عرض ودراسة تحليلية لمباحث "الرأي العام" / 2

في كتاب "الرأي العام والإعلام"

للمجدد الراحل السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

      د.هيثم الحلي الحسيني

 باحث في الدراسات الاستراتيجية

خـــــــــاص

موقع الأمام الشيرازي

___________________________

مفهوم وحقائق الرأي العام وأهميته وتطوره

 

   الفصل الاول للكتاب خصص لمباحث الرأي العام، وقد تصدّر الفصل تعريف له، "بمسألة" اعتباره ضروباً من سلوك الأفراد يتضمن التعبير باللغة والألفاظ الخاصة بما يفهمه الشعب أو الأمة، تمارس من جانب الأفراد على نطاق واسع، وقد أظهر التعريف دقة وشمولية حرفية واضحة، مبيناً تكون الرأي العام في حقيقته من ذرات صغيرة، تتجمع لتصبح سيلاً، مما يتطلب من العاملين في حقل الرأي العام الصبر وعدم إهمال الأشياء، حتى الصغيرة المؤثرة فيه.

   إن هذا التصور للرأي العام، تطلب استقراءاً للتاريخ، جعل من منهج البحث التاريخي حاجة ملحة في بحث ودراسة الرأي العام وصناعته، مروراً بحقب طويلة من التاريخ العربي الإسلامي، خلص فيها المؤلف إلى أن الدول الإسلامية،لم تكن يوماً حكومة واحدة، بل كان لكل منها أسلوبها الخاص في الحكم، فهي أذن منهجيات مختلفة في الحكم وليس منهجية واحدة، والاسم الواحد لها لا يدل على الحقيقة وإنما يدل على الإطار العام. إن هذا يدل على انتفاء القدرة على تعميم الأحكام، لأنها ستجانب الحقيقة والواقع، والأصوب هو دراسة كل حالة لحالها، واقتراح الحلول الناجعة لكل منها، ولا خلاف على دراسة العوامل المشتركة والتأثير المتبادل بين حالة وأخرى.

   جرى التطرق إلى الرأي العام في سياقه التاريخي، إشارة إلى أن الرأي العام موجود في الكثير من أدبيات الشعوب، وقد ظهر ذلك جلياً في تاريخ الأديان والحضارات، وكانت ولا تزال وسائل الإعلام ومنذ القدم تشكل أمراً فاعلاً في تكوين الرأي العام وصناعته. ولهذا نجد أن من يعتقد بمبدأ أو إطار فكري، بالضرورة أن يكون له صحيفة أو أية وسيلة إعلام أخرى، تنطق باسمه وتسوّق لأفكاره ومعتقداته، ولهذا فكل منظومة، دينية كانت أو دنيوية، سياسية أو عقائدية، فكرية أو أدبية، تعبر عن تأثيرها في الرأي العام وتوصيف ذاتها بتعبير "صوت الشعب أو صوت الجمهور أو الجماهير أو نبض الشارع أو  اقتضاء المصلحة الشعبية العامة"، وهي ألفاظ بديلة عن الرأي العام في الأدبيات المعاصرة.

إن التبرير المستمر لذلك هو الحكمة والسلوك القويم، كما في إحراق أجساد العلماء في القرون الوسطى، نتيجة أفكارهم وآرائهم المعلنة، بضغط الكنيسة أو سياسات النظرية الميكافيلية المضمنة في كتاب الأمير، ويفصح التراث الغربي أو الأوربي، عن ظهور مفكرين أطلق عليهم تسمية الأحرار، وافقوا على فكرة، ان قيام الثورتين الفرنسية والأمريكية، قد حقق رغبات الناس الذين كانوا في الضيق والحرج من الحكومات المستبدة، ولهذا قام الأحرار الفلاسفة بنشر ذلك وتشكيل الرأي العام.

تقييم الرأي العام والخلفيات المؤثرة في تشكيله

   خلصت "مسألة" تشكيل الرأي العام بتفريعه إلى نوع يتشكل بصورة عفوية، وآخر يتشكل بالطريقة التحصيلية، وهو الذي يتوخى الأدوات الفاعلة للوصول إلى الهدف، والذي أصابه السيد المؤلف المجدد في نطاق مادة الكتاب في الإشارة إلى أن تشكيل وصناعة الرأي العام تجري ببطء وتتطلب وقتاً.

   عرض الكتاب لعناصر الرأي العام، من خلال بحثه لخلفيات الرأي العام، في مسألة جوهرية وبمفردات بليغة ودقيقة الوضوح، بالإشارة إلى "العقل" كعنصر متقدم من خلفيات تشكيل الرأي العام، وان الرأي العام الذي ينبع من "الأهواء" ولا يركن إلى "العقل"، لا يختلف عن "الغريزة" التي تدفع بالإنسان إلى حيث هي تريد، لا إلى حيث يريد عقله.

   الخلفية الثانية في صناعة الرأي العام هي "المعرفة"، لأن الإنسان منذ الخليقة الأولى مندفع لاكتساب العلم وبه تميز عن سواه من المخلوقات، فكان سيدها مع أنه ليس بأقواها، وإن هذه المعرفة العلمية يكتسبها الإنسان بطريقتين، المعرفة الذاتية أو المكتسبة عبر الخبرة.

