريحات أخرى له (قدس سره) في هذا الحقل. ولا فرق في عدم ثبوت ولاية للفقيه على سائر الفقهاء بين كونه أعلم منهم أو مساوياً فكيف لو كان أدون، والمراد من الفقيه (المجتهد)، كما لا فرق بين كون المجتهدين معارضين للفقيه الحاكم أو منخرطين معه أو محايدين، فانه لا ولاية للفقيه على الفقيه الآخر مطلقاً. ومن الأدلة على ذلك: ان الفقهاء – على القول بثبوت ولاية لهم وبمقدار ثبوتها – كل منهم في عرض الآخر لا في طوله لأن الأدلة الدالة على ثبوت ولاية لهم – بالقدر وبالحد الذي تدل عليه – هي شاملة لهم بوزان واحد لبداهة اننا في زمن الغيبة الكبرى وان الأدلة تشمل كافة الفقهاء الجامعين للشرائط بوزان واحد فلاحظ مثلاً قوله (عجل الله فرجه الشريف): (وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّه...)[8] فان رواة حديثنا جمع مضاف يفيد العموم فالمرجع هم جميعاً لا أحدهم.
4- لا ولاية للفقيه على منع الفقهاء أو الناس من إبداء آرائهم فانه إضافة إلى انه لا ولاية له عليهم، لا ولاية له للحجر على آرائهم الفقهية المخالفة أو المعارضة له، كما صرح به مراراً. بل يلزم من القول بذلك[9] نقض الغرض فان (الفقهاء حصون الإسلام)[10] ولو منعوا من إبداء آرائهم لانهدم حصن الإسلام فكيف يُشرِّع من يصرح بأن (الفقهاء حصون الإسلام) صحة وجواز منع أحد الفقهاء لسائر الفقهاء من إبداء آرائهم؟ واما حديث التساقط لدى التعارض فانه يلزم منه عدم حجية رأي أي منهم لدى التعارض لا حجية أحدهم ولغو آراء الآخرين! ومن المفيد جداً ان ننقل ههنا عن الميرزا النائيني قوله: (إذ من الواضح أن إدارة أمور الأمة وشؤونها من الوظائف الحسبية، ولكن وبغض النظر عن مبدأ الشورى الذي يجب تكريسه في الحكومة الإسلامية، والذي بيّنّاه سابقاً، فإن الشعب بجميع أفراده له حق الإشراف والمراقبة باعتباره يدفع الضرائب والرسومات ويشارك في إعمار البلاد وبنائها هذا أولاً، كما أن أصل العمل بمبدأ الشورى يقتضي ذلك ثانياً، ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثالثاً. ولا يمكن ممارسة هذا الحق إلا بانتخاب الشعب لممثليه).[11].
5- لا ولاية للفقيه على مقلدي سائر الفقهاء قال الإمام الشيرازي في (الفقه) حول السجن: (نعم لا إشكال في أنه إذا اقتضت الضرورة جاز، لكن اللازم أن يكون ذلك أولاً بقدر الضرورة[12]، لأن الضرورات تقدر بقدرها، وثانياً: يجب أن يكون تحت نظر شورى الفقهاء، إذ لا ينفذ حكم فقيه في حق مقلدي فقيه آخر، نعم ينفذ في حق مقلديه، كما أن من الواضح أنه لا حق للفقيه أو شورى الفقهاء في أصل السجن إذا أمكن الاستيثاق بدونه كأخذ الكفيل ونحوه)[13]. وقد مضى تصريح له في الفقه العقائد حول ذلك.
6- لا ولاية للفقيه في الشؤون الشخصية للناس قال الإمام الشيرازي قدس سره في موسوعة الفقه في مسألة أنه إذا طلب الفقيه الزكاة أو الخمس ولكن المكلف لم يدفعه للفقيه بل دفعه بنفسه إلى المستحق، (فالظاهر الإجزاء وإن نهى عنه الفقيه، لإطلاقات أدلة مباشرة المالك للإعطاء. وربما يستدل لعدم الإجزاء أ- بأن الفقيه كالإمام فحاله حاله. وفيه: إنه لا دليل على هذه الكلية، وإن قلنا بعموم أدلة النيابة. ب- وبأن عدم الإعطاء له مع طلبه رد عليه، والرد عليهم كالراد على الأئمة. إذ فيه: إن الظاهر من ذلك الرد عليهم – على الفقهاء – في الأحكام الشرعية لا في الموضوعات الخاصة، فهل أنه لو أمر الفقيه بطلاق الزوجة أو بنكاح امرأة أو ما أشبه وجبت إطاعته؟، والقول بوجوب الإطاعة حتى في مثل هذه الأمور، وإن صدر عن بعض الفقهاء، ضعيف خارج عن منصرف الإطلاقات)[14]. وبعبارة ثانية: انه ردّ منهم إليهم وليس رداً عليهم. وقال: (فإنه إذا أراد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) تصرفاً في مال إنسان أو نفسه، أو قال له: تزوج فلانة أو طلقها، كان واجباً عليه لأنه أولى، وليس كذلك الفقيه إجماعاً، ولأن دليل النيابة لا يشمل مثل ذلك، فإن الفقهاء نوابهم (عليهم السلام) في إدارة شؤون البلاد والعباد حسب المصلحة لا التصرفات الشخصية، فإذا قال الفقيه: تزوج فلانة ولم يُرِدها، أو قال: سافر ولم يُرِد، أو قال: اكتسب الكسب الفلاني ولم يرد، أو بالعكس بأن نهاه وأراد، لم يكن رأي الفقيه مقدماً على رأي الإنسان. والحاصل: إن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والإمام (عليه السلام) خليفة الله، فكما لله سبحانه أن يتصرف في ملكه كيف شاء، كذلك لهما بعنوان أنهما خلفاؤه، وليس الفقيه كذلك)[15].
7- لا ولاية للفقيه في تشريع الأحكام وذلك لوضوح ان التشريع لله تعالى وحده {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} نعم فوّض الله تعالى إلى رسول (صلى الله عليه واله وسلم) تشريع بعض الأحكام مما عبّر عنه بـ(سنة النبي) بعد (فرض الله) وذهب جمع من العلماء إلى تفويض تشريع بعض الأحكام إلى الأئمة أيضاً استناداً للروايات، وما عدا ذلك فانه قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}[16] وإذا كان هذا حال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فكيف بالفقيه؟ قال السيد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه في موسوعة الفقه: السياسة[17] (أما مقررات الدولة الإسلامية الشرعية، فالواجب اتباعها، وإن كان بعضها خلاف بعض الأحكام الأولية،[18] لا من جهة إطلاق ولاية الفقيه، فإن ولاية الفقيه ليست مشرّعة، بل اللازم على الفقيه كغيره ان يسير في النطاق الإسلامي، وإنما يلزم الاتباع في ما كان خلاف الأحكام الأولية، من جهة الحكم الثانوي النابع من الاضطرار، وملاحظة الأهم والمهم، وما أشبه ذلك). وقال في الفقه العولمة[19] تحت عنوان (احترام حقوق الفرد والجماعة): (مسألة: يحرّم الإسلام كل أمر يتنافى مع ما شرّعه من قانون السلطنة القائل: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) ومن أبرز مصاديق ذلك الجمارك والمكوس فإنها محرمة شرعاً، مضافاً إلى ما تستوجبه من تبعات مالية واقتصادية. وقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (إن الناس مسلطون على أموالهم)[20] وقال (صلى الله عليه واله وسلم) (لا ضرر ولا إضرار في الإسلام)[21] وقال الصادق (عليه السلام): (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نص)[22] وقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة)[23] وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): أن علياً (عليه السلام) كان يقول: أبهموا ما أبهمه الله.[24] وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (على العشار كل يوم وليلة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)[25] وفي الحديث عنه (صلى الله عليه واله وسلم): (والحمار يلعن العشار)[26] نعم يلزم دفع الحقوق الشرعية والتي هي الخمس والزكاة والجزية[27] والخراج دون غيرها)[28].
8- لا ولاية للفقيه إذا ظلم أو ضيّع حق أحد ومن أمثلة ذلك ما صرح به في الفقه كتاب الزكاة: (والحاكم الشرعي إنما يجيز المعاملة، لا أنه يكون مالكاً كالبائع، بل في جواز مثل هذه الإجازة نظر، لأنه يوجب تفويت حق السادة، إلا أن يكون إمام الأصل الذي له الولاية المطلقة)[29]. وبكلمة: فان الفقيه نصب لحفظ الحقوق ورعايتها لا لتضييعها وسحقها فإن ذلك مقتضى كونه أميناً على أموال الناس وأعراضهم وحقوقهم وكونه أميناً على أحكام الشارع الأقدس. وبعبارة أدق: الولاية متقومة – فيما تتقوم به – بالأمانة فلو خان الأمانة وأكل حقوق الناس وصادرها، سقط عن الولاية قهراً. وبتعبير ثالث: ان ولايته طريقية لا موضوعية لها أي هي مقدمية، وذو المقدمة هو إقامة العدل والحق، وإذا كانت العلة الغائية هي علة فاعلية الفاعل فكيف يعقل ان يحرك الفاعلَ للفعل[30] نقيضُ العلة الغائية المتوخاة منه؟ قال الإمام الشيرازي في فقه العولمة تحت عنوان: (حرمة الظلم) مسألة: لا يجوز الظلم سواء من الحاكم أو غيره، فانه من أشد المحرمات شرعا، كما يجب التحلي بالعدل والإنصاف. عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبد الله (عليه السلام) في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: «أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم» ثم قال: «من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلوا، ولا من الحلو مرا، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما» وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما حضر علي بن الحسين (عليهما السلام) (الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله»[31] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية فإن سخط العامة يجحف[32] برضى الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة»[33] وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة»[34] وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته»[35] وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان.[36] وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل).[37] وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن لله جنةّ لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم على نفسه بالحق ورجل زار أخاه المؤمن في الله ورجل آثر أخاه المؤمن في الله).[38] والظاهر ان المقصود من ذكر روايات كثيرة، إضافة إلى موضوعيتها وفوائدها الذاتية الكبيرة، الاستدلال بتواترها الإجمالي بل بتواترها المضموني، بل نقول فوق ذلك ان مضامينها من المستقلات العقلية والروايات إرشادية لها. وقال الميرزا النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة (أما الأمر الأول: فقد تبين لك من المقدمة أن الهدف من تأسيس الحكومة وتنظيم القوى ووضع الخراج وغير ذلك كله، هو حفظ وتنظيم البلاد وتربية الشعب والاهتمام بأمر الرعية، لا لإشباع شهوات وملذات الذئاب، ولا لأجل استعباد رقاب الشعب استجابة لنزوة قاهرة. فمما لا شك فيه أن السلطة التي صرحت بها الأديان والشرائع وأقرها كل عاقل ـ سواء كان المتصدي لها غاصباً أو محقاً ـ هي عبارة عن تحمل الأمانة والمسؤولية صيانةً لنظام الأمة، فبالسلطة تقام الحدود والوظائف التي تعنى بالمحافظة على مصلحة الأمة، ولا تعني القهر والملوكية والتحكّم بالبلاد والعباد على أساس الهوى والنزوات. الحقيقة إن السلطة هي من قبيل تولية بعض الموقوف عليهم أمر تنظيم وحفظ موقوفة مشتركة وإيصال كل حق إلى صاحبه، لا من قبيل التملك والتصرف الشخصي الدائر مدار قبول المتصدي وأهوائه ورغباته النفسية. ومن هنا عبّر أئمة وعلماء الإسلام عن السلطان بالولي والوالي والراعي، وعن الناس بالرعية).[39] و(في زيارة الغدير الغراء نقرأ هذه العبارة في وصف سيد الأوصياء (عليه السلام): "وأنت القاسم بالسوية والعادل في الرعية"[40]، حيث تشير إلى ما قلناه بخصوص مبدأ المساواة، ولكن أهمية هذا المبدأ وكونه الركن الثاني في سعادة الشعب وأنه يحول دون استئثار المتصدين بالنعم والملذات ويمنعهم أيضاً من القيام بأعمال استبدادية، كل ذلك حدا بالبعض لأن يرسموا لهذه العبارة صورة قبيحة تثير النفرة والاشمئزاز لدى المسلمين وغير المسلمين).[41]. و(إن مبدأ المساواة هو من أشرف المبادئ والقوانين التي تنادي بها السياسة الإسلامية، وهو أس العدالة وروح القانون، وقد بينّا إجمالاً مدى الأهمية البالغة التي يوليها الشارع المقدس لمسألة تحكيم الأصل الثاني الذي يؤدي دوراً أساسياً في سعادة الأمة؛ فالشريعة المطهرة تقضي بأن كل حكم، مهما كان موضوعه، إذا ما اتخذ صيغة قانونية، يلزم عنه في مرحلة التنفيذ أن ينفذ على تمام مصاديقه وأفراده بشكل واحد وبالسوية، ولا يلحظ في أمر التنفيذ أية محسوبية أو مؤثرات شخصية، ولا يجوز لأحد أن يلغي حكماً أو يغض الطرف في إجراء حكم من الأحكام. ولا مجال للرشوة والتخلف عن التطبيق، وإصدار الأحكام على أساس الهوى والأغراض النفسية. وبالنسبة للحقوق المدنية الأولية والعامة كأصل التأمين على النفس والعرض والمال والمسكن وعدم التعرض للآخرين بلا سبب والسماح بإقامة منتديات ولقاءات مشروعة وغيرها من الحقوق المدنية العامة، لابد من إجرائها للجميع بنحو واحد. وأما في الموارد الخاصة فيجب أن لا يكون هناك أي امتياز أو أولوية للبعض دون البعض الآخر، فكل أفراد الشعب بعد أن تنطبق عليهم تلك الموارد الخاصة يكونون فيها سواء. فيجب ـ مثلاً ـ أن لا يلحظ في المدعى عليه كونه وضيعاً أو شريفاً، جاهلاً أو عالماً، كافراً أو مسلماً، فالكل يجب أن يأتوا إلى المحكمة مذعنين. وأما الأحكام الصادرة من قبل الحاكم الشرعي النافذ الحكومة بحق القاتل والسارق والزاني والشارب للخمر والراشي والمرتشي والجائر في الحكم والمفسد والمرتد ومن يأكل مال اليتيم فيجب أن تنفذ بسرعة ودون تأخير، فالأحكام الخاصة بالمسلمين أو بأهل الذمة لابد وأن تنفذ بلا تمييز بين أفراد كل من الفريقين. هذه هي حقيقة المساواة والتي تعد روح القوانين والمبادئ السياسية، ولا شك أن عدم جواز التخطي عن هذا الأصل هو من ضروريات الدين الإسلامي الحنيف ومن بديهياته.[42 ].
