![]() |
![]() |
اختلاف الشيعة في زمن الغيبة والممهّدات للظهور المبارك .. التضرع والوفاء بالعهد |
آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
تحرير: موقع الإمام الشيرازي
المقدِّمات والمتقدِّمات والممهِّدات والمسؤليات في زمن الغيبة الكبرى
الحديث يدور حول ((الميمات الأربع)) التي تسبق الظهور المبارك في زمن الغيبة الكبرى: 1) المقدِّمات. 2) المتقدِّمات. 3) الممهِّدات. 4) المسؤوليات والوظائف. هذه هي الميمات الأربع التي وردت حول مضامينها روايات كثيرة، فاللازم أن نكون مرابطين عند ثغرها دائماً.
1) المقــــــــــدِّمــات: هنالك (مقدمات) وليست صرف (متقدمات)، كما أنها لا ترقى الى مستوى (الممهدات)، بل تبقى مقدمات في المرتبة المتوسطة، وقد بينا سابقاً أن المقدمة: هي التي توصل الى الشيء، لكنها لا تصنع الشيء ولا تسهم في تكوينه.
والمستفاد من الروايات أ ــــ إن هناك أشياءاً تسهم في تعجيل الظهور المبارك والتي عبرنا عنها بـ(الممهدات) كما سيأتي في نهاية المطاف إن شاء الله تعالى. ب ــــ وإن هناك أشياءاً هي متقدمة على الظهور المبارك، لكن من دون علِّية أو اقتضاء فيها للإيصال، ولا تأثير لها في صناعة ذلك الحادث العظيم القادم، وهي ما أسميناه بـ(المتقدمات). ج ــــ وهناك أمور توصل الإنسان لإدراك عهد الظهور، وإن لم تكن من صنّاع تعجيل الظهور وأسبابه، بمعنى أن الشخص إذا أراد أن يكون من أنصار الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أو أن يحيى الى أن يظهر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أو إذا مات أن يحيى في زمن الظهور، فإن هناك طرقا ذكرتها الروايات، توصل الإنسان العامل بها الى عصر الظهور، لكنها لا تعجل بالظهور، وعلى الأقل يمكن القول: إنه لا يظهر من الروايات أنها من الممهدات.
من المقدمات: قراءة المسبِّحات والمقدمات عديدة، ومنها: إلتزام الإنسان بقراءة المسبحات[1] كل ليلة قبل المنام، فإن ذلك سيكون سبباً لكي يدرك الشخصُ الإمام المهدي المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) بنحو الاقتضاء - وهو أمر هام جداً – وإن لم يكن بنحو العلية التامة، وسيتضح ذلك عندما نقرأ الرواية الشريفة: (فقد نقل كتاب العوالم عن الكافي الشريف باسناده الى جابر قال: سمعت أبا جعفر (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإن مات كان في جوار محمد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم))[2] فهذه وسيلة وطريقة مهمة جدا،ً عرَّفنا عليها الأئمة الأطهار، فلماذا نغفل عنها وعن أمثالها؟ّ!. إن كل مؤمن لا ريب أنه يتمنى أن يتشرف برؤية وخدمة الإمام المعصوم ولو لحظة واحدة، فكيف بأن يدركه ويكون من جنوده وأعوانه؟! نعم يظهر من الرواية، إن ذلك بنحو المقتضي وليس بنحو العلة التامة، فقد يقوم بالقراءة بعض الأفراد لكن لايدركونه(صلوات الله وسلامه عليه)، إلا إن الله تعالى يعوضهم بشي آخر له أهميته القصوى بدوره، وهو ما تصرح به تتمة الرواية إذ تقول: (وإن مات كان في جوار محمد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم))[3].
