![]() |
![]() |
عرض ودراسة تحليلية لمباحث "الرأي العام" / 3 |
في كتاب "الرأي العام والإعلام" للمجدد الراحل السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي |
د.هيثم الحلي الحسيني باحث في الدراسات الاستراتيجية |
خـــــــــاص موقع الأمام الشيرازي ___________________________ مفهوم وحقائق الرأي العام وأهميته وتطوره
قراءة لأهمية موضوع البحث تعتبر مباحث "الإعلام والإعلام المقابل" وموضوعاتها، الأمر الضروري لكل مبدأ ودين ورسالة، إصلاحية كانت أو هدامة. ويستحضر المفكر المجدد لإثبات ذلك، الشواهد التاريخية لتقريب القضية وتبيان أهمية الإعلام من عمق التاريخ، فيؤكد أن الإعلام لا يقتصر على إيصال المعلومات أو تصحيحها لملئ الفراغ الفكري، بل يشمل التأثير على الأفكار والآراء وتشكيل التصورات الثقافية والتحكم المستقبلي بالتقانة والاقتصاد. إن التقانة أو التكنولوجيا تشتمل في الفكر الفلسفي والعلوم الهندسية على عنصرين متحركين، الأول العلمي التقاني الصرف، وهو المباني المعرفية والمهارات التي طورتها تلك التقانة، والثاني اتجاهي، يمثل الاستيعاب والمدركات الثقافية، ومؤشرات القبول لدى الشعب والمجتمع لاستخدام هذه التقانة. وهنا يتقدم دور الإعلام في التأثير على الفرد والمجتمع والرأي العام، لجهة التعامل مع التقانات الإعلامية المستحدثة، ووسائل التاثير فيها وتقليل الآثار المحتملة للإعلام المقابل، فضلاً عن اعتماد الآليات المؤثرة في الرأي العام المقابل. ان ذلك يندرج في اعتماد الطرائق الملائمة لتطوير وبناء الاستراتيجية الوطنية للإعلام والإعلام المقابل، والتخطيط لمرتكزاتها في ظل الأهداف والمضامين والأدوات المتاحة لتحقيقها، وتأثيرات العناصر الأخرى للاستراتيجية الوطنية فيها، في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية الأمنية . وسيجري في هذه الحلقة "الثالثة"، في سلسلة الدراسة لمنهجية ومباحث ومباني كتاب المفكر المجدد "الرأي العام والإعلام"، وتشتمل ورقة الدراسة، العرض المجمل للمباحث المتضمنة في الفصل الثاني "الإعلام" ثم لمباحث الفصل الثالث "الإشاعة"، ولمباحث الفصل الرابع "الدعاية". وتعد الدراسة في هذه الحلقة، استكمالا للحلقتين السابقتين منها، في التحليل لمقدمات الفكر في قضايا الإعلام، والعناصر والمباني، التي اشتملتها فصول البحث، وموارد النتائج المتضمنة في قواعده المنهجية وتصوراته وتصديقاته، لجهة تشكيل الإطار العام للاستراتيجية الوطنية للإعلام والإعلام المقابل.