   الخلفية الثالثة هي "السلوك"، الذي ينبثق من التقاليد الثقافية، التي يتلقاها الفرد منذ طفولته ضمن تنقله في البيئة التي ينشأ ويتطور فيها، تحت تأثير العامل الثقافي في التنشئة الاجتماعية. والخلفية الرابعة "العقيدة الإسلامية"، وهي خاصة بالشعوب المسلمة، والتي لها كبير الأثر على طبيعة هذه الشعوب.

   الخلفية الخامسة المؤثرة في الرأي العام هي "الأرض"، فإن الإنسان بسبب احتياجه للأرض وعيشه فيها، يختار قيماً خالصة به سواء أكانت تلك القيم موحدة أو قيماً متعددة وإن كانت متناقضة، لقاعدة الأهم والمهم، المسلّمة عند العقلاء.

والخلفية السادسة هي "العادات" التي لها أثر كبير في صنع الرأي العام وهي ما يتكرر من فعل الإنسان.

   ويمكن إجمال الخلفيات التي تؤثر في صناعة الرأي العام، بأنها الاتجاهات المعوّل عليها في الرأي العام، التي تتشكل بمجموع الميول والمواقف تجاه الجوانب الثقافية والعلمية والمبدئية، وصولاً إلى العواطف والأحاسيس، في حين أن البيئة التي يتحرك فيها الإنسان منذ تنشأته بدءاً بالأسرة والمدارس وتأثيراتها على مداركه، فضلا عن الخرافات والأساطير العالقة في الذاكرة الشعبية، تشكل تأثيراً بيناً في الرأي العام في المجتمعات التي تؤمن بها.

   إن القائد القادر على تكوين الرأي العام، يشكّل عنصراً مهماً في تشكيله، وأن الفكرة الجلية هي "أن القائد الديني يكون أفضل القيادات المؤهلة في التأثير، لذا فإن القادة غير الدينيين بحاجة إلى غيرهم الدينيين لتسهيل أمورهم"، ولا فرق أن يكون المعني، حقيقياً وواقعياً أو مزيفاً، لجهة تأثيره كبير في الرأي العام، وهذا هو مكمن الخطر في التعامل مع هذه الجزئية في تشكيل الرأي العام.

القواعد التي تحكم تشكيل الرأي العام

   عرض العنوان "مسألة" مستقلة, مجملها, أن "المسلّمات" لا تشكّل رأياً عاماً، والرأي يجب أن يكون "شعبياً" ليسمى "عاماً"، قبالة "الرأي الخاص" الذي يمثل شريحة بذاتها، لأن "الرأي العام" الذي تفرضه التنظيمات والحركات ذات السلطة، أو الذي يصنع من التخويف والترغيب، ليس رأياً عاماً وإنما خاصاً بهذه المؤثرات، كما وأن وسائل الإعلام التي تصور الرأي العام، قد ترصده من الزاوية التي تهمها، فهي بذلك تنتج رأياً عاماً أو تستفاد منه، لكنها ليست بذاتها الرأي العام.

   الإشارة الأخرى التي تحكم الرأي العام، أنه ليس بالضرورة أن تجتمع عنده كل الآراء، بل يكفي أن يمثل الأكثرية المطلقة وليس الأكثرية المقيدة، وبذلك فهو من الناحية الفعلية، حصيلة معرفة الفرد، فكلما كانت معرفة الفرد عينية وحرة كان رأيه انتقائياً حراً، وهو بدوره يشكل وحدة البناء للرأي العام في مجتمع الموضوع، الذي يجري رصد الرأي العام فيه.

   يعتبر "الثبات"، من أسباب تكوين الرأي العام، إن القاعدة التي يتعرض لها الكتاب في هذه الجزئية غاية في الدقة، وهي "أن الرأي العام يكون ثابتاً في الثابتات ومتغيراً في المتغيرات"، ذلك أن الأصل في المجتمع هو الثبات في الأشياء، إلا إذا توفر دافع يزيحه عن الثبات إلى عدم الثبات أو التغير، وتبعاً لذلك يتشكل الرأي العام في المجتمع من خلال مقاربته للحوادث وسلوك الرموز في المجتمع، وكثيراً ما يحصل أن نفس الرأي العام الذي يصوت لصالح فرد أو مجموعة أو حزب أو حركة سياسية معينة ويوصلهم إلى سدة الحكم، لكنه في دورة انتخابية لاحقة، قد يسقطهم تماماً عن واجهة التمثيل الحكومي، وبذلك يتحول الحزب أو الحركة السياسية إلى معارضة برلمانية داخل مجلس النواب، وأحياناً قد يخرجهما الرأي العام تماماً إلى خارج المجلس.