9- لا ولاية للفقيه على خلاف المصلحة العامة بل ان ولاية الفقيه منحصرة فيما لو انبثق رأيه من المصلحة العامة للناس قال الإمام الشيرازي في الفقه: (الحكم في الإسلام): مسألة – 5 - الظاهر انه يشترط في تصرفات رئيس الدولة الاسلامية ان تكون تابعة للمصلحة، فلا يصح التصرف الذي ليس بمصلحة، وان لم يكن مفسدة.
من الأدلة على اشتراط المصلحة ويدل عليه الأدلة الاربعة: الاول: الكتاب الحكيم، قال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فانه يفهم منه عدم جواز التصرف في امور الامة بدون الصلاح لانه لا شك في كونه اهم من مال اليتيم[43]، هذا بالاضافة الى ان الفقيه بتصرفاته يتصرف في اموال الايتام وانفسهم،ولا يجوز التصرف في اموالهم بقوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} بضميمة استصحاب الشرائع السابقة، وان الاخذ بالأحسن لا يراد به ما ليس بمفسدة[44]، بل ما كان صلاحاً. الثاني: السنة المطهرة مثل: (لا يبطل حق أمرئ مسلم) و(لا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم) فان عدم ملاحظة المصلحة ابطال لحق المسلمين، مثلاً اذا كان قيمة الطائرات في الاسواق مليون دينار وامكنه ان يشتريها بمليون الا خمسين الف فلم يفعل ذلك فانه يصدق عرفا انه ابطل حق المسلمين، بالإضافة الى انه كثيراً ما يصدق عليه انه أضرهم فلا يجوز لدليل لا ضرر ونحوه، وفي الحديث المتقدم، عن الامام الرضا عليه السلام الماع الى ذلك. الثالث: الاجماع الذي ادعاه بعضهم في شرحه للعروة في باب التقليد في مسألة ولاية الفقيه. الرابع: العقل، فان جعل الولاية انما هو باعتبار المحافظة على مصلحة المسلمين، فعدم رعايتها والتحول الى عدم المفسدة خلاف الحكمة المجعول لاجلها الولاية، وبذلك يظهر ان قول بعضهم بكفاية عدم المفسدة للاصل، محل منع)[45]. وقال أيضاً في الفقه كتاب الزكاة: (وقد استدل فيه في الأول بإطلاق معقد الإجماع على جواز التأخير، كما استدل له في الثاني بالأصل، لكن لا يخفى أن هذا فيما إذا لم تكن مصلحة بالولاية العامة في الطلب، وإلا كان مقتضى القاعدة وجوب قبول المالك، إذ فيمن له الولاية المطلقة كالنبي والإمام لا إشكال في ذلك، وفيمن ولي من قبلهم (عليهم السلام) كالفقيه لا بد من القول بذلك مع اقتضاء المصلحة، كما لو أريد التجهيز للحرب فيما ليس للمسلمين مال أو نحوه، إذ الاضطرار الحاصل الموجب لطلب الحاكم يقدم فيه ما هو أقل المحذورين، كما لو دار الأمر بين أخذ المال مجاناً أو أخذه زكاة)[46].
من ثمار التقييد بالمصلحة و(التقييد بالمصلحة) مهم جداً في عالم الثبوت وعالم الإثبات: أما في عالم الثبوت فان الفقيه الحاكم لو حكم في أمر عام أو خاص بأمرٍ، ولم يكن ذلك من مصلحة الناس أو مصلحة ذلك الشخص، فانه ليس مشمولاً – حسب هذا القيد – للأدلة الدالة على نفوذ حكمه أو ولايته أو الدالة على الاذن له أو وكالته. واما في عالم الإثبات: فأولاً: يجب على الفقيه ان يستوثق من كون حكمه على طبق المصلحة وليس له ان يستبد بالرأي وينفرد فيه بل عليه الاسترشاد بآراء أهل الخبرة فانه نوع فحص واجب وقد ورد في الأحاديث (من استبد برأيه هلك) (ما خاب من استشار) إلى غير ذلك. ثانياً: للناس عامة وللشخص خاصة التفحص عن حال الحكم الصادر فإذا وجد انه غير صادر عن مصلحة كان له ان يشتكي على الفقيه الحاكم عند القضاء وعند فقيه آخر، كما انه لو أحرز مخالفته كان له الجهر بذلك والإعلان. واما الميرزا النائيني فقد قال في (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) (الثاني: أن لا تقوم السلطة على المالكية ولا القاهرية ولا الفاعلية بما يشاء ولا الحاكمية بما يريد، وإنما على أساس إقامة تلك الوظائف والمصالح النوعية المطلوبة من السلطة، وأن تكون اختيارات الحاكم محدودة بحدود هذه الوظائف ومشروطة بعدم تجاوزه حدود الوظائف المقررة عليه. بخلاف النوع الثاني فإن حقيقته ولبّه الخالي عن القشور عبارة عن ولاية على إقامة الوظائف الراجعة للدولة. وبعبارة ثانية هي أمانة نوعية في صرف قدرات البلد في مصالحه، لا في الشهوات والميول الفردية. ولذا فإن سلوك الحاكم محدود بحدود الولاية على هذه الأمور ومشروط بعدم تجاوزها، وأفراد الشعب شركاء معه في جميع مقدرات البلد التي تنتسب للجميع بشكل متساوٍ. وليس المتصدون للأمور إلاّ أمناء للشعب، لا مالكين أو مخدومين. وهم كسائر الأمناء مسؤولون عن كل فرد من أفراد الأمة، ويؤاخذون بكل تجاوز يرتكبونه، ولكل فرد من أفراد الشعب حق السؤال والاعتراض في جو يسوده الأمن والحرية، وبدون التقيد بإرادة السلطان وميوله)[47]. و: (ومما تقدم يتضح أن أساس النوع الأول من السلطنة ـ الذي هو عبارة عن مالكية مطلقة وفاعلية ما يشاء وحاكمية بما يريد ـ مبني على تسخير الأمة وقهرها بالإرادات السلطانية من جهة، وجعل السلطة أمراً خاصاً بالسلطان، ولا تشاركه فيها الأمة فضلاً عن أن تكون مساوية له، وإيكال كل الأمور إليه وحده من جهة ثانية، ويتفرع عن ذلك عدم مسؤولية السلطان عمّا يقوم به، وكل ما نراه اليوم في إيران من الازمات المدمرة للدين والدولة والشعب، والتي لم تقف عند حد، هي من هذا الباب؛ ولا بيان بعد العيان ولا أثر بعد عين. وقد عرفت أن أساس النوع الثاني معاكس لأساس النوع الأول، وهو عبارة عن ولاية على إقامة المصالح العامة، ومبني على تحرير الأمر من الرق البغيض من جهة، ومشاركة أفراد الأمة بعضهم مع بعض ومساواتهم مع شخص السلطان في جميع أمور البلاد من جهة ثانية، ويتفرع عن ذلك حق الأمة في المحاسبة والمراقبة ومسؤولية الموظفين.[48].
10- لا ولاية للفقيه في غير دائرة الأحكام الثانوية وقد صرح الإمام الشيرازي بان ولاية الفقيه لا تنال دائرة الأحكام الأولية، بان يحرم ما أحله الله تعالى أو أوجبه كأن يحرم الصلاة والصيام والحج أو النكاح أو يحلل ما حرمه الله تعالى كشرب الخمر والزنا والسحر وما أشبه، وذلك بمعنى ان يروم جعل قضية حقيقية في مقابل القضية الحقيقية الشارعية عكس ما توهمه البعض وصرح به! وسيأتي تصريحه بعد أسطر.
