بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ
الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين،
ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب
قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار
المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضيين،
واللعنة الدائمة الأبدية على
أعدائهم إلى يوم الدين،
ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي
العظيم
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إِنَّمَا
وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([1])
وقال جل اسمه: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ
الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)([2])
المدخل: حرز الإمام المهدي (عليه السلام)
إذا ابتلي أحدكم بجارٍ أو شريك يؤذيه، أو بصديق أو شيطان يضله
ويغويه، أو إذا ابتلي أحدكم في رزقه بأن ضاقت عليه مساربه وموارده ومصادره،
أو ابتلي بعدو أو أعداء قد أخذ كلٌ بخناقه، أو ابتلي بأية مشكلة أو عويصة
أو معضلة أو داهية أو غير ذلك، فعليه أن يتمسك بالحرز الوارد عن الإمام
المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فإن الله عندئذٍ سيفتح له
الأبواب، وسيحل له العُقد، ويذلل له العسير، ويلين له الصعب المستحكم، من
حيث لا يحتسب، إذ يسبب له عندئذٍ سبباً لا يستطيع له طلبا إلا ببركة محمد
وآل محمد.
وحرز الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا مَالِكَ الرِّقَابِ وَيَا هَازِمَ الْأَحْزَابِ،
يَا مُفَتِّحَ الْأَبْوَابِ، يَا مُسَبِّبَ الْأَسْبَابِ سَبِّبْ لَنَا
سَبَباً لَا نَسْتَطِيعُ لَهُ طَلَباً، بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِين)([3]).
هذا هو حرز سيدنا ومولانا سيد الكائنات صلوات الله وسلامه عليه، وسنعود
إليه وإلى الكلام عنه وعن غيره من جديد، في ضمن مطاوي البحث، بمناسبة
الآيتين التي مضى بعض الكلام عنهما بإذن الله تعالى.
يقول الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ) كما يقول أيضاً: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا). وفي آية أخرى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا)([4])
الحديث الآن يدور حول مفردة (الولي)، والحال في مفردة (الإمام) و(الأئمة)
أيضاً، فما نقوله هنا يجري هنالك، فنكتفي بهذه المفردة الآن، وقد مضى أن
الولي ولي بقول مطلق، وأن ههنا عموماً واحداً وإطلاقات ثلاثاً.
كافة التصرفات في الكون محرمة إلا بالإذن
يتفرع على ذلك مبحث اليوم وهو: إن أي نوع من التصرف، وأي نوع من
التحرك، وأي نوع حتى من السكون، وأي نوع من التقلبات في هذا الكون في مختلف
الأبعاد والزوايا والجوانب، فإنه من الناحية التشريعية محرم إلا بالإذن،
ومن الناحية الوضعية باطل إلا بالإذن مطلقاً([5]) أو في الجملة([6]) على
حسب مسلك كثيرين.
وتفصيل هذا البحث موكول لمظانه من علم الكلام وعلم الأصول، إذ إن هذا البحث
هو مشتبك العلمين، لكننا في هذا البحث التفسيري سنتناوله من زاوية أصولية
فقهية وبعبارات مبسطة فنقول:
عالم الأسباب والمسببات والتسبيبات
إن العالم قائم والكون كله على منظومة الأسباب والمسببات، فهناك
أمور خمسة:
1- هنالك أسباب.
2- وهنالك مسبَّبات.
3- وهنالك تسبيب أو تسبيبات من خصوص الأسباب إلى خصوص هذه المسببات.
4- وهنالك أمر آخر، وهو الآثار التي تترتب وتنجم وتتولد من المسبب، فهنا
سبب ثم تسبيب ثم مسبَّب ثم أثر ناجم عن المسبب.
5- والأمر الخامس الذي لم يذكره الأصوليون عادة، ولكنه على نفس المساق
والمسار وهو(المسبِّب)، أي المتصدي لهذه العملية يعني المتصدي. لجعل هذا
سبباً لذلك، أي مصداقاً لا في كبراه الكلية، بل في المفردة الجزئية
والمصداق الخارجي أي المتصدي لعملية التسبيب، أي الوصول إلى تلك الآثار عن
طريق اتخاذ سلسلة من الإجراءات تسمى بالأسباب تؤدي إلى سلسلة من النتائج
تسمى بالمسببات التي لها آثارها.
وهذا الأمر الخامس لا بد من دراسته ودراسة أحكامه ايضاً.
الصور الأربع
ولنوضح ذلك بأمثلة فقهية عرفية سهلة ليست بالصعبة؛ ففي المعاملات
بالمعنى الأعم أي التي ليست منوطة بقصد القربة، فإنه قد يتعلق النهي بالسبب
تارة، وأخرى يتعلق بالمسبَّب، وثالثة بالتسبيب، ورابعة بالنتيجة، أي نتيجة
المسبب فهذه صور أربع:
أن يتعلق النهي بالسبب
الصورة الأولى: أن يتعلق النهي بالسبب، وقد ذكر بعضهم مثال ذلك قوله
تعالى: (وَذَرُوا الْبَيْعَ). ولكن فيه تأمل، أما المثال الذي لا تشوبه
شائبة فهو عقد الـمُحرِم، فإن المحرم في حالة الإحرام لا يجوز له إجراء
العقد، وإن كان العقد في حد ذاته مستحباً وكانت المرأة خَلِيّة جامعة
للشرائط([7])، لكن المحرم لا يجوز له أن يعقد على امرأة لنفسه، بل لا يجوز
أن يعقد لغيره، كأن توكله امرأة في أن يجري العقد عليها لزيد من الناس،
فهنا نجد أن النهي قد صب على السبب نفسه: فنفس العقد في حالة الإحرام مبغوض
لله تعالى منهي عنه، وإن كان النكاح وهو (المسبب) في حد ذاته، وبما هو أمراً
حسناً.
أن يتعلق بالمسبب
الصورة الثانية: أن يكون النهي عن المسبب لا عن السبب، وذلك بأن لا
يعاني السبب في حد ذاته من مشكلة، بل قد يكون أمراً حسناً في حد ذاته، إنما
المشكلة في المسبب وذلك مثل بيع المصحف للكافر، بحسب المشهور، فإن البيع
جائز بما هو هو في مقابل الغش والربا وما أشبه ذلك، إذ البيع من العناوين
الجائزة، لكن المشكلة في متعلَّقِه وهو المسبب، اي أن يكون المصحف ملكاً
للكافر، فإنه الذي يحتوي على مضرة، وكذلك بيع العبد المسلم للكافر، فقد قال
تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلاً)([8]). فكيف يملك الكافر العبدَ المسلم؟ فالنهي قد صب على المسبب
وليس على السبب، والسبب مجرد طريق، فهل يترشح عليه بلحاظ المقدمة شيء؟ ذلك
موكول الى البحث المفصل في مقدمة الواجب والحرام وانها محرمة شرعاً أو عقلاً
فقط.
