كاتبان .. عقدة أميركا الطائفية

  

موقع الإمام الشيرازي

 

1- من مقال للكاتب الصحفي الأميركي مايكل روبن (باحث مقيم في معهد أميركان إنتربرايز في واشنطن) نشر في صحيفة العالم العراقية:

أسفرت موجة من التفجيرات التي استهدفت العراقيين الشيعة عن سقوط قرابة 200 قتيل وأكثر من 550 جريحاً. وتأتي تلك الهجمات على خلفية الجمود السياسي والتظاهرات التي تزداد عنفاً، وهو الواقع الذي يعزوه عدد من المحللين والدبلوماسيين إلى حادثة اعتقال حراس وزير المالية رافع العيساوي بتهم تتعلق بالإرهاب. وإن من المفارقة أنه، في ظل الخلاف بين السنة والشيعة، أصبحت الولايات المتحدة دولة ذات نهج طائفي على غرار المملكة العربية السعودية وتركيا. والحقيقة إن عواقب النهج الطائفي الأميركي في الشرق الأوسط، ستكون سيئة بالنسبة للمنطقة وبالنسبة للولايات المتحدة على حد سواء.

الجنرالات والدبلوماسيون السعوديون والأتراك والأردنيون كانوا سعداء جداً بتعزيز الانحياز الاميركي بهذا الاتجاه. داخل القيادة المركزية الاميركية كان ضباط الجيش الأميركي لا يتفاعلون سوى مع الجنرالات السنة. فالأغلبية الشيعية في آذربيجان تقع خارج حدود الاهتمام الأميركي، كما أن للولايات المتحدة وجوداً عسكرياً كبيراً في البحرين، وهي التي لا تسمح للشيعة بشغل المناصب الرفيعة في قوات الجيش والشرطة. وحين يجري الجنرالات والسفراء الأميركيون لقاءات في جميع أنحاء المنطقة، يقوم محاوروهم بانتقاد الحكومة العراقية، ليس بسبب المشاكل الخطيرة التي يواجهها العراق، ولكن لأنها مكنت وللمرة الأولى الأغلبية الشيعية في العراق. حتى يومنا هذا، الدبلوماسيون والجنرالات العرب في منطقة الشرق الأوسط ينصحون بأن يقوم العراق بإلغاء الدستور وحل الحكومة المنتخبة، واستبدالها بقيادة سنية قوية لجنرال عسكري. ربما كان حكم صدام يروق للملوك في الرياض وعمان، لكن العراق لا ينبغي أبداً ان يعود إلى عصر المقابر الجماعية وتبديد الثروة .. أما السبب الآخر وراء التحيز الطائفي لدى القيادة الأميركية هو نشاطات العديد من المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأميركية. أن ربع مسلمي الولايات المتحدة هم من الشيعة المهاجرين من إيران والهند، وباكستان، أو من الإسماعيلية في آسيا الوسطى. ويطغى على صوتهم صوت المنظمات الطائفية كمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، والجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية التي تحصل على الملايين من الدولارات كتمويل من المملكة العربية السعودية وقطر، في حين أن تلك المنظمات تدعو للإسلام أقل بكثير مما تدعو لجماعة الإخوان المسلمين ونهجهم الطائفي.

في التشيع التقليدي ميول راسخة نحو الديمقراطية، حيث يقوم الأفراد باختيار مرجعهم كما تشجع السلطات الدينية على تبني الحوار وتقبل بالاختلاف في الرأي. ويتمتع المسلم العادي بحرية أكبر في سؤال المرجعية الدينية المنبثقة عن النجف وكربلاء من تلك الموجودة في الأزهر أو في الرياض. احتضان الفكر الفردي ينتشر بسهولة من المجال الديني الى الثقافة السياسية الشيعية.

