إسلام وإسلام


 

نتيجة لنقض قريش وأحلافها من بني بكر ابن عبد مناة صلح الحديبية بغارتهم على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين وقتل عدد من رجالها، خرج أبو سفيان من مكة مرعوباً يتسقط أخبار الجيش الإسلامي، فالتقى في طريقه بالعباس بن عبد المطلب، عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذه العباس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليأخذ له الأمان.

فلما التقى برسول الله، قال له (صلى الله عليه وآله): (ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله). قال: "بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك، قد كان يقع في نفسي أنه لو كان مع الله إله لأغنى عنا". فقال له (صلى الله عليه وآله): (ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله). قال: "بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك، أما هذه إن في نفسي منها شيئاً حتى الآن". فقال له العباس: "ويحك تشهد، وقل لا إله إلا الله محمد رسول الله قبل أن تُقتل"، (سنن أبي داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر مكة، الحديث 3022، السيرة النبوية لابن هشام، ج/2، ص/ 402، كما جاء ذلك في رواية الواقدي والطبري وغيرهما). وبعد أن خاف من تهديد العباس، شهد أبو سفيان على كره منه، وفي نفسه من نبوة نبي الإسلام أشياء وأشياء، وظلت تلك الأشياء في نفسه إلى أن مات.

فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمه العباس أن يأخذ أبا سفيان فوق مكان مشرف على الطريق، لينظر بأمّ عينه إلى كتائب جيش المسلمين، فأخذ ينظر ويسأل العباس عن اسم كل كتيبة تمر به واسم قائدها، حتى ظهرت له (الكتيبة الخضراء)، وهي كتيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأسقط في يده، وأصابه الهلع والرعب، واشتعلت في قلبه نيران الحسد والحقد. فقال: "ما رأيت مثل هذه الكتبية قط، ولا أخبرنيه مخبر، سبحان الله ما لأحد بهؤلاء طاقة ولا يدان، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً يا أبا الفضل". فقال العباس: "ويحك إنه ليس بملك، وإنما هي النبوة". وهكذا يظهر جلياً أن أبا سفيان لم يؤمن بالإسلام قط. فهل آمن بها ابنه معاوية، أحد مؤسسي الإرهاب الذي يدعى اليوم بـ"الإرهاب الإسلامي"؟!

بعد شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، توفرت مجدداً لبني أميّة فرصة لمحاربة الإسلام، وذلك بعد إنقلاب (سقيفة بني ساعدة) بعصيان بعض الصحابة لأمر الله ووصيّة رسوله، واستيلائهم على مقاليد أمور المسلمين بغير ما أراده النبي (صلى الله عليه وآله) ونصّ عليه وبيّن ووضّح.

ولم تمض أربعون سنة على شهادة النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى استولى بنو أمية على السلطة، واستمرت دولتهم 92 سنة (40هـ_132هـ)، حكم خلالها أربعة عشر حاكماً. ثلاثة منهم سفيانيون، نسبة إلى أبي سفيان (معاوية، ويزيد، ومعاوية الثاني/ 41هـ_64هـ). وأحد عشر مروانياً أو أعياصاً، نسبة إلى العاص وأبو العاص، الذين بدؤوا بمروان بن الحكم بن العاص سنة 64هـ، وانتهوا بمروان الحمار (أي مروان بن محمد بن مروان بن الحكم)، حتى سنة انهيار ملكهم على يد السلطة العباسية الصاعدة عام 132هـ.

 

الشجرة الملعونة

قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً). أشارت روايات في تفسير هذه الآية الكريمة الى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى في المنام بني أمية يتعاورون منبره، (أي يصعدون وينزلزن)، وهم على هيئة قرود ممسوخين، فحزن حزناً شديداً، فنزلت هذه الآية الكريمة. وقد وردت روايات عديدة تؤكد أن "الشجرة الملعونة" هم "بنو أمية". فقد ذكر السيوطي، الدر المنثور، ج/4، ص/191: أخرج إبن مردويه، عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبيك وجدك، إنكم الشجرة الملعونة في القرآن الكريم".

وفي تاريخ أبي الفداء، أحداث سنة مئتين وثلاثة وثمانون: "وفيها أمر بكتبة الطعن في معاوية وإبنه وأبيه وإباحة لعنهم، وكان من جملة ما كتب في ذلك ... وأنـه لما بعثه الله رسولاً، كان أشد الناس في مخالفته بنو أمية، وأعظمهم في ذلك أبو سفيان ابن حرب وشيعته مـن بني أمية، قال الله تعالى فـي كتابه العزيـز: (وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ)(الإسراء/60). وقد اتفق المفسـرون أن بني أمية هم الشجرة الملعونة. وذكر الطبري في تاريخه، ج/8، ص/185: "وأنزل به كتاباً قوله (والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً)، ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بنى أمية".

وورد في المستدرك الحاكم النيسابوري، كتاب الفتن، الحديث/8481، عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إني أريت في منامي، كان بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة). قال فما رئي النبي (صلى الله عليه وآله) مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (وقد ذكر ذلك في دلائل النبوة للبيهقي).

وفي مجمع الزوائد للهيثمي، ج/5، ص/243: عن أبى هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى في منامه كان بني الحكم ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيظ، فقال: (ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة). قال فما رئي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات (صلى الله عليه وآله). (وقد ذكر ذلك في المطالب العالية، كتاب الفتوح لإبن حجر العسقلاني).