مثال آخر: بيع آلات اللهو أو بيع الآلات لّلهوُ، بقصد أن يلهى بها، أو بيع
الخشب ليعمل صنماً، فإن البيع بذاته – وكعقد من العقود - ليست فيه مشكلة،
إنما المشكلة في المسبب الذي نقل آلات اللهو أو نقل الصنم للغير أو نقله
ليعمل صنماً أو بيع الخل ليعمل خمراً، واللام للتعليل.
والحاصل: في هذه الصورة الثانية: النهي منصب على المسبب، والمبغوض هو
المسبب، أما الصورة الأولى، فإن المبغوض والمنهي عنه هو السبب.
أن يتعلق النهي بالتسبيب
الصورة الثالثة: أن لا يكون السبب هو المبغوض والمنهي عنه، ولا
المسبب هو المبغوض والمنهي عنه، وإنما يكون التسبيب هو المبغوض والمنهي، أي
ربط هذا السبب بهذا المسبب هو المبغوض المنهي عنه، أي التسبب بهذا إلى هذا؛
لأن الشارع أجاز المسبب عبر هذا السبب الخاص دون غيره، فلا يحق لك أن تحضره
عبر سبب آخر، والحاصل: إن السبب لا مشكلة فيه في حد ذاته وليس مبغوضاً،
والمسبب ليس مبغوضاً كذلك، بل التسبيب بهذا إلى هذا هو المبغوض والمنهي عنه،
وذلك مثل ما غذا أراد شخص أن يتزوج بامرأة أو أرادت أن تنكحه نفسها، فهل
يصح أن تقول له (أبحتك أو وهبتك نفسي)؟ كلا إذ لا يصح أن تتوصل بلفظ
الإباحة إلى النكاح، فهذا هو الممنوع شرعاً، لا نفس النكاح بذاته، ولا لفظة
أبحتك بخصوصها، إذا لم يقصد بها إنشاء النكاح.
مثال آخر أوضح: لو قال في مقام الطلاق (أنت خلية) فإنه بحسب المشهور لا يقع
الطلاق بذلك، حتى لو قصد الإنشاء بأن قصد بـ: (أنت خلية) الطلاق، فقوله هذا
في حد ذاته ليس حراماً، ولا الطلاق بما هو، أي إن المسبب أيضاً ليس حراماً،
بل هو مكروه، بل انه إن كان مضطراً إليه، لمزاحم أقوى، فراجح عندئذ، إنما
التسبيب بهذا إلى هذا هو مورد الإشكال، فبقولك أنت خلية تريد أن تطلقها هذا
منهي عنه شرعاً([9])، فالتسبيب هو مورد الإشكال، فهذه صورة من الصور، ولا
يخفى أن مبحثنا أعم من مبحث المعاملات، وإنما جئنا بالأمثلة الفقهية من
كتاب المعاملات بالمعنى الأعم، لأن الأصوليين بحثوا ذلك في باب المعاملات،
فذكرناها كي تصلح مرجعاً، لأن يرجع إليه الباحث، وإلا فإن البحث هو أعم.
مثال آخر: (قتل المؤمن)، فإنه مبغوض وحرام شرعاً بغير وجه حق، فالقتل محرم،
ويستثنى من ذلك عدة صور منها القصاص، لكن إذا كان القصاص يجر الى مشكلة
أكبر وفتنة أعظم، كما لو سبب إقامة حدّ القصاص على القاتل العمدي حدوث فتنة
واقتتال بين العشيرتين، تهدر فيه الدماء أكثر فأكثر، فإن التسبيب بهذا الى
هذا لعاملٍ خارجي، مبغوض ومردوع عنه شرعاً.
مثال آخر: (الحيازة بآلة الغصب)، فقد ذكره بعض مثالاً للتسبيب، على نقاش
مذكور في الأصول فراجع.
أن يتعلق النهي بأثر المسبب
الصورة الرابعة: أن لا تكون هناك مشكلة، لا في السبب ولا في المسبب
ولا في التسبيب، وإنما المشكلة في نتيجة المسبب، وذلك مثل المحجور عليه
لِفَلَسٍ، فإن المفلس تحجر على أمواله، ويُمنع من التصرفات المالية كالوقف
والهبة وغيرهما، مع أن الهبة والوقف من المحجور عليه لا مشكلة فيهما من حيث
ذات السبب، ولا من حيث ذات المسبّب، فإن الوقف والهبة بما هما هما أمران
مطلوبان، كما أن التسبيب بهذا إلى ذاك لا مشكلة فيه، إلا أن المشكلة هنا في
النتيجة التي تنجم من تصرف المحجور عليه وهي: إن بالوقف أو الهبة مما تؤول
إلى نقص أمواله، مما يضر بحق الدُّيان، الذي مقدم على أمثال هذه التقلبات
والتصرفات في المال.
ان يتعلق النهي بتصدّي القائم بالعمل
وهكذا نجد أن النتيجة الناجمة عن تصرفات المحجور عليه، هي التي
أوجبت النهي والردع عن تصرفاته. هذه هي الصورة الأربعة المعهودة.
ونضيف للصور الأربعة صورة هامة، ترتبط ببحثنا التفسيري وبالآيتين الكريمتين،
وهي إن تكون المشكلة من جهة أخرى غير هذه الجهات الأربعة، وهي جهة (المتصدي)،
وذلك مثل الأجنبي غير المتولي للوقف، فإنه إذا لم يكن متولياً، لا يجوز له
التصرف في الوقف، وإن كان تصرفه يعود – فرضاً - بالمصلحة الى الوقف أكثر من
تصرفات المتولي، فإن المنع هنا من قبل الشارع ليس لأجل خلل في السبب، ولا
في المسبب، ولا في التسبيب، وإنما هو في الاستناد الى الفاعل وفي المتصدي
للعمل.
القضاة أربعة ثلاثة في النار
وفي مثال آخر في باب القضاء ففي الرواية المعروفة عن الإمام الصادق
(عليه السلام):
"الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةٌ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ
رَجُلٌ قَضَى بِجَوْرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى
بِجَوْرٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ
وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ وَهُوَ
يَعْلَمُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ (عليه السلام) الْحُكْمُ حُكْمَانِ
حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ أَخْطَأَ حُكْمَ اللَّهِ
حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ"([10]).