11- لا ولاية للفقيه خارج إطار أحكام الإسلام قال في موسوعة الفقه: (أما احتمال أن يكون للفقيه ذلك من باب الولاية، ففيه: إن الولاية إنما تكون في النطاق الإسلامي لا خارج النطاق الإسلامي)[49]. وقد صرح بهذين القيدين الأخيرين بقوله قدس سره: (ومما تقدم علم أن ذلك ليس من باب ولاية الفقيه بالمعنى الذي توهمه بعض من أنه يضع ما يشاء ويترك ما يشاء ولا من باب المصالح المرسلة التي لا نقول بها، إذ ولاية الفقيه إنما تكون في دائرة الأحكام الإسلامية، والمراد بالولاية أن الفقيه يتولى التصرف في البلاد والعباد لا غيره، لا خارج دائرة أحكام الإسلام، لكن تكون في ضمن دائرة الأحكام الثانوية من لا ضرر ولا حرج والأهم والمهم، ورعاية مصالح العباد حتى لا يستلزم اختلال النظام والهرج وغير ذلك)[50]. وقال: (وبذلك تبين، ان لا ولاية للفقيه خارج الإطار الإسلامي، فان الفقيه هو المراعي لأحكام الإسلام، لا الذي يعمل خارج نطاق الإسلام، كما تبين ان لا ولاية للفقيه خارج انتخاب الأمة، بالنسبة إلى التصرف في شؤون البلاد والأمة)[51]. أقول: بل كيف يعقل ان يتوهم خلاف ذلك وقد قال تعالى عن رسوله العظيم {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً}[52] وإذا كان الرسول الأعظم مقيداً بالحكم في إطار ما أراه الله فكيف للفقيه أن يتجاوز هذا الإطار فيحكم خارج النطاق الإسلامي؟ وجوب إسقاط حكم الفقيه إذا لم يعمل بقوانين الله وقال قدس سره في الفقه: السياسة[53] (وبعدما تقدم من اشتراط ان يكون الوالي مجتهداً عادلا، لاحاجة إلى ذكر انه لابد ان يعمل بقوانين الله سبحانه اذ ان أي انحراف عنها يسقط عدالته، واذا سقطت لزم على المسلمين اسقاطه[54] وسحب الثقة عنه وتبديله بالرجل الصالح وانه لاطاعة له على المسلمين، اما عدم وجوب طاعته في المعصية فاوضح من ان يخفى فانه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعن الخصال: انه روى سليم بن قيس، عن علي عليه السلام قال: احذروا على دينكم ثلاثة إلى ان قال ورجلا اتاه الله سلطاناً، فزعم ان طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله وكذب، لانه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق إلى ان قال: لاطاعة لمن عصى الله، انما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الامر([55(]. هذا بالاضافة إلى ان جملة من الروايات حذرت عن اتباع العالم العاصي مما تدل على المقام بالطريق الاولى، مثل ماتقدم في خبر السكوني المتقدم في المسألة السابقة: الفقهاء امناءٍ الرسل...([56(]. ومثل ما عن محجة الكاشاني رحمة الله عليه روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: العلماء امناء الرسل على عباد الله عزوجل مالم يخالطوا السلطان فاذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم([57) ]. وعن خراجية الفاضل القطيفى، قال: روى عن المعصوم عليه السلام: (العلماء أحباء الله ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولم يميلوا في الدنيا، ولم يختلفوا ابواب السلاطين، فاذا رأيتم مالوا إلى الدنيا واختلفوا ابواب السلاطين فلا تحملوا عنهم العلم ولاتصلوا خلفهم ولاتعودوا مرضاهم ولاتشيعوا جنائزهم فانهم آفة الدين وفساد الاسلام يفسدون الدين كما يفسد الخل العسل). وعن الديلمى في مسنده انه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة، فاعلم انه لص. إلى غيرها من الروايات التي تأتى جملة اخرى منها ايضاً انشاء الله). من أحكام الإسلام: حرمة سجن المعارض السياسي ومصادرة أموال الناس ومنع التظاهر والاعتصام و... وإطار (أحكام الإسلام) في الفكر الشيرازي عنوان هام يخالف أكثر ما قال به بعض اتباع ولاية الفقيه المطلقة من صلاحياته؛ فانه على ذلك: 1- لا يجوز أخذ الضرائب من الناس[58] – وهو حكم إسلامي. 2- لا يجوز أخذ المكوس (الجمارك) من الناس – وهو حكم إسلامي. 3- لا يجوز فرض الضريبة على الإرث – وهو حكم إسلامي 4- لا يجوز سجن المعارض السياسي – وهو حكم إسلامي. 5- لا يجوز التعذيب أبداً – وهو حكم إسلامي. 6- لا يجوز الإرهاب والعنف – وهو حكم إسلامي. 7- لا يجوز التجسس ولا تفتيش البيوت – وهو حكم إسلامي. 8- لا تجوز مصادرة أموال الناس أبداً – وهو حكم إسلامي. 9- لا يجوز منع الناس من الاستثمار والتجارة أو الصناعة والزراعة – وهي أحكام إسلامية. 10- لا يجوز منع الناس من إحياء الموات – وهو حكم إسلامي. 11- لا يجوز منع الناس من تأسيس الجمعيات والنقابات والاتحادات والأحزاب – وهو حكم إسلامي. 12- لا يجوز منع الناس من حق الاعتصام والتظاهر والاحتجاج على أية سياسة يرونها باطلة – وهو حكم إسلامي. 13- لا يجوز منع الناس من السفر أو الإقامة في أي بلد من بلاد الإسلام. 14- لا يجوز منع الناس من تأسيس الجرائد والمجلات ومحطات الإذاعة وإطلاق القنوات الفضائية، وتأسيس مواقع في الانترنيت[59]. وبكلمة جامعة: فان في طليعة أحكام الإسلام عنوانان هامان يتضمنان كل ما سبق وغيره أيضاً وهما: الحريات الأساسية وحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية وغيرها. وقد تحدث الإمام الشيرازي عن هذه البنود في موسوعة الفقه وغيرها وقد اقتبسنا بعض كلماته وادرجناها في الملحق (1) و(2) فراجعه.[60]. وقال الميرزا النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة (وحيث كانت يقظة الغيورين من المسلمين من أجل تحرير رقابهم من استرقاق الجائرين وتحقيق المساواة مع الحاكم، وتكريس حق الاشتراك معه في جميع قدرات البلاد وإمكاناته، تمثل الوسيلة الأكبر والأقوى لجدهم واجتهادهم في هذا المجال، فقد رأت شعبة الاستبداد الديني الخبيثة وباسم حفظ الدين أن من الواجب عليها، بمقتضى وظيفتها المتكلفة بالاحتفاظ بشجرة الاستبداد الخبيثة، عدم الإصغاء للخطاب الشريف {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، والاقتداء بالمخاطبين الأوائل بالقرآن الذين نبذوا كلام الله وراء ظهورهم. وأخذت تقاوم بكل ما في وسعها هذين الأصلين ـ الحرية والمساواة ـ اللذين تترتب عليهما حفظ حقوق الأمة وتحديد مسؤولية الولاة وغير ذلك. وعملت على تنفير وصرف قلوب الشعب عنهما وذلك بإظهارهما بأشنع الصور. فالحرية التي تعني تحرير الأمة من ربقة الجائرين، وهي من أعظم المواهب الإلهية على هذا الإنسان البائس، وكان اغتصابها في الإسلام من بدع الشجرة الملعونة معاوية وابن العاص، وكان استنقاذها من أهم مقاصد الأنبياء والأوصياء وقادة الشعوب، صوّروها في عداد المستحيلات واعتبروها أساساً لما هو غير شرعي من الأمور، كعدم ارتداع الملاحدة عن إظهار المنكرات وإشاعة الكفريات وتجرؤ المبتدعين في إظهار بدعهم وزندقتهم، وعدّوا من لوازم الحرية خروج النساء المسلمات سافرات الوجوه وغير ذلك مما ليس له ربط بقضية الاستبداد والدستور. مع أن الدول المسيحية، سواء كانت استبدادية كروسيا أو شوروية كفرنسا وإنجلترا، إنما لم تمتنع عن تلك الأعمال لأنها غير محرمة في أديانهم ومذاهبهم، لا لأنهم استبداديون أو شورويون. والمساواة في جميع الحقوق التي عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على استحكامها كأساس لسعادة أمته، حتى جرد كتفيه المباركين بتلك الحالة من المرض لاستيفاء قصاص ادّعائي، والتي تحمّل أمير المؤمنين (عليه السلام) كل تلك المحن والمصائب من أجل تطبيقها في مواردها التي كان منها التسوية فيما بين البدريين والإيرانيين الجديدين عهداً بالإسلام، حتى نال كأس الشهادة في محراب العبادة؛ هذه المساواة صورها الاستبداديون بصورة مساواة المسلمين مع أهل الذمة في أبواب النكاح والميراث والقصاص والديات. وخبطوا أكثر فجعلوا من مقتضياتها المساواة بين أصناف المكلفين كالبالغ وغير البالغ والعاقل والمجنون والصحيح والمريض والمختار والمضطر والموسر والمعسر والقادر والعاجز، وغير ذلك مما كان أساساً لاختلاف التكاليف والأحكام، وبعيداً عن قضية الاستبداد والشورى كبعدنا عن الفلك الأطلس[61]. وبالجملة فإن رأس مال سعادة الأمة وحياتها وأساس محدودية السلطة والمسؤولية المقدمة لها، وحفظ حقوق الشعب، كل ذلك ينتهي لهذين الأصلين، الحرية والمساواة، ولذا ترى شعبة الاستبداد الديني صبغت هاتين الموهبتين العظيمتين بهذه الصبغة القبيحة. ولكن "لا يمكن حجب أشعة الشمس، كما أن محاولة سد النيل بالمسحاة عمل أحمق"[62].[63]) – انتهى. نعم لمجلس الأمة المنتخب من الناس بالتشاور مع الخبراء المحايدين وضع بعض القوانين لتنظيم تلك الأمور أو تحديدها بحدود بشرط أن تكون مؤقتة – فان العناوين الثانوية مؤقتة ولا يجوز ان تتحول إلى مادة في الدستور أو إلى مادة ثابتة في القانون، وبشرط ان تعاد دراستها كل سنة أو سنتين مثلاً مرة أو عندما يطلب عدد من النواب أو الفقهاء أو الخبراء أو الناس – والدستور يحدد مؤقتاً، العدد – وبشرط ان تصادق عليها أيضاً أكثرية شورى الفقهاء والمراجع[64].
12- لا ولاية للفقيه على ظلم الأقليات ومنعهم عن حقوقهم وقال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه كتاب العولمة تحت عنوان: (مع الأقليات الدينية) مسألة: ينبغي للحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل بالتي هي أحسن[65] حتى مع غير المسلمين مما يصطلح عليهم اليوم بالأقليات، ولا فرق بين كون الأقليات أديانا كالنصارى، أو غير أديان كالبرهمية على تفصيل ذكرناه في الفقه. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»([66) ]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «بعث النبي (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد إلى البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس، فكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمائة ثمانمائة وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً؟ قال: فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى وقال: إنهم أهل كتاب»([67])). وعن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذمياً؟ قال: فقال (عليه السلام): «هذا شيء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلماً غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر القتل في الذميين ومن قتل ذمياً ظلماً فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمياً حراماً ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها»([68]).[69]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراح إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين، لأنهم يؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده»([70) ]. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تدخلوا على نساء أهل الذمة إلا بإذن»([71) ]. وقال (عليه السلام): «من آذى ذميا فكأنما آذاني»[72])[73]. والحاصل: ان ظلم الأقليات حرام ولا ولاية للفقيه إلا في حدود طاعة الله تعالى، واما الاحسان إليهم فحسن راجح وقد يدخل في عنوان المصلحة العامة السابق الذكر، فيجب من هذه الجهة أو لغير ذلك. والحاصل: ان ظلم الأقليات حرام ولا ولاية للفقيه إلا في حدود طاعة الله تعالى، واما الإحسان إليهم فحسن راجح وقد يدخل في عنوان المصلحة العامة السابق الذكر، فيجب من هذه الجهة أو لغير ذلك.
13- لا ولاية للفقيه على نقض المعاهدات الدولية أو الإساءة للدول الأخرى وذلك لأنه لا ولاية للفقيه على فعل المعاصي والمحرمات كما هو بديهي، ومن المعاصي الكبيرة نقض المعاهدات الدولية التي وقعتها الحكومة المنتخبة للناس وفقاً للضوابط العقلائية المشروعة، وسنجد ان السيد الشيرازي يصرح بوجوب مراعاة المعاهدات الدولية ووجوب حسن التعامل مع جميع الدول. قال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه تحت عنوان: (حسن التعامل مع جميع الدول) مسألة: يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تحافظ على حسن تعاملها مع جميع الدول، سواء المجاورة منها أو البعيدة، مسلمة أو غير مسلمة، وأن تراعي جميع المعاهدات الدولية التي تعقدها مع الدول الأخرى، حتى غير الإسلامية منها، فان الإسلام قد أمر باحترام كل ذلك. قال تعالى: ]وأوفوا بالعقود[([74) ]. وقال سبحانه: (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون)([75)]. وقال عزوجل: (الموفون بعهدهم إذا عاهدوا)([76)]. وقال تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)([77)]. وقال سبحانه: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد)([78)]. وقال تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)([79)]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمنون عند شروطهم»([80)]. وفي حديث آخر: «المسلمون عند شروطهم»([81)]. مضافاً إلى روايات حسن الجوار فإنها تشمل ذلك في الجملة. عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاةً إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً»([82)]. وعن أبي مسعود قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «حسن الجوار زيادة في الأعمار وعمارة الديار»([83)]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة تراك عيناه ويرعاك قلبه إن رآك بخير ساءه وإن رآك بشر سره»([84)]. وعن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): أخبرني بجميع شرائع الدين؟ قال: «قول الحق والحكم بالعدل والوفاء بالعهد»([85)]. وعن الحسين بن مصعب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين»([86]). وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة، إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم»([87)]. وعن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أقربكم غدا مني في الموقف أصدقكم للحديث وآداكم للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس»([88)]. وقال (عليه السلام): «إن العهود قلائد في الأعناق إلى يوم القيامة فمن وصلها وصله الله، ومن نقضها خذله الله، ومن استخف بها خاصمته إلى الذي أكدها وأخذ خلقه بحفظها»([89)]. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «كن منجزاً للوعد موفياً بالنذر»([90)].
