في ضوء حوار الإمام الرضا مع المأمون .. أمثلة حديثة للعدالة |
|
|
|
|
|
يؤكد النص الرضويّ أن العدالة هي أساس استقرار المجتمعات، وأن الحاكم الحقيقي هو من يضع أمن وحرية وكرامة ورفاهية شعبه في صدارة أولوياته
موقع الإمام الشيرازي
"... جاء المأمون ومعه كتاب طويل، فأراد الإمام
الرضا (عليه السلام) أن يقوم، فأقسم عليه المأمون بحقّ رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أن لا يقوم إليه، ثمّ جاء حتّى انكبّ على الرضا وقبّل وجهه،
وقعد بين يديه على وسادة، فقرأ ذلك الكتاب عليه، فإذا هو فتح لبعض قرى
كابل، فيه: إنّا فتحنا قرية كذا وكذا.
------------------------------ حوار الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) مع الخليفة العباسي المأمون يُبرِز العدالة كقيمة أساسية للحكم والسياسة والمسؤولية، حيث ينتقد الإمام إهمال المأمون لشعبه مقابل الاحتفال بانتصارات عسكرية. العدالة، في هذا السياق الرضويّ، تعني حماية الضعفاء، وتلبية احتياجات الناس، وضمان المساواة، مع إعطاء الأولوية للاستقرار الداخلي على التوسع الخارجي أو الدخول في صراعات خارجية. وتوسعاً في فهم أبعاد النص الرضويّ ومدى انسجامه مع الواقع، كما هو في جميع تراث أهل البيت (عليهم السلام)، يجدر استعراض أمثلة حديثة (من القرنين العشرين والحادي والعشرين) لقادة أو حركات جسّدوا العدالة بما يتماشى مع رؤية الإمام الرضا (عليه السلام)، مع التركيز على تطبيقات عملية في سياقات معاصرة. (1) نيلسون مانديلا .. العدالة في المصالحة والمساواة نيلسون مانديلا (1918-2013)، رئيس جنوب إفريقيا (1994-1999)، قاد نضالاً ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي ظلم السكان السود. بعد 27 عامًا في السجن، أصبح رمزًا للعدالة والمصالحة. بعد إنهاء الفصل العنصري، أسس مانديلا "لجنة الحقيقة والمصالحة" للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان دون الانتقام. هذا يعكس دعوة الإمام الرضا للحاكم أن يحكم برحمة، حتى مع الخصوم. ركَّز مانديلا على تحسين حياة السود الذين عانوا من التمييز، من خلال برامج للتعليم، والإسكان، والرعاية الصحية. هذا يتماشى مع نقد الإمام الرضا لإهمال المظلومين الذين "لا يجدون من يشكون إليه حالهم". أيضاً، أصّر مانديلا على بناء مجتمع يتساوى فيه البيض والسود أمام القانون، رافضًا أي تمييز، مما يشبه تركيز النص على أن القائد يجب أن يضمن العدل للجميع. وهكذا، فإن مانديلا جسّد فكرة أن العدالة أهم من الانتصار العسكري أو الانتقام. بدلاً من إشعال حرب أهلية، اختار المصالحة وتحسين حياة شعبه، مما يتماشى مع دعوة الإمام الرضا (عليه السلام) للتركيز على رعاية الناس بدلاً من التوسع أو الصراع. (2) جاسيندا أرديرن .. العدالة في الأزمات جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا (2017-2023)، اشتهرت بقيادتها الرحيمة وتركيزها على العدالة الاجتماعية، خاصة خلال أزمات مثل هجوم المسجدين في كرايستشيرش عام 2019 وجائحة كوفيد-19. بعد الهجوم الإرهابي على المسلمين، أظهرت أرديرن تضامناً فورياً، "مرتدية الحجاب" ومقابلة الضحايا، وأقرت قوانين صارمة للحد من الأسلحة. هذا يعكس دعوة الإمام الرضا (عليه السلام) لحماية "المؤمنين" و"أهل الذمة" من الظلم. أرديرن أطلقت برامج مثل "رفاهية الطفل" لدعم العائلات الفقيرة، مما يشبه تركيز النص على أن القائد يجب أن يخفف من معاناة من "يعجزون عن نفقتهم". وخلال إدارة جائحة كوفيد-19، اتخذت أرديرن إجراءات صارمة لحماية السكان، مع تقديم دعم مالي للمتضررين، مما يظهر قربها من الناس واستجابتها لهمومهم. جاسيندا أرديرن أظهرت أن العدالة تتحقق من خلال القرب من الشعب والاستجابة لاحتياجاته، خاصة في الأزمات. تركيزها على الضعفاء يتماشى مع نقد الإمام الرضا (عليه السلام) لإهمال المأمون لشعبه. (3) برنامج الإصلاح