تأثير الإلتزام بالمسبحات ونظائرها في البركة والتسديد وهذه المقدمة وسائر المقدمات، علينا أن نتعرف عليها بأجمعها في عهد الغيبة جيداً، وأن نلتزم بها أيضاً، ففي ذلك سعادة الدارين. إذ كم لها من الأثر في تهذيب النفس، وكم لها من الأثر في البركة والتسديد للأفكار والتصرفات والأعمال، فإننا عادة نعيش في ضمن دائرة تفكير وتخطيط الغير لنا أو إنهم يعيشون في ضمن دائرة تخطيطنا، وهذا التخطيط هو الذي يحيي الأمم وينقذها أو يدمرها سلباً أو إيجاباً، وقد قيل: إن 2% من البشر يخططون في مستويات عليا أو دنيا، بينما 98% من البشر يعيشون في دائرة تخطيط الآخرين . فالإنسان أما مخطِّط وإما مخطَّط له، أو هو مزيج: يخطط من جهة لجماعة وهناك جماعة تخطط له، فإذا أردت التسديد في تخطيطك، وفيما يخطط لك فالتزم بمثل تلك المقدمة ((قراءة المسبِّحات))، فإنه مؤثر بلا شك، لأن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى. فإذا التجأت إليه أنجدك وأعانك وسددك في أفكارك وفي خطواتك وأعمالك. إذن هناك مقدمات لإدراك الظهور المبارك بالمعنى الذي شرحناه، ولذلك حديث طويل نوكله الى وقت آخر إن شاء الله تعالى .
2) المتقدِّمات وهناك متقدمات على الظهور المبارك، وقد سبق أن التقدم يعني التعاقب وليس الترابط العلِّي والمعلولي أو الاقتضائي، فالمتقدم: مجرد حدث يسبق الظهور المبارك من غير تأثير له فيه بالمرة، إلا أنها قضايا مهمة، لأنها تتضمن طابع التحذير، ومنها ما ورد في بعض الروايات، وهي كثيرة ينبغي أن يلتفت لها منها: اختلاف الشيعة من المتقدمات على الظهور المبارك اختلاف الشيعة الى حد أن يبصق ويتفل ـ بحسب تعبير الرواية ـ بعضهم في وجه بعض. وهذه (المتقدمة) هي رذيلة في حد ذاتها وليست (مقدمة) حتى يتوهم البعض إن القيام بها مما يقرب الظهور المبارك .
مناشئ النزاع الأربعة ومناشئ الإختلاف والنزاع هي أربعة أمور: أ ــ فقد يكون الخلاف والاختلاف والتنازع وليدَ اختلاف المصالح وتضاربها وهذا النوع له طرق معينة لمعالجتة. ب ــ وقد يكون النزاع ناشئاً من اختلاف الاجتهادات، وهذا أيضاً له طرق معالجة من نوع آخر. ج ــ وقد يكون التنازع ناشئاً عن إختلاف الأذواق والسلائق والطبائع والعادات والتقاليد، وهذا أيضاً له نحو من المعالجة. د ــ وقد يكون الإختلاف ناجماً ومتولداً من الإختلاف في القيم والمبادئ كالدين والمذهب، وهذا أيضاً له طرق علاج أخرى. وهذا البحث بحد ذاته يستدعي أياماً من الحديث، لكن كلامنا الآن ليس حول الإختلاف، وماهو موقفنا الذي يجب أن يكون من... 1ــــ الإختلاف نفسه 2ــــ المتخالفين كشخصين أو جهتين 3 ــــ ماهية القضية المختلف فيها ...وغير ذلك مما يستدعي بحثا مفصلا . إنما كلامنا يدور حول أصل تقدم هذه الظاهرة (الإختلاف) أي إختلاف الشيعة بشكل شديد، على الظهور المبارك. وسوف نعلق بكلمة واحدة مهمة جداً، لله فيها رضا ولكم أجر وثواب: (يقول الإمام الصادق(عليه السلام)، كما في الكافي الشريف: كيف أنت إذا وقعت السبطة [4] بين المسجدين[5] فيأرِز[6] العلم كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة وسمّى بعضهم بعضاً كذابين، وتفل بعضهم في وجوه بعضٍ، قلت: جعلت فداك ماعند ذلك من خير، فقال: لي الخير كله عند ذلك ثلاثاً)[7] وهنا نقول: إن الكلام حول (فقه الإختلاف) و(أخلاقيات الإختلاف) يستدعي مباحث مستوعبة، والأول يرجع الى المسائل الشرعية الفقهية، أما الثاني فهو من خانة المسائل الأخلاقية.
