![]() |
![]() |
كتابات أكثر وضوحاً (30): الإمام الشيرازي الراحل .. في ذكراه التاسعة |
محمد الأديب |
موقع الإمـــــــام الشيرازي 28/شهر رمضــان/1431 من الكلمات الخالدات في سجل التاريخ الإنساني: "إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم". وليس من خلد هذه الكلمة الرائعة - فقط - قائلها وهو ريحانة خاتم الأنبياء وسيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه)، أو لأنها قيلت في عاشوراء (الحدث – المعركة – الدماء الزاكيات). بالإضافة الى ذلك، فإن الذي جعل تلك الكلمة خالدة في نفوس أحرار مسلمين وغير مسلمين ولا دينيين، هو بعدها (الإنساني – السياسي – الاجتماعي)، ذلك البعد الذي لم يستحضره كثير ممن قرأوا تلك الكلمة الخالدة أو سمعوا بها، إنها كلمة هدي تسلط الضوء على (الحرية) باعتبارها الركيزة (الأهم) للإنسان من أجل أن يكون نبيلاً ومجدداً ومبدعاً ومتجدداً، فإن الحرية قيمة إنسانية عليا تستجمع بني البشر عند واحة العقل والسلام والمحبة والتعاون على البر وخير الناس، وبالحرية تتويج عملي لقانون (الإنسان الصالح) العلوي: "الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". كما أن الحرية هي القيمة التي لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها كما أنها القيمة التي لا يمكن التقاعس عن استعادتها للمحرومين منها. ومن لم يؤمن بالحرية لا يرى ضرورة الإيمان بها والدعوة لها والذود عنها، فكان كثر من يتحدث فيها وعنها وهم يغيبونها عن ذاتهم وواقعهم، بل هناك من يستعمل (الحرية) لتحقيق مآربه الخبيثة، يقول الإمام الشيرازي الراحل: "لقد سلبوا الحرية، تارة باسم القوانين والحكومات، وتارة باسم الأعراف والتقاليد". بينما (قليل ما هم) الذين يتنعمون بجمالها على مستوى الذات، ويدعون الى غرسها في العقول والنفوس من أجل الخلاص. إن من الغريب "جداً" أن تغيب مفردة "الحرية" عن الأوساط الدينية بصورها المتعددة، حتى باتت المفردة وكأنها من نتاج غيرنا فقط وليست قيمة سامقة دعا إليها الإسلام ورفعها رايتها آل محمد (سلام الله عليهم) بشعارها العلوي الخالد: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً". حيث إن "الإسلام وحده دين الحرية، وأن الإسلام دين الحريات مبدأ وشعاراً، وواقعاً وعملاً، وأن الإسلام التزم بمبدأ (لا إكراه في الدين) في مختلف مجالات الحياة، وأن الحرية الفكرية تتجسد كاملة في الإسلام (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وأن حرية الرأي في نظام الله وقانون الإسلام أكثر تقديساً حتى من الشهادتين، فالإسلام يريد أن يجعل الناس أحراراً" كما يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله). ومن الغريب (جداً) أن أصبحت (الحرية) تهمة لمن يتحدث عنها ويدعو لها، وأن تكون (الحرية) مستفزة للسلطة سواء أكانت دينية أم سياسية حتى باتت (الحرية) تعيش غربة في وطنها، وإن لغربة الحرية واغترابها علاقة وطيدة بوحشة الحق وطريقه، فكان الأحرار "قليل ما هم"، وكان القادة الى الحرية أكثر ندرة من قلة الأحرار، وكان الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي الراحل من تلك القلة ومن تلك الندرة، فقد تفرد (قدس سره) وتميز بإشباع (الحرية) بحثاً وتأملات ودعوة لها وكتابات، وكان أن دعا الى حرية الفكر والتفكير، وكان أن جاهد من أجل الحرية في سعي إبراهيمي لتهديم أصنام الاستبداد الديني قبل السياسي، والتسلط السياسي قبل الديني، وبموازاة ذلك سعى حثيثاً من أجل نزع "قابلية الاستعباد" المتغلغلة عند كثير من الناس، فالناس من يصنع للمستبدين استبدادهم.. ولم يكل ولم يتعب (أعلى الله درجاته) في دعوته الى الحرية إيماناً منه بأنها الطريق الى إسلام أهل البيت (سلام الله عليهم)، وأن من خلالها يعيش الإنسان إنسانيته وينعم بحياته ويضمن آخرته، ولم يكتف (قدس سره) بالكتابة عن الحرية، بل كتب عن كل الذي يصل بها ويوصل إليها: (الدولة، الاجتماع، القانون، الساسة، الاقتصاد، الإدارة، الرأي العام والإعلام، العولمة). ولقد وصل في تنظيره الحر الى أن يقول: "علينا أن نترك أفراد المجتمع أحراراً في كل شيء إلا في الجرائم، وبعدها فلننظر كيف تتقدم الحياة وتتنفس الشعوب الصعداء". ويقول: "إن العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية، فإذا لم تكن حرية لم يكن عمل للحياة". كما دعا الى الحرية وهو يعلم أن الانتماء الى دولتها يعرض الطالب – بادئ الأمر – الى أخطار، فكان أن دعا (قدس سره) الى أن "تطبيق الحرية يلزم التدرج، وإلا فإن إطلاقها بدون جدولة زمنية وتحت نظر الخبراء، فستنقلب الى الضد، وتتحول الى فوضى". ذكراك التاسعة تستحضر سبعة عقود عمرك الشريف المتخمة بالمعاناة والنجاحات، والآلام والإنجازات، وأمنيات مذبوحة... في ذكراك التاسعة.. ليس لك أن تحزن، فليس لك أن تعمل أكثر مما قد عملت، وليس لك أن تقول أكثر مما قلت، وليس لك أن تعلن كلمة الحق وتجاهر بها أكثر مما أعلنت وجاهرت، وليس لك أن تبذل أكثر مما بذلت من عمر ونفس ومهج، ومال وولد... لا تحزن يا سيدي لقلة من وعى رسالتك فدائماً هم (قليل ما هم).. ولا تحزن لقلة من يحمل تراثك على ظهره ولم يحمله في عقله وخلقه فدائماً هم (قليل ما هم).. ولا تحزن لقلة أصحابك فالحواريون (قليل ما هم)، بل أقل..!! وعذراً منك لمن لم يكن – أو ما زال – من غير تلك (القلة).. وأنت سيد أخلاق قبل أن تكون – وما زلت – سيد فقهاء.. |