وقوله (عليه السلام): (ورجل قضى بحق وهو لا يعلم إنه حق)، هذا أيضاً في
النار لأنه لم يكن من شأنه القضاء، فما دام غير عالم بالحق، فلا حق له في
أن يحكم فهو كمطلق غير الجامع لشرائط القضاء، فإنه لا يحق له التصدي لمنصب
القضاء، فإن هذا الانتساب هو الممنوع، مع أنه قد حكم بالحق، وأرجع الحق من
حيث لا يعلم الى صاحبه - لكن هذا مردوع عنه،
وقوله (عليه السلام) (ورجل قضى بحق، وهو يعلم أنه حق فهو في الجنة)، فإنه
قد تطابق فيه عالماً الثبوت والاثبات.
إذن الانتساب عامل أساسي في حسن شيء أو قبحه، والأمر كذلك في مختلف شؤون
الولايات والولاة، وفوق الولاة جميعاً هو الله تعالى والرسل والأوصياء (عليهم
السلام)، فإن المتولي الحقيقي لكافة أنحاء الكون ولكل المخلوقات، هو الله
سبحانه وتعالى – كما هو بديهي -، ثم من بعده وبجعل إلهي الولي والمتولي هو
الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، بدءً من علي
أمير المؤمنين (عليه السلام)، وصولاً إلى المهدي المنتظر (عجل الله تعالى
فرجه الشريف)، واذا كان المتولي المجازي لا يحق لغيره التصرف في ما هو في
دائرة ولايته وما كان من شؤونه – فكيف يصح التصرف في دائرة ولاية المتولي
الحقيقي الذي الله سبحانه وتعالى، ومن بعده الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)؟
ودائرة ولايته هو الكون كله: ما خلق وما سيخلق وما هو خالق.
المؤلم حقاً أننا نرى لأنفسنا في مقابل الله تعالى
شأناً!
والمؤلم والمحزن حقاً أن الكثير منا، وفي كمون نفسه لا يذعن بهذه
الحقيقة المطلقة، فيرى لنفسه شأناً، حتى وهو في مقابل الله سبحانه وتعالى،
وعلى الأقل نجد ذلك في سيرتنا العملية، فترانا نرى أنفسنا مالكين حقاً لهذا
الكتاب أو هذه الدار، ونرانا مالكين لأوقاتنا وأعمارنا، فهل نحن حقاً
مالكون لأوقاتنا وأعمارنا؟ كلا إننا غير مالكين لها أبداً، وإنما نحن عبيد
مستأجرون لا غير، بل إننا – لدى التدبر- أدنى سلطة وشأناً من العبد
المستأجر إذ إن للعبد هوية في حد ذاته، وهو يملك تكويناً ذاتَه في مقابل
مولاه المجازي، أما نحن فـ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)([11]).
إننا نعتبر لأنفسنا مالكية على أوقاتنا، مع أن أوقاتنا كلها لله فـ: (إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ولبّ اللباب هو: إن كل ما تحت
تصرفنا من أوقات ومن بدن وأعضاء وتحركات وسكنات، فإنما هي في الحقيقة ملك
لله تعالى.
ومن الصحيح إنه جل اسمه قد أباح لنا التصرف فيها، إلا في موارد المحرمات،
فالشرع وسع علينا ولم يضيق علينا كثيراً في العقوبة والمثوبة، ولكن ومع ذلك
يجب أن نسأل أنفسنا: (فأين مرتبة العبودية الحقة)؟ وهل العبد حقاً هو من
يضيع عمره في غير العبودية والطاعة، وإن لم يكن ما يفعله حراماً؟ إن مرتبة
العبودية هي أن ترى كل ما لديك، فإنه إنما هو ملك لله تعالى، ولذا: نشهد
للنبي العبودية إذ نقول: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، فإن امتياز النبي
(صلى الله عليه وآله) الأعظم، هو أنه عبد حقيقي ونحن لسنا بعبيد حقيقة، إذ
نرى لأنفسنا نوع سلطة وموضوعية، بخلاف النبي (صلى الله عليه وآله) الذي لا
يرى نفسه شيئاً في قبال الله تعالى، وليس المراد المعنى الفلسفي الذي يقصده
بعض، بل المراد لا يرى لنفسه شيئيةَ مكانةٍ ومنزلةٍ في مقابل الله سبحانه
وتعالى.
وإننا وإن لم نصرح بإننا نرى لأنفسنا نوع سلطة وقدراً من الموضوعية، بل قد
لا يلتفت بعضنا إلى هذا المفهوم، لكن واقع انفسنا ومرتكزنا وكموننا يكشف عن
أننا نهتم بـ(الأنا)، ونرى (أنفسنا) المحور، ولو إلى حدّ ما.
إن الإنسان المؤمن عندما يمشي في الشارع مثلاً ينبغي أن يكون كله لله: بأن
يكون لسانه لاهجاً بذكر الله، بل وفكره أيضاً منصرفاً لله سبحانه وتعالى،
فهو يرى آيات الله تعالى، حيثما نظر وسار وفي أي شيء فكر وتدبر (سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ الْحَقُّ)([12]). إن المؤمن حقاً هو الذي مسيره ومصيره، مخرجه
ومدخله ومنصرفه كلها تكون إلهية ربانية سماوية.
إذا آمنّا حقا أن الله هو العلي لتغيرت حياتنا تماماً
إن الإنسان إذا آمن بهذه الحقيقة، كل الايمان (إنما وليكم الله)،
وصدّق أن الله تعالى هو وليه ومالكه الحقيقي، وانعكس ذلك حقاً على كافة
أعماله وسلوكه وجوارحه وجوانحه، فإنه ستتغير حياته تماماً وستقل معاصيه، بل
ستنعدم، بل سيتجنب حتى الأفعال المنافية للمروة.
ولنا كل العبرة في ما نمارسه بالفعل، في شأن الملكيات والولايات الاكتسابية،
فإننا إذا ذهبنا الى مدرسة موقوفة أو إلى مسجد أو حتى بستان موقوفاً وقفاً
شرعياً، فإننا –كمتدينين- لا نتصرف فيها كما نشاء، بل في ضمن الحدود
المسموحة فقط نراعي حقها وشؤونها وحدودها، وهل يصح لأحد أن يقول: ما دام
تصرفنا في المسجد غير ضرري، فلنفعل ما يحلو لنا، وإن لم يأذن المتولي؟ أو
نقول: ما دمنا عقلاء فلتتول ولاية المدرسة أو البستان رغماً عن المتولي
الشرعي؟ كلا، لأن ذلك حق المتولي الحقيقي لها، دوننا، وإذا كان الأمر كذلك،
في حق هذه الملكيات والولايات المجازية، فلم نتجاوز كل ذلك أو بعضه في شأن
المالك الحقيقي والولي الحقيقي؟ فإذا أراد أحدنا أن يكذب كذبة لا سمح الله،
فليتذكر هذه الآية (إنما وليكم الله)، ويتذكر أن الولي جل اسمه لا يسمح لي
بارتكاب هذه الكذبة أبداً، وإذا أراد أحدنا أن يغتاب غيبة، فليتذكر ان له
سيداً يرعاه: الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وينظر إليه ويشاهده،
وهو تصدر هذه الكذبة منه أو النميمة أو الاستهزاء بالمؤمن أو السخرية أو
السباب أو الفسوق أو الجدال بالباطل أو غير ذلك.
