الجلسات العلمية الرمضانية (5)




 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين

وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين

 

 

* العلم بالمفطرات ونيّة الإمساك عنها:

في بداية الجلسة طرح أحد الفضلاء مسألة حول نيّة الصوم: يقول المرحوم السيّد في العروة (فصل في النيّة: المسألة 4): «لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات ولكن تخيّل أنّ المفطر الفلاني ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه، وكذا إن لم يرتكبه ولكنه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه، وأمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه في الأقوى». والآن هل أنّ في الصوم يلزم العلم بالمفطرات وقصد الإمساك عنها؟

قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه: لابدّ أن نرى ما هو مقتضى الأدلّة، هل هو صوم التكليفي الواجب على الجميع الذين لا هم مرضى ولا هم بمسافرين، وقطعاً فإنّ هناك الكثيرون لا يرون مفطرات الصوم بالتّفصيل، فهل يبطل صومهم؟ وهذه المسألة طُرحت في محرّمات الإحرام، وهي محلّ خلاف.

يبدو: فقط في حالة تكون على نحو التّقييد بدقّة، أي لو نوى الإمساك عمّا عداه تقييداً، وهذا الفرض نادر جدّاً جدّاً، فحينئذٍ الصيام باطل، وفي غير هذه الحالة يكون الخطأ في التّطبيق، والصيام صحيح.

لقد استدلّ الفقهاء في موارد عديدة بالعمومات التّرخيصية في رفع الحكم الوضعي، وفي خصوص هذه المسألة التي قرأتها، أشكل مجموعة من المحشّين على السيّد، وقالوا بأنّ صيامه صحيح.

 

* الفرق بين مفطر ومفطّر:

وطرح أحد الحاضرين سؤالاً أدبياً: هل أنّ «مفطر» هي الصحيحة؟ أم كلمة «مُفطِّر»؟

قال سماحته: كلتا الكلمتين صحيحتان، لأنّ باب الأفعال وباب التّفعيل كليهما لأجل التّعدّي، وفي الظّاهر أنّ كلاً من كلمتي «أفطر» و«فطّر» قد وردتا في الرّوايات.

 

* من مصاديق العلم الإجمالي:

سأل أحد الفضلاء: إذا قرأ شخص نافلة الصّبح وفريضة الصبح، وبعد ذلك علم علماً إجمالياً بإبطال إحدى الصلاتين، فهل يلزم إعادة فريضة الصبح أم لا؟

قال سماحته: العلم الإجمالي منجّز في مكان يكون لطرفيه حكماً إلزامياً، ولكن إذا كان طرفاً منهما لازماً والطرف الآخر غير إلزامي فليس هنا منجّزاً، وقد طرح هذا البحث في باب العلم الإجمالي في الأصول، أي أنّ العلم الإجمالي منجّز إذا كان تفصيلياً وحكمه إلزامي.

في هذه المسألة إذا كان العلم التّفصيلي ببطلان نافلة الصبح، فإنّ الصلاة لا تلزمها الإعادة والقضاء، ولأنه لا علم له أنّ هناك واجباً عليه.

سُئل: في هذه المسألة هل هناك فرق بين أن يكون العلم الإجمالي علّة تامّة أم مقتضى؟

قال سماحته: كلا، فهذا بحث آخر وليس له ربط في مسألة مورد السؤال.

فقال أحد الحاضرين: إذا كان العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصّلاتين الواجبة والنّافلة لجهة الإخلال في الرّكن، يجب أن يكون العلم منجّزاً، لأنّه كان لديه الاشتغال اليقيني بوجوب الصلاة، ولكن ليس له العلم بالبراءة، والاشتغال اليقيني مستلزم بالبراءة اليقينية.

قال سماحته: قاعدة الفراغ التي تقول: «إذا خرجت من شيء... فشكّك ليس بشيء» لم تترك مكاناً لقاعدة الاشتغال.

