عاشوراء .. نهضة وبناء الذات

 

       من جديد يطل "عاشــوراء" بكل أحزانه التي ما غابت يوماً منذ أن تفجرت في العاشر من المحرم الحرام من العام الهجري 61، تلك الأحزان الدامية التي كانت مأساتها بأبشع الصور وأكثرها توحشاً وظلماً، فكان لها أن تكون – وستبقى - أثراً في الوجدان، حتى يحتار المرء ما بين الانجرار والوقوف عند بحر عواطف عاشوراء وبين التأمل في المواقف الإنسانية والأخلاقية السامقة التي كتبها سيد الشهداء بدماء الأنبياء على أرض كربلاء، حيث جسد آخر ابن بنت نبي ملقىً على صحراء لاهبة، فيما كان الإمام (زين العابدين) ينتظر دوره المنتظَر بعد أن هد جسده المرض، والسيدة (الحوراء) تراقب المأساة تلو المأساة والشهيد بعد الشهيد بقلب مكسور شهد تفاصيل مجزرة تقطيع أجساد هاشميين أبرار وعبّـاد أحرار، وقد ظلت عينها تحن الى المغوار (أبي الفضل العباس)، فيما هي منشدَّة الى عزيزها أبي عبد الله الحسين المضرَّج بدمائه، وتدعو جبار السماوات والأرضين بصبر جميل أن يتقبل القربان.  

أحزان عاشوراء والانتماء الى كربلاء لا بد أن يدفعا المؤمن والمؤمنة الى التعبير العملي عن حبه لسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ويكون ذلك بالكلمة الطيبة والعمل الصالح، والارتقاء بوعيه وتقواه، وتشذيب خلقه وسلوكه، وزيادة علمه ونظم أمور دنياه وآخرته، وقول كلمة حق عند كل حاكم فاسد أو عالم سوء، وأعمال تنفع الناس فـ"خير الناس من نفع الناس".

مثلما كانت نهضة عاشوراء ثورة على دولة الظلم والرذيلة والاستبداد والفساد كانت – وستبقى - دعوة للتقييم والتقويم، والنقد والتغيير والإصلاح، والحرية والرفاه، فإن نداء النصرة "أما من ناصر ينصرني" ومنذ أن أطلقه إمام الأتقياء والأحرار - حيث وقف وحيداً أمام جيش العتاة - سيبقى مدويـاً في الضمائر الحية والنفوس الأبية لاستكمال الانتصار – اليوم وغداً – من خلال الحفاظ على استقامة الدين، وإصلاح أمور البشرية بعد أن أنهشتها سيوف البغي وفتاوى التكفير، وجنى عليها عبّاد الأنـا والجاه والمال.