![]() |
![]() |
كتابات أكثر وضوحاً (23): النقد الذاتي أم جلد الذات |
محمد بن علي المحمود |
موقع الإمــــــام الشيرازي 25/جمادى الآخرة/1431 كتب الكاتب محمد بن علي المحمود مقالاً في (صحيفة الرياض) جاء في جانب منها: يهرب (الإنسان التقليدي) المنغلق على ذاته، والمغتبط بتخلفه، من ضرورة ممارسة عمليات النقد الذاتي، بذرائع متباينة، بل ومتناقضة، واعتذارات مختلفة، يبدي بعضها حيناً، ويخفي بعضها الآخر، لهذا السبب أو ذاك. ولعل أهمها في مستوى خطابه الواعي، وأكثرها رواجاً في عالمه المعلن، أنه لا يريد ممارسة جلد الذات، خاصة في الوقت الذي يرى أن من الواجب عليه (جلد) الآخر الذي يتصوره متوهماً أنه يمارس عدوانه عليه باستمرار، ولا يترك له فرصة (مراجعة!) الذات. ويعرف الجميع أن المجتمعات التقليدية المنغلقة أو المغلقة مجتمعات غير عقلانية من جهة، ومجتمعات غرائزية من جهة أخرى. وبما أنها كذلك، فهي غارقة في التنرجس إلى درجة الغياب التام عن حقيقة واقعها الخاص والعام. غياب التفكير العقلاني معطى طبيعي من معطيات المجتمعات التقليدية البدائية الغرائزية، وغرائزية هذه المجتمعات باقية، لأنها محصنة بغياب التفكير العقلاني الذي يمكن أن يسائلها ويفككها ويضبط إيقاعاتها. كل منهما: الغرائزية وغياب العقلانية، يكتسب مشروعيته من الآخر، كل منهما ينمو ويزدهر، بل ويتغوّل، بمقدار حضور الآخر، إلى أن يصلا بالمجتمع التقليدي إلى حالة: المَوَات السكوني أو حالة: التدمير الذاتي. والنقد الذاتي هو أرقى أنواع التشخيص وأنبلها غاية. والإنسان / المجتمع التقليدي الذي يرفض النقد الذاتي، هو كالبدائي الذي يرفض أن يمسَّ الطبيبُ الجراح أحد أولاده بأي شكل من الأشكال، لأنه بوعيه المحدود بحدود الآني والمباشر لا يرى فيما يفعله الطبيب إلا عدواناً على ولده الذي يحميه بمشاعر غرائزية، لاغير. يحدث هذا من طرف التقليدي البدائي، بينما الإنسان العقلاني الواعي يبذل كل ما يملك من أجل أن يمر الجراح بمبضعه على جسد ولده إذا لزم الأمر، لا يراه عدواناً، بل يراه علاجاً رغم كل ما يحمله من آلام وأعراض. النقد الذاتي ليس عملاً مشروعاً وحسب، بل هو عمل واجب، يدخل كما في اصطلاح إخواننا الفقهاء في دائرة: فروض الكفاية، إن لم يكن في: فروض الأعيان، كل بحسبه. النقد الذاتي هو ضرورة وعي بالذات، وهو ضرورة تشخيص وعلاج، من أجل اجتثاث الأوهام التي تتمدد عروقها في أعمق أعماقنا. صحيفة الرياض |