 

* ترك تكبيرة الإحرام جهلاً:

سأل أحد الفضلاء: إذا كان الشخص جاهلاً بوجوب تكبيرة الإحرام، وأدّى الصلاة عدّة سنوات من دون تكبيرة الإحرام، فما حكم صلاته؟

قال سماحته: هذه المسألة مسألة مشكلة، ويجب أن نرى هل أنّ دليل «لا تُعاد» يشمله أم لا؟

يقول بعض السّادة: «لا تُعاد الصلاة» هي في حالة تحرز فيها الصلاة، وإذا كانت من دون تكبيرة الإحرام، وبدأ مباشرة بقراءة الحمد والسورة، فهي ليست صلاة أساساً، لأنّ مفتاح الصلاة التّكبير، فإذاً حينما لم يكبّر فهو لم يدخل إلى الصلاة أبداً، وهي ليست بصلاة، حتى يشمله «لا تُعاد الصلاة».

أنا شخصياً طرحتُ هذه المسألة مع الأعاظم كراراً، فقال بعضهم: «الصّلاة مفتاحها التّكبير» معناها أنّ من دون التّكبير لم يدخل إلى الصّلاة أبداً.

لكن يبدو: كلّ من قال أنّ هذه ليست بصلاة، ولكن ملاك «لا تُعاد» يشمل هذا المورد. ولعلّنا نستطيع القول: إنّ ظاهر «لا تُعاد» يعني كلّ خلل أعم من فقد الشّرط أو الجزء، ووجود القاطع أو المانع الذي سيطرأ على الصلاة، ولم تكن من إحدى تلك الموارد المستثناة الخمسة (القبلة، الطهور، الوقت، الركوع، السجود)، وقد أضاف الفقهاء مورداً سادساً وهي النيّة، فمن هذه الجهة إذا لم تكن هناك نيّة فليست هناك صلاة، أيضاً ألحقت إلى مستثنيات «لا تُعاد»: إذا مُحيت صورة الصّلاة.

الخلاصة: إذا لم يكن ذلك الخلل من إحدى هذه الموارد السّبعة، وجرى جهلاً في الصلاة، فإنّ صلاته صحيحة. وبعبارة أخرى: إنّ دليل «لا تُعاد» من أدلّة القاعدة التّسهيلية لأجل الشخص الجاهل، وطبعاً الجهل القصوري، لأنّ الجاهل المقصّر هو في حكم العامد العالم.

بناءً على هذا الاستظهار، نستطيع القول بأنّ الذي لم يقل بتكبيرة الإحرام جهلاً بوجوبها، أنّ صلاته صحيحة، وإذا لم يستظهر، فصحّة الصلاة فيها إشكال.

 

* ترك نيّة الصلاة:

قال أحد الفضلاء: هل هذا الاستظهار الذي قلتم بها من دليل «لا تُعاد» نستطيع القول به في مورد النيّة أيضاً؟ وإذا أقيمت الصلاة من دون النيّة هل يكون الشخص مشمولاً بحديث «لا تُعاد»؟

قال سماحته: وكيف إذا قلنا بأنّ الإجماع أو الارتكاز على بطلان الصلاة في هذا المورد.

 

* ترك التسليم في الصلاة:

سأل أحد الحاضرين: إذا قرأ عدّة سنوات الصلاة من دون التّسليم جهلاً، فما حكم صلواته؟

قال سماحته: وردت هذه المسألة في (العروة) وبعضهم قالوا بأنّها كترك تكبيرة الإحرام، لأنّ ماهية الصلاة: «مفتاحها التّكبير وختامها التّسليم»، لذلك حينما لم يسلّم فلم تكن هناك صلاة أبداً، علماً بأنّ التّسليم أهون نسبة إلى التّكبير، فإذا قلنا في التّكبير بأنّ صلاته صحيحة، فإنّ في التسليم وفي نفس الاستظهار يكون مشمولاً بحديث «لا تُعاد».

 

* الفروع الأخرى للمسألة:

بعد ذلك أشار سماحته بهذه المناسبة إلى فرع آخر من مسألة الخلل في الصلاة، وقال: أنّ شخصاً حين الصلاة وبعد تكبيرة الإحرام كان يقول: «يا حسين». فلجهة الجهل بمسألة صلاته فهو مشمول بحديث «لا تُعاد» وصلاته صحيحة. ولكن لا يجب عليه أن يقول ذلك عامداً، لأنّه في الصلاة يجب أن يكون الخطاب لله سبحانه وتعالى فقط، والاستثناء الوحيد فيها هي كلمة: «السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته».