عرض وتحليل ودراسة الفصل الثاني: الإعــلام الإعلام والتنبوء المستقبلي عبر البحث عن الجانب العلمي والمجتمعي في الإعلام وأدواته، من خلال أهمية دراسة التنبوء المستقبلي، الذي غالباً ما تبنى عليه التصورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى التخطيط الاستراتيجي، برغم أن التنبوء ليس قطعياً بما يقود إليه من استدلال واستنتاج، لكنه الغالب الذي يصلح البناء عليه والتخطيط استناداً إليه، وأشارت مداخلة الدراسة على الموضوع في "الحلقة الثانية" الى مرجعية التنبوء من "مبدأ الحتمية" من العلوم التجريبية في المناهج الخاصة العقلية في المنطق، المستند الى القانون العقلي الخامس عند المناطقة "تؤدي الأسباب ذاتها في الظروف ذاتها الى النتائج ذاتها"، والى الدعم العلمي التقاني في علوم الرياضيات والإحصاء والإدارة العلمية وبحوث العمليات والمعلوماتية والبرمجة وهندسة الاتصالات والحاسبات، الذي وفرته في تطوير الإمكانات المادية والمعرفية والفلسفية ضمن حقل الدراسات المستقبلية ومناهج التنبوء المستقبلي. ويتذكر المجدد المؤلف في هذا الصدد، ثلاثة كتب صدرت له كانت قد تضمنت أفكاراً مستقبلية مبنية على أساس التنبوء المستقبلي، وقد تحققت القراءات فيها لاحقاً لأنها استندت إلى قراءة علمية دقيقة مدعمة بقاعدة معلوماتية وأداة فكرية استنباطية كفوءة. الأول كتاب "ماركس ينهزم" الذي سبق سقوط الاتحاد السوفيتي بعشرة سنوات وقد تنبأ بذلك، ثم كتاب "الغرب يتغير" الذي تنبأ بعدم سقوط النظم الغربية، لكنها ستغير من أوضاعها وإستراتيجيتها، والكتاب الثالث "المستقبل" ضمن سلسلة "الفقه"، الذي أكد فيه مستقبل العالم واتجاهه نحو توكيد الإسلام الحقيقي، لا الإسلام الدعائي، الذي تدعيه بعض الأنظمة الإسلامية، ويؤكد نهج الفكر المستقبلي للسيد المجدد، إن البشرية تتجه نحو الأخذ بقانون (الأرض لله ولمن عمرها) وأن العالم الإسلامي متحفز للنهوض. وتلك جزئية حيوية لحقل الدراسات المستقبلية، ففي عنوان الإعلام والتبليغ يذكر "مسألة" إن الدعاية والإعلام والتبليغ والإرشاد، تزود الإنسان بالعلم إذا كانت صحيحة، وتنشر الجهل إذا كانت مضلة، وتدفع إلى الشر إذا كانت منحرفة.
وسائل الإعلام ومراحل تطورها لقد تطورت وسائل الإعلام على مراحل التاريخ من خلال عدة محطات شاخصة، فمن الطرق البدائية التي سبقت الكتابة، ثم اللغة والكتابة ثم الطباعة ثم المعلوماتية. وبرغم أن عناصر الإعلام وأهدافه ومتطلباته، لم تتغير، لكن التطور العلمي الذي أفضى إلى التحول في الوسائل والأدوات، جعل موضوعة الإعلام تنتشر وتتحرك على قاعدة أوسع. قدم المؤلف في هذا المبحث، استحضاراً تاريخياً لاستخدام الإعلام في العصور القديمة والحضارات الأولى، في بلاد بين النهرين والنيل، ثم الحضارة اليونانية والرومانية، حتى عصور ما قبل الإسلام، مسجلاً في ذلك المعالم اللاحقة المؤثرة في تطوره تاريخياً. كانت الكتب ولا زالت من أدوات الإعلام المؤثرة، وفي المقدمة منها كتب الأنبياء في الديانات السماوية وكتب مؤسسي الديانات الوضعية، ثم إن مدرسة آل البيت (ع)، أكدت على أهمية الكتاب والبقاء والحفظ، فكانت نتاجاتها وفكرها تخلد بكتب قيمة تنتشر بشكل واسع. وكانت الأسواق تعد من وسائل الإعلام، خاصة في المنطقة العربية قبل الإسلام، مثل سوق عكاظ، التي اعتمدت الشعر وسيلة لإيصال الأفكار، كونه ديوان العرب. وبعد الإسلام،لم يخرج آل البيت (ع) عن هذا التقليد، فكان شعراؤهم أصوات إعلامية تصدح بفكرهم وعلمهم وتنشر مدرستهم وتذكر بمظلوميتهم، من أمثال بشر بن حذلم ومهيار والخزاعي والفرزدق والمتنبي وأبي فراس وسواهم[1]. وكانت الخطابة تعتمد في إيصال الإعلام الموجّه والتأثير في الرأي العام، وقد كان للعرب أساليبهم في الإنذار عن الأخطار المحدقة في القبيلة وجهة التهديد، وقد استعار الرسول الأعظم تلك الأساليب في الإيحاء للخطر القادم في مواضع عدة. وفي العصر الحديث، فإن للإعلام الدور الرائد في التبشير للأفكار البناءة التي تشكل ضرورة في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشتى الوسائل الإعلامية، عن طريق الإعلام المباشر من شخص لشخص، وعن طريق تبادل الإعلام بين جماعات منظمة وعن طريق الإعلام الجماهيري عبر المتنفذين بوسائل الإعلام.