14- لا ولاية للفقيه إذا لم يرض به الناس ولياً وحاكماً قال الإمام الشيرازي: (وذلك لما ذكرناه في كتاب الفقه: الحكم في الإسلام، والسياسة أن ظاهر الأدلة الشرعية أن الحاكم على المسلمين يلزم أن يكون فيه أمران: الأول: استجماعه لشرائط المرجع، المذكورة في كتاب الاجتهاد والتقليد. الثاني: أن ينتخبه أكثرية الأمة بانتخابات حرة، وذلك للجمع بين أدلة التقليد وأدلة الشورى، ولذا قال (عليه السلام): (فاجعلوا حكماً)[91]، و(ان يختاروا)، فحال رئاسة الدول حال إمامة الجماعة ومرجع التقليد والقاضي؛ حيث إنه إذا كان هناك نفران متساويان في استجماعهما للشرائط حق للإنسان أن يصلي مع هذا أو ذاك، أو يقلد هذا أو ذاك، أو يراجع هذا أو ذاك)[92]. وقال أيضاً: (ولا يخفى ان الدولة الاسلامية تعمل بكل هذه الامور لكن بثلاثة فوارق، بالقياس إلى الدولة غير الاسلامية:.... (ب) كون الفقيه الصالح منتخباً من قبل أكثرية الامة، فاذا كان هناك فقيهان جامعان للشرائط انتخبت الامة احدهما[93]، لا يحق للاخر تولى الشئون كما هو مقتضى دليل الشورى، وقوله عليه السلام: (انظروا إلى رجل منكم...)([94]) وقد ذكرنا تفصيل دليل الشورى في كتاب: (الحكم في الاسلام) ولعله يأتي له مزيد توضيح في بعض المسائل الاتية انشاء الله تعالى). وقال قدس سره: (واما الشرط الثاني: فلقوله سبحانه: {أمرهم شورى} وقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} فإن إطلاق الآيتين يعطى انه بدون الشورى لا يصح الحكم، إلا فيما خرج، مثل حكم الرسول وحكم الإمام، وحكم من عيّناه نصاً، مثل تعيين الرسول (صلى الله عليه واله) اسيدا على مكة، وتعيين علي (عليه السلام) مالكاً لمصر فانه لا مجال للشورى مع النص في الموضوعات)[95]. وقال: (وعلى هذا يكون هناك انتخابان للناس: (الاول) انتخابهم للفقيه العادل الجامع للشرائط، كما سيأتى بيان الشرائط حتى يكون هو الذي يتولى عامة الامور، وهذا مايسمى (بولاية الفقيه)[96] فاذا كان هناك جماعة من الفقهاء العدول اختار المسلمون احدهم رئيساً اعلى للدولة، ويحق لهم ان يختاروا جماعة منهم ليكونوا رؤساء الدولة بالاستشارة فيما بينهم، وهذا الثاني اقرب إلى روح الاسلام؛ حيث ان الاسلام استشاري، كما انه اقرب إلى الاتقان. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (رحم الله امرءاً عمل عملا فاتقنه)([97]) وهؤلاء الفقهاء هم الذين يقررون السياسة العليا للدولة، بالاستشارة فيما بينهم). انتهى من الأدلة على اشتراط رضا الناس في ولاية الفقيه في شؤون الحكم واشتراط رضا الناس يمكن تعليله بأحد وجوه: الأول: ما ذكره قدس سره بقوله (لقوله سبحانه: {أمرهم شورى} وقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} فإن إطلاق الآيتين يعطى انه بدون الشورى لا يصح الحكم، إلا فيما خرج). الثاني: ما ذكره بقوله (وذلك للجمع بين أدلة التقليد وأدلة الشورى، ولذا قال (عليه السلام): (فاجعلوا حكماً)[98]، و(ان يختاروا)) وذلك اما للحكومة أو للتخصيص أو لغير ذلك كما سبق. الثالث: ان ذلك هو مقتضى النصب أو الاذن العام للفقهاء، إذ مقتضاه بعد إذ لم يعقل نصبهم أولياء في عرض الآخر كلّاً منهم ولياً بالاستقلال لاستلزامه الفساد والإفساد والهرج والمرج، هو التخيير بينهم[99] أو كونهم جميعاً وبشرط انضمام بعضهم إلى الآخر ذوي ولاية لا أحدهم المعين فانه بلا مرجح أو أحدهم غير المعين ثبوتاً لاستحالته أو غير المعين إثباتاً لقبح الإهمال أو الاجمال في مثل المقام مما لا يعقل صدوره من الحكيم. لكن ظاهر العديد من الأدلة هو الأول كقوله (عجل الله فرجه الشريف) (اما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه، فللعوام ان يقلدوه)[100]. بناءً على شموله للشؤون العامة. وقد يفصّل بين الشأن الخاص فالتخيير أو العام فالشورى والبشرط شيئية. كما قد يفصل بين الشأن العام غير الارتباطي مما لا يستلزم الفساد والإفساد بإعمال كل منهم ولايته[101]، فالتخيير، وبين الشأن العام الارتباطي – كشؤون الحرب والسلم – فالشورى والانضمامية. على انه قد يقال لا مانعة جمع بين المقتضيين (التخيير) و(البشرط شيئية) إذ البشرط شيئية تتعلق بهم والتخيير يتعلق بالناس. والالتزام بالتخيير ليس بحاجة إلى دليل آخر حتى لو التزمنا بالظهور في النصب إذ ظاهر النصب للجميع التخيير بينهم بمناسبات الحكم والموضوع او اشتراط انضمام بعضهم إلى بعض وحيث لا يعقل التعليق على الإجماع لندرته انحصر في المنوطية بالأكثرية لعقلائيته. وقد يستدل على ذلك بالظهور العرفي وهو ما أشار قدس سره إليه بقوله (فحال رئاسة الدول حال إمامة الجماعة ومرجع التقليد والقاضي حيث إنه إذا كان هناك نفران متساويان في استجماعهما للشرائط حق للإنسان أن يصلي مع هذا أو ذاك، أو يقلد هذا أو ذاك، أو يراجع هذا أو ذاك). الرابع: ان ولاية احد على أحد حيث كانت خلاف الأصل كما صرح به قدس سره مراراً، وكان الخروج عنه هو المحتاج للدليل، والقدر المتيقن من الخارج هو ولاية الفقيه إذا رضي الناس بها وذلك بناء على انه لا يعلم ان المولى في مقام البيان من هذه الجهة، أي ان أدلة ولاية الفقيه لا إحراز لكون المولى في مقام بيان إطلاقها من جهة رضى الناس وعدمه فانه إطلاق احوالي، وشرط انعقاد الإطلاق إحراز كونه في مقام البيان من هذه الجهة على ما ذهب إليه الآخوند الخراساني. أو يقال بانصراف أدلة ولاية الفقيه إلى هذه الصورة، ووجه الإنصراف قوة ارتكازية (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وحقوقهم) في أذهان المتشرعة وأذهان العقلاء بحيث لا تصلح أدلة الولاية العامة – خاصة مع اعراض المشهور عنها – رادعة عنها فلا تكون إلا مثبتة للولاية في صورة رضى الناس فقط دون الأعم. هذا كله على القول بدلالة الأدلة على الولاية، واما على القول بالعدم – كما هو المشهور – فان اشتراط رضا الناس هو على الأصل إذ لا يحق لأحد التصرف في غيره – نفساً ومالاً وحقاً – إلا برضاه، فلو رضوا كان اما من الوكالة أو من الاذن أو من العقد المستأنف فتكون مدة ولاية الفقيه وحدود صلاحياته تابعة لحدود توكيل الناس له أو اذنهم أو على حسب شروط العقد.
15- لا ولاية للفقيه على الأجيال القادمة وقال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه: (لأن الفقيه الأول تمتد ولايته مادام انتخاب الناس له رئيساً للدولة، ومادام هو حي، فتصرفه في حق فقيه بعده متوقف على إجازته)[102]. وبذلك يختلف حال ولاية الفقيه عن القضاء، فان القاضي تمتد أحكامه حتى بعد عزله أو موته، اما الفقيه فلا، بل تتوقف على إمضاء الفقيه اللاحق (أو شورى الفقهاء) الذي انتخبه الناس لاحقاً وربما يستثني من ذلك ما لو حكم في أمرٍ كان العقلاء يرون ان من شأنه كون علته المبقية من شؤون علته المحدثة وتوابعها الطبعية. ولم نجد في كلمات الإمام الشيرازي – في بحث ناقص – الرأي في هذه القضية.
16- لا ولاية للفقيه طوال حياته، بل هي مادام الناس راضون بحكومته وقال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه: أما أن الحمى لفقيه الغيبة، فإنه وإن كانت عدالته تمنع عن تعمد العصيان، إلاّ أن كونه معرضاً للنسيان ونحوه[103] يعطي الأمة صلاحية التبديل به، لأنه يأتي باختيار الأمة كما ذكرناه في كتابي (الحكم في الإسلام) و(السياسة) وفي (كتاب الزكاة) في جمع الفيء، ما يفيد ان لهم أن يختاروا ليجمع فيئهم ويقاتل عدوهم فراجع)[104]. والحاصل: ان ولايته من هذه الحيثية اقتضائية ولا دليل على كونها علة تامة كي لا يمكن التبديل كما لا دليل على استلزام الحدوث للبقاء والعلة المحدثة للعلة المبقية. وقال أيضاً في موسوعة الفقه – وكما سبق-: لأن الفقيه الأول تمتد ولايته مادام انتخاب الناس له رئيساً للدولة، ومادام هو حي، فتصرفه في حق فقيه بعده متوقف على إجازته)[105].
17- لا ولاية تعيينية للفقيه بل هي تخييرية قال الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه: إن إطاعة الفقيه في الحكم مطلقاً محل تأمل، فلو طلب أحد الفقهاء الزكاة بنحو الحكم، وقال فقيه آخر: بعدم وجوب الإطاعة في مثله، لم يكن للعامي بأس في ترك العمل بقوله)[106]. والحاصل: أنه مع اختلاف الفقهاء فان المكلف مخير في الأخذ من أي واحد منهم، فانه من دوران الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق الأول وبين رفعه عن الإطلاق الثاني[107] وحيث ارتفع المحذور برفع اليد عن الإطلاق الثاني فلا وجه لرفع اليد عن الإطلاق الأول. وفي الفقه:[108] (نعم، لو كان هناك مجتهدان أحدهما أمر بشيء والآخر نهى أو ما أشبه ذلك اختار المكلف اتباع أيهما شاء لما ذكرناه في هذا الشرح من أن المكلف مخير بين الطريقين في غير ما إذا كان أحدهما حاكماً). والمراد بالحاكم هنا القاضي لأنه وضع للفصل بين المتخاصمين، نعم اجاز الإمام الشيرازي الاستئناف في الحكم والرجوع إلى قاض آخر كما ذكره في كتاب (القضاء) من موسوعة الفقه. نعم الظاهر ان مقصوده من التخيير بينهما أو بينهم هو في غير (الشؤون العامة التي يستلزم التخيير فيها اختلال النظام أو الفساد والإفساد، كشؤون الحرب والسلم وما أشبه) ولذلك مثّل له بمثل إعطاء الزكاة ولأنه مقتضى الجمع بين كلماته، فتأمل.