إن الشخص إذا واجه المعاصي بهذه الروحية وبهذه المعرفة وبهذه النظرة، فإن
حياته ستختلف تماماً، وسيتحول بالتدريج إلى مصاف الأولياء أو الأولياء
العظام، بل سيحس الإنسان بنور يملأ جوانحه، بل وجوارحه أيضاً، والأمر على
حسب الدرجات والمراتب والهمم والعزائم، ومن لم يكن كذلك، فمن الآن عليه أن
يوقظ في ذاته هذا الإحساس، وأن يستشعر دوماً بأن هناك ولياً يرعاه، وأنه
عبد لله، وعندئذٍ سوف يستشعر ويلمس في نفسه تغييراً كبيراً في طريقة تفكيره،
وفي نظرته للعالم وللناس، ومن ذلك أن نظرته لمن يؤذيه سوف تتغير أيضاً، فلا
يعود يهمه أبداً أن يؤذيه زيد أو عمرو أو أن يغتابه أو يسبّه، مادامت
القضية شخصية، بالعكس مما إذا كانت القضية دينية، كما لو كانت انتهاكاً
لحرمات الشريعة، فإنه حينئذٍ سوف ينفجر غضباً حينها، لا فيما إاذا تعرض له
كشخص.
مقارنة بين تعرضنا للإهانة وبين ما لو شاهدنا هتكاً
للحرمات
ومع الأسف إن الواقع غير ذلك، فإن الإنسان، إذا تعرض لإهانة شخصية،
تراه قد لا ينام من الألم والأسى والحزن والغضب، لكننا لا نرى هذه الحالة
من التألم والحزن والأسى، إذا رأى هتكاً للحرمات الإلهية أو هضماً لبعض
شامخ مقام الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، وانتشاراً للمنكرات في
الجامعات والأسواق أو في الدولة، وما ذلك كله إلا لأنه يرى لنفسه شيئية،
وأن الأنا أصبحت أو كانت هي الأصل عنده.
والحاصل: إن المؤمن إذا جعل الآية المباركة: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([13]))، نصب عينه، وأدخلها في
وجدانه وعقله، وترجمها في سلوكه وعلى مستوى أعماله وحركاته، لتغيرت مسيرة
حياته، وتغيرت المعادلات عنده كلها، وتحولت من المعادلات الشخصية الى
المعادلات الربانية الإلهية.
قصة وعبرة
وفي القصة التالية العبرة الكبرى في هذا الحقل، ومنها ننطلق الى
البحث عن رسالتنا ووظيفتنا تجاه سيد الكائنات صلوات الله وسلامه عليه:
المنتظِر النموذجي الذي سقط في الامتحان الصعب
كان هناك أحد الأشخاص الصالحين ههنا في النجف الأشرف، بل إن الذي
يبدو أنه كان في قمة في الصلاح. (وهنا لا بد من الإشارة إلى هذه الحقيقة
الهامة وهي: أن تجد شاباً صالحاً قمةً في الصلاح فهذا مغنم، فإنه يقل بل
يندر أن تجد من هو قمة في الصلاح، والذي يبدو من سياق القضية والحادثة أنه
كان ممن لا تصدر منه معصية أبداً، في تلك الفترة على الأقل، فلا غيبة ولا
تهمة ولا نميمة ولا سماع لما يحرم ولا غير ذلك من المعاصي.
والصالحون – عادة - يأنسون بالصالحين، فإن الصالح لا يخالط الطالح، إلا إذا
قصد هدايته أو اضطر لذلك لوجهٍ ما، وكذلك الأمر في الطالح، فغنه يميل إلى
الطالح، فإن الطيور على أشكالها تقع)، هذا الرجل كان من المنتظرين حقيقة
لظهور ولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
(وههنا إشارة أخرى هامة، وهي إننا من المنتظرين لكن مجازاً فقط! وبحثنا
اليوم بمناسبة 15 شعبان القادم يوم مولد الإمام المهدي (عجل الله تعالى
فرجه الشريف)، فهو إعداد نفسي وفكري لتلك المناسبة العظيمة، ولكي يكون هناك
مجال أوسع للتخطيط لإحياء هذه المناسبة الخالدة، المهم إننا منتظرون للفرج،
لكن الغالب أن الانتظار سطحي بل مجازي ومن المؤشرات على ذلك:
أن تقوموا بمراقبة أنفسكم، فكم مرة في اليوم الواحد يعتصركم الألم لغياب
الإمام؟ كم مرة؟ عشر مرات؟ أو عشرين مرة؟ أو ألف مرة؟ أو على مدار الساعة؟
وحيث تعرف الأشياء بأشباهها وأضدادها، فقارنوا أنفسكم وانتظاركم هذا بشخص
اختطف الإرهابيون، لا سمح الله، ابنه أو زوجته، فكيف ستكون حالته؟ إنه
حينئذٍ لا يعرف ليلاً من نهار، ويكون كل باله مشغولاً بسبل الإنقاذ، بل
تجده يتشبث بكل حشيش يحتمل أن فيه بصيص أمل، لكن لنعد إلى أنفسنا ونسأل
أنفسنا ما هي حالتنا تجاه غيبة إمام زماننا؟ صحيح أنه أحياناً يخطر على
بالنا ذلك ونحزن قليلاً أو كثيراً، لكننا سريعاً ننسى ثم ننشغل بهذا العمل
أو ذاك العمل فهل نحن حقا من المنتظرين؟)
على أي حال: الرجل كان منتظراً حقيقياً، مشغولاً ليل نهار بتزكية نفسه،
منزهاً إياها عن المعاصي، مشتغلاً بذكر الله تعالى، وكان قد مضت عليه فترة
على هذه الحال، وكان بدوره يعرف ثلة من الصالحين من أمثاله من المنتظرين
للفرج في بعض مراتب الانتظار العالية، وكان يستغرب – مثلهم - أنه كيف لا
يوجد في العالم كله 313 نفراً، ليتم بهم عدد أصحاب الإمام (عجل الله تعالى
فرجه الشريف)؟ مع أنه عدد قليل؟ فكيف لا يوجد في الستة مليارات بشر 313
شخصاً يتنزهون عن المعاصي حقاً، ويحلّقون في سماء المعرفة والولاء والطهر
والنقاء؟، ومضت فترة وفترة وفترة وهو مشغول بالتزكية، والانتظار لديه يشتد
ومعه الحيرة والاستغراب، ولعلكم جميعاً تعرفون حالة الإنسان المنتظر لغائبٍ
عزيز عليه جداً غاب عنه سنين طويلة، وكم هي صعبة ومقلقة وسالبة للراحة؟
لكن الرجل لشدة تأجج شوقه إلى إمام الكائنات عليه الصلاة وأزكى السلام،
ولشدة عمق انتظاره قليلاً فقليلاً، بدأ يخطر بباله ما لعله يعد نوع عتاب،
وأنه لماذا الإمام لا يظهر؟ لماذا؟ مع أن الصالحين لا بد أن يكونوا كثرة،
وألا يوجد ألف منهم؟ قليلاً قليلاً بدأ الشيطان يدخل إليه من هذا الباب:
باب العتاب! فقد بدأ يعتب على الإمام أنه لماذا لا يظهر سيد الكائنات، ونحن
موجودون جنوداً تحت الطلب.