المسؤول الأميركي الذي ينتقد مذكرات الاعتقال التي صدرت بحق طارق الهاشمي وحراس رافع العيساوي فيه تجاهل لحقيقة أن العديد من القضاة الذين قاموا بالتوقيع على تلك المذكرات هم من السنة كما أن فيه إغفالاً لحقيقة أن المدعين هم من السنة. وينبغي أن لا يقبل أي عراقي بأن يهدد السياسيين باللجوء الى العنف والإرهاب إذا لم تلب الحكومة مطالبهم، فهذه ليست عملية سياسية، بل إنها ابتزاز، وسوف يؤدي الى تآكل الديمقراطية والحرية. مقاطع من الخطب التي تم القاؤها في مظاهرات يوم الجمعة في الأنبار تبنت فكر تنظيم القاعدة الإرهابي ليس في العراق فحسب، بل في أوروبا والولايات المتحدة أيضاً، حيث كان واضحاً إن ما يهدف إليه الخطباء من وراء تلك الاحتجاجات في الأنبار هو ليس بناء نظام ديمقراطي في العراق، بل نظاماً راديكالياً متطرفاً وغير ديمقراطي.

نعم العراق ليس دولة ديمقراطية مثالية، وينبغي على السلطات في بغداد بذل المزيد من الجهد لتحقيق الإصلاحات ومحاربة التمييز الطائفي، والقضاء على الفساد. كما يجب أن تجري في العراق انتخابات حرة ونزيهة، وشفافة، ليس فقط في بغداد والبصرة، ولكن أيضاً في السليمانية وأربيل. إن أكثر ما يأتي بالنتائج العكسية هو قيام الحكومة العراقية المنتخبة وكل من يؤمن بالديمقراطية بتقديم تنازلات لمن يدعو الى الإرهاب ... ومن المثير للسخرية أن يكون المسؤولون الأميركيون على استعداد لقبول الدعاية التي تروجها دول المنطقة لدعم الإرهاب في ظل الهجمات الإرهابية المتكررة على بغداد، وإلقاء اللوم على الضحايا بدلا من الجناة.

 

2- من مقال للكاتب الصحفي العراقي د. عبد الخالق حسين:

في السياسة لا توجد عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة. فبعد المظالم التي لحقت بالشعب العراقي على يد نظام البعث الفاشي الجائر، وحروبه العبثية، الداخلية والخارجية، تأكد لنا، ولو بعد فوات الأوان والخراب الشامل والتشرد، أن الدول الغربية هي التي مدت يد العون للعراقيين المشردين، وآوتهم، ووفرت لهم الأمان والعيش بكرامة، وكانت أمريكا هي التي قادت التحالف الدولي لتحرير الشعب العراقي وخلاصه من ذلك النظام الفاشي.

وبغض النظر عن مقاصد أمريكا في تحرير العراق، إذ بات مؤكداً لدى الجميع أن الشعب العراقي ما كان بمستطاعه التخلص من هذا النظام بقواه الذاتية، وقد حاول مراراً انتهت محاولاته بقتل مئات الألوف ومئات المقابر الجماعية، وتشريد الملايين في الشتات، إذ كان حزب البعث أو العبث الصدامي مستعداً للقضاء على الشعب كله في سبيل البقاء في السلطة، لذلك أطلق صدام قوله المشهور: "من يحكم العراق من بعده يستلمه خرائب بلا بشر."

مازال البعض يبرر العداء لأمريكا بأن أمريكا هي التي أسست حزب البعث، وهي التي جاءت به إلى السلطة، وعملت كذا وكذا. وهذا صحيح، ولكن كان ذلك في زمن الحرب الباردة، والصراع العنيف بين المعسكرين، الشرقي، الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي، الرأسمالي الديمقراطي بقيادة أمريكا. وصار العراق ضحية في هذا الصراع. ولكن تبدلت الأحوال، وانقلب السحر على الساحر، فوجدت أمريكا أن من مصلحتها التخلص من حكم البعث بعد أن بات يشكل خطراً على مصالحها في المنطقة. لذا فمن الحكمة أن نستفيد من أمريكا في حالة توافق مصالحها مع مصالح شعبنا، وهي القضاء على نظام البعث الفاشي الجائر حتى ولو بمساعدة أمريكا التي جاءت به من قبل، وألا نبقى نعاني من الجور والجوع والضياع في الشتات إلى أجل غير معلوم، بذريعة أننا لا نريد الخلاص بدعم أمريكا. فالحكمة تفيد: إذا كان بيتي يحترق، لا تهمني هوية فريق الإطفاء، بل ومن الجنون أن أرفض هذا الفريق لأنه من أمريكا.