دور الديمقراطية و العلاقات العامة في الإعلام ينبغي التوجه للعلاقات العامة، لإزالة الالتباس وسوء التفاهم ونقص المعلومات ولأجل خلق التوافق في نطاق المؤسسة أو المجتمع أو الدولة، لجهة بناء علاقات متينة وداعمة للحكومة الديمقراطية مع الشعب، وذلك يلاقي مقاومة شديدة من قبل الدعايات المضادة، فالديمقراطية أو "الاستشارية" وفق الاصطلاح الإسلامي للمؤلف، هي الحكومة المنتخبة وفق التعددية الحزبية، وذات الصحافة الحرة والمؤسسات الدستورية، وتواجه هذه الحكومة، معارضة من الأطراف غير الممثلة فيها، عليه فإن نجاح الحكومة لا يتحقق بالأداء الجيد فقط، وإنما يجب أن يقتنع الشعب بأنه يشارك في هذا الأداء الجيد للحكومة، وهذا يتطلب الاستعانة بالخبراء، إن العلاقات العامة تمثل استجابة ضرورية لحاجة المجتمع الذي يبلغ درجة عالية من التطور والتحضر والتحول نحو عصر المرحلة الصناعية، وهي كمهنة تمثل ثمرة حتمية لكل مجتمع صناعي معقد، وتسهم جملة من العوامل، تجعل من العلاقات العامة، عملية ضرورية في المجتمع، وفي مقدمتها الهيكل متزايد التعقيد في الصناعة، وزيادة ابتعادها عن الاتصال المباشر في الجماهير، ظهور شبكة واسعة معقدة من وسائل الاتصال الجماهيري، والنتائج المترتبة على ظهور مصالح المنشآت الكبيرة واشتداد المنافسة بين قطاعات المجتمع والطلب على الحقائق والمعلومات لانتشار التعليم والمعرفة [2]. إن العلاقات العامة كعلم جديد ظهر في المجتمعات الاستشارية، يستهدف الإقناع الشعبي بصحة الاختيار وقربه لمصالحه من بين الاختيارات الأخرى التي لم يمنحها صوته، وهي عملية تستوجب سلوكاً مهنياً راقياً مستنداً إلى بيانات دقيقة وأدوات علمية تحكم طرفي العلاقة، وإدارات كفوءة تعمل على تمتين الأواصر الفاعلة في منظومة العلاقات العامة. إن إقرار الديمقراطية في الإعلام والعلاقات العامة، مسألة ضرورية ليكون الفرد شريكاً واقعياً، لا مجرد هدف سلبي وآلة لاستهداف إعلام الدولة وأجهزتها المتسلطة في الشعب، وأن تكون المساهمة الاجتماعية هي رائدة الموقف، إن على التجارب الفتية في مجتمعاتنا، نقل الخبرة والممارسة من الدول الديمقراطية السابقة في هذا المجال، في مبادئ شراكة كل فرد في سياسات الدولة، والتنوع الثقافي السياسي والمساهمة في صنع القرار، ذلك من منطلق أن الحوار والنقاش والمشاركة في إصدار الأحكام والمساهمة فيها، كونها من حتميات الدولة التقدمية الديمقراطية، لأن التدفق العمودي أحادي الاتجاه من فوق نحو الأسفل، يحد من إمكانات الفرد، ويقوّض الحكم الديمقراطي.
مقومات الإعلام وعناصر علم الاتصال قدم الكتاب عرضاً موجزاً لعناصر الاتصال بحرفية عالية، فخلص الى انها تتشكل من "المرسل ووسيلة الاتصال والخبرة والفكرة ولغة الإرسال والمرسل إليه والتغذية العكسية أو ردود الأفعال". وان الوسائل المباشرة (التماسية)، تعتبر أيضاً شكلاً منها، وهي التي تكون (الرسالة) فيها الخطاب المباشر الى المستمع بشكل مؤتمر أو اجتماع عام، ندوة حوارية أو مناقشة عامة، محاضرة أو مناظرة ثقافية وغيرها من الأنشطة العامة أو النخبوية.
