كتابات (40): زيارة الأربعين والخصوصية الحسينية
(نفثة مصدور من واقع مستور)

  

موقع الإمـــــام الشيرازي

1/ صفر الأحزان/ 1432

في العام الماضي، وفي زيارة أربعينية سيد الشهداء وأبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام)، وبالرغم من أن تجمع أكثر من أربعة عشر مليون إنسان في مدينة صغيرة (كربلاء المقدسة) لإحياء مناسبة ما يشكل حدثاً فريداً، حيث ليس لمثل هذا الحشد البشري العظيم من مثيل في العالم، لكن هناك مميزات أخرى للحدث الكربلائي جعلت زيارة أربعينية سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) حدثاً أكثر فرادة وأكثر إبهاراً، فلم يذكر تاريخ الأزمان الغابرة والحاضرة أن حب أتباع لإمامهم أو قائدهم دفعهم لأن يقطعوا مسافات تصل الى أكثر من ستمائة كيلومتراً سيراً على الأقدام مستصحبين معهم الأهل والعيال لزيارة ضريح (إمامهم المقتول)، فيتركون تجارتهم، ويتقوون على علل أجسادهم، ويغالبون همومهم، ويصارعون الحر القارض والبرد القارص والعواصف والأمطار، ويبذلون الأموال والأرواح غير مبالين لسيوف قطعان القتل والتكفير، وغدرهم الأسود، وسياراتهم المفخخة، وغزواتهم المتوحشة الدامية. والذي يدهش أيضاً في ذلك المشهد الأربعيني في مدينة كربلاء المقدسة اندفاع المحبين الزائرين للبذل والإيثار والعطاء بينما يتملكهم شعور جارف بأنهم لم يقدموا شيئاً لـ (إمامهم المظلوم) الذي قدم لهم كل شيء.

عام بعد عام، وأربعينية بعد أربعينية، تؤكد الوقائع أن الحسين (عليهم السلام) هو الطريق الأوفى الذي به يستكمل بنو البشر إنسانيتهم، وأن الحسين (عليه السلام) هو السبيل الأوثق الذي به يلتقي الناس على مائدة العدل والحرية والمحبة والسلام والرفاه، وأن الحسين (عليه السلام) هو الوسيلة الأبهى التي عبرها تتوحد جهود المسلمين وطاقاتهم، ليتعاونوا على البر والتقوى من أجل خير أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم والإنسانية جمعاء، الأمر الذي يستوجب على الجميع مسؤولية إيصال (قيم كربلاء) بأهم لغات الشعوب الى أقصى بقاع العالم.

يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله):

يذكر الكثير من المؤمنين والمؤمنات قتلوا في سبيل القضية الحسينية المقدسة على مر التاريخ، وخصوصاً في زمن بني أمية وبني العباس، فلمدة قرن كان القتل والتعذيب والسجن ومصادرة الأموال والأملاك مصير كل من يشترك بعزاء الإمام الحسين (عليه السلام) أو من يذهب إلى زيارته، وحتى من كان يسمي ولده حسيناً كان يتعرض للسجن والقتل. ومع كل هذه المظالم التي تعرض لها زوار الإمام الحسين (عليه السلام) ومحبو أهل البيت (عليهم السلام)، التي يقول عنها بعض السذج من الناس بإنها إلقاء النفس في التهلكة وأن القرآن ينهى عن ذلك، مع كل ذلك لم ينه الأئمة الأطهار (عليهم السلام) شيعتهم وأتباعهم ومحبيهم عن إحياء القضية الحسينية أو عن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل كان أهل البيت (عليهم السلام) يقرون ذلك، وكانوا يدعون الله (تعالى) في صلواتهم وسجودهم (عليهم السلام) بأن يمن بالرحمة وبالجزاء الجميل وبالأجر العظيم على زائري الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) وعلى الذين يحيون القضية الحسينية المقدسة.

ولكن يبقى التساؤل:

أين الحسين (عليه السلام) وهو سيد الشهداء في هذه الجموع المليونية الزائرة...

أين الحسين (عليه السلام) وهو أبو الأحرار في قلوب هذه الملايين ونفوسهم ونياتهم وأعمالهم وأخلاقهم وحلالهم وحرامهم وعدلهم وإنصافهم، ونفعهم للناس...

أين الإمام الحسين (عليه السلام) وهو الإمام وأبو الأئمة من دين هذه الجموع المليونية وتدينها...

وفي لحظة تأمل بكلمة سماحة السيد المرجع الشيرازي (دام ظله) وهو يقول:

"لقد سقط في حادثة عاشوراء ويسقط فيها كثيرون، حتى ممن كانوا يُعدون من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، ليس في عامها الأول فحسب، بل في كل عام، وفي هذا العام أيضاً، وفي الأعوام اللاحقة، حتى قيام الساعة. وأول طائفة سقطت في قصة عاشوراء هم أكثر من ألف شخص دخلوا مع سيد الشهداء (عليه السلام) إلى كربلاء، وكانوا ممن يصلون خلف الإمام ويقبلون يديه ويسألونه عن مسائلهم الشرعية، فكانوا على استقامة في الاعتقاد بالإمام الحسين (عليه السلام) إلى ليلة عاشوراء، إلا أنهم سقطوا في تلك الليلة بخذلانهم الإمام الحسين (عليه السلام) وتفرّقهم عنه".

ولأن عاشوراء لا يمكن أن يختزلها أحد بشعائر الحزن والأسى على شهيد الأمة وسبط نبي الرحمة.. فـ عاشوراء: (إيمان وعمل، حدث وموقف، دين وتدين، إصلاح وتغيير، واقع وطموح)... حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) لجمع من طالبات العلوم الدينية:

"محبتكنَّ لأهل البيت (عليهم السلام) وإظهارها هو أمر حسن وفاضل، ولكن نيل مقام القرب منهم يتطلب العمل باﻹسلام والالتزام به، وليس إظهار المحبة لهم فقط. وإن إظهار اﻹنسان محبته للإمام (عليه السلام) - مهما كان مستوى المحبة ـ ليس دليلاً قاطعاً على محبة اﻹمام لذلك الشخص أو أنه يوجب محبة اﻹمام، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم واﻹمام (عليه السلام)، بل إن الامتثال لسيرة اﻹمام والالتزام بها هو الذي يوجب محبة اﻹمام (عليه السلام)".

وأشار سماحته (دام ظله) الى أمر في غاية الخطورة وهو: "سقوط الكثير من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في عاشوراء، ليس في عامها الأول فحسب، بل في كل عام، وفي هذا العام"...!!

إذن السؤال الكبير:

مَنْ "هم" الذين سقطوا "منا" في عاشوراء هذا العام؟؟!!

هـا هـم!!

يكرمون أنفسهم بالله ولا يكرمون في الله عباده..!!

هــــــــــــا هم

يلعبون بالدين وبه يتاجرون..!!

هـــــــــــــــــا هم

للحق يكتمون، وحوله يلفون ويدورون، وبه يخدعون ويخادعون..!!

وما يخدعون إلا أنفسهم