18- لا ولاية للفقيه إذا استبدَّ وقال الإمام الشيرازي في الفقه كتاب اللعان: (وقد ذكرنا في كتبنا (السياسة) ونحوها أنه لا يحق لفقيه واحد الاستبداد بالأمر في التصرف في شؤون المسلمين إذا كان هناك فقهاء آخرون هم مراجع تقليد المسلمين أيضاً، كما هو الغالب من تعدد المراجع، حيث إن كلهم خلفاء الرسول (صلى الله عليه واله)، حيث قال: (اللهم ارحم خلفائي)[109] ونواب الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، حيث أمر بالرجوع إليهم في الحوادث الواقعة، فلا ينفذ رأي فقيه واحد إلاّ على مقلديه)[110]. وبعبارة أخرى: فان أدلة النصب أو الاذن أو الحجية شملتهم بنحوٍ واحد فانها العمومات والإطلاقات وهي شاملة لهم جميعاً، مع وضوح بطلان المحتملات الأخرى، كدعوى ان النافذ حكمُهُ منهم هو الممسك بزمام السلطة فانه ترجيح بوجه لم يرد في آية ولا رواية، كما انه ترجيح بأمر لا مرجّحية له عقلاً ولا شرعاً وذلك لابتناء الشريعة على قوة المنطق لا منطق القوة، فهل يصح القول – مثلاً – ان هذا الفقيه لأنه الممسك بالسلطة هو الولي فله مصادرة رأي سائر الفقهاء فإذا قام أحد الفقهاء – فرضاً – بانقلاب عليه كان هو الولي وله حق مصادرة آراء سائر الفقهاء بما فيهم المنقلب عليه؟! ان ذلك هو منطق الغاب ليس إلا!! لا يجوز الاستبداد في الحكم وقال: (لا استبداد في الحكم س: ما هو نوع الحكم في الإسلام؟ وهل يجوز الاستبداد في الحكم؟ ج: الحكم في الإسلام بالنسبة لغير المعصومين عليهم السلام هو بأكثرية الآراء وبالشورى، كما يجب توفر بقية الشروط الشرعية أيضاً، ولا يجوز الاستبداد في الحكم)[111]. وكيف يجوز الاستبداد في الحكم وقد قال تعالى: {وامرهم شورى بينهم} وكيف تجتمع الشورى مع الاستبداد؟ وهل ذلك إلا كاجتماع العدالة مع الفسق أو الظلم مع العدل أو النار مع الماء؟! وقال الميرزا النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة (والفرق بين عبودية السلطان وعبودية علماء السوء والأحبار، أن النوع الأول مبني على القهر والغلبة والثاني مبني على الخدعة والتدليس، ولذا اختلف التعبير عن النوعين في الآيات والأخبار، حيث عبّرت النصوص عن النوع الأول بـ {عبّدت بني إسرائيل} و "اتخذتهم الفراعنة عبيداً"، وعن النوع الثاني بـ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}. وفي الحقيقة إن منشأ الاستعباد في النوع الثاني هو تملك قلوب الأمة لا غير. ومن هنا تظهر جودة استنباط بعض علماء الفن عندما قسم الاستبداد إلى استبداد سياسي وآخر ديني وربط كلاًّ منهما بالآخر، واعتبرهما توأمين متآخيين يتوقف أحدهما على وجود الآخر. وقد اتضح أيضاً أن قلع هذه الشجرة الخبيثة والتخلص من هذه الرقّية الخسيسة لا يكلفنا أكثر من الوعي والانتباه. وهو في النوع الأول أسهل منه في النوع الثاني الذي يصعب علاجه. وربما يؤدي أيضاً إلى صعوبة العلاج في النوع الأول أيضاً. وواقعنا المتردي نحن الإيرانيين يجمع النوعين، وتختلط فيه الشعبتان، حيث شهد الاستبداد والاستعباد بكلا نوعيه، وسيأتي الكشف عن حقيقة الخلط بين الاثنين وتقوّم الشعبتين ببعضهما، وعن صعوبة علاج الشعبة الثانية وسراية هذه الصعوبة إلى الشعبة الأولى. وبالجملة، فإن انقياد الشعب إلى الطواغيت وقطاع الطرق ليس ظلماً وحرماناً لنفس الشعب من الحرية التي هي أعظم المواهب الإلهية فحسب، بل هو بنص الكتاب المجيد وأوامر المعصومين (عليهم السلام) عبارة أخرى عن معبودية أولئك الجبابرة، والشرك بالذات الأحدية في المالكية والحاكمية بما يريد والفاعلية لما يشاء وعدم المسؤولية عمّا يفعل، إلى غير ذلك من الصفات الخاصة بالألوهية والأسماء القدسية الخاصة به جل شأنه. كما أن الغاصب لهذا المقام لا يعتبر ظالماً للعباد وغاصباً لمقام الولاية من صاحبه فحسب، بل هو غاصب للرداء الكبريائي الإلهي وظالم للساحة الأحدية، وعلى العكس منه فالتحرر من الرقّية الخبيثة الخسيسة علاوة على كونه موجباً لخروج الأمة من النشأة النباتية والورطة البهيمية إلى عالم الشرف والمجد الإنساني، فإنه يعدّ من مراتب التوحيد ولوازم الإيمان بالوحدانية في مقام الأسماء والصفات الإلهية الخاصة، ولهذا كان استنقاذ حرية الأمم المغصوبة وتخليص رقابها من الرقّية المنحوسة، والإنعام عليها بالحرية من أهم مقاصد الأنبياء)[112]. وقال: (وعلى هذا الأساس فإن السلطة الإسلامية لابد وأن تتحدد بعدم الاستئثار والاستبداد كحد أدنى، مع غض الطرف عن أهلية المتصدي وما يلزمه من العصمة وغيرها من الأمور التي يختص بها مذهبنا، فإن هذا هو القدر المتيقن بين الفريقين والمتفق عليه من قبل الأمة. ولا ريب أنه من ضروريات الدين الإسلامي. ولما كان حفظ هذه الدرجة المتيقنة بين الأمة مما يمكن القيام به عادة بحسب القوة البشرية، وليس كما هي عليه سائر المراتب التي يختص بها مذهبنا ويتعذر حفظها إلاّ مع العصمة، لذلك فإن الحفاظ عليها واجب بأي شكل أمكن، خاصة إذا كان المتصدي غاصباً، فحينئذ لا يحق لأي مسلم يظهر الشهادتين أن ينكر وجوب ما قلناه، إلاّ أن يخرج من ملتنا ويدين بغير ديننا).[113].
19- لا ولاية إلا لشورى الفقهاء أي انه لا ولاية للفقيه أبداً حتى مع تلك الحدود والقيود السابقة والآتية، بل الولاية لأكثرية شورى الفقهاء محدودة بالحدود السابقة. قال السيد رضوان الله عليه: فالأمور العامة للأمة، السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو ما أشبه، يلزم أن تكون بالشورى والأكثرية، لحكومة أدلة الشورى على أدلة التقليد، حيث إن كل فرد يقلد مرجعه في أمثال الأمور الفردية كالصلاة والبيع والإرث ونحوها، أما الأمور التي تعم المسلمين كالحرب والسلم والمعاهدات الدولية ونصب القضاة وغير ذلك فاللازم الأخذ بما وصلت إليه أكثرية آراء المراجع في شورى الفقهاء). التعليق: (الحكومة)[114] مبنية على القول بان متعلق الشورى هو نفس متعلق الأمر الوارد بالتقليد في الجملة أي مع كون النسبة بينهما من وجه، ووجه الحكومة هو ناظريتها لها عرفاً[115]. أما لو قلنا بالتباين بان قلنا بان أدلة الشورى ظاهرة في الموضوعات لقوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} فان ظاهر أمرهم هو الموضوعات التي تتعلق بهم، وكذا لو قلنا بانصرافها إليها، وقلنا بأن أدلة التقليد ظاهرة أو منصرفة إلى الأحكام، فلا حاجة للتمسك بالحكومة أو غيرها إذ لكل من أدلة الشورى وأدلة التقليد موضوع مستقل ومجال خاص. وقد يقال بتخصيص أدلة الشورى لأدلة التقليد لو قلنا بظهور أو انصراف الأولى للموضوعات وشمول أدلة الثانية للأحكام والموضوعات. وقال في المسألة 3503: (تشخيص الأحكام العامة وموضوعاتها، والعناوين الثانوية العامة وإجرائها في المجتمع، يتوقف على تأييد شورى الفقهاء المراجع)[116]. والعبارة صريحة في ان شورى الفقهاء هو المرجع في أمور أربعة: 1- موضوعات الأحكام العامة. 2- نفس الأحكام العامة. 3- العناوين الثانوية العامة – لا الخاصة فإن امرها عائد للمكلف نفسه. 4- تنفيذ وإجراء العناوين الثانوية العامة. وقال: (س: هل يحق لفقيه منع فقيه آخر من إبداء وجهة نظره في المسائل الفقهية والاجتماعية والسياسية؟ ج: لا يجوز إطلاقاً)[117]. وقال: (س: إذا كان الفقيه حاكماً على المسلمين وبيده زمام السلطة هل يجب على غيره من الفقهاء أن يطيعوا حكمه؟ ج: لا، وإنما اللازم شورى الفقهاء المراجع). وأمرهم شورى بينهم: وقال الإمام الشيرازي في كتاب (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام): (جعل الإسلام في موازينه السياسية (الشورى) حين لم تكن ديمقراطية في أي بلدان العالم، حيث قال سبحانه: (وأمرهم شورى بينهم) (الشورى: 38). فما دام النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام المعصوم (عليه السلام) موجوداً فلا حق لأحد في ردّه ـ لأنهُ منصوب من قبل الله سبحانه ـ كما لا حق لأحد في رد الأحكام الإسلامية كالصلاة والصيام وغير ذلك. وأما في عصر الغيبة ـ كعصرنا هذا ـ فإن الحكم يكون بالقيادة المرجعية الجماعية المنتخبة من قبل المسلمين، وقد ذكرنا في جملة من كتبنا: أن (الفقهاء المراجع العدول) هم أعلى قيادة في البلاد الإسلامية، حيث ينتخبهم الناس، فإذا كان في البلاد الإسلامية مثلاً عشرة مراجع للتقليد بأن انتخبهم الناس مراجع لهم، حسب قول الإمام (عليه السلام): (فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا)[118]. وقول الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ قبل ذلك ـ: (اللهم ارحم خلفائي)[119]. فكل هؤلاء قادة للأمة في أمور التقليد، فكل مقلّد يرجع إلى مرجعه في الصلاة والصيام والحج ونحو ذلك أما في مصالح المسلمين العامة ـ كالصلح والسلم وسائر شؤون الدولة ـ فعلى السلطة العليا في الدولة المكونة من المراجع أن يستشير بعضهم بعضاً كما يستشيرون الأمة (على حسب تفصيل معروف). وقد جعل علي (عليه السلام) للمسلمين حق المشورة عليه بأن يعطوه الرأي كما قال الله سبحانه وتعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) (آل عمران: 159). فإن كانت الآراء مختلفة بين أقلية وأكثرية، فالأكثرية هي المتبعة وذلك حاكم على دليل (التقليد) حسب موازين الحكومة المذكورة في أصول الفقه. وإذا لم تكن هناك أقلية وأكثرية بأن تساوى العددان ـ مثلاً ـ كانوا عشرة قد استقر رأي خمسة منهم على الحرب واستقر رأي خمسة منهم على السلم فمقتضى القاعدة (القرعة) لأنها لكل أمر مشكل حسب ما ورد في روايات عديدة. ثم اللازم اتباع الأكثرية ـ فيما لو حدثت هناك أقلية وأكثرية ـ فليس لأحد من السلطة العليا أو الأمة عدم اتباع الأكثرية، فإن الاستشارة ليست لأجل تطييب الخاطر فقط ثم يمشي كل في طريقه وإلا كانت الدكتاتورية بعينها. ولا يخفى أن من أهم أسباب هزيمة المسلمين في هذا القرن: استبداد الحكام، فأنهم يأتون إلى الحكم إما بالوراثة، أو بالانقلاب العسكري، أو يأتون بالثورات الشعبية، لكنهم يستبدون بالأمر بعد ذلك، ويحكّمون الدكتاتورية، ويقتلون المعارضين ويسجنونهم في السجون ويعذبونهم ويصادرون أموالهم، إلى غير ذلك مما هو مشاهد في بلاد الإسلام. بينما نرى نجاح الإسلام سابقاً معتمداً على الاستشارية، حتى أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ على عظمته ـ كان يستشير وقد أخذ برأي أصحابه في قصص معروفة. والاستشارة هي إحدى موازين الحاكم الصالح بأن يستشير في كل شيء، وفي التاريخ أنه نادى أحد الحكام المسلمين فقهاء عصره وطلب منهم الدعاء إلى الله لينصر جيشه على الأعداء، فلما هُزم الجيش اخذ يعاتبهم قائلا: إنكم غير صالحين وإلا لما رد الله دعاءكم خائباً!! فقال له أحدهم: ليس العيب فينا نحن وحدنا ولكنه فيك أنت أيضاً!! فدهش الحاكم وقال له: لم؟ قال العالم: لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشك أن يسلط الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم). فأنت نشرت الفساد والظلم ونحن قصرنا في إعطاء الرأي وهذه الهزيمة هي غضب الله علينا أجمعين. وفي أثناء الفتح الإسلامي لأرض فارس طلب قائد جيش الفرس أن يلتقي بالقائد المسلم قبل المعركة ليتفاوض معه في حقن الدماء، وبعد أن عرض الفارسي مقالته قال المسلم: أمهلني حتى استشير القوم، فدهش القائد الفارسي وقال: ألست أمير الجند؟ قال: نعم. قال الفارسي: لكنا لا نؤمر علينا من يشاور. فقال له المسلم: لهذا نحن نهزمكم دائماً، أما نحن فلا نؤمر علينا من لا يشاور. وقضايا استشارات المسلمين موجودة في التاريخ بكثرة، ولو جمعت لكانت كتاباً ضخماً) انتهى. ويقرب مما ذكره الإمام الشيرازي في بعض جهاته، ما صرح به الميرزا النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة قال: (الأول: كما علمت فإن حقيقة السلطة الإسلامية هي الولاية على مجريات سياسة أمور الأمة ومعرفة حدودها ومقوماتها، وبما أنها تعتمد مساهمة جميع أفراد الشعب في أمور البلاد كأصل مسلّم به، لذا فهي تكرّس مبدأ التشاور مع عقلاء الأمة وهو ما يسمى بالشورى الشعبية العامة، ولا تنحصر بالتشاور مع بطانة الوالي وخاصته ومقرّبيه، وقد نص القرآن الكريم على مبدأ الشورى وثبّتته السيرة النبوية المقدسة كأحد أهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وبقيت هذه السنة محفوظة إلى أن تولّى معاوية أمر الخلافة. والآية الكريمة: {وشاورهم في الأمر}[120] تدل دلالة واضحة على هذا المعنى حيث تخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو العقل الكل ومعدن العصمة، وتأمره بالتشاور مع عقلاء الأمة. والظاهر من الآية بالضرورة أن مرجع الضمير يعود على جميع أفراد الأمة، من المهاجرين والأنصار قاطبة. وأما تخصيصها بالعقلاء وأرباب الحل والعقد فهو من باب الحكمة ودلالة القرينة على المقام، لا من باب الصراحة اللفظية ودلالة الكلمة في الأمر؛ ذلك لأن الكلمة تفيد العموم، وتدل على أن ما يتشاور بخصوصه هي الأمور السياسية، وأما الأحكام الإلهية فإنها لا تدخل في نطاق هذا العموم، وخروجها عنه من باب التخصص لا التخصيص)[121].[122] و(وفي صفين بعد أن عدّ أمير المؤمنين حقوق الوالي على الرعية وحقوق الرعية على الوالي خاطب أصحابه وكانوا يربون على الخمسين ألف نفر قائلاً: "فلا تكلّموني بما تُكَلّم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حقٍ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفس، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل. فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل"[123]. وجدير بنا نحن الذين ندّعي التشيع أن نتمعن قليلاً في مفاد هذا الكلام المبارك ونتأمّله سعياً منا لأدراك الواقع وبلوغ الحقيقة وإلغاء الأغراض النفسية، وأن نعي عمل الإمام في رفع هيبة الخلافة وجلال مقامها عن قلوب الأمة ومنحها أعلى درجات الحرية وترغيب الناس في إبداء أي اعتراض أو مشورة، وكيف أنه عدّ المشورة في عداد حقوق الوالي على الرعية أو الرعية على الوالي، ونمعن النظر في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "أشيروا عليّ أصحابي"، لنتبين السر في ذلك كله. فهل الاهتمام بأمر الشورى من قبله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل أن لا يقع في الخطأ وهو على ما هو عليه من درجة العصمة الرفيعة التي تغنيه عن العالم بأجمعه فيما يتعلق بإصابة الأمر الواقع؟! حاشاهم الله عن ذلك. إذن للحيلولة دون وقوع الاعتداءات المتعمدة، كحد أدنى، يتحتم علينا أن نصون هذا الأصل الذي يكفل لنا السعادة والخير، وإذا كان لابد من العمل بمبدأ الشورى وتكريس الحرية والمساواة بالنسبة للحكومة الشرعية القائمة على أساس الولاية احترازاً وتنزيهاً من حصول شبه ظاهري مع الحكومات المستبدة والطاغوتية، فإن هذا الكلام يتعين بدرجة أكثر فيما إذا كان المتصدي غاصباً لمسند الخلافة، وإذا كان الغرض من ذلك إرشادياً ولتعليم الأمة ولأجل أن يكون مثالاً يحتذى به أو معيناً لمسيرة الولاة والقضاة والعمال، ولغرض إلزامهم بالسير على هذا النهج وعدم التخلف عن هذا الدستور العملي، فيلزمنا إذن تعلّم هذا الدرس البليغ حتماً.[124].