الاقتصادي في رواندا (بول كاغامي) بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، قاد بول كاغامي، رئيس رواندا منذ عام 2000، جهود إعادة بناء البلاد، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والاقتصادية. أسس كاغامي محاكم "غاكاكا" المجتمعية للتحقيق في جرائم الإبادة، مما ساعد على تحقيق العدالة دون إشعال صراعات جديدة، شبيهًا بدعوة الإمام الرضا (عليه السلام) للحاكم والمسؤول أن يحكم برحمة. ومن خلال برامج مثل "رؤية 2020"، خفضت رواندا نسبة الفقر من 57% عام 2005 إلى حوالي 38% عام 2017 (بحسب البنك الدولي)، مع تحسين التعليم والرعاية الصحية. هذا يعكس تركيز النص الرضويّ على تلبية احتياجات الناس. رواندا تُعتَبَر من أقل الدول فساداً في إفريقيا بفضل سياسات كاغامي الصارمة، مما يضمن توزيع الموارد بعدل، على عكس تفويض المأمون لشؤون الحكم لغيره دون رقابة. بول كاغامي جسّد فكرة أن العدالة هي أساس استقرار المجتمع. تركيزه على إعادة البناء وحماية الضعفاء يتماشى مع دعوة الإمام الرضا (عليه السلام) لإعطاء الأولوية للشعب على الانتصارات الخارجية. (4) حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة (مارتن لوثر كينغ) في الخمسينيات والستينيات، قاد مارتن لوثر كينغ الابن (1929-1968) حركة الحقوق المدنية لإنهاء التمييز العنصري ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، مستخدمًا المقاومة السلمية. ناضل كينغ من أجل إقرار قوانين مثل "قانون الحقوق المدنية" (1964) و"قانون حقوق التصويت" (1965)، اللذين ضمنا المساواة أمام القانون، مما يشبه دعوة الإمام الرضا (عليه السلام) لضمان عدم ظلم أحد. ركَّز كينغ على تحسين أوضاع السود الذين عانوا من الفقر والتمييز، من خلال تنظيم مسيرات مثل "مسيرة واشنطن" عام 1963، التي طالبت بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية. وقد اختار كينغ المقاومة السلمية، رافضًا الانتقام أو الحروب، مما يتماشى مع نقد الإمام الرضا (عليه السلام) للدخول بحروب والتوسع عبر السلاح على حساب الشعب. مارتن لوثر كينغ أظهر أن العدالة تتحقق من خلال الدفاع عن المظلومين وإصلاح النظام، لا من خلال الصراعات. تركيزه على المساواة يعكس رؤية الإمام الرضا للحاكم كحامٍ للضعفاء. دروس مستخلصة هذه الأمثلة الحديثة تُبرِز أن العدالة، كما دعا إليها الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، تظل قيمة حية في العصر الحديث، وتتجلى من خلال: حماية الضعفاء: مثل دعم مانديلا للسود، وأرديرن للمسلمين، وكاغامي للفقراء. المصالحة بدلاً من الصراع: كما فعل مانديلا وكاغامي، اللذين اختارا السلام على الانتقام. القرب من الناس: مثل استجابة أرديرن للأزمات، وتفاعل الملك عبد الله مع تحديات شعبه. إصلاح النظام: مثل نضال كينغ لتغيير القوانين، وجهود كاغامي لمكافحة الفساد. في عالمنا اليوم، لا تزال العدالة تحدياً كبيراً. نرى قادة يُفضّلون المواجهات المسلحة أو الصراعات أو المشاريع الضخمة على رعاية شعوبهم، مما يؤدي إلى الفقر والظلم. لكن هذه الأمثلة تُظهر أن القادة الذين يحاكون رؤية الإمام الرضا (عليه السلام)، من خلال التركيز على العدالة الاجتماعية والمساواة، يحققون استقرارًا وتقدمًا حقيقيين. الأمثلة الحديثة لنيلسون مانديلا، وجاسيندا وأرديرن، وبول كاغامي، ومارتن لوثر كينغ، تُجسّد جوانب من العدالة والرحمة والعدالة التي دعا إليها الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). هؤلاء القادة أولوا حماية الضعفاء، وتلبية احتياجات الناس، وإصلاح الأنظمة على الصراعات أو المجد الشخصي، مما جعل إرثهم نموذجاً للقيادة العادلة. النص الرضويّ يذكّرنا أن العدالة هي أساس استقرار المجتمعات، وأن الحاكم الحقيقي هو من يضع أمن وحرية وكرامة ورفاهية شعبه في صدارة أولوياته. 10 / ذو القعدة / 1446هـ |
|
|
|
|
|
|
|