![]() |
![]() |
عاشوراء .. الإصلاح والانتصار |
موقع الإمام الشيرازي في محرم الحرام يعيش محبو أهل البيت(عليهم السلام) والأحرار في العالم وقائع النهضة الإنسانية الكبرى التي انطلق بها سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) من كربلاء في يوم عاشوراء، فبذل جهده في الله "ليستنقذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة"، ولخلاص الناس من عبودية الاستبداد وتحرير عقولهم من الدين الباطل الى الدين الحق، لذلك فأي عمل يحمل مضموناً حسينياً لا يمكن أن يكون فقط تمثيلاً لوقائع حادثة تاريخية قد توقف تأثيرها، حيث إن عاشوراء كانت وستبقى تتفاعل مع حركة الإنسان والتاريخ، يقول المرجع الشيرازي(دام ظله): "منذ استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) إلى يومنا هذا ألفاً وعدة مئات من المرات، وفي كل مرة ينهل فيها محبو الإمام قيماً ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء الخالدة، وهو ما أبقى على قبس هذه الملحمة العظيمة مضيئاً يخطف الأبصار عبر العصور، وجعل الأغيار يطأطئون رؤوسهم إجلالاً لعظمة صاحب الذكرى، والمؤمنين يتزودون من هذه المدرسة الغنية لدنياهم وأخراهم". إن عاشوراء نهضة استثنائية قام بها الإمام الحسين(عليه السلام) ضد طاغية متهتك وفقهاء فجار، ليوقظ بثورته الدامية ضمير أمة طالما تخاذلت أمام جبروت السلطة. يقول الإمام الشيرازي الراحل: "وجّه الإمام علي زين العابدين(عليه السلام) أنظار الناس إلى الهدف السامي الذي قام من أجله أبوه الإمام الحسين(عليه السلام) وضحّى بنفسه وأولاده وأهل بيته وأصحابه الكرام في سبيله، وهو إحياء الإسلام، والوقوف أمام المؤامرات التي أرادت القضاء على الإسلام، وأن يعيش الإنسان حراً كما خلقه الله، من دون أن يستسلم للظلم والاستبداد ولا يخنع للجور والطغيان، وأن لا تكون أزمة الأمور ومصير الشعوب بيد حاكم ظالم مستبد". ويؤكد(قده) أهمية استثمار نهضة كربلاء الإنسانية العظيمة التي تجيش بعاطفة إستثنائية في نشر قيم الإيمان والخير والفضيلة والسلام والمحبة فيقول: "الطبيعة البشرية والفطرة السليمة مجبولتان على قبول الحق وإتباع مناهجه ‹فطرة الله التي فطر الناس عليها› والمعاند قليل وشاذ عادة، لذا فالواجب علينا أن ننشر القيم السماوية بالمجالس الحسينية بكل ما نملك من وسائل وطرق". ويقول(قده): "من الضروري على الخطباء والهيئات الإدارية وأصحاب المجالس أن يهتموا بشأن مجالسهم، حتى تكون مجالس الإمام الحسين(عليه السلام) منبعاً للفكر والوعي، ولا بد أن تتضمن تحليلاً علمياً سليماً للأحداث والوقائع، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل، إذ بدون ذلك لا يمكن للمجتمع أن يقاوم الأخطار المحدقة به ولا الأعمال المشينة التي تعرض عليه". إن عاشوراء إنبثاقة حضارية لم تتوقف، تهدف الى خلاص الإنسان، لذلك فإن كل ما يذكِّر بعاشوراء فهو عمل صالح بشرط أن يكون خالصاً لوجه الله، فعن الإمام أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) في قول الله(عزوجل): "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" قال: "الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه". يقول المرجع الشيرازي: "إن لمواكب العزاء الحسينية منزلة رفيعة ومقاماً سامياً جعلت جهابذة العلماء وكبار الوجهاء يفخرون بالمشاركة فيها أيما افتخار. على سبيل المثال، سنوياً في مدينة كربلاء المقدسة، وفي يوم عاشوراء، كانت تقام مراسم عزاء تعرف بـ(عزاء طويريج)، وكان السيد بحر العلوم مواظباً على المشاركة فيها، وكان يقول بأنه قد شاهد الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) بين صفوف المعزين. وكان العمل بهذه المراسيم مستمراً في كربلاء حتى خروجنا منها أي قبل أكثر من ثلاثين سنة، حيث كان يشارك فيها الآلاف مهرولين حفاة وضاربين بأيديهم على رؤوسهم ووجوههم. ولقد رأيت مرات عديدة مراجع كبار وهم يؤدون هذه المراسيم مع الجموع المهرولة، كما كان يشارك فيها بعض الوزراء والوكلاء والأعيان. هؤلاء لم يكونوا يفعلون ذلك حتى في مجالس عزاء آبائهم، ولم يكونوا ليجزعوا هذا الجزع حتى لو فقدوا أموالهم وثرواتهم، فهنيئاً لهم ثم هنيئاً". إن حدث كربلاء نهضة لنقد الذات وتغيير حكم فاسد وإصلاح واقع مأزوم، كما أن ذكرى الطف لم تكن مناسبة للندب والتعزية فحسب، إنما عبر للاعتبار، وثورة من أجل العدل والحرية، ومشاهد موت تصنع حياة. يقول(قده): "المنبر الناجح, هو الذي يعمل على تحريك وتهييج الأحاسيس العاطفية وتفجيرها وتوجيهها نحو الخير والصلاح والإصلاح، حتى تكون واعية وموجهة لا أن يمر عليها بدون إعطاءها حقها من التوجيه الرباني والاندفاع الواعي". وفي سياق الاستثمار الأمثل للشعائر الحسينية المباركة، يؤكد(قده) أيضاً: "من المواضيع المهمة التي يجب على المسلمين الانتباه إليها، والاهتمام بها متابعة الوضع المأساوي للمسلمين في كل العالم، ودراسة مأساتهم المدمرة، والمطالبة بحقهم في كل المنظّمات والمؤسّسات الحقّوقية، وإبلاغ مظلوميتهم إلى سمع الأحرار من النّاس، وصورتهم إلى أذان كلّ من له وجدان وضمير". 27/ذو الحجة/1433 |