من الذي أساء للرسول (صلى الله عليه وآله) ؟!

محمد غازي الأخرس

  

موقع الإمام الشيرازي

شيء يبدو طريفاً نوعاً ما؛ بينما الفضائيات تنقل مشاهد الاحتجاجات والهيجان العاطفي للعرب ردّا على الفيلم المسيء للرسول الأعظم(ص)، انسحبت أنا بهدوء إلى اليوتيوب، وأنا أقول ـ لأرى بعضاً من حياة هؤلاء المعترضين وأخلاقياتهم.

ثم بدلاً من البحث عن الفيلم التافه فنياً وموضوعياً، شرعت في البحث عن مظاهر ثقافتنا العربية الراهنة، ثقافتنا الاجتماعية العنيفة والسيئة، فكان أن شاهدت أفلاماً كدت أتقيأ بعدها:

ذباحون يحزّون رقاب أعدائهم على سنة الله ورسوله...

قتلة وبلطجية يبقرون بطوناً ويسحلون أناساً في الشوارع...

وشبان يُحرقون...

قتلى يملؤون الأجواء ولون دماء تطيح بقلوب (الضعفاء)...

وكل ذلك يجري بمزاج وحشيّ يذكّر المرء بعصور البربرية.

ولكي يكون للمقالة طعم مختلف سأصف لكم بضعة مشاهد بشكلٍ عشوائي:

المشهد الأول عراقي وضحاياه أفراد سيطرة أمنية يهاجمهم رجلان بمسدسين كاتمين ويقتلونهم بسرعة البرق.

المشهد الثاني من أفغانستان حيث امرأة مطروحة أرضاً ومقيدة القدمين، يمسكها رجلان من الطرفين، بينما الثالث يسوطها بقوّة وهي تصرخ أمام أنظار الناس.

المشهد الثالث لرجل يعرف في المقطع بأنّه من شبيحة النظام في سوريا، ها هو ذا مقيّد اليدين من الخلف، جالس على حافة قبر محفور، ثم ها إن رجلين يستنطقانه ويلتقطان له صوراً، وفي الأخير يصوّب رجل ثالث مسدسه للرأس ويطلق النار.

إليكم مشهدا آخر أقسى من سوريا؛ يظهر نافذة منزل ثم يتبين أن أحدهم يصرخ قرب النافذة بينما المصور يقول  ـ هذا مصير كل خاين، وبعد لحظات يدفع الرجل من النافذة وهو يستنجد ويصرخ بينما الذين دفعوه يكبرون والمصور يهتف بفرح ـ هذا مصير كلمن يتعامل مع الأمن.

هل أزيدنكم:

ثمّة عشرات الأفلام ومئات الصور يحتاج المرء مجلداً ليصفها كلها:

اغتيالات بالكاتم وبالصوت لرجال هنا وهناك...

تعذيب جسدي للخصوم...

عراك بين الأهالي في محلات مصرية تستخدم فيه العصي والحجارة...

مطاردات لبلطجية وجثث معلقة على أعمدة الكهرباء...

سباب طائفي لا يتوقف في الفضائيات وشتائم وتهديدات سافرة من هذا الطرف لذاك...

إعدامات تقوم بها سلطات عربية لمعارضيها...

شاب مقتول يتلفظ الشهادتين ويوصي بينما أحشاؤه الحمراء تبرز خارج بطنه...

الحقّ إنني شعرت بالغثيان وأنا أشاهد هذا المجتمع الكاره لنفسه، فالقسوة تكاد تنبجس من الشاشة، وقرون العنف تنبعث أمامي، حتى لكأنني أقرأ في سفر عذاب كتبه الأسلاف لنا، ثم اعتقدنا حينا انّه مجرد حروف مطبوعة على ورق، وها نحن، وقد اجتزنا القرن العشرين نرى كل شيء صوتاً وصورة ومعنى ومبنى.

الفيلم الذي أسيء فيه لرسولنا العظيم (ص) مرفوض جملة وتفصيلاً، ومن الطبيعي أن ينفعل المسلمون في كلّ مكان بسببه فيحتجون سلميا ويعبرون عن امتعاضهم من السماح بعرضه. لكنّ الإساءة الأعظم برأيي هي تلك التي شاهدتها في جولتي، أعني الأفلام التي لو بعث الرسول (ص) بيننا لتبرأ من أصحابها ولرفع يديه إلى السماء لاعناً إياهم، وأولهم قتلة السفير الأميركي في بنغازي ورفاقه الثلاثة. أولئك الذين قرر الإسلام حصانتهم ولو كانوا مخطئين فكيف إذا لم يكونوا كذلك؟!!.

نعم، الإساءة نحن ارتكبناها، بعضنا، حين أخذنا من الإسلام ما يتلاءم مع طبيعتنا البدوية، وطرحنا جانباً ما يتمتع به من سماحة وروح مسالمة.

نسينا من القرآن قول الله (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وبالمقابل، بعثنا من ذاكرتنا العنيفة كل ما من شأنه أن يحوّلنا إلى جبناء وأنذال حين ننزوا على من لا شأن لهم بالأمر كالسفير الليبي وركاب الطائرات والمدنيين كما جرى ويجري في العراق على أيدي القاعدة.

الفيلم مسيء للرسول الأكرم لكن إساءة متطرفينا له أشدّ وأعظم لو كنتم تعلمون.. ويا عجبي

الصباح

29/شوال/1433