20- لا ولاية للفقيه إذا لم ينطبق عليه أحد العناوين العامة قال السيد الشيرازي: (لكن لا يخفى أنه لا بد من انطباق أحد العناوين العامة على طلب الحاكم الشرعي في وجوبه على المالك، وإلا لم نقل بذلك في غير الولي المطلق، إذ من المشهور عدم صحة المصالح المرسلة في نظر الشيعة، ومما تقدم تعرف أنه لا فرق بين كون الثمرة مخروصة على المالك أم لا في صورتي وجوب إجابته وعدم الوجوب). العناوين العامة هي من قبيل لا ضرر ولا حرج و{جزاء سيئة سيئة مثلها} وقاعدة الإلزام النوعية، اما الشخصية فأمرها بيد كل مكلف بعد أخذ الفتوى والحكم الكلي من الفقيه.
21- لا ولاية للفقيه إذا أُحِرز خطؤُه أو عصى وأذنب قال السيد الشيرازي قدس سره في موسوعة الفقه: (أما الفقيه فليس بمعصوم فيحتمل فيه العصيان، كما يحتمل فيه الخطأ والنسيان، فاللازم أن يحدد له الحد حتى يُعرف خلافُه إذا خالف، فإن خالف عصياناً عزل عن الرئاسة إن كان انتخب، ولم تنفذ إجازته إن كان أجاز بدون كونه رئيساً، وإن خالف خطأً نُبّه على ذلك، وكيف كان فاشتراط أن لا يتجاوز الحد آت هنا كما يأتي في الإقطاع أيضاً)[125]. وقال:[126] (لكن مثل هذا الحكم الثانوي لا يكون قانوناً، بل يبقى حكماً ثانوياً مقدراً بقدره، لقاعدة: الضرورات تقدر بقدرها، فاذا ارتفعت الحالة الثانوية، لزم على الفقيه ارجاع الامر إلى ما كان، ولو لم يرجع لاشتباه ونحوه انتهى مفعول أمره بالنسبة إلى الحكم الثانوي، حاله حال ما اذا علم اشتباه الفقيه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فقد اقتطعت له قطعة من النار) ـ كما في كتاب القضاء ـ([127])) انتهى. وبعبارة أخرى: حجية نظر الفقيه طريقية لا موضوعية لها في قبال حكم الله الواقعي فإذا أحرز خطؤه لم يكن حجة، وكذا نفوذ حكمه وولايته فانه نُصِب – على تقدير النصب – أو أُذن له أو وكّل ليحكم بالحق وبما فيه المصلحة فإذا علم انه حكم بالباطل – عالماً عامداً أو جاهلاً مقصراً أو جاهلاً قاصراً – أو حكم بما هو خلاف المصلحة فانه لا وجه عقلي أو عقلائي أو شرعي لنفوذ حكمه ولعموم ولايته حتى لهذه الصورة، فانه حتى لو فرض وجود دليل عام فانه منصرف قطعاً عن هذه الصورة وذلك لمناسبات الحكم والموضوع وللغرض من نصبه وولايته أو الاذن له فإن الشمول لصورة حكمه بالباطل مناف للغرض من نصبه ولمخالفته للأدلة المسلمة من {ومن لم يحكم بما أنزل الله }. و{فإذا حكم بحكمنا} وغير ذلك ومع القطع بانه حكم بالباطل فليس مما أنزل الله ولا من (حكمهم) ثبوتاً ان اريد من (بحكمنا) ما هو كذلك في نفس الأمر كما هو ظاهر الألفاظ، بل ولا من حكمهم إثباتاً حسب ما يراه القاطع والقطع حجية ذاتية على المشهور بل وكذا لو تم لديه الدليل المعتبر على انه ليس (حكمهم) إلا ان يحمل (حكمهم) أي بحسب الحجة لديه فلا يخرج إلا العالم العامد أو المقصر دون المجتهد القاصر إلا على دعوى انصرافها عن الشمول للمجتهد أو مقلد المجتهد الآخر الذي يرى العكس وانحصارها برد ما حكم به الفقيه، تشهياً أو من غير حجة مطلقاً. فتأمل.
22- لا ولاية للفقيه في أكثر من مقدار الضرورة وقال رضوان الله عليه في موسوعة الفقه كتاب اللقطة: (نعم لا إشكال في أنه إذا اقتضت الضرورة جاز، لكن اللازم أن يكون ذلك أولاً بقدر الضرورة، لأن الضرورات تقدر بقدرها، وثانياً: يجب أن يكون تحت نظر شوری الفقهاء، إذ لا ينفذ حكم فقيه في حق مقلدي فقيه آخر، نعم ينفذ في حق مقلديه، كما أن من الواضح أنه لا حق للفقيه أو شوری الفقهاء في أصل السجن إذا أمكن الاستيثاق بدونه كأخذ الكفيل ونحوه)[128]. وقال في الفقه السياسة – كما سبق نقله أيضاً – (لكن مثل هذا الحكم الثانوي لا يكون قانوناً، بل يبقى حكماً ثانوياً مقدراً بقدره، لقاعدة: الضرورات تقدر بقدرها، فاذا ارتفعت الحالة الثانوية، لزم على الفقيه ارجاع الامر إلى ما كان، ولو لم يرجع لاشتباه ونحوه انتهى مفعول أمره بالنسبة إلى الحكم الثانوي، حاله حال ما اذا علم اشتباه الفقيه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فقد اقتطعت له قطعة من النار) ـ كما في كتاب القضاء ـ([129) ].
23- لا ولاية للفقيه إذا لم يراع الاحتياط الوجوبي قال قدس سره في كتاب الحكم في الإسلام[130]: (ثم ان اللازم على الرئيس مراعاة الاحتياط بكل حزم ورؤية، فان منصبه اخطر من منصب القاضي، وقد ورد فيه روايات شديدة. فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من جُعل قاضياً ذبح بغير سكين. وقال امير المؤمنين عليه السلام (في رواية اسحاق بن عمار): يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه الا نبي أو وصي نبي أو شقي. اقول: المراد بوصي النبي اعم من كل مأذون كما لا يخفى. وفي رواية البرقي: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: القضاة اربعة، ثلاثة في النار وواحد في الجنة، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم انه قضى بجور فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو يعلم فهو في الجنة. ورواية الصدوق في الفقيه: من حكم في درهمين بغير ما انزل الله عز وجل فقد كفر بالله. وفي رواية اخرى: من حكم في درهمين فأخطأ كفر[131]. وفي رواية ثالثة: اذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ولمن عن يساره ما ترى ما تقول فعلى ذلك لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. وفي صحيحة ابي بصير: من حكم في درهمين بغير ما انزل الله فهو كافر بالله العظيم. وفي رواية انس عن النبي صلى الله عليه وآله: لسان القاضي بين جمرتين من النار حتى يقضي بين الناس، فأما في الجنة واما في النار. وفي رواية سعيد، قال ابو عبدالله عليه السلام لابن ابي ليلى القاضي: ما تقول اذا جيء بارض من فضة وسماء من فضة ثم اخذ رسول الله بيدك فأوقفك بين يدي ربك فقال: يارب ان هذا قضى بغير ما قضيت، الى غيرها من الروايات الكثيرة. وقد ورد في خصوص الحكم ما رواه الدعائم، عن علي عليه السلام انه قال: كل حاكم يحكم بغير قولنا اهل البيت فهو طاغوت. وقرأ: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ}. انتهى كلامه رفع مقامه. وعليه: فلو لم يفحص الفقيه الحاكم عن الشأن العام كالحرب والسلم والمعاهدات الدولية وشبه ذلك أو لم يستوف شروط الفحص بالمقدار العقلائي المعذّر كما لو لم يستشر بالمقدار الوافي مع أهل الخبرة ومع أهل الحل والعقد فاتخذ قراراً بإعلان حرب أو عقد هدنة أو معاهدة أو إقرار حكم ثانوي كإغلاق الحدود مؤقتاً أو وضع بعض الضرائب لدى الضرورات القصوى مؤقتاً، فان قراره غير نافذ وولايته في هذا الأمر باطلة بل يسقط عن الولاية إذا فعل ذلك عالماً عامداً فانه معصية كبيرة. ومن الظاهر ان مقصود السيد (قدس سره) من الاحتياط في عبارته، هو الاحتياط الواجب لا المستحب.
من أنواع الاحتياط الواجب والاحتياط الواجب له صور عديدة: منها: الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي المنجزّ. ومنها: الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص. ومنها: الاحتياط في الشبهات الموضوعية قبل الفحص، فان رأيه قدس سره هو لزوم الفحص حتى في الشبهات الموضوعية الفردية فكيف بالاحتياط في الشبهات الموضوعية في الشؤون العامة فانها من الأمور الخطيرة التي يقول بلزوم الفحص فيها حتى من يرى عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية، ولذا قالوا بلزوم الفحص في البلوغ لو شك انه بلغ أم لا مع ان الاستصحاب على العدم، وبلزوم الفحص في تعلق الخمس به في رأس السنة إذا شك في زيادة ما له عن ما خمسّه العام الماضي مع ان الأصل عدم الزيادة، وكذا قالوا بلزوم الفحص عن حصول الاستطاعة أو النصاب أو شبه ذلك.