وكان هذا الرجل ممن يطيل السجود، والسجود والقنوت حالتان من أحب الحالات
إلى الله تعالى، كما تومي إلى ذلك الآية الشريفة، في مدلولها الالتزامي (ثُمَّ
لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ)([14])، حيث إن الشيطان لا يستطيع أن
يأتي من جهة الأعلى - كما في حالة القنوت – ولا من جهة الأسفل – كما في
حالة السجود -، وذات مرة وهو في سجود طويل، ولعله خطر بباله حينها هذا
العتاب أيضاً: لماذا لا يظهر الإمام وكلنا جنود مجندة له؟ في تلك الحالة
حدث أمر غريب، لكن هل كان مكاشفة؟ أم إنه غلب عليه النوم ورأى في المنام؟
أو أنه - في احتمال ثالث - نقل تكويناً في تصرف إعجازي إلى مدينة بهيجة
تشبه مدن الجنة؟ لا نعلم، المهم إنه في تلك الحالة رأى نفسه فجأة في منطقة
لعلها الجزيرة الخضراء أو غيرها: جزيرة مليئة بالأشجار النضرة والأنهار
الجارية.. بدأ يتجول هنالك، وهو مندهش لما يرى من المناظر الخلابة، والأهم
لما كان يراه من وجوه صالحة منيرة ملائكية، التقى بواحد من أولئك الصالحين
وسأله أين نحن؟ أجاب نحن في المنطقة التي يتواجد فيها الإمام (عجل الله
تعالى فرجه الشريف)، وهنيئاً لك حيث رزقت التشرف بهذا المكان، فرح الرجل
فرحاً شديداً لا يوصف، (وهنا تصوروا أنفسكم وأنتم في مثل هذه المدينة
الملائكية! ونأمل وندعوا الله جل شأنه أن يجعلنا ببركة أمير المؤمنين (عليه
السلام) من خيرة أصحاب الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف))،
ثم جاء شخص عليه مهابة دعاه إلى منزله، وعندما حلّ ضيفاً عنده قاله له:
انتظر ههنا ريثما يأذن لك الإمام بالتشرف باللقاء (وهنا ومرة أخرى: تصوروا
السرور الذي يجتاح نفس الإنسان المؤمن إذا عرف بان بضع دقائق فقط تفصله عن
التشرف بلقاء سيد الكائنات (عجل الله تعالى فرجه الشريف)!)، ثم قال له
الرجل ذو الشيبة والهيبة أن شروط اللقاء متوفرة بك إلا شرطاً واحداً، وهو
أنك أعزب والعزوبة أمر مكروه في الشريعة، فينبغي ان تتزوج وتكمل نصف دينك
بذلك، ثم يأذن لك باللقاء، قال: لا مانع من ذلك، ولكن كيف لي أن أحقق هذا
الشرط؟ قال له: الأمر سهل، فإن لي بنتاً صالحة سأزوجها إياك، وبعد ذلك يأذن
لك باللقاء.
وافق الرجل، فزوجه ابنته على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الأئمة الطاهرين (عليهم
السلام)، ثم تركهما وأغلق الباب، ولقد كانت الفتاة جميلة كالوردة اليانعة.
ثم بعد دقيقات طرق الأب الباب واستأذن وفتح الباب، وقال له الإمام (عجل
الله تعالى فرجه الشريف) قد أذن لك الآن بالتشرف؟ فقال الرجل: دع الإمام
ينتظر قليلاً!! (وهنا نلاحظ أن الكثير منا يسقط في امتحان سهل، ككذبة أو
غيبة أو معصية عابرة أو نظرة إلى الأجنبية، بل قد يسقط في امتحان الشهوات
المحللة، مما هو ليس من شأن المؤمن الذي يريد أن يحلق ليكون من أنصار
الإمام، فإن أنصار الإمام وأصحابه مستواهم أعلى من هذا وأعلى وأعلى وأسمى)،
خرج ذو الشيبة وأغلق الباب، وبعد دقائق طرق الباب، قال له إن الإمام قد أذن
باللقاء، فقال دعه ينتظر قليلاً!! وإذا به يرى نفسه في حالة السجود في نفس
المكان السابق!!
لماذا لا يظهر الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه
الشريف)؟
بهذا أرادوا أن يفهموه أن أولئك الذين يصلحون أن يكون جنوداً للإمام
هم من نمط سام جداً، ولا بد من أن يكونوا في مستوى راقٍ جداً، وأنه لا يوجد
منهم حتى 313 شخصاً!.
إن الإنسان عند الامتحان الحقيقي يجد أنّ المال أو الجمال هو الآخذ بمجامع
قلبه، أو إن حب الرياسة أو الشهرة هو الأساس لديه.