مداخلة في عناصر ومعايير أداء المنظومة الإعلامية علم الاتصال هو العلم الذي نشأ على أساسه العمل المعلوماتي، الذي يشكل الإعلام الجزئية الأكبر فيه، تشكل عناصر الاتصال الأدوات المكونة للمنظومة الإعلامية، وتشمل "الإرسال"، وهي المؤسسة الإعلامية على اختلافها لدولة أو هيئة أو فرد، "والاستقبال"، وهو مجتمع المتلقين او المستهدفين في الإعلام ويكونوا في هذا المعنى أهدافاً TARGETS للإعلام، "الرسالة"، تكون الرسالة في المنظومة المعلوماتية، وسائل للإعلام المقروء أو المرئي أو المسموع، فضائياً أو أرضياً أو ضمن الشبكات المعلوماتية المحلية أو الدولية I.NET ، "وسيلة الاتصال"، وهي القناة التي تستخدم لنقل الرسالة خلالها وعبرها بين طرفي الاتصال، مثل التقنية الفضائية أو الأرضية، الراديوية اللاسلكية أو التقنية السلكية المستخدمة للقابلوات النحاسية أو الزجاجية الضوئية البحرية أو تحت الأرض أو المعلقة أو غيرها، وهي تخطو بتطور علمي تقاني واسع خارج نطاق الدراسة، ان الرسالة في المنظومة المعلوماتية أو الإعلام، تكون إما صحافة مقروءة، وهي بشكل مقالة خبرية، مقالة تحليلية خبرية، مقالة التعليق ومقالة الرأي، ومن المؤكد فإن المستقبل المتلقي، يتقبل باستيعاب أسهل للنوعين الأول والثاني من المقالة الصحفية، لأنها تشركه وعقله في النتائج والتحليلات النهائية، بضوء مقدمات تعرض بموضوعية ومن المراجع الحيادية والممثلة لأطراف القضية أو القصة الصحفية، دون أن تفرضها على المتلقي، وتستخدم لذلك الآراء والشخصيات والأصوات والمراجع والمصادر الداعمة لمصداقية المقالة الصحفية، ضمن المعايير العلمية المهنية، والأمر نفسه في التحقيق الإخباري الإعلامي المرئي أو المسموع ، وهذا الأمر يفسر ابتعاد المتلقي، القارئ أو المشاهد أو المستمع، عن وسائل الإعلام المصنفة لجهة او حركة بعينها او اتجاه محدد تدعمه باختلاف الظروف والمواقف، كمثال الصحف الناطقة باسم أحزاب سياسية، فالمتلقي لا يثق بأي تحليل صحفي لها، لقناعته بأن الصحيفة، تعبر عن مدركاتها الخاصة وليس اسنتاجات علمية مهنية مبنية على الوقائع الحقيقية والمراجع الموضوعية، وان جهدت تلك الصحف لتجاوز ذلك.. لقد كان الموضوع مختلف في السابق، لتوفر إمكانية احتكار الأجهزة الحكومية الرسمية للإعلام، بدعوى عنوانه بالإعلام الموجه او العقائدي، وكان متاحا لذلك الإعلام المسيس في الأنظمة الشمولية ان يتفرد في الساحة الإعلامية، من صحافة متنوعة واصدارات فكرية وثقافية، من الكتب والدوريات والوسائل الأخرى، فيسمح بصحافة ناطقة باسم الحكومة والتنظيم السياسي الحاكم فيها، ويسيطر على الإنتاج الثقافي وحتى الأدبي، ويحدد الإرسال والبث "الأرضي" للإعلام الناطق عنه، ويكون المتلقي وفق ذلك على خيار واحد فقط. ان هذا الأمر يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر، لجهة