لا تزعزعنّ الاختلافاتُ ايمانكم مهما اشتدت! كلامنا هنا يدور حول بعده الكلامي أي يتعلق بآخرتنا، ولابد أن نسأل أنفسنا: هل إختلاف الشيعة كظاهرة حصلت بالفعل الآن؟ قد يقال إنه توجد الآن درجة من درجات الإختلاف حاصلة بالفعل، ومن مظاهره ما يحصل في الفضائيات والجرائد وفي بعض المجالس وبعض البرلمانات، بل ينقل عن رمي بعضهم للآخرين بالكراسي أو كاسات الماء أو بصاق بعضهم على البعض الآخر، الى غير ذلك. فالإختلاف حاصل، والمؤلم أنه بدرجة يزعزع إيمان الكثيرين، ولكن مثل هذه الرواية تعدّ من المحذِّرات ببيانها بعض المتقدمات؛ فإن من أكبر الأخطاء أن يرتهن إيماننا بالأشخاص؛ لأن الأشخاص قد يختلفون والجهات الدينية قد تختلف، فقد يختلف حزبان دينيان أو حسينيتان أو حتى مرجعيتان أو غير ذلك، لكن ذلك يجب أن لا ينجرَّ على إيمان الشخص وعلاقته بربه وإمامه (صلوات الله وسلامه عليه) أبداً، إنَّ الإختلاف أمر واقع، ولكن: (إعرف الحق تعرف أهله)، فإذا انطلق الإنسان بإيمانه بالله وبرسوله وبالأئمة الأطهار(عليهم السلام) من الأدلة والبداهة والفطرة والوجدان لا التقليد الأعمى لزيد أو عمرو، مهما كان زيد أو غيره، لأنه بالتالي لا يمثل الحق المطلق، فإنه سيثبت على الحق مهما اختلف الناس وتنازعوا .
الحارث الهمداني واضطرابه على اختلاف الشيعة وجواب أمير المؤمنين(عليه السلام) (كان الحارث الهمداني من خلّص شيعة أميرالمؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، وقد رأى اختلافاً كبيراً بين الشيعة في زمن خلافة الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، فتحسر على ما رأى، فدخل على أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال له: كيف أنت ياحارث؟ قال: نال الدهر منّي (أي إنني مريض) إلا إن ما يؤلمني أكثر اختلاف الشيعة ببابك، بين مفرط غال، ومقتصد وال، ومتردد مرتاب لا يدري أيحجم أم يقدم؟ فأجابه الإمام بجواب طويل.. جاء فيه (إعرف الحق تعرف أهله). وإليكم نص الرواية لروعتها وجمالها: (دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين(عليه السلام) في نفر من الشيعة، وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأوّد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه[8]، وكان مريضاً فأقبل عليه أمير المؤمنين، وكانت له منه منزلة فقال: كيف تجدك يا حارث؟ قال: نال الدهر منّي يا أمير المؤمنين، وزادني أواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببابك، قال: وفيم خصومتهم؟ قال: في شأنك، والثلاثة من قبلك، فمن مفرطٍ غال، ومقتصدٍ تال، ومن متردّدٍ مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم؟ قال(عليه السلام): فحسبك يا أخا همدان، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي. قال: فقال له الحارث: لو كشفت فداك أبي وأُمّي الريب عن قلوبنا، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا. قال(عليه السلام): قدك[9] فإنّك امرء ملبوس عليه، إنّ دين الله لا يُعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحقّ تعرف أهله، يا حارث إنّ الحقّ أحسن الحديث، والصادع به مجاهد، وبالحقّ أخبرك فأرعني سمعك، ثمّ خبّر به مَن كانت له حصافة من أصحابك. ألا إنّي عبد الله، وأخو رسول الله، وصدّيقه الأكبر: صدّقته وآدم بين الروح والجسد...)[10]. (إنتهت الرواية). أحد الحكماء المعاصرين، وهو من دين آخر، ولا يعرف التشيع ولا الأئمة (سلام الله عليهم)، عندما وصلته كلمة الأمير(صلوات الله وسلامه عليه) هذه (إعرف الحق تعرف أهله)، قال: إن هذه الكلمة بمفردها تصلح منهاجاً لسعادة البشرية! وبالفعل إذا عملت الإنسانية بهذه الكلمة الرائعة والقيمة فسوف تسعد البشرية أيما سعادة!! ومعنى الكلمة ظاهراً: إعرف الحق عبر الأدلة والبراهين والضوابط والمحددات للحق، ثم انظر الى درجة انطباقها على زيد أو عمرو أو غيرهما، فإن انطبقت على شخص فإنه محق، وإلا فلا، لكن من الغريب جداً أن نجد بعض الناس، عندما يرى اختلافاً في المدارس أو المساجد والحسينيات أو في السوق أو الجامعة أو غيرها، بين الشيعة تراه ينهار أو يرتد، وبعض آخر، قد يرى إختلافاً بين مذهبين أو بين عالمين معينين، فيعتقد أن الدين بأكمله كذب وافتراء ـ والعياذ بالله ـ