وبذلك نعرف الإجابة عن السؤال التالي: لماذا الإمام (عجل الله تعالى فرجه
الشريف) لا يظهر؟ لأنه لا قابلية لنا: فإن القلوب غير خالصة، بل يشوبها حب
المال أو الجمال أو غير ذلك: تصوروا مثلاً رجلاً يرى أنه سوف يتعرض للتشويه
بإلقاء ماء الأسيد على وجهه، لو سار في طريق الخير أو في طريق لقاء الإمام
(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فهل هو مستعد أن يجاهد حتى إلى هذه الدرجة،
ويبقى مشوهاً أبد الدهر؟ بل إن حب العلم قد يكون هو الحاجز، تصوروا مثلاً
شخصاً قد يفقد في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معلوماته كلها
مثلاً لسبب أو آخر، كأن يتعرض لضربة على رأسه تفقده علومه كلها! فكم يوجد
فينا من هو مستعد للتضحية بعلمه أو جماله أو رئاسته أو ماله أو أراضيه
ومنزله وحتى أولاده وأسرته لأجل الإمام؟
لقد أروا ذلك الرجل الصالح عمق نفسه، وأفهموه – وإيانا – أن المطلوب لكي
يرتقي الإنسان إلى درجة أن يكون من المخلصين الـ313، هو أن يكون عبداً
حقيقياً، ولا يكون لشهواته حتى المحللة منها موقع ولو بسيط في نفسه، مقابل
وظيفته الشرعية، فكيف به في مقابل سادات الكون؟ وقد قال الإمام الكاظم (عليه
السلام) "لو كان عبداً لأطاع مولاه".
إن المشكلة هي ههنا بالضبط: إننا نحن لسنا لله حقاً بعبيد، بل نرى أنفسنا
سادة! وقد رفعنا في مقابل الله والعياذ الله الراية! وإن كنا لا نقول ذلك،
بل نرفض ذلك وننكره، لكن الواقع هو أن هذا الذي يكذب أو يغتاب أو يتهم أو
ينمّ أو ينظر نظرة محرمة أو حتى يجلس في مجالس البطالين، فإنه بذلك قد رفع
راية في مقابل راية الله والعياذ بالله، وإن كان الله لعظيم عفوه وكرمه،
أباح لنا ما عدا المحرمات، إلا أن مقتضى العبودية المطلقة أن يستثمر العبد
كل ثانية في خدمة سيده، والذي يجلس في مجالس البطالين، وإن لم يخامرها ذنب
فرضاً، فإنه لا يعتبر عبداً، بل لا يعتبر أجيراً حقاً! فإن الأجير أو
الموظف في مصرف أو في شركة أو غيرها، عليه، بينه وبين الله وكمسؤولية شرعية،
أن يقضي أوقاته - 8 ساعات مثلاً - في عمله إلا بمقدار الحاجات الطبيعية
المعهودة، إن هذا الموظف لو ضيّع حتى ثانية من أوقات المراجعين ومن أوقات
العمل خارج دائرة الحاجات الطبيعية، فإنه يكون آثماً وقد فعل محرماً.
وعوداً إلى صدر البحث أن كونهم (عليهم السلام) أوليائنا بقول مطلق يستدعي
منا أن نكون لهم (عليهم السلام) عبيداً بقول مطلق أيضاً، وعلينا أن نكرس
ذلك في جوانحنا، وفي أعمق أعماق أنفسنا وفي مختلف مناحي حياتنا.
من مسؤولياتنا ووظائفنا تجاه الإمام المهدي المنتظر
(عجل الله تعالى فرجه الشريف)
ومن ذلك كله ننطلق إلى ما مهّدنا له الحديث، وهو ما هي رسالتنا
ووظيفتنا، وما هي مسؤوليتنا تجاه سيد الكائنات الإمام الحجة (عجل الله
تعالى فرجه الشريف)، وهو الولي الحقيقي لنا، وهو وسيط النعم، وهو واسطة
الفيض، إذ (وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرَى وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الْأَرْضُ
وَالسَّمَاءُ)([15])، إن الوظائف كثيرة نشير إلى بعضها في هذه العجالة،
ونكمل إن شاء الله في البحث القادم:
1- إحياء أدعيته وأحرازه وتسبيحاته وقنوتاته
من الوظائف الكبرى التي تقع على أعتاقنا جميعاً: إحياء أمره صلواته
وسلامه في بُعد الأدعية الواردة منه صلوات الله عليه.
والأدعية الواردة من الإمام لهي أدعية متعددة ذات تشكيلة منوعة:
منها: الأحراز، ومنها هذا الذي أوردناه بداية البحث.
ومنها: التسبيحات، إذ للإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) تسبيح خاص.
ومنها: قنوت الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ومنها: استخارة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ومنها: حجاب الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومنها غير ذلك.
وعبر ذلك كله، فإن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعرفنا طريقة
التواصل مع رب العالمين وكيف ندعوه وبمّ؟ كما يعلمنا طريقة السيطرة،
والتغلب على قوة الشياطين التي تجري من الإنسان مجرى الدم، وسنقتصر في هذا
اليوم على بعض أحرازه صلوات الله عليه:
الحرز الذي بدأنا به البحث هو: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا
مَالِكَ الرِّقَابِ وَيَا هَازِمَ الْأَحْزَابِ يَا مُفَتِّحَ الْأَبْوَابِ
يَا مُسَبِّبَ الْأَسْبَابِ سَبِّبْ لَنَا سَبَباً لَا نَسْتَطِيعُ لَهُ
طَلَباً بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِين).
الحرز الثاني للإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) هو: "بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ
فَأَغِثْنِي، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ
لِي شَأْنِي كُلَّه"([16])، وهو من أحراز فاطمة الزهراء عليها السلام أيضاً.
إنه حرز يهز القلب هزاً بما يتضمن من كلمات راقية ومن مضامين عالية.
إن علينا أن نحيي أمره عليه السلام، ومن طرق إحياء أمره إحياء أدعيته، وفي
الأسابيع القادمة، إذا وفقنا الله تعالى سوف نتكلم بعض الكلام عن حجابه
واستخارته عن تسبيحه، وعن غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله.
ولقد تميز المرحوم الشيخ محمود الحلبي رضوان الله عليه بإحيائه دعاء الفرج:
وهو: "اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هَذه
السّاعة وفي كلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلًا وعيناً حتّى
تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلا"([17])، ويمكن أن تقرأ بعده بعض
المقاطع الموجودة في آخر دعاء الندبة:
"وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَهَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ
وَدُعَاءَهُ وَخَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَوْزاً
عِنْدَكَ وَاجْعَلْ صَلَاتَنَا [صَلَوَاتِنَا] بِهِ مَقْبُولَةً
وَذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَدُعَائَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَاجْعَلْ
أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَهُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً
وَحَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَأَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ
الْكَرِيمِ وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَانْظُرْ إِلَيْنَا نَظِرَةً
رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَا تَصْرِفْهَا
عَنَّا بِجُودِك"([18]) إلى آخر الدعاء.