توفير الشبكات المعلوماتية الدولية، لصحافة يومية وعلى مدار الساعة، وكذلك وفر البث الفضائي مئات وآلاف القنوات التلفزيونية، التي تتنافس بشكل صعب لكسب المتلقي وسحبه نحو برامجها، فهو أمام خيارات متنوعة، لا يفوز به غير الإعلام الحرفي الموضوعي المعتمد على الآليات المهنية ونقل الحقيقة دون وصاية على عقل المتلقي ومدركاته، فضلاً عن ثوابته الثقافية ومعتقداته. ان مقالتي "التعليق" و"الرأي"، تكتب عادة بأقلام كبار الصحفيين ذوي الخبرة الطويلة، والتمرس الطويل في كتابة مقالات التحليل الخبري، مكنتهم من بناء ثقة معززة مع المتلقي، فتكون الثقة متواصلة تتيح للصحفي الكتابة لمقالة التعليق، الذي يتيح له استعراض الآراء وفق التحليلات المختلفة لأصحابها وله إسناد أحدها وفق المعايير العلمية استدلالاً واستنتاجاً، أو مقالة الرأي، وهي شكل المقالة الصحفية التي تجيز للصحفي الخبير المتقدم مهنياً، الاستنتاج الخاص به والرأي المعبر عنه، والرأي من الخطورة بمكان، لجهة احتمال كشف المتلقي لأي انحراف مهني لصحفي الرأي، عن الموضوعية واعتماده لرأي وفق انتماء ضيق او مصلحة خاصة، عندها سيكون المجتمع المتلقي، قد حكم على ذلك الصحفي بنهاية دوره المهني.
الوسائل العامة في الإعلام وهو الإعلام المنقول خلال التجمعات العامة كالمؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية والحوارية، التي يعبر عنها الكتاب بالوسائل العامة، مقابل الوسائل الشخصية في نقل الأفكار عبر المقابلات الخاصة أو الفردية، والتي لا فرق بينهما من حيث المبدأ كوسيلة في الإعلام، مع التأكيد على الجانب السلوكي لدى المتلقي، وقد جرى بحث العنوان من خلال العلاقة بين العقل والسلوك في الإطار المنطقي. إن ذلك يثير "مسألة" لزوم المخاطبة بين المرسل والمتلقي عبر قنوات الحس، العقل أو النفس، إن الجانب الحسي أو المادي هو الذي يتحقق فيه التماس وفق الحواس الخمس وقد يخاطب الإعلام النفس. وذلك مرتبط بالتخيل والغلو وحب الذات والنزعة نحو التسلط أو السلطة، وقد يخاطب العقل المرتبط بالعلم والحكمة والصفات الحسنة، وبين هذه الخطابات المختلفة يجري سرد الأهداف المختلفة للإعلام وهي التي تحدد نوع الخطاب المستخدم. إن الإعلام الذي يدعو إلى اتباع النظام الديمقراطي في الحكم ومبدأ تداول السلطة والتعددية السياسية وقبول الآخر والفصل بين السلطات، هو المرتكز على قاعدة العودة للشعب كمصدر للسلطات، ويعبر عنه بـ"النظام الاستشاري للحكم"، ويرى فيه المؤلف "الديمقراطية" مفردة تغريبية، فيستخدم محلها "الاستشارية" لتكون مصطلح الديمقراطية في الإسلام، وينطلق الكتاب لتأكيد ذلك في تناول التجارب العالمية التي مارست هذا الشكل من الحكم في الغرب الأوربي أو الشرق الأسيوي مثل اليابان، وجميع تجارب الشعوب التي استحضرت خصوصياتها من تراثها الفكري والثقافي والأخلاقي.