الإختلاف هو سنة الله في الحياة والحاصل إختلاف الشيعة فيما بينهم وتصاعد وتيرة الخلافات هي من المتقدمات، لكنه لا يصح أن يصاب الإنسان باليأس، إذ (أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، بل إن الإختلاف هو سنة الله في الحياة (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)[11]، وعلى مر التاريخ نجد أن كل الإمم اختلفت، (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[12]. فلاينبغي أن يرتهن الإنسان إيمانه بحصول الإختلاف وعدمه، بل ينبغي أن يزداد إيمانه ويشتد كلما حصل الإختلاف؛ لأنه يعرف الحق، وهذه الاختلافات لاتزعزعه أبداً؛ لأنه على بصيرة من أمره. إن الروايات الشريفة تؤكد أن كثيراً من الناس يرتدون وينحرفون في زمن الغيبة، وتؤكد أيضاً لزوم الثبات والاستقامة، وأان ذلك محنة وإبتلاء، فقد ورد في غيبة الشيخ عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): ((إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة، فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكم عنها أحد، يا بني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر (أي التشيع) من كان يقول به (أي كثير ممن يقول به)، إنما هي محنة من الله[13] امتحن الله تعالى بها خلقه"[14]. (إنتهت الرواية). ألم يقل تبارك وتعالى: (ألم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[15] . فكلما رأى الإنسان شخصاً أو أشخاصاً أو مجاميع انحرفت عن الحق، فإنه ينبغي أن يزداد تمسكاً بدينه واحتياطاً على مستقبله من سوء العاقبة والعياذ بالله .
3ــ الممهِّدات إن العديد من الروايات صريحة في أن هنالك مجموعة من الممهدات للظهور المبارك والمقربات له[16]، كما أن هنالك مبعدات، أي إن هنالك أفعالاً نقوم بها، تتسبب في لطف الله تعالى بنا فيقرّب الظهور، أو نقوم ـ لا سمح الله ـ بأفعال أو نجترح معاصي تبعد زمن الظهور الميمون، ومن هذه الممهدات: 1ـــ التضرع والدعاء والبكاء والإلتجاء الى الله إن الكثير منا يدعو لتعجيل فرج ولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إلا إن دعاءه دعاء لا تهتز له أعماق قلبه ومشاعره، فقد يقرأ دعاء الفرج ثم يمضي لشأنه، وينسى إمام زمانه لساعات أو أكثر.. بينما نجده إذا أصيب بعزيز من أولاده، أو كان له أم أو أب في المستشفى أو غير ذلك، فإنه سيكون قلقا على طول الخط وتراه يدعو بكل لهفة وتضرع وانقطاع وخشوع وخضوع.. فكم منا ومن هذه الملايين من المسلمين يدعو الله سبحانه وتعالى لتعجيل الظهور الميمون بلهفة ولوعة وانقطاع على امتداد ساعات النهار والليل؟ بل حتى خمس مرات يومياً بانقطاع حقيقي؟! وقد ورد صريحا عن الإمام، كما في تفسير العياشي عن الفضل بن أبي قرة: "سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: أوحى الله الى إبراهيم (عليه السلام) إنه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت: أألد وأنا عجوز؟! فأوحى الله إليه، إنها ستلد ويعذب أولادها أربعمئة سنة بردها الكلام عليّ!، قال: فلما طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا الى الله أربعين صباحا (فالبكاء بكاء بضجيج وليس بهدوء أو بوقار!)، فأوحى الله الى موسى وهارون، أن يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومئة سنة. قال: وقال: أبو عبد الله(عليه السلام): وهكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا. (ولاحظوا قوله(عليه السلام) ((عنا)) ولم يقل ((عنكم))... ولهذه الكلمة دلالة مؤلمة حقاً، فإن تخاذلنا عن الدعاء والبكاء والضجيج، سبب لاستمرار الغيبة وتأخير فرجهم(عليهم السلام)، وفي تأخير فرجهم تأخير لفرجنا أيضاً)، فأما إذا لم تكونوا، فإن الأمر ينتهي الى منتهاه".