إن دعاء الفرج المشهور الآن، لم يكن معروفاً – بحسب استقرائنا - قبل الشيخ
الحلبي بل كان القليل من الناس يقرأونه، لكن الشيخ الحلبي جزاه الله خير
الجزاء وله الأجر العظيم على كل بيت ومنزل ومكان يتلى فيه دعاء الفرج، فانه
يوجد الآن لعله يومياً الملايين أو عشرات الملايين أو أقل أو أكثر من الناس
ممن يتلون دعاء الفرج وثواب ذلك كله يمنح للشيخ الحلبي من غير أن ينقص من
أجورهم، وما أعظم ذلك من إنجاز وما أعظمه من أجر!
وكما أحيى الشيخ الحلبي رحمه الله هذا الدعاء، فليشمّر بعض العلماء
والفضلاء والخطباء، بل حتى بعض الأطباء أو المهندسين أو المحامين أو التجار
أو غيرهم، عن ساعد الجد لإحياء سائر الأدعية الواردة عن الإمام المهدي (عجل
الله تعالى فرجه الشريف) أو عن سائر الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
والأدعية هي القمة في العلم والمعرفة والقمة في الجمال والبلاغة، فلندقق
مثلاً في الحرزين الذين تلوناهما مرة أخرى، فإنهما ونظائرهما أحراز سهلة
خفيفة، إضافة إلى كونها نافعة مؤثرة مع كونها مليئة بالمعارف:
"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ
أَسْتَغِيثُ فَأَغِثْنِي، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ
وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّه"([19]).
والحرز الآخر:
"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا مَالِكَ الرِّقَابِ وَيَا
هَازِمَ الْأَحْزَابِ يَا مُفَتِّحَ الْأَبْوَابِ يَا مُسَبِّبَ
الْأَسْبَابِ سَبِّبْ لَنَا سَبَباً لَا نَسْتَطِيعُ لَهُ طَلَباً بِحَقِّ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِين"([20]).
فلنحي هذه الأحراز والأدعية، ولنحي الحجاب والحجابات، ولنحي التسبيح
والاستخارة المهدوية وغيرها.
هذه هي الوظيفة الأولى، إحياء أمر الإمام بإحياء أدعيته الواردة منه أو
الواردة في حقه.
2- تأسيس 14 مليون مركز مهدوي!
الوظيفة الثانية: باختصار (وسنستعرض سائر الوظائف في بحث قادم)، أن
نؤسِّس أربعة عشر مليون مؤسسة مهدوية، ونستلهم التوفيق من الله تعالى
والنصرة من سيد الكائنات صلوات الله وعليه لتحقيق ذلك.
علينا أن نسعى لذلك، فإن وصلنا إلى المقصود وحققنا الهدف المنشود، أثبنا
وإن لم نصل أثبنا أيضاً، فإن الإنسان الذي يسعى بجد لكي يحقق إنجازاً ويشيد
أركان عمل صالح، إن وصل أُثيب بلا شك، وإن لم يصل لا لتقصير منه، بل لقصور
فإنه سيثيبه الله تعالى أيضاً على النية الصادقة التي جد واجتهد لكي يصل
إليها، فلنسع لذلك حقاً، ولنجند لذلك كل الطاقات.
وفي تصوري، فإن الوصول إلى هذا الهدف سهل، وإن كان ظاهره صعباً جداً، بل قد
يعدّه بعض مستحيلاً، لكن عبر الطريقة التي سنذكرها سنجد ذلك بسيطاً جداً
جداً ولا يكلف شيئاً بالمرة، إلا التشويق المرّكز والمكثف والمتوالي
والمتواصل من هؤلاء الأعلام الأساتذة والخطباء وغيرهم من ذوي الهمة والغيرة
والحمية.
وأكرر: الوظيفة الثانية هي أن نسعى لتأسيس أربعة عشر مليون مركز مهدوي: بين
مكتبة مهدوية وحسينية مهدوية وغيرهما، ويمكن أن نسميها حسينية الإمام
المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف أو مكتبة الإمام الحجة أو مؤسسة قائم
آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
إن هذا الرقم المذكور قد يجده المرء صعب المنال جداً لمن لا يمتلكون
إمكانات الدول، لكنه وبالطريقة التي سأطرحها عليكم ستجدون أنه لا يكلفكم
حتى لعله فلساً واحداً!! إن بناء حسينية واحدة، قد تكلف مائة مليون أو
مائتي مليون دينار عراقي أو مائة ألف أو مائتي ألف دولار أو أكثر، بحسب
المناطق والبناء وغير ذلك، ولكن الطريقة الآتية لا تكلف شيئاً، فما سنذكره
هو طريقة فعالة مؤثرة وفاعلة، وتسبب إحياء أمرهم عليهم السلام بشكل
استثنائي، من غير أن تتوقف على شيء، إلا الكلام ثم الكلام ثم الكلام.
وهذه الطريقة هي تشويق كافة المؤمنين بتأسيس المراكز المهدوية في بيوتهم:
ففي كل منزل لتخصص غرفة من غرف الدار وتحدد كـ: حسينية أو مكتبة مهدوية مع
توفير صاحب الدار حتى أدنى مستلزمات الحسينية أو المكتبة([21]).
إن عدد الشيعة في العالم عبر القدر المتيقن من الإحصائيات المتوفرة مع أن
في كثير منها إجحافاً كبيراً بحق الشيعة، فإن بعض المراكز تتعمد تقليص عدد
الشيعة في العالم، إلا أن القدر المتيقن المسلم هو أن عدد الشيعة هو على
أقل تقدير 300 مليون إنسان، وهذا هو الحد الأدنى الأدنى، بينما ذهب بعض
العلماء إلى أن عددهم حوالي المليار، فلنفترض الآن الحد الأدنى فنقول: إن
هؤلاء الـ300 مليون، وكمعدل فإن كل عشرة يملكون داراً أو يسكنون فيها، أي
بما حاصله 30 مليون منزل ودار، فإذا شوّق الخطباء والفضلاء والمبلغون وأئمة
المساجد وحتى المفكرون والصحفيون، إذا شوقوا عامة الشيعة بأن يخصص كل منهم
جزءً من داره كحسينية أو مكتبةً باسم الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه
الشريف)، وإذا استمر التشويق وتواصل وتواتر من الجميع، فإن استجابة الناس
للفكرة شيئاً فشيئاً، ولو على امتداد سنين، تجعل من هذه الفكرة – تأسيس 14
مليون حسينية أو مكتبة أو مركزاً باسم الإمام المهدي عليه السلام – أمراً
سهل التطبيق، شرط أن نجند طاقاتنا، وأن نشحذ هممنا، ونذهب وراء القضية
بجدية ومثابرة، ليتأسس في كل بيت مركز مهدوي وحسينية مهدوية.