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، كتاب الفتن والملاحم: عن أبي حمزة، قال سمعت حميد بن هلال، يحدث عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة الأسلمي، قال: "كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف". (كما ذكر ذلك في مسند أبي يعلى الموصلي، ومعجم الصحابة لإبن قانع).

ونقلت كتب التاريخ أحوال وأخبار أمراء الدولة الأموية، من معاوية بن أبي سفيان إلى مروان المُسمى بـ(مروان الحمار)، الذين ما ذٌكروا إلا وتبادرت إلى الأذهان مجالس الشراب واللهو والطرب، وسفك الدماء البريئة، واستعباد الناس، إلى غير ذلك من الأفعال القبيحة.

وفي الجانب الآخر، اقترن اسم أهل البيت (عليهم السلام) بالتقى والورع والعبادة والزهد والنزاهة والعفاف والعدل والعلم والتقوى والعمل الصالح، فلم يتحدث التاريخ عن فعل قبيح صدر عنهم (عليهم السلام)، بل كانوا رحمة للعالمين، وسراج للناس على صراط الله المستقيم، وسفينة النجاة في بحور الظلمات، وإنهم أئمة الناس جميعاً، وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

 

إسلام وآخر

"هل الإسلام واحد، أم هناك أكثر من إسلام؟"

هذا السؤال أصبح يُطرح كثيراً في وسائل الإعلام ومراكز الدراسات، اليوم، بل وحتى يطرحه مسلمون، خاصة الشباب المتطلع إلى تفسير ما يجري من ظلم واستبداد وإرهاب وفساد بإسم الإسلام. يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (هناك من يسأل: هل يوجد إسلام باطل؟ نقول: نعم كإسلام بني أمية وإسلام بني العباس. والقرآن الكريم هو الذي يفرّق بين الإسلام الصحيح والإسلام الباطل، فإن (الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، فقال تعالى (هدى) بدون الألف واللام، و(بيّنات) بلا ألف ولام أيضاً، ولكن حينما ذكر القسم الثالث، نراه يقول: (الفرقان)، أي ذكر القرآن وعرّفه بالفرقان، أي بالألف واللام. ومثل هذا يفيد الحصر في البلاغة. وبناء على ذلك، فإن القرآن الكريم هو هداية وبيّنات، وهو وحده الذي يفرّق بين الحق والباطل. وهو الذي يبيّن أن إسلام معاوية ويزيد والمتوكّل وأمثالهم هو إسلام على باطل).

فإن الإسلام ليس إسلام اللهو واللعب ومجالس الغناء والرقص والسهرات والطرب مع المخنثين والجواري التي تملأ القصور، والإسلام ليس دين القتل والتنكيل وإراقة الدماء وإحراق المدن ونهبها وسلبها. بل الإسلام دين الرحمة ودين الكرامة والعدالة والمساواة، ودين العلم والبحث عن الحقائق الكونية ومعرفتها ليزداد الإنسان قرباً من الله، وهو دين التقوى والورع والإيمان والعمل الصالح. يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (لم يكن في حكومة نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى سجيناً سياسياً واحداً، ولكن كثر السجناء السياسيون في حكومات بني أمية وبني مروان وبني العباس والعثمانيين، وإلى يومنا هذا). وما التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي تعيث اليوم خراباً وفساداً ورعباً وتفجيراً وقتلاً وذبحاً، إلا نتاج أعمال الذين دأبوا على تغييب تراث أهل بيت النبوة عن وسائل إعلامهم وجامعاتهم وجوامعهم ومتباتهم. لذا فإن هناك ضرورة قصوى في تعريف الناس بتاريخ بني أمية، وهم الشجرة الخبيثة، الذين لا يمثلون الإسلام أبداً، ولا الذين مهّدوا لدولتهم الظالمة، بعد إنقلاب مشين، ثم جاؤوا بهم خلفاء على المسلمين وأمراء.

--------------------------------

إضاءة

في يوم الأربعين، وفي خلال زيارتكم لسيد الشهداء، الإمام الحسين (عليه السلام)، ادعوا الله تعالى أن يفرِّج عن إخوانكم الشيعة، في كل مكان، فلعله بذكركم لإخوانكم، يُستجاب دعاؤكم، وينظر الله تبارك وتعالى إليكم.

المرجع الشيرازي (دام ظله)

 

إضاءة

ينبغي للكرام الأعزة الذين يسخّرون أنفسهم وأموالهم لخدمة الزائرين، أن يكونوا زيناً لـ(محمد وآل محمد)، فالزائر هو ضيف البيت النبوي، وينبغي معاملته بوقار ومحبة وشهامة، وكذلك الزائرة، فيجب إكرامها بحياء وحشمة وكرامة، وعلى الزوار أن يتعاملوا فيما بينهم بأكرم الخلق وأطيب العمل وأجمل القول، وإن الحفاظ على هيبة الزيارة وقدسيتها وكرامة الزوار وسلامتهم، مسؤولية عظيمة تقع على الجميع. كما أن في هذه الزيارة المكّرمة، وفي كل الزيارات، فرصة طيبة لمحاسبة النفس وإصلاحها، فإنما كربلاء إصلاح وانتصار، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله: استفيدوا من هذه الزيارة الاستثنائية استفادة استثنائية، وليحاول كل واحد منكم، خلال الأيام التي يقضيها في هذه الزيارة، أن يهتم بمحاسبة نفسه يومياً من أجل إصلاحها، كما أكد الأئمة (عليهم السلام) ذلك.

المرجع الشيرازي (دام ظله)