من نتائج الرد على الله تعالى كلمة واحدة قالتها سارة فعوقبت بأربعمائة عام من العذاب، يصب على أبنائها وأحفادها صباً صبا!! إذن كيف حالنا، ونحن نرد دائماً على الله تعالى، وكم يوجد في الواقع الخارجي، من أنماط الرد على الله تعالى، أليست الضرائب والكمارك والمكوس من أنواع الرد على الله تعالى؟ كيف وقد وردت روايات شديدة اللهجة، بالنهي عنها والتحذير منها وكون فاعلها ملعوناً؟، وكذلك الربا المسيطر في كل التعاملات التجارية والاقتصادية في كل البنوك التابعة للدول الإسلامية وغير الإسلامية، ألا يعد من الرد على الله تعالى؟ وكذلك الحدود الجغرافية، وإقرار مختلف القوانين التي لم ينزل الله تعالى بها من سلطان، كمصادرة أموال الناس وسحق حقوقهم... وغير ذلك، أليس كل ذلك ردّاً على الله تعالى؟!. إن هذه المرأة قالت كلمة واحدة، وهي في حالة استغراب ودهشة، فاستوجبت غضب الله تعالى وعقوبته(جل جلاله)، فكيف بنا وحياتنا كلها رد على الله تعالى، فخذ مثلا القياس وما أكثره! وخذ مثلاً دعاوى نسبية المعرفة؟ وخذ مثلاً القول بأن القرآن نزل لزمان خاص ولمكان خاص، وخذ مثلاً ازدياد معارضة النصوص بالاجتهادات! وخذ مثلاً الركون الى الظالمين والاستنجاد بل الاعتماد على الدول الكافرة الشرقية والغربية! وبذلك كله يظهر إن القابلية فينا لظهور الإمام(صلوات الله وسلامه عليه) غير موجودة، ويظهر إننا، لسنا عبيداً حقيقين لله تعالى(عز وجل)، بل نحن – الكثرة الكاثرة منا - نتصرف وكأننا سادة ومجتهدين في كل شسء، وفي مقابل الأئمة و الرسول(صلوات الله عليهم أجمعين) وفي مقابل الله تعالى!! وذلك كله، رغم إننا جميعاً نعرف إن كل الأمور بيد الله تعالى، وليست بيد فلان الوجيه ذي النفوذ أو بيد الجهة الفلانية أو الدولة العظمى الكذائية بزعمهم، ومن يعتقد ذلك أو يعمل على طبق ذلك، فإن الله يكل أمره إليه، كما هو المشاهد الآن في بلداننا الإسلامية، إذ تبع الكثير منهم الغرب أو الشرق. إن الأمر سهل، وقد وضع الله تعالى مفاتيحه بأيدينا، وهو أن نتضرع الى الله تعالى بانقطاع ورجاء حقاً ليلاً ونهاراً، وأن نجتهد في ربط سفينتنا بسفينة أهل البيت(عليهم السلام)، وعندها ستتغير المعادلات الكونية والسياسية والاجتماعية وغيرها، بإذن الله تعالى(عز وجل)، حتى يقترب الظهور، وتسعد الأرض ومّنْ عليها، بوجود ولي الله الاعظم(صلوات الله وسلامه عليه).