24- لا ولاية للفقيه إذا لم يتأس بالمعصومين (عليهم السلام) قال الإمام الشيرازي في الفقه العولمة: تحت عنوان (الحكم والتأسي بالمعصومين عليهم السلام): مسألة: يجب على الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي أن يتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النزاهة والأمانة أيام إدارة الحكم. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، أو أجرّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها. والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكداً وكرر عليّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أ تئن من الأذى ولا أئن من لظى؟ وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين»([132) ]. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «في قوله تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة)([133]) يا معاشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا وإن لم تكونوا بالله كافرين فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، وإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولن يكفه منها إلا بشفاعتنا ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له في أخيه المؤمن فإن عفا شفعنا وإلا طال في النار مكثه»([134) ]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أرضى الخصماء من نفسه وجبت له الجنة بغير حساب، ويكون في الجنة مدائن من نور، وعلى المدائن أبواب من ذهب مكلل بالدر والياقوت، وفي جوف المدائن قباب من مسك وزعفران، من نظر إلى تلك المدائن يتمنى أن يكون له مدينة منها، قالوا: يا نبي الله لمن هذه المدائن؟ قال: للتائبين النادمين المرضين الخصماء من أنفسهم، فإن العبد إذا رد درهما إلى الخصماء أكرمه الله كرامة سبعين شهيدا، فإن درهما يرده العبد إلى الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل، ومن رد درهما ناداه ملك من تحت العرش يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك»([135) ]. ومن الواضح انه حيث وجب التأسي برسول الله (صلى الله عليه واله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في النزاهة والأمانة أيام الحكم، كما صرح قدس سره به، فان الفقيه لو ترك التأسي بهما فَعَل حراماً فلا ولاية له ولا تجب إطاعته إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولأنه صرح – كما سبق – بان ولاية الفقيه إنما هي في إطار أحكام الإسلام ومنها وجوب التأسي بهما أيام حكمه. كما ان من الواضح انه ليس المراد من وجوب التأسي بهما صلوات الله عليهم التأسي وجوباً بما علم فعلهما له استحباباً، ولا التأسي وجوباً فيما جهل الوجه من فعلهما إذ الفعل لا جهة له إلا ان يندرج في العنوان والمحصّل أو يدل عليه (الغرض) المعلوم وجوبه بحكم العقل أو غيره وان لم يتعلق به الأمر، أو شبه ذلك، فتدبر جيداً.
25- ولاية الفقيه خاضعة للرقابة الاجتماعية ومقيدة بالقوانين وبتعبير آخر: فان ولاية الفقيه محكومة بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ان ولاية الأب والجد وكذا ولاية المتولين على الأوقاف وغيرها محكومة بأدلة الأمر والنهي أي انها ناضرة لها متقدمة عليها. والحاصل: ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروع الدين، اما ولاية الفقيه فهي على فرض ثبوتها فانها من الأحكام الاجتهادية ومن دائرة الأحكام الشرعية ومن البديهي ان مرتبة فروع الدين تأتي بعد أصول الدين وقبل الأحكام الشرعية وان المكلف مهما كانت مرتبته ومكانته فانه ليس بفوق أن يُؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر بل ان الردع عنهما – بان يترفع الفقيه فرضاً عن ان يأمره الناس بل حتى أصاغرهم بالمعروف أو ينهونه عن المنكر – هو في حد ذاته منكر يعاقب عليه، فماذا ترى في فقيه يعاقب الناس بالسجن أو الملاحقة على نهيهم إياه عن المنكر أو على أمرهم بالمعروف؟ وعن ذلك قال الإمام الشيرازي في الفقه السياسة: [136] تحت عنوان (ترويض القدرة): (الامر الرابع) القدرة من طبيعتها الطغيان، قال سبحانه: «ان الانسان ليطغى ان رآه استغني»([137]). وقال علي عليه السلام: (من ملك استأثر)([138) ]. وقال الشاعر: الظلم من شيم النفوس فان تجد ..... ذا عفة فلعلة لا يظلم ولذا فكر عقلاء العالم منذ القديم في ترويض القدرة، كما فكروا في الوقوف أمام طغيان البحر، والكوارث الطبيعية، وهناك مناهج لهذا الترويض نذكر منها ثلاثة: (الاول) الترويض الديني ويعتمد على عاملين: (1) العامل الداخلي بتهذيب النفوس، وتخويفها من عذاب الله سبحانه، وهذا مقدم على كل شيء، ولذا قال سبحانه: «يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة»([139]) وهذه الرقابة ـ اذا حصلت ـ فهي من أشد الرقباء دقة ومحاسبة وضبطاً. قال عليه السلام: (وكيف اظلم أحداً بنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها)([140) ]. وقال: (والله لان أبيت على حسك السعدان مسهّداً واجرّفي الاغلال مصفداً أحب إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام)([141]). إلى غير ذلك من الآيات والروايات التي تدل على جريان آثار النفس المرباة المؤدبة على جوارحها، بحيث تكفّها عن الظلم، بخلاف النفس غير المرباة التي تنضح منها الانانية والكبرياء. قال يوسف النبي عليه السلام: «رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلماً والحقني بالصالحين»([142) ]. وبالعكس من ذلك، قال فرعون: «اليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجرى من تحتي»([143]) فالملك له، ومبعث الخيرات من تحته. أما يوسف عليه السلام فملكه من الله، وعلمه من الله، والملك كله لله لانه فاطره، وهو المشرف عليه في الدنيا والاخرة، ومنتهى رغبته ان يبقى مسلماً صالحاً إلى حين الممات. (2) العامل الخارجي، بالقوانين التي توقف الانسان عند حده، وقوانين عقوبات الجنايات، وقوانين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعدم تطبيق الناس لهذه القوانين، حتى طغت قدرة الحكام وفعلوا ما يشاؤون (وبمعاونة نفس الناس الذين كان من المفروض ان يكونوا عوناً على الحكام، لا للحكام على الناس) ذنب الناس لا ذنب القانون، كما ان عدم تطبيق الناس لقوانين الديمقراطية (عند من يؤمن بها) حتى صار الاستغلال الداخلي والاستعمار الخارجي، ذنب الناس، لا ذنب الديمقراطية. مع فارق بين الدين الاستشاري التربوي، والديمقراطية، هو ان الدين مستوعب لجانبي الروح والجسد، وفي جانب الجسد مستوعب لكل ما يصلح، بينما الديمقراطية خاصة بجانب الجسد، فليس لها جانب روحي، وفي جانب الجسد ـ ايضاً ـ حكمها ناقص وليس بمستوعب، فالديمقراطية تعطي ربع الاصلاح بينما الدين (ونقصد الاديان السماوية غير المحرفة) يعطى الوحدة الكاملة للاصلاح). وقال الميرزا النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة (ويتقوّم هذا النوع من السلطة بالولاية والأمانة، ولذا فهو كسائر الأمانات والولايات مشروط بعدم التجاوز ومقيد بعدم التفريط، والعامل الذي يحفظ هذا النوع ويحول دون انقلابه إلى مالكية مطلقة ويردعه عن التعدي والتجاوز إنما هو المراقبة والمحاسبة والمسؤولية الكاملة، ولذا اعتبرت العصمة في مذهبنا ـ نحن معشر الإمامية ـ شرطاً في الوليّ؛ فهي أعلى درجة متصورة في مقام حفظ الأمانة والحيلولة دون الاستبداد وتحكيم الشهوات). وغاية ما يمكن إيجاده ونهاية ما يتصور اطراده كبديل بشري طبيعي عن تلك العصمة العاصمة ـ حتى مع مغصوبية المقام[144] ـ هو حل بمثابة المجاز عن تلك الحقيقة وظل لتلك الصورة. ويتوقف هذا الحل على أمرين: 1ـ إيجاد دستور وافٍ بالتحديد المذكور، بحيث تتميز الوظائف التي يُلزم السلطان بإقامتها عن المجالات التي لا يحق له التدخّل فيها والتصرف بها. ويتضمن أيضاً كيفية إقامة تلك الوظائف وإيضاح درجة استيلاء السلطان وحرية الأمة وما لفئاتها وطبقاتها من حقوق، على وجه يكون موافقاً لمقررات المذهب ومقتضيات الشرع؛ بحيث يكون الخروج عن عهدة هذه الوظيفة والإفراط أو التفريط في هذه الأمانة إفراطاً خيانة ـ كسائر أنواع الخيانة بالأمانات ـ موجبة للانعزال عن السلطة بشكل رسمي وأبدي، وتترتب عليها سائر العقوبات المترتبة على الخيانة.[145]. 2- إحكام المراقبة والمحاسبة، وإيكال هذه الوظيفة إلى هيئة مسددة من عقلاء الأمة وعلمائها الخبراء بالحقوق الدولية المطلعين على مقتضيات العصر وخصائصه، ليقوموا بدور المحاسبة والمراقبة تجاه ولاة الأمور الماسكين بزمام الدولة، بغية الحيلولة دون حصول أي تجاوز أو تفريط، وهؤلاء هم مندوبو الأمة والمبعوثون عنها، ويمثلون قوتها العلمية، والمجلس النيابي عبارة عن المجمع الرسمي المكون منهم، ولا تتحقق وظيفتهم من المحاسبة والمراقبة وحفظ محدودية السلطة ومنع تحولها إلى ملوكية، إلاّ إذا كان جميع موظفي الدولة وهم القوة التنفيذية في البلاد تحت نظارة ومراقبة هذه الهيئة، التي يجب أن تكون هي الأخرى مسؤولة امام كل فرد من أفراد الأمة، ويؤدي الفتور والتهاون في أداء هاتين المسؤوليتين إلى زوال التحديد المقصود للسلطة، وانتقاء حقيقة الولاية وصفة الأمانة عنها نتيجة لتحكم الموظفين واستبدادهم، وذلك في صورة انتقاء مسؤولية الموظفين أمام هيئة المبعوثين عن الأمة، أو عندما يسلك مندوبو الأمة طريق التحكم والاستبداد ولا يتحلون بروح المسؤولية أمام أفراد الأمة). [146]. و(ومن هنا نخلص إلى القول بأن الحفاظ على القدر المتيقن فيما يختص بتحديد السلطة الإسلامية وتقنينها، والذي يعدّ من ضروريات الدين الإسلامي ومما تتفق عليه الأمة الإسلامية بأجمعها، هو بحد ذاته من أهم الواجبات ومن أعظم نواميس الدين المبين ـ فيما إذا كان المنصب مغصوباً كما هو الحال في إيران ـ، أضف إلى ذلك أن هذا الأمر هو من ضروريات مذهبنا نحن الشيعة الإمامية، كما أنه يمكن إدراجه تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ نفوس المسلمين من الهلكة وأموالهم من التلف وأعراضهم من الهتك، ودفع ظلم الظالمين عنهم، وغير ذلك من العناوين).[147].
26- ولاية الفقيه مقيدة بغائية عمران البلاد وازدهارها وعن ذلك يقول الإمام الشيرازي في موسوعة الفقه تحت عنوان (مهمة الحاكم): مسألة: مهمة الحاكم والحكومة في الإسلام هي: إدارة البلاد والعباد، إدارة تؤدي إلى عمران البلاد وازدهارها، وصلاح العباد وتقدمهم تقدماً مطلوباً في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك يلزم على الحاكم والحكومة أن تكون انتخابية واستشارية، ومتواضعة وخدومة، وحكومة الرسول (صلى الله عليه واله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) خير أسوة في ذلك. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في كتابه لمالك الأشتر لما ولاه مصر: (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباةً وأثرةً فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياة من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك: ثم تفقد أعمالهم وأبعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان. فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة. وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً فإن شكوا ثقلاً أو علةً أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبةً أنفسهم به فإن العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر[148])[149]. وقال في الفقه العولمة (أهم واجبات الحاكم والحكومة، مسألة: من أهم ما يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل مع شعبها أفضل وأنظف تعامل إنساني يمكن تعامله مع الشعوب، وذلك في جميع المجالات، وبما للكلمة من معنى) - انتهى. وأخيراً: فان مما يجدر الالتفات إليه ان بعض القيود السابقة قد يعد من صغريات بعض القيود الأخرى والنسبة بينها العموم المطلق وقد تكون بعضها متداخلة بان تكون النسبة العموم من وجه، إلا ان وجه تخصيصها بالذكر هو أهميتها الفائقة فاستحقت لذلك ان تفرد بالذكر وهذا وجه من وجوه الحكمة واما البلاغة فان من المعروف في نظير مثل المقام عطف الخاص على العام أو العكس أو ما أشبه.