    اقول، كما يحصل دائماً في تداول السلطة في تركيا مثلاً، لأن قانونها الانتخابي لا يجيز دخول المجلس النيابي للكيان السياسي الذي لا يمثل بأكثر من 10% من أصوات عموم الناخبين، وتوزع المقاعد النيابية التي حصل عليها هذه الكيانات على الكيانات الفائزة.  والمثال الآخر على عدم ثبوت الرأي العام، ما يحصل لرؤساء الدول أحياناً عندما يفوزوا بأغلبية واضحة في دورة انتخابية، في حين لا يحققوا النجاح ويفشلوا أمام منافسيهم في الدورة التالية. وأن التاريخ القريب يؤشر لهكذا نموذج مع زعيم بريطانيا، رئيس الوزراء ونستن تشرشل، الذي قادها في الحرب حتى انتصارها الكبير على ألمانيا النازية، وهزيمة زعيمها الفوهرر هتلر، لكنه في أول دورة انتخابية جرت في بريطانيا بعد انتهاء الحرب، لم يحرز النجاح المطلوب لاحتفاظه بموقع رئيس الوزراء، فكان موقفه التاريخي، أن شكر المجتمع والناخب البريطاني، وعاد إلى بيته يعيش هادئاً من مرتبه التقاعدي المحدود، الذي يحضر بنفسه شهرياً لاستلامه من المنفذ المصرفي، وعندما أجري رصداً ميدانياً للرأي العام لاستشراف الأسباب التي دعت المجتمع الانتخابي لهذا الموقف الرافض لقائد النصر، كان الجواب واضحاً بأن الشعب البريطاني يعتبر تشرشل رجلاً للحرب، لكنه ليس الرجل المناسب للسلام وبذلك قال الرأي العام كلمته.

التوازن والتبسيط في الرأي العام

   يثبت المجدد المؤلف "مسألة" واضحة في التوازن بين الأهم والمهم، لأن الرأي العام إنما يتكون من إرادة التوافق بين الآراء المختلفة وملاحظة قانون الأهم والمهم في تشكيل الرأي العام. ويعبر عن "التبسيط" في الرأي العام لغة، بأنه عبارة عن إرجاع شيء تؤثر فيه مؤثرات متعددة إلى مؤثر واحد وذلك لتسهيل الأمر والارتقاء إلى عدة عوامل.

وأن التبسيط يعني تفكيك الحالة المعقدة أو المركبة إلى عواملها الأولية، لأن التبسيط يوجب الانسياق وراء السبب المبسط، الذي يطرحه المرشح لموقع الرئاسة أو النيابة، لتسويق نفسه أو برنامجه في خطابه الانتخابي، مركزاً على الجانب الأكثر إثارة أو مطلباً لدى جمهور الناخبين، فمثلاً أن العامل العاطفي، بالغ القوة والتأثير في الفرد ثم الجماعة ثم الأمة، والغالب أن الأفراد يحاولون الدفاع عن آرائهم الذاتية، التي تكونت بسبب عوامل زمنية أو مكانية أو تقليدية. عليه يخلص العنوان إلى استنتاج مفاده أن "الرأي العام محتاج إلى عدة دراسات من نواح مختلفة، وهذه الدراسات تنتج معلومات قريبة إلى الهدف".

أقسام التجمعات المجتمعية

   يعرض العنوان مجموعة المفردات، التي تعبر عن نفسها بالتجمعات المختلفة في المجتمع من خلال الروابط التي تجتمع عليها كجماعة معينة لتشكل حزباً، جالية، طائفة، فريق، قطاع، جمهرة، فئة، أو غيرها من المفردات التجمعية.  غير أن هذه التجمعات، قد تفترق عن مدلولاتها الشائعة في الأدبيات الحرفية للرأي العام، لذا يخلص البحث إلى عدم التسليم بتلك المفاهيم والمدلولات كما ترد في تلك الأدبيات بالمطلق، لإمكانية مقاربتها بمدلولات أخرى، إذ أنها في النهاية اصطلاحات عامة "ولا مشاحة في الاصطلاحات" على رأي البلاغيين، وهي بالتأكيد من الأدوات الواجب دراستها في هندسة الرأي العام.

سلوكيات الرأي العام

   على الرغم من اختلاف الرأي العام في سلوكياته، غير أن العنوان يورد مجموعة القوانين التي تحكمها، بمداخلة علمية نقدية، انتقت نماذج من تلك السلوكيات، فخلص المبحث في جزئية تحويل الرأي العام من طرف النقيض إلى الطرف الآخر، إن ذلك لن يحصل كلياً وإنما يكون قليلاً دائماً، (وإلاّ فالناس يميلون غالباً من شيء إلى درجة أرفع منه أو أدنى لا إلى الطرف النقيض، وكذا الحال في الحركة السريعة فإنها لا تنقلب إلى سكون)، بمعنى أن التحول والتغير يكون وارداً في السرعة أكثر منه في الاتجاه، إلى سرعة أعلى وأبطأ، لكنه في نفس الاتجاه وذلك مرتبط بالبيئة والعقل والإدراك. ويؤكد المبحث ان لـ"العاطفة" مدخلية كبرى في صناعة الرأي العام، كما وأن للعقل مدخلية أيضاً، وكل من العقل والعاطفة، له جذوره في البناء الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتربوي والعائلي والجغرافي، ومنها جميعاً يتكون العقل والعاطفة ومنها يتشكل الرأي العام.

