![]() |
![]() |
في ذكراه الرابعة |
موقع الإمام الشيرازي المهم للذين يحتفون بذكرى هذا العالم الجليل والفقيه الكبير والعبد الصالح ليس فقط أن يعيشوا ذكراه، بل أن يعيشوا المبادئ التي بها عمل وإليها دعا.
السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى للعام 1429هـ كان موعداً مع رحيل الفقيه العابد، والأستاذ الزاهد، والعالم الرباني آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره). فبعد أن ودعت مدينة قم المقدسة فقيد العلم والورع بالأسى والدموع، استقبلته قرى العراق ومدنه، وعلماؤه وحوزاته، ومثقفوه وفقراؤه، ونُكست الأعلام لجثمانه، وقرع العسكر طبول الحزن تحية له، وكان موكب التشييع يسير بخطا ثقيلة، فقد غلب في وجدان الفقيد العزيز الشوق للوطن، حيث ظل (قدس سره) يفتقد عراقه ويتفقد شعبه، بعد أن فرقت بينهما سلطة الطغيان زمناً طويلاً متخماً بمحن التضحيات. وقد استحضرت حشود المستقبلين مواقف من لم يتوان في الدفاع عنهم، ومع بداية مخاض التغيير العسير من الاستبداد الى الحرية رسم (قدس سره) طريق الخلاص من المحنة التي لابد أن ينتهي أمدها ولو بعد حين، حيث قال لهم كلمة الإيمان والانتصار: "أيها العراقيون، إن الحرب على العراق بلا حدود، وتحتاج الى صبر بلا حدود"!. وبعد أن حط موكب التشييع في مدينة النجف الأشرف خرج أهلها الكرام لاستقباله وبأيديهم أكاليل أزهار عطرة بعبق الخلود فـ"العلماء باقون ما بقي الدهر". في كربلاء كانت المحطة الأخيرة لموكب التشييع، التي منها انطلق (قده) حيث إباء أبي الأحرار الحسين وإيثار أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، فانتفضت مدينة العلماء والشهداء والنجباء بموكب استقبال مهيب ووداع بنحيب، فكان يوم استحضار لذكريات رحيل مصطبغ بوقائع غربة مرة وظلم وإقصاء للأب الكبير سيد الفقهاء السيد محمد الحسيني الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه)، وآلام رحيله التي لم تتضح تفاصيله، وأيضاً كان يوم استحضار لذكرى اغتيال دام للمفكر الإسلامي الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره الشريف).. لكن ليس بالإمكان أن يكون إلا ما كان، ليوارى الجسد الشريف تراب روضة سيد الشهداء (عليه السلام)، وحيث ضيافة رب كريم. إن سمو صاحب الذكرى ونبوغه، وخفايا الرحيل وشجونه، خلد ذكراه وتراثه، فكلماته ما زالت تنبض بالحياة، وآثاره أضحت زاداً للباحثين عن الحقيقة. وإن للراحل عبره وتاريخه، وآخر عبر تاريخه أن للإصلاح منهجاً يكتب بالمداد والدماء، وللإصلاح ناهج لا ينبغي أن ينقطع أثره، فبلاء الأيام يغدر بالعلماء إذا عملوا، ويباغت العاملين إذا أخلصوا، والإصلاح مسيرة طويلة تعج بالآلام والتضحيات، وتحتاج الى وعي وعزم وحكمة وصبر. لذلك فإن من مسؤوليات المحبة لصاحب الذكرى (قدس سره) حفظ تراثه العلمي الذي هو نتاج تجارب خمسة عقود مباركة من عمره الشريف وعبقة بخبرة الآباء والأجداد، وذلك من خلال عمل مؤسساتي، فإن أهم سمات الأمم الحية أن تكون منتجة ولن تكون الأمة منتجة إلا إذا عملت بإخلاص، واختزلت الزمن، واستثمرت التجارب، واستكملت طريقها من حيث وصل القادة الأفذاذ. 26/جمادى الأولى/1433 |