الجيل الجديد ... الحرية

من مقال لـ شفيق الغبرا في صحيفة الحياة

 

موقع الإمام الشيرازي

في أحداث الشهور التسعة الأخيرة، ومع سقوط النظامين التونسي والمصري، والآن نظام القذافي في ليبيا، يعصف بنا تحول كبير يعيد صياغة تعريفنا لمن نكون. لقد نشأ الشباب العربي في ظل أنظمة عربية قابضة على السلطة، مشكّكة بكل نقد ورأي، يمارس معظمها خطاباً دينياً شكلياً لا علاقة له بجوهر الدين الإسلامي وذلك بهدف تأكيد الطاعة ومنع التعبير.

نشأ الجيل العربي الجديد في ظل سلطات يحكمها الخوف من المعارضة والاختلاف والشعب والثقافة والحرية. ترعرع الجيل العربي الصاعد في ظل أنظمة أفهمته أن وجودها، مهما فعلت وكيفما تصرفت، هو ضمانة استقراره، فإما هي أو الطوفان والحرب الأهلية. في هذا كانت الأنظمة تقول له أنها الوحيدة التي تحمل هماً وطنياً، أما الشعب فهو غير موجود لأنه عبارة عن قبائل وعشائر وطوائف لا ولاء لها.

حاول الجيل الجديد الهرب من واقعه من خلال الهجرة، فذهب إلى السفارات ليواجه بالرفض. فالمسلمون بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001 والعرب بالتحديد غير مرحب بهم في الكثير من عواصم العالم. فكر في الخروج هرباً عبر البحار المتقلبة لكنه غرق في الطريق. والذين وصلوا إلى ايطاليا وأوروبا اكتشفوا زيف الوعود.

اكتشف الجيل الجديد أنه يعيش في ظل أنظمة سياسية تخصصت بالخداع الإعلامي عن الانفتاح والديمقراطية الشكلية، اكتشف بالممارسة أن حياته كذبة كبيرة.

نظر الجيل الصاعد أمامه فرأى مسـؤولاً يسرق الاقتصاد ولا يحاسَب، رأى أعضاء برلمان يصفقون لرئيس مهما كان حديثه مبهماً وكأنهم في جوقة غنائية، ذلك أن انتخابهم جاء عبر التزوير الذي صنعه الرئيس نفسه.

ورأى الجيل الجديد قادة رأي ومعارضين في بلادهم يزج بهم في السجون وتلفّق لهم تهم العمالة للخارج.

الجيل الصاعد شاهد فساد حكامه وتهالكهم على المال والمصالح الضيقة وتصفيتهم على مراحل للطبقات الوسطى، وشاهد كيف يبعد النظام أقرب الناس إليه وينقلب على أكثر من خدموه في ظل الاختلاف على النفوذ والمال.

بدأ هذا الجيل يفكر بعمل يتجاوز الكتابة. بدأ يفكر في صناعة حركة احتجاج، بدأ يفكر في الثورة، وبين أزقة مدنه وقراه استوعب الجيل العربي الجديد عبر التجربة مكامن ضعف حكامه الأبديين ومواطن تآكل الأنظمة السياسية وتفككها. قرأ سقوطها قبل أن تسقط، وفهم اقتراب لحظة موتها قبل أن تموت. عرف أنه قادر على إسقاطها إن حزم أمره على المواجهة، فكل أركان النظام امتهنوا حب السلطة وأدمنوا تجميع الأموال والأراضي والمناصب، فهم في غفلة كاملة عن الذي سيقع.

هكذا بدأ الجيل الشاب يهتدي إلى وسائل تساعده على اكتشاف مواطن قوته، فاكتشف عبر الإعلام المفتوح وفضاء الانترنت شباناً وشابات في عمره ومن ثقافات أخرى يعيشون كما يريدون، يطرحون فكرهم ويقولون رأيهم وينتخبون بحرية ويصنعون مستقبلهم. عبر التكنولوجيا عرف أنه يوجد طريق آخر. فلا يوجد نظام سياسي قادر على البقاء إذا لم يكتسب شرعية واضحة من شعبه وغالبية سكانه.

قرر الجيل الجديد استخدام قانون أزلي: قوة الغالبية في مواجهة قوة الأقلية السياسية، وقوة الشعب في مواجهة قوة فئة حاكمة مدججة بالسلاح وملتهية بمتاع السلطة والقوة وغرائز تجميع الأموال والغش لتحقيقها والتصارع عليها.

اكتشف أنه قادر على إنجاز التغيير من خلال آليات المقاومة السلمية اللاعنفية...

4/ذو القعدة/1432