تأثير القوالب الفكرية واللغة في تشكيل الرأي العام

   يعرض العنوان "مسألة" إن القوالب الفكرية، تكون وراء الرأي العام، حيث يعتاد الإنسان، أن يحصل كل مجتمع أو مجموعة قالباً فكرياً، يحركه نحو ذلك المجتمع سلباً وإيجاباً، وأن اللغة أداة التواصل ونقل المعلومات وتبادل الآراء والأفكار والتعامل بين البشر، وهي تقوم بدور فعّال في تماسك المجتمع والجماعات، وبالتالي فهي من الأركان المهمة للرأي العام، حيث جعل الإنسان من لغة التفاهم الوسيلة للوصول بنفسه أو بجماعته أو بالعموم إلى حاجاته وحاجاتهم. لذا فإن الرأي العام هو الذي يهيئ للحرب، كما وأن الحرب تهيئ الرأي العام، والرأي العام دائماً مع السلام، لأن القانون العام للحياة هو "السلام". عليه نرى أن الدول الديمقراطية لا تقدم على إعلان الحرب إلا بعد تهيئة الرأي العام لتقبل فكرتها، ويبقى الرأي العام مع السلام، سواءاً قبل الحرب أو أثناء الحرب أو بعد الحرب، فالسلم هو الأصل، ونتيجة لذلك تضمن الكتاب عنواناً آخر هو "الحرب النفسية"، التي تستهدف النفوس والأرواح وتصنع المناخ الملائم للحرب أو الانسحاب من الحرب، فتدخل بذلك عاملاً مؤثراً في تشكيل الرأي العام.

  ويعرض العنوان لتشكيل الرأي العام، بوصفه أمراً اكتسابياً، ويجري اكتسابه على ثلاث مراتب:

في الأولى تحصيل المعلومات والآراء بجمعها من مصادرها المتمثلة بجميع الدرجات الاجتماعية، التي تكون عينات مختلفة ومتباينة للرأي العام والتخطيط .

في المرتبة الثانية وفي المرتبة الثالثة يحتاج تشكيل الرأي العام إلى التطبيق والتنفيذ، لأنه لا يكفي التخطيط فقط وإنما ينبغي معرفة السبل المتاحة للتنفيذ.

اللغة والرأي العام

   يعرض العنوان لمبحث فقهي استدلالي، حول دور اللغة في تشكيل الرأي العام، يصلح كرسالة متكاملة حول الموضوع، مستنداً إلى الأصل في دور اللغة في الفقه والأصول، عارضاً تجسيد اللغة عبر الإيحاء والكلام واللمس والصورة، مشيراً إلى اندفاع المسلمين من غير العرب على تعلم اللغة العربية تحت لواء الإسلام، فجعلوها لغتهم الرئيسية أو الثانية بعد اللغة الأم، لأن القرآن الكريم جعل اللغة العربية لغة للمسلمين بصورة عامة، فضلاً عن تمسك العرب المسلمين بها كلغة رئيسية، رغم تزاحم الأقوام وتعاقبها على بلدانهم، فتواصلت لغة حية عبر الزمن ، بفضل الإسلام والقرآن. عليه كان لزاماً على مهندسي الرأي العام أن يحسنوا استخدام اللغة، لوحدة الفهم المشترك ولأن استخدام اللغة وأدواتها من الأركان المهمة في تجميع الرأي العام.

استطلاع الرأي العام

   لقد ناقش الكتاب هذا الموضوع من خلال عرضه لمرتكزات المسوح الميدانية لأغراض الاستطلاع الدقيق، الذي يفضي إلى القرار السليم حسب رد الفعل، ويخلص العنوان الى أن هذه الأمور على الاصطلاح المنطقي، تكون سبباً ومسبباً ونتيجة وزيادة وعي بالنسبة للمستقبل. وقد فصل المبحث مرتكزات قياس الرأي العام الى اختيار الموضوع، اختيار الوسط، تحديد العينات، صياغة الأسئلة وتسلسلها، الاختيار التجريبي، إجراء المقابلات، استخلاص النتائج، عرض النتائج واتخاذ القرارات. ويجري عرض نتائج الاستطلاع بسرعة عبر وسائل الإعلام باسلوب فعّال يثري الحوار العام، ويكون خاضعاً للتحليل، وذلك عبر تحويل النتائج من أمور مقولبة داخل الذهن إلى أشياء محسوسة خارج الذهن، حتى يعرف مدى النجاح والإخفاق.

التنبوء المستقبلي والرأي العام

   عالج الكتاب هذا العنوان باعتباره أحد خلفيات الرأي العام، لا يراد به التنبوء الناشئ من الوحي والإلهام، ولا من شفافية النفس، بل من قرائن الماضي بسبب الموازين العلمية الدقيقة.

إن عملية "التنبوء المستقبلي"، تستوجب حشد كم كبير من "المعلومات" لرصد تحرك الأحداث بخطها البياني لغرض توقع الحدث القادم أو الحالة المتوقعة مستقبلاً، ويجري ذلك باستخدام التقانات المتطورة التي وفرتها تقدم تقانة المعلومات أثر الثورة المعلوماتية.

   يورد العنوان عملية التنبوء بأنها تمكّن الإنسان من تنظيم البحث العلمي بجوانبه المختلفة من اللازم والملزوم والملازمة، لأن كل شيء تحف به هذه الأمور الثلاثة سواءاً التغيرات الطبيعية أو الفلكية، فيكون البحث كما تعتقد الدراسة تحليلاً، قد أحال جزئية التنبوء المستقبلي إلى أدوات الاستدلال المنطقي غير المباشر، وسيناقش ذلك لاحقا.