نشر الكتب وأثره الإعلامي يخلص العنوان الى ان للكتاب ونشره دور إعلامي في نشر التوعية الثقافية بين الشعوب والمجتمعات، فالكتاب السياسي مثلاً يختلف في تأثيره عن المقال السياسي الذي مهما كان متعمقاً، فإنه سوف ينسى بمجرد انقضاء عمره الزمني، بينما الكتاب يبقى من ضمن المقتنيات والذاكرة، ولذلك فإن بعض الكتاب ارتأى أن يجمع مقالاته في كتاب وينشره ويبقى على آثاره، وهذا مستوحى من مقولة الإمام الصادق "احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها". وهذا الموقف في العنوان من الكتاب، لا يقلل من أهمية الصحافة بل يفرد لها "مسألة" لأهميتها، فيجب التوجه إلى الصحافة لأنها من أهم وسائل التبليغ والإرشاد والإعلام والنشر والإمتاع وتهيئة الرأي العام. وذلك مرتبط في جميع نواحي الحياة المجتمعية لأنها تؤسس لعلاقات إنسانية في المجتمع ورفع مستوى الوعي عند الناس، وكانوا أقرب للنظام الديمقراطي، وهي أيضاً تمارس دوراً خطيراً مكملاً لدور السلطات الثلاث في الدولة، لذا لقبت بالسلطة الرابعة وهي المرآة العاكسة للشعب انطلاقاً من الحديث الشريف "كما تكونوا يولى عليكم".
العناصر المعالجة لمعاضل الإعلام إن المعاضل التي يواجهها الإعلام في العالم الإسلامي، تقف حائلاً أمام انتشار مبادئ الإسلام السمحاء وتعاليمه الحقه، وعلى العكس تؤثر في نشر صور مشوهة عن الدين الإسلامي، ويناقش الكتاب أساليب معالجة هذه المعاضل من خلال ثلاثة عناصر في الإطار الفكري والثقافي والسلوكي:
1. ثقافة اللاعنف يسجل المؤلف مبدأ إن العنف لا يوصل الإنسان إلى أهدافه التي يتوخاها، "إنك مهما كنت عنيفاً فإن عدوك أعنف منك" بمعنى أن الآخر قد تتهيأ له المقدرة من سلاح وتجهيز لا تتوفر للمسلم، فيكون عليه "إشهار سلاح الروح لمقاومة سلاح البدن"، وفق ثقافة الحوار والكلمة الطيبة ونبذ العنف في سجال الأفكار والآراء المختلفة، عملاً بالآية الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ"[3]، وذلك وفق النظرة الثابتة للسيد المجدد إلى مبدأ اللاعنف، كونه يشمل بمنهجه النفس والقلب واللسان والقلم واليد وفق المرويات عن الرسول الأكرم (ص) ومدرسة آل البيت (ع)، خدمة للسلام وتثبيت الاستقرار في المجتمع، وقبول الآخر وتحكيم لغة الحوار بدلاً من لغة العنف" وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[4] وذلك "يلزم تجنيب الشباب مفاهيم العنف لئلا يصبح منهجاً في حياتهم وملكة من ملكاتهم فالعنف يفسد كل أمر صالح"، وهي رؤية متقدمة وحتى سابقة لزمانها، لحالة الفوضى في المجتمع العراقي كنتيجة لإشاعة العنف، لغة للحوار ورفض الآخر وعدم قبول الاختلاف "فيجب أن يصبح اللاعنف ملكة"، وهو يبدأ من النفس إلى الأعضاء والجوارح، وقد أبسط المجدد المؤلف مباحث اللاعنف في الكثير من آثاره الفكرية منها كتاب "إلى حكم الإسلام" وكتاب "الآداب والسنن، موسوعة الفقه ج94-97" باعتبارها من صلب سلوك وأخلاقيات مدرسة آل البيت (ع) وأعمالهم في السلم والحرب.
2. المنهج هو الطريق الذي على الاختصاصيين سلوكه في كافة نواحي المعرفة في التربية والاجتماع والاقتصاد والشؤون العسكرية، وذلك إطار النتاج الثقافي والبحثي في المناهج الإسلامية التي تبحث في هذه الحقول العلمية والتطبيقية.
3. نزاهة العاملين وهي الصفة الأولى التي على المشتغلين بالإعلام والدعوة، أن يتسموا بها لأن "النزاهة نصف الأمر" وبعكسه يرفض المجتمع هذا الخطاب ويقطع الاتصال به، ثم يأتي بعد ذلك تقديم القيم التي يقصد بها مطلقاً ما يتخذه الإنسان قيمة للوصول إلى أهدافه المادية والمعنوية في الحال والمستقبل، وهي في جوانب العقيدة والأخلاق والقيم المادية، التي سيقبلها المجتمع إذا توفرت العوامل المذكورة.