الهوامش [1] وسنستعرض خمسة وعشرين قيداً قيّد بها الإمام الشيرازي، ولاية الفقيه. [2] أو الديمقراطية، كآلية من آليات الحكم لا كمبدأ ومرجع في التشريع، وهناك فوارق بين الاستشارية الإسلامية والديمقراطية الغربية، ذكرها السيد الراحل في العديد من كتبه. [3] فقط طرح الإمام الشيرازي مبحث ولاية الفقيه في كتاب الفقه الاجتهاد والتقليد وهو أول مجلد من موسوعة الفقه ولعله ألّفه وعمره 27 عاماً، كما استمر في طرح النظرية مع ذكر قيدٍ هنا وذكر قيد هناك في مختلف مجلدات الفقه التي بلغت 160 مجلداً والتي أكملها قبيل وفاته عن عمر يناهز الـ 76 عاماً. [4] كاشتراط رضا الناس. [5] الفقه 106: السياسة ج2 ص269. [6] التعليقات هي لمركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث وهي كلها مقتبسة من كتب الإمام الشيرازي في موادها وبنودها، إنما قام بعض العلماء الباحثين في المركز بعملية التبويب والاقتباس والاختصار والعنونة، وأحياناً التعليق والاستدلال أيضاً. [7] الفقه: العقائد ج123 ص294. [8] الاحتجاج: ج2 ص470. [9] ولاية الفقيه على منع الناس أو منع سائر الفقهاء من إبداء آرائهم. [10] وهو مما استدل به على ولاية الفقيه. [11] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص83. [12] والضرورة عنوان ثانوي، مؤقت. [13] الفقه ج81 ص98 كتاب اللقطة. [14] الفقه: ج31 ص317. [15] الفقه / إحياء الموات ج80 ص175. [16] الحاقة: 44-46. [17] الفقه: السياسة ج105 ص172. [18] والمراد المخالفة لا بنحو القضية الحقيقية فانها لا تجوز مطلقاً كما سيأتي بل انه من البديهيات لدى المتشرعة، بل المخالفة في دائرة القضايا الخارجية أي في إطار العنوان الثانوي الموجب لكون المخالفة قضية خارجية فقط. فافهم [19] الفقه: العولمة ج 125 ص227-228. [20] بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7. [21] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص334 باب ميراث أهل الملل ح5717. [22] مستدرك الوسائل: ج17 ص324 ب12 ح21479. [23] غوالي اللآلي: ج1 ص456. [24] بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح5. [25] ثواب الأعمال: ص289 عقاب مجمع عقوبات الأعمال. [26] قصص الأنبياء للراوندي: ص256 ب17 ف8 ح300. [27] الجزية تؤخذ من غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية وبحمايتها. [28] الفقه: العولمة ج125 ص180. [29] الفقه: ج33 ص96 كتاب الزكاة. [30] والمراد به تشريع حكم الولاية ههنا. [31] وسائل الشيعة: ج16 ص48 ب77 ح20945. [32] يجحف برضا الخاصة: يذهب برضاهم. [33] نهج البلاغة: الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للاشتر النخعي، لما ولاه على مصر وأعمالها. [34] بحار الأنوار: ج72 ص330 ب79 ح63. [35] الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح18. [36] الكافي: ج1 ص85 باب أنه لا يعرف إلا به ح1. [37] وسائل الشيعة: ج15 ص293 ب 37 ح20550. [38] عدة الداعي: ص188 ب4 ق2 الرابع عشر الدعاء للإخوان والتماسه منهم. [39] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص41. [40] القمي، عباس، مفاتيح الجنان. [41] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص72. [42] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص73-74. [43] فالأولوية – عرفاً – قطعيةً وليس ذلك من تنقيح المناط الظني. [44] لكونه مجازا بدليل صحة السلب وعدم صحة الحمل وغيرهما. [45] الفقه: الحكم في الإسلام ج99 ص59. [46] الفقه: ج30 ص69. [47] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص19-20. [48] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص23-24. [49] الفقه: ج86 ص189. [50] الفقه: ج55 ص280 و281. [51] الفقه/ السياسة ج105/1 ص281. [52] النساء: 105. [53] الفقه ج106 السياسة ج2 ص271. [54] فان حكومة مثله من أعظم مصاديق المنكر، فانه من حكومة الطاغوت. [55] الوسائل: ج 14 ص 588 الباب 82 من النكاح. [56] العوالي: ج 4 ص 77 ح 65. [57] المحجة البيضاء ج 1 ص 128 الباب السادس. [58] ما عدا الخمس والزكاة على المسلمين، على ان أخذها من الناس ليس إجبارياً بل لكل مسلم ان يدفع خمسه إلى من شاء من المراجع أو يصرفه في موارده – في حدود صلاحيته لذلك-. [59] حول هذه النقاط الاثني عشر يراجع كتب الإمام الشيرازي التالية: الفقه الحقوق/ الفقه الدولة الإسلامية/ الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام. وراجع الملحق (1) و(2) ففيه بعض النماذج. [60] لقد جرى إدراج بعض البنود (كمصادرة الأموال) في كلا العنوانين (عنوان مقومات العدالة) وملحقه رقم (1) وعنوان (أحكام الإسلام) وملحقه رقم (2)، وذلك لانطباق كلا العنوانين عليه. [61] الفلك الأطلس، مصطلح لدى علماء الهيئة يراد به الفلك الأخير الذي يحيط بباقي الأفلاك، ويسمى بالفلك المحيط أو فلك الأفلاك. [62] مثل إيراني يضرب لبيان عبثية عملٍ ما عندما يراد به تحقيق أمر متعذّر. [63] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص34-35. [64] ومجموع هذه الشروط مذكورة في مواضع متعددة من كتبه قدس سره. [65] لاحظ الدقة في تعبيره بـ(ينبغي للحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل بالتي هي أحسن) اما التعامل بالحسن المطابق لمقتضيات قاعدتي الإلزام والإمضاء فهو واجب. [66] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها. [67] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص121 باب المسلم يقتل الذمي أو العبد أو المدبر ح5250. [68] تهذيب الأحكام: ج10 ص188 ب14 ح35. [69] وهذا الحكم ثانوي كما يظهر من تعليل الإمام (عليه السلام) ولعله حكم ولائي والأول أظهر. [70] علل الشرائع: ج2 ص541 ب327 ح1. [71] الجعفريات: ص82 باب الاستئذان على أهل الذمة. [72] شرح نهج البلاغة: ج17 ص147. [73] الفقه: العولمة 125 ص140. [74] سورة المائدة: 1. [75] سورة البقرة: 100. [76] سورة البقرة: 177. [77] سورة الإسراء: 34. [78] سورة مريم: 54. [79] سورة المؤمنون: 8، سورة المعارج: 32. [80] تهذيب الأحكام: ج7 ص371 ب31 ح66. [81] الكافي: ج5 ص169 باب الشرط والخيار في البيع ح1. [82] الكافي: ج2 ص77 باب الورع ح9. [83] وسائل الشيعة: ج12 ص129 ب87 ح15846. [84] الكافي: ج2 ص669 باب حق الجوار ح16. [85] مستدرك الوسائل: ج11 ص316 ب37 ح13139. [86] الخصال: ج1 ص123-124 باب الثلاثة ح118. [87] بحار الأنوار: ج72 ص94 ب47 ضمن ح9، والبحار: ج74 ص115 ب6 ح5. [88] الأمالي للشيخ الطوسي: ص229 المجلس8 ح403. [89] غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5277. [90] غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5284. [91] الوسائل: ج18 ص4 الباب من أبواب صفات القاضي ح5. [92] الفقه: إحياء الموات ج80 ص42. [93] سيأتي بعد صفحات ما يكمل الصورة للفكرة العامة لدى الإمام الشيرازي إذ سيأتي انه مع انتخاب الأمة احدهم لا بد من الشورى أيضاً. [94] المصدر نفسه. [95] الفقه: 106 السياسة ج2 ص269-270. [96] وهذا واضح الدلالة على انه لا ولاية للفقيه بدون انتخاب الناس له. [97] الوسائل: ج 2 ص 883 الباب 60 من الدفن ح 1. [98] الوسائل: ج18 ص4 الباب من أبواب صفات القاضي ح5. [99] فالأمر والخيار للناس إذاً. [100] البحار: ج 2ص 88 الباب 14 ح 12. [101] كإعطاء الزكاة لهذا الفقيه أو ذاك – كما صرح به قدس سره في كتاب الزكاة. [102] الفقه: ج80 ص179. [103] كالخطأ، وكلاهما للحكم أو لموضوعه. [104] الفقه: ج80 ص177. [105] الفقه: ج80 ص179. [106] الفقه: ج31 ص315. [107] الإطلاق الأول: شمول دليل الحجية لكلا الفقيهين أو الفقهاء والإطلاق الثاني: كون كل منهما حجة تعيينية. [108] الفقه: ج31 ص318 [109] الوسائل: ج18 الباب 11 من أبواب القاضي ح7 و9. [110] الفقه: ج72 ص190 كتاب اللعان. [111] الفقه: العولمة ج125 ص124. [112] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص29-30. [113] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص44. [114] في قوله (لحكومة أدلة الشورى على أدلة التقليد). [115] الرأي الأصح هو ان قوام الحكومة بالناظرية من غير تقييدها بلزوم اللغوية لولاها، ولا يصح عندنا التفصيل الذي ذهب إليه بعض الأصوليين من كون الحكومة اما للناظرية والشارحية بحيث لولاها لكان دليل الحاكم لغواً كحكومة مثل لا ربا ولا ضرر وهي من حكومة الأحكام الواقعية بعضها على بعض، واما لملاك رفع الموضوع كحكومة الامارات على الأصول العملية. [116] الفقه: العقائد ج123 ص294. [117] الفقه: العقائد ج123 ص294 – 295. [118] وسائل الشيعة: ج18، ص101. [119] المصدر السابق: ص65. [120] سورة آل عمران: الآية 159. [121] التخصص والتخصيص مصطلحان أصوليان، يراد بأولهما خروج مورد عن موضوع دليل خروجاً حقيقياً كخروج الخل عن موضوع دليل حرمة الخمر، ويراد بالثاني الخروج الحكمي مع بقاء الموضوع كقول القائل لا تكرم زيداً العالم بعد قوله أكرم العلماء، فإن زيداً يبقى عالماً رغم صدور الحكم بعدم إكرامه. وقد أراد المؤلف أن يقول: إن أهل الشورى لا يحق لهم التشاور في الأحكام الشرعية كوجوب الصلاة وحرمة الخمر مثلاً، وإن خروج هذه الأمور عن دائرة الشورى هو من التخصص لا التخصيص. [122] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص55-56. [123] صبحي الصالح، تنظيم نهج البلاغة، الخطبة 216، والبادرة: الغضب. [124] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص 56-58. [125] الفقه: ج80 ص183. [126] الفقه: السياسة 105، ص172. [127] انظر: الوسائل: ج18ص157 الباب 2من صفات القاضي، و المستدرك: ج3ص. الباب من صفات القاضي. [128] الفقه: اللقطة: ج81 ص100. [129] انظر: الوسائل: ج18ص157 الباب 2من صفات القاضي، والمستدرك: ج3ص. الباب من صفات القاضي. [130] الفقه: الحكم في الإسلام: ج99 ص59-60. [131] الظاهر ان المراد انه اخطأ عن تقصير. [132] نهج البلاغة، الخطب: 224 من كلام له (عليه السلام) يتبرأ من الظلم. [133] سورة البقرة: 24. [134] مستدرك الوسائل: ج12 ص101 ب77 ح13630. [135] بحار الأنوار: ج101 ص295-296 ب10 ح14. [136] الفقه: السياسة ج105 ص183 – 185. [137] سورة العلق 6. [138] انظر: نهج البلاغة: الحكمة16، وغرر الحكم: رقم7754. [139] سورة الجمعة 3. [140] نهج البلاغة: الخطبة224. [141] نهج البلاغة: الخطبة224. [142] سورة يوسف 101. [143] سورة الزخرف 51. [144] لأن مقام الإمامة حسب التصور الإمامي لا يشغله إلا إمام معصوم، وقد ينوب عنه نائب خاص أو نائب عام، والنائب العام هو الفقيه الجامع للشرائط. ولدى غيبة الإمام وفقد النائب الخاص وعجز النائب العام عن تولي الصلاحيات المنوطة به يكون مقام الإمامة مغصوباً، والمؤلف (قدس سره) يتحدث هنا على فرض هذه المغصوبية. [145] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص21-21. [146] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص22-23. [147] تنبيه الأمة وتنزيه الملة ص51. [148] نهج البلاغة: الرسائل: 53. [149] الفقه: العولمة ص172 – 173. -------------------------------------------------- يتبع مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث 19/ شوال/ 1436 |