وظائف الرأي العام

  يختم الكتاب دراسته للرأي العام في عنوان الوظيفة التشريعية، التي يستمد أداءها السليم ممثلو الشعب من خلال استقراء الرأي العام، ثم يضع الأسس العلمية الرصينة لسن القوانين القابلة للحياة وديمومة التطبيق السليم.

ويخلص البحث إلى أن "المجالس التشريعية"، يجب أن تكون حقيقية أولاً، وأن يجري تمهيد الطريق لقبول القانون ثانياً، وأن يعرض "القانون" للرأي العام قبل أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ العملي، كما وأن للرأي العام القدرة على إلغاء القوانين مثلما له القدرة على تعضيد الأفكار في مختلف جوانب الحياة بسبب الظروف السياسية والفكرية، ويخلص المؤلف، أن الرأي العام يصبح سليماً وصحيحاً إذا لم يخالف "الأحكام الإلهية"، فهي الحدود التي يقيم بها الرأي العام.

المداخلات النقدية والبحثية لموضوع لدراسة

مداخلة حول "استطلاع الرأي العام"

   يعبر عن هذه الجزئية "الاستطلاع" في أدبيات الرأي العام، بوسائل قياس الرأي العام، لأن نتيجة الاستطلاع، تمثل تقييماً لنجاح أو فشل هندسة الرأي العام، والذي على أساسه يجري التعديل في الخطة أو القرار الاستراتيجي بما يعرف بالتغذية المرتدةFeed back  ، ووفقاً لنتائج قياس الرأي العام يقيم الموقف الشعبي العام واتجاهات الرأي العام، وبالتالي تضمينه في الدورة التخصصية لصناعة الرأي العام.

  تجري عمليات قياس الرأي العام وفق أسلوبي الاتصال أو الملاحظة، أما "الاتصال" فيشمل الطرق التي يجري فيها القياس بالتماس المباشر مع عينات البحث الميداني، والاتصال يجري أما بطريقة "الاستبيان" أو بطريقة "المقابلة"، أما الأسلوب الثاني الذي لا يستوجب التماس المباشر بعينة البحث فهو اسلوب أو طريقة "الملاحظة"، التي يجري فيها رصد ومراقبة عناصر الشريحة البحثية لغرض جمع وتثبيت المعلومات. وهذه العملية يعبر عنها أهل الاختصاص في علم الاتصال والمعلوماتية وهندسة الرأي العام بالتغذية المرتدة لقياس الرأي العام، وهي المرحلة النهائية لتقييم النتائج في المسح الميداني واتخاذ القرار حسب ردود الافعال، التي تتخذ استناداً للمعلومات التي تتضمنها التغذية المرتدة. ففي حالة ان نتيجة الاستدلال الاستنتاجي الرياضي للتغذية المرتدة تكون "صفرا"، أي تتساوى فيها الصورة المخطط لها للرأي العام مع الصورة الواقعية الراهنة التي جرى دراستها وتسجيلها، عندها تؤشر التغذية المرتدة عدم الحاجة للتداخل الإجرائي، وفي حالة العكس فان نتيجة قياس التغذية المرتدة ستكون رقما أو قيمة موجبة أو سالبة، عندها سيتطلب التداخل الإجرائي لتعديل مسار الرأي العام. وتجري هذه العملية في "المراكز الدولية والوطنية المتطورة لرصد وهندسة الرأي العام"، بشكل آلي وطوعي بواسطة البرامج التقانية الالكترونية المحوسبة للمنظومة التكاملة، وتقدم النتائج والمقترحات الإجرائية على شكل مخارج لها، فيما تتغذى المنظومة بجميع المعلومات ذات الصلة ومن جميع المصادر، ويجري تحديثها باستمرار تبعا للمتغيرات والمؤثرات مع جميع الخيارات المتوقعة والمفضلة المخطط لها، بشكل مدخلات للمنظومة"I2C4"  كمثل    

    Integrated Information Communication Computerized Computed Control System        ويمكن التعبير عن هذه العملية استقرائيا وصفيا بمقارنة الحالتين، "المخطط لها أو المقبولة"، و"الواقعية على الأرض وقت الاستطلاع"، وفي حالة التناقض بين الحالتين "القضيتين"، يجري اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعديل مسار الرأي العام وحل المعاضل المؤشرة فيها، من خلال الأنشطة الإعلامية الصحفية أو الندوات والحواريات والحلقات النقاشية، فضلا عن اتخاذ الخطوات الاجرائية العملية استجابة للمطالب العامة، المتضمنة في نتائج المسوح الميدانية "الاستطلاع"، أو المعبر عنها خلال المنظمات المجتمعية المدنية ووسائل التعبير الأخرى المباشرة أو خلال الإعلام. 