الجوانب التربوية في الخطاب الإسلامي الإعلامي إن أهم جوانب التربية والتثقيف والتوعية، هو في لزوم إعادة النظر في برامج تدريس المواد الدينية وفق المعايير الإسلامية الحقة في الكتاب والسنة، وفق مناهج علم النفس والاجتماع والاقتصاد. ومن الضروري في هذا الباب الاستعانة بالمتخصصين من الإعلاميين الدينيين في الكتابة والخطابة والنشر الثقافي بكافة المستويات مع برامج التوعية الثقافية ومحو الأمية. ولا يفوت السيد المجدد أن يذكر من تجربته الطويلة حوارياته مع القائمين على التربية والتعليم في الدولة العراقية، وكان يبين فيها ضرورة الانفتاح على الجوانب المعرفية في الدين لتشكيل المناهج التربوية والتحرر من الجمود فيه، وكأن الدين عبادات فقط دون تضمين ذلك جوانب علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد، فضلاً عن ضرورة تعميم ذلك على المستوى الشعبي في وسائل الإعلام المختلفة، ويدخل في هذا المضمار الدور الذي تضطلع به الدبلوماسية في قيامها بجانب من الإعلام الإسلامي في الحقل الذي تعمل به إلى جانب دورها في تمتين العلاقات في العواصم التي تمثل دولها الإسلامية فيها. وفي الجوانب التربوية يؤكد السيد المجدد على القرآن الكريم دستوراً للمسلمين صالحاً لكل زمان ومكان لجميع الأجيال، وهو في مقدمة المواد والوسائل الإعلامية، حيث يسكن حياة المسلمين، إنه ليس ظاهرة تاريخية منفصلة عن العصر الحاضر ومادياته المختلفة، وله تأثيره على صنع الأفكار وتعيين العادات والتقاليد ورسم الشريعة التي يسكنها المسلمون والتأثير في النفوس بصرف النظر عن المرحلة التاريخية. ويدخل في هذا المجال تهيئة القاعدة المادية لإنشاء المؤسسات الإعلامية الثقافية ودعمها وحشد الطاقات المنتجة فكراً في كافة حقولها.
تأثير الإعلام في التربية والثقافة المجتمعية يخلص المبحث في هذا المضمار إلى الجوانب التي يجب أن ينصرف إليها الشباب سواءاً في الحقل الثقافي أو سوق العمل وميدان العبادة والتفقه، وهي تشمل الخدمات الإنسانية والاجتماعية والعمل في البرامج التعليمية ذات البعدين العلمي والأخلاقي وكذلك الهوايات النافعة والمنتجة والمثمرة علمياً ومجتمعياً. وتضمين الجانب التربوي في التوعية والتثقيف على أساس تجنيب الشباب مفاهيم العنف، كي لا يصبح منهجاً في حياتهم وملكة من ملكاتهم لأنه يفسد كل أمر صالح "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بتبليغ الرسالة"[5]، "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا"[6]، "ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً"[7]. ويؤكد المبحث على ان يكون السلاح واستخدام العنف، هو لدفع التهديد الخارجي على بلاد الإسلام في حرب ونحوها، وان الضرورات تقدر بقدرها، "كالعملية الجراحية حيث لا يبضعون من المريض أكثر من القدر الضروري". والسبب الآخر للتسلح، هو لدفع الضرر الاجتماعي في حالات الاعتداء على أرواح الناس وأعراضهم وممتلكاتهم داخل بلاد المسلمين. "أما استخدام العنف في التبليغ وغيره فلا ينتج إلا العكس، وبذا فقد حدد المبحث استخدام القوة وامتلاك السلاح "لطائفتين فقط"، وهما للدفاع عن الوطن إزاء التهديدات الخارجية، وقوى الأمن الداخلي التي تفرض الأمن المجتمعي وتكافح الجريمة العادية والمنظمة، وهي