كتابات: الإمام الكاظم .. ملهم المصلحين وذخر المحرومين

 

موقع الإمام الشيرازي
السلام عليك يا ولي الله وابن وليه، السلام عليك يا حجة الله وابن حجته، السلام عليك يا صفي الله وابن صفيه، السلام عليك يا أمين الله وابن أمينه، السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا إمام الهدى، السلام عليك يا علم الدين والتقى، السلام عليك يا خازن علم النبيين، السلام عليك يا خازن علم المرسلين، السلام عليك يا نائب الأوصياء السابقين، السلام عليك يا معدن الوحي المبين، السلام عليك يا صاحب العلم اليقين، السلام عليك يا عيبة علم المرسلين، السلام عليك أيها الإمام الصالح، السلام عليك أيها الإمام الزاهد، السلام عليك أيها الإمام العابد، السلام عليك أيها الإمام السيد الرشيد، السلام عليك أيها المقتول الشهيد، السلام عليك يا بن رسول الله وابن وصيه، السلام عليك يا مولاي موسى بن جعفر ورحمة الله وبركاته.
إن حياة الإمام المظلوم الشهيد موسى بن جعفر سلام الله عليه بجميع أبعادها تتميز بالصلابة في الحق، والصمود أمام هول الأحداث، وبالسلوك النير الواضح الذي لم يؤثر فيه أي انحراف أو التواء أو إغراء أو إرهاب، وإنما كان متسماً بالتوازن، ومنسجماً مع سيرة جديه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه.
وكان من بين تلك المظاهر الفذة التي تميزت بها شخصيته عليه السلام الصبر على الأحداث الجسام، وتحمل المحن الشاقة التي لاقاها من طغاة عصره وحكام زمانه، فقد أمعنوا في اضطهاده والتنكيل به، وقد حاول الحكام العباسيون، لاسيما المهدي منهم والرشيد على قتل الإمام سلام الله عليه واغتياله عدة مرات وبأساليب مختلفة، فعمد أخيراً هارون الرشيد إلى اعتقاله وزجه في ظلمات المطامير وزوايا السجون بعدما أشخصه من مدينة جده إلى العراق، وحبسه في البصرة ثم في بغداد سنين متمادية يعاني فيها الحرمان والاضطهاد والتعسف والآلام ويتجرع الغصص والخطوب، ولم يؤثر عنه أنه أبدى أي تذمر أو شكوى، أو جزع ممـا ألم به، وإنما كان العكس من ذلك، تراه يبدي شكره لخالقه، الذي طالما دعاه أن يفرغه لعبادته، وانقطاعه لطاعته.
وإذا استعرضنا جانباً من حياة الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه فإننا نجد أنفسنا أمام تراث زاخر ضخم، ونفس مشرق يفيض بالخير والجمال، يحمل العطاء السخي، والتوجيه الصائب للأمة.
قام الإمام الكاظم سلام الله عليه بإدارة شؤون الجامعة العلمية بعد أبيه الإمام الصادق سلام الله عليه التي أسسها بعد أبيه، والتي تعتبر أول مؤسسة ثقافية في الإسلام، وأول معهد تخرجت عليه كوكبة من فطاحل العلماء، منهم أصحابه والرواة عنه وتلاميذه، ومنهم أئمة المذاهب الإسلامية، وامتد إشعاعها إلى العصور الصاعدة، وهي تحمل روح الإسلام وهديه.
أما عبادته وتهجده فقد أجمع المؤرخون والمترجمون له أنه كان من أعظم الناس طاعة، وأكثرهم عبادة لله تعالى، فكانت له ثفنات كثفنات البعير في مواقع سجوده من كثرة السجود، كما كانت لجده الإمام السجاد زين العابدين سلام الله عليه من قبل، حتى لقب بذي الثفنات، وقد بهر أعداءه قبل مواليه، وبهر العقول بكثرة علمه، وصبره وعبادته وتهجده حينما كان في السجن، فكان يصوم نهاره، ويقوم ليله ساهراً في محراب عبادته لله.
وقد أدلى هارون الرشيد عندما شاهده في سجن الفضل بن الربيع بحديث عن عبادته وتهجده، وعن مدى تجرده عن الدنيا، وإقباله على الله قائلاً: «لا شك إنه من رهبان بني هاشم»! !
ولمـا انتقل الامام عليه السلام إلى سجن السندي بن شاهك بأمر هارون، وتعرفت عليه اخت السندي تأثرت به فاعتنقت فكره ومذهبه، وكان من آثار ذلك أن أصبح كشاجم حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.
فسيرته عليه السلام كانت تمتلك القلوب والمشاعر، وهي مفعمة بسمو المعاني، ومشحونة بالنبل والزهد في الدنيا، والاقبال على الله سبحانه وتعالى.
وفي ذلك السجن الرهيب وبيد السندي لعنه الله سقي السم الناقع الذي أودى بحياته واستشهاده، في حالة عبادته وتهجده.
ومن مظاهر شخصيته الكريمة، السخاء والجود، فقد كان من أندى الناس كفاً، وأكثرهم عطاءً للمعوزين، وكانت صراره يضرب بها المثل، فكان الناس يقولون: «عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي الفقر»! وكان يصل الفقراء والمحرومين في غلس الليل البهيم لئلا يعرفه أحد، وقد أنفق جميع ما يملك بسخاء وطيبة نفس على الضعفاء والمنكوبين، وأنقذ الكثيرين من محنة الفقر ومرارة الحرمان.

فـ سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً

23/رجب/1432