مداخلة حول هامش التحقيق لموضوع "الاستطلاع"

   وقد توسع الباحث الشيخ محقق الكتاب في تعريف "الاستطلاع" وتفريعه ضمن مفاهيمه اللغوية والاصطلاحية العلمية الاختصاصية، في شرحه وتعليقه على هامش الموضوع، أغنى به المادة والعنوان وتفاصيل تطبيقاته وآثاره والشواهد التاريخية، وقد أورد في نهاية هامش التحقيق على مادة "الاستطلاع والرأي العام"، ان "هناك أنواعاً كثيرة من الاستطلاعات بعضها يسبق الانتخابات وفي أثنائها...قسّمه البعض إلى ثلاثة أقسام باعتبار القائمين به:

1- استطلاع بحري. 1- استطلاع جوي. 3- استطلاع الكتروني.

وباعتبار الهدف إلى: 1- استطلاع تكتيكي. 2- استطلاع استراتيجي".أ.هـ .

   إن مفهوم الاستطلاع واسع ومتعدد، وان تطبيقاته تختلف باختلاف البيئة الجاري استطلاعها، والى ذلك تعتمد تصنيفاته.  فالاستطلاع الذي يستهدف الرأي العام أو قياسه، هو بمثابة بحث بمسح ميداني يكّون به الرأي العام، مجتمع البحث أو بيئته في تعبير علم الإحصاء، وان أساليبه وطرقه هي اسلوب الاتصال بطريقتي المقابلة والاستبيان، واسلوب الملاحظة، ولا يصلح للتصنيف المذكور في هامش التحقيق.

  إن هذا الاستطلاع، وهو المتبع في قياس الرأي العام، يختلف في أسلوبه وأدواته وبيئته ومجتمعه، عن الاستطلاع الذي يستهدف الأهداف المادية، مثل الأجسام الثابتة والمتحركة والتجمعات البشرية، سواءاً لأغراض التخطيط للعمليات العسكرية أو التخطيط للبناء الهندسي والمشاريع التقنية والإنشاءات الصناعية أو رصد التجمعات السكانية، إن هذا الشكل من الاستطلاع هو خارج نطاق العنوان والبحث بالتأكيد، وهو الذي ينطبق عليه تصنيف الاستطلاعات التي وردت في هامش التحقيق المذكور، وهي بالتأكيد لا علاقة لها بالانتخابات، قبلها وبعدها، ولا يمكن قياس الرأي العام بأقسام الاستطلاع المذكورة في الهامش، عن الموسوعة الموسعة أو  مراجع الاستطلاع، لأنها أريد بها موضوع آخر في تلك المراجع والمؤلفات. ولزيادة المعرفة وباب العلم بالشيء، فإن هذا الشكل من الاستطلاع يصنف إلى "استطلاع أرضي، بحري، وجوي الذي استقل عنه الاستطلاع الفضائي باعتباره بعدا رابعا، من ناحية المنصة المستخدمة في الاستطلاع"، وان هذه الأنواع الثلاثة من الاستطلاع تصنف إلى "استطلاع بصري واستطلاع الكتروني حسب المعدات المستخدمة في عملية الاستطلاع"، كما أن الالكتروني يصنف إلى عدة أنواع مثل "الراديوي اللاسلكي واللاسلكي الفني، الراداري واستطلاع الإجراءات الساندة الالكترونية، حسب تقنياتها وحزمها الترددية".

أما التصنيف إلى استطلاع تكتيكي "تعبوي"،وعملياتي،واستراتيجي"سوقي"، فيعتمد على حجم الأهداف المقصودة بالاستطلاع، وأهميتها وتقييمها والنتائج المترتبة عليها، على مستوى الدولة ومؤسساتها وقدراتها التقانية والاقتصادية والدفاعية.

مداخلة حول"التنبوء المستقبلي والرأي العام"

   "التنبوء المستقبلي"، من الآليات المتقدمة في الإدارة العلمية الحديثة، يتم دراسته وتنفيذه والاستدلال إليه بطرق إحصائية ورياضية منطقية، وقد عبر عنه البحث بأنها عملية تمكّن "الإنسان من تنظيم البحث العلمي بجوانبه المختلفة من اللازم والملزوم والملازمة، لأن كل شيء تحف به هذه الأمور الثلاثة سواءاً التغيرات الطبيعية أو الفلكية" فيكون البحث كما تعتقد الدراسة تحليلاً، قد أحال جزئية التنبوء المستقبلي إلى أدوات الاستدلال المنطقي غير المباشر، وذلك بإقامة الدليل على ما يلازم المطلوب لإثباته، فالملازمة في استدلال الرأي العام المستقبلي تستوجب برهاناً فلسفياً على اللازم وهو السلوك المنصرم والحالي أو في المرحلة السابقة لعناصر الرأي العام وشواهده، لغرض استخدام الدليل المنطقي في وصف الملزوم وهو سلوك الرأي العام المستقبلي للمرحلة أو المراحل القادمة، على قاعدة في التفكير والعقل، قريبة من "النقيضان لا يصدقان معاً ولا يكذبان معا"ً، كما ويمكن التنبوء بوقوع الحوادث قبل وقوعها بإرجاعها الى "مبدأ الحتمية" من العلوم التجريبية العقلية، تؤدي الاسباب ذاتها، في الظروف ذاتها، الى النتائج ذاتها، "القانون العقلي الخامس عند المناطقة"( كتاب "المنطق ومناهج البحث، ص10" منية المحروس).