الدالة المنسجمة تماماً مع مرتكزات (الأمن الوطني) أو (الدفاع الوطني) الذي تتضمن المرتكزات الأساسية في الاستراتيجية الوطنية العليا (استراتيجية الأمن الوطني). (هيثم الحسيني، بحث في "المرتكزات الاستراتيجية للأمن الوطني العراقي"، الحلقة النقاشية الأولى في الأمن الوطني، بغداد، 2004). ويلقي المبحث في الجانب التربوي مسؤولية تحمل المؤسسات العلمية والتربوية والتعليمية لجهة إعداد الجيل وتنشئة وتنظيم شؤون المجتمع وتطهير البيئة والحياة، وأن يكون التوجيه والخطاب مناسباً وملائماً لموضوعه لأن البلاغة هي في وضع الشيء في موضعه، ولابد من مراعاة الأدلة والأمثلة من حياة الإنسان ومجتمعه، وهي قضية يفتقدها الكثير ممن يعتلي أعواد المنابر بعناوين مختلفة مخاطباً شريحة واسعة في المجتمع. يؤكد المبحث "مسألة" وجوب نشر الأيديولوجية الإسلامية ومبادئها في الحرية والمساواة والشورى، عبر وسائل الإعلام، كما يجب مواجهة الغزو الإعلامي الغربي، ولتوضيح الفكرة يرى المجدد، أن الدور الأول للإعلام الإسلامي، إيجابي، يتعلق بإظهار مزايا الإسلام في العقيدة والأخلاق والشريعة، والدور الثاني سلبي، يتولى دحض المزاعم التي تبين دنيوية الإسلام في الغرب، وهو الذي يعبر عنه في علم الاتصال والإعلام بالإعلام المضاد. وفي هذا السياق يخلص العنوان لجملة من انتقادات الغرب للإسلام لغرض عرضها والطعن فيها، كونها ستكون المادة المعلوماتية التي تؤسس للإعلام الإسلامي المضاد والتي ستناقش في الحلقة الرابعة الدراسة الخاصة بمباحث الإعلام المقابل .
موقع الإمام الشيرازي – قسم الدراسات والبحوث [1] كان الشعراء الأشراف الهاشميون في مقدمة الدعاة وحملة الرسالة الإعلامية المعرفة بمدرسة آل البيت (ع) ، أمثال الشريف الرضي والشاعر الحماني وسواهم. وكان الإمام علي (ع) نفسه يتمثل باخي هوازن (أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد)، وفي صفين كان يستخدم ابن عمه الشاعر الهاشمي الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب، في الإعلام الحربي وفضح ولاة الباطل، فامره الرد على جيش الشام لما ورد عن بن العاص بحق جيش العراق وامير المؤمنين: هذا لكم عندنا في كل معركة حتى تطيعوا عليا وابن عباس اما عليا فان الله فضله فضلا له شرف عال على الناس لابارك الله في مصرفقد جلبت شرا وحظك منها حسوة الحاسي (موسوعة الامام علي بن ابي طالب، الريشهري، ج6: ص180) . [2] ويمثل تحول العالم والمجتمعات الحية من عصر الصناعة، والدخول لعصر المعلوماتية، ، نقلة واسعة في المجتمعات إلى "عصر الخدمات"، التي وفرت المعلومات لكل فرد في المجتمع، ومكنت المؤسسة الصغيرة وأصغر وحدة في بناء المجتمع، أن يكون عنصراً من مصادر الإعلام والمعلوماتية. وهي بعكس الصناعة لا تشكل في امتلاك ناصيتها، فجوة زمنية كبيرة بين الدول المتطورة المنتجة للتقانة المعلوماتية، والدول الأدنى منها، بسبب قدرة انتقالها عبر الحدود برامج وأنظمة، وإمكانية البدء بخدمتها المعلوماتية للمجتمع من حيث وصلت المجتمعات الاخرى. أ. هـ (د.هيثم الحلي الحسيني، بحث في الحتمية المعلوماتية وأثرها في المجتمع). [3] سورة البقرة: 208. [4] سورة النحل: 125. [5] مستدرك الوسائل: 9/35. [6] سورة الأنفال: 61. [7] سورة البقرة: 208.
|