قالوا أن أمريكا عملتْ ذلك للهيمنة على نفط العراق، وليس لسواد عيون العراقيين!. وجوابنا هو: هل أمريكا تريد النفط بلا مقابل، أم تشتريه بسعر السوق الذي قفز عدة أضعاف بعد تحرير العراق، وليس لأمريكا أي دور في تحديده، بل يتحدد سعر برميل النفط وفق مبدأ السوق: "العرض والطلب"؟  ثم ماذا يفعل العراق بنفطه إن لم يبعه على أمريكا وغيرها؟ فخلال 13 سنة من الحصار، عم العراق الخراب الشامل، وألوف العراقيين صاروا طعاماً للأسماك لأنهم فضلوا الفرار، ومخاطر البحار على البقاء ليموتوا جوعاً وذلاً وقهراً في عراق البعث.

أمريكا ساهمت مع الحلفاء في تحرير أوربا من النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية التي كلفت الشعوب الأوربية نحو 55 مليون ضحية، وعشرات المدن سويت بالأرض. فالحرية ليست بلا ثمن. وكذلك حررت أمريكا اليابان من الفاشية العسكرتارية، وقصفت أمريكا اليابان بالقنابل النووية، ومازالت قواعدها العسكرية متواجدة فيها، ومع ذلك هناك علاقة حميمة بين اليابان وأمريكا. ومن ثمار هذه العلاقة أن صارت اليابان من أغنى الدول في جميع المجالات. وكذلك حررت أمريكا كوريا الجنوبية، ولنقارن بين كوريا الجنوبية والشمالية، فأيهما أفضل؟

لم تكتفِ أمريكا بتحرير العراق من الفاشية، بل وعملت على تخفيف ديونه البالغة نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب العبثية، والتي كبله بها نظام البعث والعبث. فشكل الرئيس جورج دبليو بوش وفداً برئاسة جيمس بيكر، وزير الخارجة الأسبق، الذي قام بجولة في عواصم البلدان الدائنة، ونجح في تخفيض الديون بنحو 90%، وهذا نصر عظيم للعراق بجهود أمريكا.

وعليه، أعتقد أن العراق بحاجة ماسة ومصيرية إلى علاقة متكافئة بعيدة المدى في إطار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين البلدين عام 2011، وتفعيلها والاستفادة منها إلى أقصى حد على أسس المصالح المشتركة بين دولتين ذات سيادة كاملة. فالعراق غارق بمشاكل متراكمة عبر قرون، وبالأخص ما ورثه من مخلفات البعث، وليس بإمكان حكومته حلها دون دعم خارجي ومهما بلغ المسؤولون من دهاء وخبرة وإخلاص.

الأسباب الملحة لعلاقة حميمة مع أمريكا

أولاً، بعد عشرات السنين من سياسة البعث (فرق تسد)، هناك أزمة ثقة وصراعات طائفية وأثنية وقبلية على السلطة والثروة. وإذا كانت هذه المكونات ساكتة نسبياً قبل 2003، فلا يعني ذلك أنها كانت راضية ومقتنعة بنصيبها وحظها العاثر، وإنما كانت مرغمة على السكوت بسبب شراسة قمع دكتاتورية المكونة الواحدة. وفي الحقيقة كانت تحصل انفجارات بين حين وآخر، والثورة الكردية كانت دائمة. أما في النظام الديمقراطي فالكل وجد الفرصة متاحة له ليتظاهر ويصرخ أين حقي، وليس بإمكان الحكومة الديمقراطية إسكات الناس من حق وفره لهم الدستور. وإننا نعتقد أن هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العراق من صراعات هي حتمية لا مناص منها، ولكن في نهاية المطاف لا بد وأن يعود السياسيون إلى وعيهم ورشدهم، وسيدركون أنه لا بد من التعايش معاً بسلام بعد أن يتمرنوا على الديمقراطية ويتعلموا قواعدها. فبعد عشرات السنين من دكتاتورية البعث، من المستحيل القفز إلى ديمقراطية ناضجة بين عشية وضحاها.