وتأسيس ملايين المؤسسات المهدوية غير مكلف أبداً كما سبق، فإنه لا يكلف
المشوقين شيئاً، كما لا يكلف الناس شيئاً خاصة إذا طرحنا الفكرة على نحوين:
النحو الأول: أن يخصص من يمتلك بيتاً واسعاً غرفةً من غرف بيته كحسينية أو
مكتبة.
النحو الثاني: من كانت داره ضيقةً غير واسعة فليخصص زاوية في إحدى غرف
الدار، وليكتب عليها مثلاً (مكتبة الإمام المنتظر) (عجل الله تعالى فرجه
الشريف)، أيضره ذلك شيئاً؟ كلا أبداً! بل بالعكس، فإن لذلك أثراً وضعياً إذ
كله خير وبركة، فإنه ينعكس بالإيجاب على أسرته وأولاده، حيث تتفتح عيون
أطفاله في أجواء دينية مهدوية، إذ يرى أن هنا في زاوية من زاويا غرفته أو
على باب إحدى غرف داره مكتوباً (حسينية الإمام المنتظر)، وإذ يرى خمسة كتب
مثلاً عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أو حتى لتسهيل الأمر
نقول: كتاباً واحداً.
مثلاً كتاب (كلمة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف) للسيد العم
الشهيد، أو كتاب منتخب الأثر للشيخ الصافي دام ظله، أو (المهدي في القرآن)
للسيد العم دام ظله، أو كتاب (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عجل
الله تعالى فرجه الشريف)، أو أي كتاب آخر جيد عن الإمام المنتظر (عجل الله
تعالى فرجه الشريف)، حيث تقع عينا الطفل يومياً على هذا الكتاب أو ذاك،
فينطبع ولو حتى مجرد اسمه في أعماق نفسه.
وهكذا نرى أن تأسيس أربعة عشر مليون مركزاً مهدوياً لا يكلف شيئاً، بل لا
يتطلب إلا أن يقوم الأساتذة والخطباء الكرام في محاضراتهم بالتركيز على هذه
النقطة، ولهم ولكم بذلك خير الدنيا وخير الآخرة: أما خير الآخرة فواضح،
وأما خير الدنيا فلأن الأبن والبنت عندما تفتح عينه على حسينية في المنزل
أو على مكتبة باسم الإمام سيد الكائنات، فإن ذلك سيكون أول درس يتعلمه في
حياته، ومنذ اللحظة الأولى، وذلك بالإضافة إلى الأثر الغيبي والوضعي لذلك،
أي لأن نتذكر سيدنا ولو بهذا المقدار.
ولو أن شخصاً سمع هذه الأطروحة ثم تكاسل، لا سمح الله، أفلا يعد مقصراً؟
وهل يعد معذوراً؟ إذ ما أسهل أن يشجع كل من رآه، وأن يقوم هو بدوره بذلك في
داره بأن يضع ولو كتاباً واحداً مهدوياً في البيت، ويكتب على الحائط ولو
بخط اليد: حسينية الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) أو ما أشبه
ذلك من الأسماء.
و(لعلّ) الله تعالى يأذن بالفرج!
وصفوة القول: إننا إذا من جهة أحيينا الأدعية، وأحيينا القنوتات
والأحراز وغيرها، الصادرة من الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)،
وإذا أسسنا من جهة أخرى المراكز المهدوية الحسينية في البيوت، وشفعنا ذلك
بجد أكثر في تهذيب الأنفس، وخدمة الدين، وقضاء حوائج الناس، فلعل الله
سبحانه وتعالى يرحمنا برحمة منه خاصة، فيأذن لوليه الأعظم (عجل الله تعالى
فرجه الشريف) بالفرج بأسرع من لمح البصر، فإنه على حسب الأدلة التي بأيدينا:
"وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُصْلِحُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَة"([22]).
فإنه يحتمل أنه كان المقدر أن يأذن الله لوليه الأعظم بالفرج بعد عشرة آلاف
سنة مثلاً لا ندري، لكن الله إذا رآنا بدرجة ما قد أقبلنا نحوه أكثر، فلعل
الله يأذن بالفرج في هذه الجمعة أو هذه السنة مثلاً، وذلك ممكن بحسب
الروايات إذ ورد في رواية ثانية مضمونها: "ان الله يصلح أمر المهدي في ساعة"
والساعة هي القطعة من الزمن، وذلك لأن بيده جل اسمه الأمر (أَلا لَهُ
الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)([23]). ولكن المشكلة هي في قابلية القابل، وهذه
المساعي والجهود والالتزام بتلك الوظائف، يوفر فينا القابلية بدرجات أكبر،
ولعله بقي من الوصول للمأمول شيء قليل، فيحتاج الأمر إلى السعي والجد
والاجتهاد، ونرجو بالتشويق وتزكية الأنفس والعمل الصالح أكثر فأكثر، نرجو
أن يجدنا الله سبحانه وتعالى أهلاً لأن يرحمنا برحمته الخاصة بتعجيل فرج
وليه الأعظم الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه واجعلنا من خلص أعوانه وأنصاره والمجاهدين
والمستشهدين بين يديه آمين رب العالمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
* من سلسلة محاضرات في التفسير والتدبر
لسماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي حفظه الله تعالى، ألقيت في
مدينة النجف الأشرف.
www.m-alshirazi.com
تحرير
www.alshirazi.com
========================
([1]) المائدة: 55.
([2]) الأنبياء: 73.
([3]) مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص45.
([4]) السجدة: 24.
([5]) في العبادات.
([6]) في المعاملات في بعض صورها الأربعة الآتية.
([7]) شرائط صحة وجواز العقد عليها.
([8]) النساء: 141.
([9]) المراد من النهي في أشباه هذا الموضع الأعم من الإرشادي (الموجب
للبطلان) أو المولوي الموجب للحرمة، والمراد بـ(أعم) أي لا نقصد أحدهما.
([10]) الكافي (ط – الإسلامية) ج7 ص407.
([11]) فاطر: 15.
([12]) فصلت: 53.
([13]) المائدة: 55.
([14]) الاعراف: 17.
([15]) زاد المعاد – مفاتيح الجنان: ص423.
([16]) المصباح للكفعمي: ص302.
([17]) جامع أحاديث الشيعة: ج31 ص778.
([18]) إقبال الأعمال (ط – القديمة): ج1 ص299.
([19]) المصباح (للكفعمي) ص302.
([20]) مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص45.
([21]) كعلم أسود أو أخضر حسب المناسبات، أو كرسي أو منبر وعدة كتب مثلاً.
([22]) إعلام الورى بأعلام الهدى (ط – القديمة): ص435.
([23]) الأعراف: 54.
13/ شعبان المعظم/1437 |