2ــ الوفاء بالعهد الإلهي 2ـ فقد ورد في كتاب الاحتجاج ج 3 ص 325: إن الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وجّه رسالة الى الشيخ المفيد(رضوان الله تعالى عليه) في العام412 هـ، ومما جاء فيها: (...ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين - (وكل كلمة وصفة في هذه الرسالة تعدل الدنيا ومافيها - ((الولي ... المخلص ... المجاهد))، ولذا كان الشيخ المفيد علَماً وركناً من أهم أركان الدين) - أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج ما عليه إلى مستحقيه، كان آمنا من الفتنة المطلّة، ومحنها المظلمة المضلة ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا[17]، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها وفي قوله(عليه السلام) (ولو ان اشياعناً...) دلالة واضحة على أن اجتماع قلوب أشياعهم(عليهم السلام) على الوفاء بالعهد سبب تعجيل اليمن بلقائهم والسعادة بمشاهدتهم.. ومن الواضح، إن (أشياعنا) جمع، وإن فسح المجال لكل الأشياع – إذا التزموا بالعهد – للقائه ومشاهدته(عليه السلام)، يعني انتهاء الغيبة الكبرى وبداية الظهور المبارك؛ لأن الغيبة الكبرى لا يمكن فيها إلا اللقاء به ومشاهدته استثناءاً للاوحديّ من الناس، أما التقاء كل الأشياع به ومشاهدته، فلا يمكن – حسب التقدير الإلهي – إلا بعد الظهور المبارك. ثم أنه يصرح(عليه السلام) أيضاً (فما يحبسنا عنهم)، وهذا يعني أن الوفاء بالعهد مقرّب للظهور المبارك، وإن أعمالنا الطالحة مما يؤخر الظهور الميمون؛ وذلك إن كل أعمالنا تصل الى الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وتعرض عليه مرتين في اليوم على الأقل، فيصل إليه أن فلاناً اغتاب أو كذب أو نظر الى إمرأة أجنبية او فلاناً حسد أو حقد أو تكبر أو أعجب بعبادته وغير ذلك، وكلها مما يحبس ظهوره عنا. كما أن التحابب في الله، ومودة أهل البيت(سلام الله عليهم)، والأعمال الصالحة الخيرة، من التصدق والدعاء والورع والتقوى، لهي من الممهّدات والمقربات للظهور المبارك بإذن الله تعالى. فـ((وإن الله تبارك وتعالى يصلح أمره – أي الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) - في ليلة))[18] و ((يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى(عليه السلام)))[19] وقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)[20] وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين [1] - سور سبع تبدأ بمادة (س ب ح) ومشتقاتها، وهي: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى. [2] - الكافي جزء 2 ص620 [3] - الكافي جزء 2 ص620 [4] - وفي نسخة البطشة، وكلاهما صحيح، وكل له معنى. [5] - أي المنطقة، وقد يراد بها النجف الأشرف أو مابين مكة والمدينة. [6] - أي : ينقبض ويتضام بعضه على بعض فيختفي. [7] - الكافي ج1 ص 340 [8] - المحجن: عصا معوجة الرأس [9] – قدّك .. إسم فعل أمر بمعنى: يكفيك أو حسبك [10] - الأمالي للطوسي ص625 ص626 [11] - الأنفال 37 [12] - البقرة: 213 [13] - ليستخرج عمق جوهر الإنسان وواقعه [14] - الغيبة للطوسي ص 337 [15] - العنكبوت: 1ـ 3 [16] - عرضت على بعض الباحثين المتخصصين في هذا المجال فكرة وجود الممهِّدات للظهور المبارك فأبدى استغرابه، وقال: "إن هذا مما لا تساعد عليه الروايات"، لكن التتبع ساقنا الى أن الروايات صريحة في ذلك، كما سنذكر في المتن بعضها بإذن الله تعالى، ولعل استغرابه لأن هذا البحث (الممهدات) لم يطرح بهذه الصورة التي نعرضها، فيما نعلم. [17] - وقال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) البقرة: 40. و(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) محمد: 7. و( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) الاحزاب : 72. [18] - البحار ج51 ص156 [19] - كمال الدين ص152 [20] - الرعد:11 ** دروس في التفسير والتدبر (179): (المرابطة في زمن الغيبة)، الأربعاء 26 ربيع الآخر 1435هـ. --------------------------------------------------- مؤسسة التقى الثقافية 13/جمادى الأولى/1435 |