إن اصطلاحات الأدبيات الفقهية والمفردات اللفظية المنطقية الجارية والبحوث الأصولية،  امتزجها المؤلف مع التعابير العلمية التقانية المتعلقة بتخصص الموضوع في حقول المعلوماتية وعلم الاتصال والإعلام.

مداخلة حول صنع القرار و"تشكيل الراي العام"

   تجري عمليات صنع واتخاذ القرار لتشكيل الرأي العام، وفق الخطوات العلمية المعاصرة، التي لا تختلف في جوهرها عن أية عملية تخطيطية أو تقدير موقف في المستوى الاستراتيجي، و يشار لها في الإدارات العليا بعنوان التخطيط وصنع القرار في أدبيات الادارة العليا، وقد انسجم الكتاب مع هذه الرؤية، بعدّه جمع المعلومات في المرتبة الأولى لتشكيل الراي العام، والتخطيط في المرتبة الثانية، وهو يشمل فرز وتحليل وتمحيص وتقييم المعلومات المستحصلة في المرتبة السابقة، رغم أن بعض الأدبيات تعد جمع المعلومات الجزء المتقدم من مرحلة التخطيط، التي توصف بأنها عملية مستمرة، وفي المرتبة الثالثة يحتاج تشكيل الراي العام إلى التطبيق والتنفيذ، لأنه لا يكفي التخطيط فقط وإنما ينبغي معرفة سبل التنفيذ، وهي مرحلة تحديد البدائل أو الخيارات أو المسالك، ثم يجري انتخاب الخيار أو المسلك البديل الأكثر ملائمة، الذي يطلق عليه في لغة أهل الهندسة الخيار الأمثل optimal، وهو ليس بالضرورة خياراً أفضلاً لجميع عوامل البحث والدراسة، غير أنه الخيار الذي يتحصل على أفضل مقارنة بين الخيارات الأخرى لجهة نقاط القوة والضعف للعوامل ذات العلاقة.

إن عملية انتخاب البديل الأمثل، هو في الحقيقة اتخاذاً للقرار، في حين يطلق على العملية بالكاملة بصنع القرار، إن الهيئة الاستشارية التي تؤسس لتشكيل الرأي العام، تتولى الاشتغال في عمليات صنع القرار، في حين يجري اتخاذ القرار من قبل سلطة اتخاذ القرار، سواءاً كانت سلطة أو مركز قيادي أو حتى فرد قائد، وغالباً ما لم يخرج هذا المركز القيادي في اتخاذ القرار الخيار أو البديل المقترح من الهيئة الاستشارية لتشكيل الرأي العام، تحقيقاً للمسؤولية التضامنية. أما في الأنظمة الاستبدادية أو الشمولية والفردية التسلطية، فيجري فيها اتخاذ القرار دون القيام بالدورة التخطيطية، وذلك ما عناه الكتاب في (أن من الطبيعي في مثل الأوضاع الاستبدادية أن لا ينمو الرأي العام ولا يزدهر، بعكس ما إذا كانت الدولة تعيش نظاماً "ديمقراطياً" في الاصطلاح الغربي أو "استشارياً"، حسب الاصطلاح الإسلامي.

مداخلة حول اللغة وهندسة الراي العام

   سبق وان افرد المجدد المؤلف مبحثا في مؤلف سابق من آثاره الفكرية المعرفية، عني بتشجيع ونشر اللغة العربية والعناية بها، مبينا "انها لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة كما ورد في الحديث الشريف، وهي إحدى وسائل توحيد الأمة الإسلامية. وهذا لايعني ان يترك غير العرب لغتهم ويتحدثوا بالعربية كما بل يتعلموا العربية بالاضافة الى لغتهم الاصلية، وهي للتفاهم في الاطار المحلي ، اما اللغة العريبة فهي للتفاهم في اطار الامة الاسلامية، لذا كان من الضروري ان يهتم المرجع الاسلامي باللغة العربية، بتشجيع ابناء الامة الاسلامية على تعلمها ووضع مناهج مبسطة لتعلمها لغير الناطقين بها. والهدف هو ايجاد جسر التفاهم بين ابناء الامة. ان منهج الاسلام يقوم على دعم اللغة العربية وجعلها لغة التفاهم، فالصلاة وكتاب الله وسنة رسول الله كلها بالعربية وهذا يعني ان الاسلام يريد من المسلم ان يتعلم العربية لتصبح لغة للتفاهم". إها(كتاب "المرجعية الاسلامية ، رؤى في الاساليب والاهداف" ص125). كما ويستدل السيد المجدد لدعم العربية المستمد من منهج الاسلام في موضع اخر من اثاره العلمية، معبرا عن ذلك "ان الاجتهاد بحاجة الى العلوم العربية، اذ لولا فهم اللغة لم يفهم معنى الكلمة، وكذلك الصرف حيث انه اذا اشتبه في المادة اشتبه في المعنى، والنحو فلولا فهم الاعرابلم يفهم الفاعلعن المفعول، والبلاغة في نكاتها دخلية في فهم المعاني ، كل ذلك بقدر الحاجة"(كتاب "الاصول، الاصول العملية"ج2ص320).