ثانياً، الملاحظ أن كل كتلة  سياسية تستقوي بحكومة أو حكومات أجنبية لتدمير الدولة والمكونات الأخرى لتحقيق مآربها. كما وبات معروفاً أن إثارة هذه المشاكل والصراعات وراءها مؤسسات وحكومات خارجية في المنطقة مثل تركيا والسعودية وقطر، تعمل على إبقاء العراق مفككاً وغارقاً في مشاكله، وعاجزاً عن تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي. فالعراق مليء بالألغام، وبإمكان هذه الدول تفعيل وتفجير هذه الألغام الطائفية والأثنية في أي وقت تشاء، كما هو حاصل الآن في المناطق الغربية.

ولا أستبعد أن تكون لأمريكا يد في هذا التأجيج الطائفي. فأمريكا دولة مؤسسات، وبعض هذه المؤسسات ليست بالضرورة تعمل بعلم وأوامر مباشرة من الإدارة، قد تعمل على خلق المشاكل للحكومة العراقية كتحذير لها أنهم بإمكانهم وضع العراقيل أمامها ما لم تكن على علاقة جيدة مع أمريكا. إذ لا يمكن لتركيا والسعودية ودويلة صغيرة مثل قطر، السائرة في ركاب أمريكا، أن يخلقوا كل هذه المشاكل للعراق بدون ضوء أخضر من أمريكا. وعلى سبيل المثال، المشاكل التي خلقتها الكويت للعراق، مثل إبقاء العراق مكبلاً بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة رغم زوال الأسباب، وكذلك بناء ميناء المبارك في خور عبدالله لخنق الموانئ العراقية، والمشاكل التي أثارتها ضد الخطوط الجوية العراقية، والتجاوزات على الأراضي العراقية... وغيرها كثير... أقول لا يمكن للكويت وغيرها من دول المنطقة خلق هذه المشاكل للعراق بدون موافقة أو حتى بإيعاز من أمريكا.

نعم، أمريكا حريصة على إنجاح الديمقراطية في العراق لأن هذا النجاح يتعلق بسمعتها، ولكن في نفس الوقت هي أكثر حرصاً على مصالحها في المنطقة من مصلحة العراق، لذلك تريد علاقة حميمة مع العراق وفق المصالح المشتركة. لذا، فبإمكان العراق التخلص من معظم هذه المشاكل بكسب أمريكا إلى جانبه، ولا أعتقد أن ذلك يخدش من سيادة العراق، بل العكس هو الصحيح، فإبقاء العراق ضمن الفصل السابع هو الذي يجعل السيادة منقوصة.

قضية تكبيل العراق بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. المعروف أن أمريكا هي التي كبلت العراق بهذا البند عقاباً لصدام حسين عندما غزى الكويت يوم 2/8/1990. وعليه فأمريكا وحدها القادرة على إخراج العراق من هذا البند.

ولكن، وكما ذكرنا مراراً، أن أمريكا ليست مؤسسة خيرية، بل هي دولة كبرى تبحث عن مصالحها. لذا فقد أبقت العراق مكبلاً بهذا البند الجائر لتستخدمه عند الحاجة حسب موقف الحكومة العراقية منها في المستقبل. يعني أشبه بلعبة الشطرنج، فإذا حاولت الحكومة العراقية أخذ أي موقف ضد أمريكا، فأمريكا تمتلك سلاح البند السابع ضده، وتقول له:(كش ملك!). وإبقاء العراق مكبلاً بهذا الفصل يخلق مشاكل اقتصادية وسياسية كثيرة له، إضافة إلى المس بسيادته الوطنية. فمثلاً، قرأت مقالاً لخبير اقتصادي جاء فيه، أن الشركات الأجنبية لا تقبل أية مقاولة في العراق ما لم يضاف إلى التكاليف بنسبة 40% ، وهذا يسمى بـ(العامل العراقي) بسبب البند السابع. يعني إذا كان مشروع ما يكلف 100 مليون دولار في الأردن مثلاً، يكلف العراق 140 مليون دولار. لذا فيمكن أن نتصور حجم الخسائر التي تلحق بالعراق بسبب تكبيله بهذا الفصل وهو مقبل على الإعمار الذي يكلف مئات المليارت.

