مشروع شرعة للحياة المشتركة

السيد هاني فحص

  

موقـع الإمــام الشـيرازي

28/المحرم الحرام/1430

للأساس الاعتقادي، والمدرك العلمي، نصاً وسيرة وسلوكاً، مدخلية في إلزامنا والتزامنا بالحوار، لكن ذلك يبقى عرضة للتعطيل، كما حصل ويحصل، ما لم نلتمس المحفزات الحوارية في الوقائع الراهنة ونستشرفها في الحوادث الآتية. ولعلنا ما زلنا أمام نظام عالمي جديد، قد لا نتفق على تعريفه، وإن كنا متفقين على حصرية الهيمنة فيه، ويبدو من قراءة أولوية لتوجهاته، إنه في صدد تفكيك الجوامع تلقائياً، من دون ضرورة مرة أخرى لحصر السبب في النيات السيئة، والتي قد تكون سيئة، لكن أهليتنا للمشاركة، التي لا تتأتى لنا إلا إذا تجاورنا وتوافقنا وتكاملنا من دون ازدراء أو ضيق في الاختلاف. هذه الأهلية يمكن أن تحبط كلياً أو جزئياً ما نعرفه من نيات سيئة... أما إذا استمر إصرارنا على الشقاق والنفاق والتراجع، فإننا ذاهبون الى نظام شرق أوسطي جديد، ندخله فرادى لا ناظم لنا سوى أنظمة مصالح أرباب النظام وخياراتهم.. في حين انتهى ما كنا ننتظره من نظام عربي تعددي، سقط بقصوره النظري ومساوئ الذين حملوه وجربوه فينا، ولم تظهر حتى الآن إمكانية نشوء نظام إسلامي بديل، هو الآن في حكم المستحيل بسبب سيادة التطرف وارتفاع منسوب العصبيات المذهبية.. ومن أجل الدين ومن أجلنا يحسن أن يبقى مستحيلاً، لا على أساس سيادة التطرف، بل على أساس انتهائه الى الطريق المسدود، وعودة سلطة الاعتدال الى الدين مع الواقعية الى السياسة.

إن النظام المنتظر، سواء تم تعديله أو طال انتظاره، آت وارثاً نهج سلف مكملاً له في سعيه الى التحكم من خلال الحساب الدقيق للتمايزات أو الفوارق الإثنية والدينية والمذهبية، من أجل أن يضعها دائماً على لائحة التفجير وساعة يشاء، لإعاقة انتاج معرفة فاعلة لا يمكن انتاجها إلا بالشراكة، وتشكل شرطاً للنهوض والتنمية الشاملة التي تجمع بين الانتاج والإنسان، وبين الروحي والمادي، وبين المحلي والعالمي.

وحتى يكون التفجير المطلوب ميسوراً، فلا بد من تعميق الوعي بالفوارق القائمة وإضافة فوارق أخرى، كان ابتداعها دائماً ممكناً بسبب الفجوات في أنماط علائقنا وتراجع ثقافاتنا البينية.. وعليه فإن أداءنا وطرق عيشنا، بالحوار والقطيعة، يؤمّن أو لا يؤمن لمن يريد ظروف تعميق الفوارق وانتاجها بجعل الطبيعي من هذه الفوارق مصدراً لغير الطبيعي والعضوي مصدراً للثانوي الذي يصبح بديلاً له. من هنا يصبح الحوار ضرورة حياة وحضور إضافة الى ما فيه من كرامات لا بد أن تقع في رأسهم اهتمامات المؤمن، فرداً وجماعة، لأنها تقع من الإيمان موقع الهدف والغاية «لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم» والآيات والأدبيات الدالة على هذا المعنى أكثر من أن تحصى. وإذا كانت المحبة في نسيج التكوين الإلهي للإنسان محفوظة ومصونة بشريعة تجعلها فعلاً يومياً، فكيف يتأتى بفرد ما أو جماعة، أن تذهب الى صلاتها مشوبة القلب مسكونة العقل بالكره والنبذ! وكيف نضمن أن لا يتحول الكره، بسبب رفع الاختلاف الى مقام العداوة، الى كره أو عداوة بين المصلي والمصلي في صف واحد! ألا ينقطع الصف حينئذ! وهو الذي أراده الله واحداً مرصوصا لحمته القلب وسراه العقل؟.

والاختلاف إذا ما كان مسوغاً للإنفصال والعداوة والكيد، فهو موجود بين كل اثنين من إنسان وحيوان وبنات وجماد وفكر أو معتقد.. وإذن فهناك مسلم به هو الاختلاف، فكيف نعالجه؟ إذا كان علاجه بالتوحيد الكامل، قسراً أو طوعاً، ولا أدري كيف يمكن أن يكون طوعياً؟ فمن يضمن أن لا يختزن هذا التوحيد، فضلاً عن العنف اللازم لفرضه أو تحقيقه، عنفاً آخر لا يلبث أن ينفجر ليعود الواحد متعدداً أو مجموعة كسور.. وأشد عنفاً! (الاتحاد اليوغوسلافي السابق مثلاً).

 - الأسبوعية العراقية