    عليه يلزم العلماء والفقهاء والدارسين لتعلم العربية بقدر الحاجة، بصفتها من "الطريقي والموضوعي" في العلوم المصنفة كحدود للاستدلال اللفظي المعتمدة على فهم النصوص وتفسيرها لغويا، بما يطلق عليه الاستدلال على (الحكم الشرعي بالدليل اللقظي المرتبط بالنطام اللغوي العام للدلالة، وان العلافة التي تقوم في الذهن بين تصور اللفط وتصور المعنى تحتاح الى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه الى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها، ان حجية الظهورالعرفي اللغوي، كعنصر مشترك قي عملبات الاستنباط، تلزم الرجوع الى العرف العام في فهم  النصوص لانه حجة ومرجع في ثعيين مدلول اللفظ، ومن حلال المدلولاث النفسية للالفاظ اللغوية التي يحسنها اهل العربية، ضمن دلالة اللفظ على المعنى، الذاتية او المكتسبة) (كتاب "معالم الاصول"،ج1ص11، ج2ص13، محمد باقر الصدر).

  ان مبحث اهمية اللغة، المستمد من مباني منظومة الاحكام الشرعية، مع التباين في الغايه، يمكن اسقاطه ايضا على اليات هندسة وتشكيل الراي العام، لجهة تاثيره قي المضامين النصية ومبانيها ودلالاتها في اللقظ والمعنى، في الصياغة اللغوية للخطاب المعلوماتي والاعلامي، لمرجعيات القرار السياسي والاعلامي والاجنماعي، يهدف التاثير باتجاهات ومدركات الراي العام، واعادة تشكيله وفق المخطط له في اطار الاستراتيجية الوطنية.

مداخلة حول دور المجتمع المدني في "تشكيل الراي العام"

   تمثل المنظمات غير الحكومية NGO أوالمجتمع المدني CS، التي تشكّل واجهات الهيئات الدينية وأنشطتها الثقافية جزءاً منها، مرآة عاكسة للرأي العام، لأنها تتمكن من ملاحظته ورصده كونها متغلغلة بتماس في المجتمع، كما أنها تمتلك الموارد والأدوات لقياس الرأي العام وتنفيذ الاستطلاعات الميدانية التي تستهدفه، فضلاً عن رصد التقلبات التي تعصف بالرأي العام وهي حالة طبيعية استجابة للأطر السياسية والفكرية والثقافية المجتمعية.

   إن هذه الدورة المعلوماتية تتطلب الاستجابة الملحة لدى مركز صناعة القرار، لتغذية المجالس التشريعية بمشاريع القوانين المنسجمة مع الإرادة الشعبية،وأنه من حيث تأثيره أقوى من القانون وأقوى من المجالس التشريعية، لأنه هو الذي يمنحها الشرعية في الوجود، لذا كان لزاماً لنجاح تطبيق القانون، أن يصنع لها مسبقاً رأي عام، إذ لا قيمة للقوانين إذا لم يشفعها الرأي العام.

خاتمة الدراسة

   تخلص هذه الدراسة، بالتحليل والاستدلال الاستنتاجي، الى الحكمة الكبيرة في تقديم المفكر المجدد بحثه لموضوع "الرأي العام" على سائر عناصر رباعيته المعلوماتية المؤسسة على مباني علم الاتصال والمعلومات، ليشفعها بجزئية "الإعلام" ثم "الدعاية" ثم "الإشاعة".

إن الصراع الحضاري المعاصر، هو صراع معلوماتي إعلامي فكري وثقافي، وهو مثل أي بيئة وحقل للصراع بين طرفيه المتناقضين، يتألف من عناصر ثلاث في الأدبيات الاختصاصية لادارة الصراع وهي:

   "الإجراءات الساندة المعلوماتية"، الجانب الإيجابي الساند للقاعدة المعلوماتية الإعلامية، التي تستند بالأساس إلى استطلاع الرأي العام والرأي العام المضاد، فيتشكل على ضوئه صناعة الرأي العام والإعلام.

   "الإجراءات المضادة المعلوماتية"، وهي الجانب السلبي الذي يستهدف التأثير في الطرف الآخر ومنظومته المعلوماتية التي تشكل الرأي العام المضاد، وتتألف أدوات هذه الإجراءات من الإعلام المضاد والدعاية المضادة والحرب النفسية.

   "الإجراءات المضادة للمضادة المعلوماتية"، وهي الجانب السلبي والإيجابي الذي يستهدف حماية المنظومة المعلوماتية الإعلامية الثقافية والفكرية وبالتالي تحصين الرأي العام من إجراءات المنظومة المضادة المعلوماتية المقابلة، الممثلة بالإعلام المضاد والإشاعة والدعاية المضادة المقابلة والحرب النفسية المضادة التي تستهدف التأثير في الرأي العام ومساراته المرسومة المقبولة فكراً وعقيدة وثقافة واتجاهات مجتمعية.

إن اصطلاحات الأدبيات الفقهية والمفردات اللفظية المنطقية الجارية والبحوث الأصولية امتزجها الباحث المؤلف مع التعابير العلمية التقانية المتعلقة بتخصص الموضوع في حقول المعلوماتية وعلم الاتصال والإعلام.