ومن هنا لا بد من علاقة جيدة مع أمريكا للتخلص من هذا الفصل. إذ كما قال الباحث الأستاذ خدر شنكالى عن قرارات الأمم المتحدة ضد العراق بعد غزوه للكويت، في مقال له بعنوان: (العراق والفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة): "ان جميع هذه القرارات قد صدرت ضمن الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ولازالت سارية المفعول تجاه العراق وإن آثارها لا يزال يعاني منها الشعب العراقي. وإن بقاء العراق تحت طائلة هذه القرارات والعقوبات المفروضة بموجبها، والتي لا مبرر لبقائها لحد الآن، بالتأكيد سوف يعرقل نموه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتكنولوجي وحتى العسكري ولا يستطيع أن يسترد عافيته وسيادته الكاملة، وأن يكون عراقاً حراً إلا بعد التخلص من تبعات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبشكل كامل...".(2)

المفارقة أن معظم العرب والإعلام العربي يشتمون أمريكا ليل نهار، ويعيبون على العراق علاقته بأمريكا، إذ كشفت دراسة أن 80% من العرب يكرهون أمريكا ويناصبونها العداء، ولكن في نفس الوقت يتمنى 60% منهم الهجرة إليها والعيش فيها كما أظهر ذلك تقرير التنمية العربية للأمم المتحدة لعام 2002. وأنا أعتقد أن النسبة أكثر من ذلك بكثير، بل وحتى الحكام العرب أنفسهم يحلمون بالعيش في أمريكا. فلولا أمريكا لكان صدام يحكم الآن كل دول شبه الجزيرة العربية، ويمارس هوايته المفضلة في نشر المقابر الجماعية. [راجع مقالنا: لولا أمريكا،(3)]

وحتى الشيوعيون العراقيون، الأعداء التقليديون للغرب والرأسمالية "المتوحشة" كما يدعون، وفي عز الكتلة الإشتراكية،  كانوا يفضلون اللجوء إلى الدول الغربية على الدول الشيوعية.

المفارقة الثانية، أنه ليس الإعلام العربي وحده يعيب على العراق علاقته بأمريكا، بل هناك دول عربية مثل دولة قطر أو بالأحرى، دولة فضائية الجزيرة، القناة التي خصصت معظم برامجها للتأليب على أمريكا وعلى العراق الجديد. والحقيقة أن تأليب قناة الجزيرة القطرية على أمريكا هو تمثلية مفضوحة لذر الرماد في العيون، فعلى بعد أمتار من هذه الفضائية توجد لأمريكا أكبر قاعدة عسكرية. ونعرف أن حكومة قطر هي وراء إشعال الفتن الطائفية في سورية والعراق.

وللأسباب أعلاه وغيرها كثير، أعتقد جازماً، أنه لا يمكن للعراق أن يتغلب على مشاكله ويعيش بسلام واستقرار إلا بمساعدة الدولة العظمى. فالعراق بحاجة إلى أمريكا، وأمريكا بحاجة إلى العراق، وأمريكا ليست الشر المطلق كما يتصور البعض، وأنا أيضاً كنت أحمل هذا التصور الخاطئ في الماضي بتأثير الدعاية الشيوعية. ولي مبرراتي في تغيير موقفي من أمريكا ذكرتها في مقالات عديدة، فلأمريكا الفضل في تحرير العراق، وإطفاء 90% من ديونه، والمساعدة في بناء جيشه وقواته الأمنية. لقد ترك البعث العراق خرائب وأنقاض، ويحتاج إلى عشرات السنين لإعادة بنائه، وشعبه منقسم على نفسه. لذا فالأولوية الأولى للحكومة العراقية هي مصلحة العراق وإعادة إعماره أولاً وأخيراً، وليس زجه في صراعات إقليمية ومعاداة أمريكا أو أية دولة أخرى.

4/جمادى الأولى/1434

*  ليس بالضرورة أن يتبنى الموقع الآراء المنشورة على الموقع.