نعم، يستطيع قبل التّكبير أن يقول: يا حسين، أو يقول: «صلّى الله عليك يا أبا عبد الله». وفي الصلاة يستطيع أن يقول بصيغة الدّعاء: «اللهم صلّ على الحسين عليه السلام». والخلاصة: في الصلاة يجب أن يكون الخطاب لله سبحانه وتعالى.

 

* بيع مورد الوصية:

سأل أحد الحضور: شخص أوصى بمال، ثمّ باع ذلك الشيء، فهل يُعدّ رجوعاً عن الوصيّة؟

قال سماحته: الشخص ما دام حيّاً يستطيع نقض الوصية وأن يتراجع عنها، لأنّ الوصية ليست ملزمة للموصي نفسه.

سأل أحد الفضلاء: إذا كان البيع فاسداً، أو أنّه أقاله، فهل تبطل الوصية؟ أم أنّ الوصية ترجع مجدّداً إلى حالتها الأولى؟

قال سماحته: الأصل في مثل هذه المسائل تابع للنيّة والقصد، لأنّ «العقود تابعة للقُصود».

وقال بعض الحاضرين: إذا أقال البيع ألا ترجع الوصية؟

فأجاب سماحته مؤيّداً: لأنّه مع البيع، نقضت الوصية، وبعد الفسخ يحتاج إلى دليل بأنّ الوصية قد نقضت لترجع مجدّداً، وإذا لم يكن هناك دليل، فالقاعدة تقول أنها ترجع إلى ملك الموصي، وإذا مات توزّع على الورثة.

 

* خمس أموال الأبناء:

سأل أحد من الحضور: هل يتعلّق الخمس بأموال الأطفال قبل البلوغ؟

قال سماحته: طرح هذه المسألة صاحب (العروة) كعنوان المسألة الأخيرة في الفصل الأول من كتاب الخمس، وهي المسألة رقم 84:

«الظاهر عدم اشتراط التّكليف والحريّة في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم، فيتعلّق بها الخمس، ويجب على الولي والسيّد إخراجه، وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال والأحوط إخراجه بعد بلوغه».

قال مجموع من الأعاظم والمحشّين: الخمس يتعلّق بأموال الطفل على نحو الفتوى أو الاحتياط الوجوبي. والوجه في ذلك هي أنّ في الخمس، لم يقل الدّليل: «عليك الخمس»، حتى يُقال: أنه تكليف، وهي لا تشمل الصبي، كما هي كذلك في الصلاة والصيام، حيث يقول: اقرأ الصلاة (أقم الصلاة)، وصم (صم للرؤية).

بل إنّ في باب الخمس قال الدليل: «فيه الخمس»، أي: الحكم وضعي وليس تكليفياً، ولذلك يتعلّق بأموال الطفل أيضاً.

بناءً على هذا إذا جيء إلى الطفل بهدية، فهي ملكه، وإذا مضت عليها السنة ولم تُصرف لمؤونته، يتعلّق بها الخمس، وعلى وليّه أن يخرجه، كما إذا اختلط بأموال الصبي أموال أخرى، فيلزم على الولي إخراجها وإرجاعها لصاحبها، وفي الخمس أيضاً تعلّقت بأرباب الخمس، ويجب إعطائها لهم.

 

* نفقة الطفل:

بالنسبة إلى الطفل، هناك مسألة ومن الممكن أنّ أحداً لم يلتفت إليها، وهي محلّ ابتلاء الكثيرين، فنفقة الولد الطفل على والده، وهذا في حالة إذا لم يكن للولد مالاً، وأمّا إذا كان لهذا الطفل مالاً، وعلى سبيل المثال: توفيت والدته ووصلت إليه أموالاً من الإرث، فهنا نفقة الولد لا يجب على الوالد، ويستطيع الأب أن ينفق على ولده من مال ولده، فهو يستطيع الأخذ من مال الولد وصرفه عليه.

أو إذا وجبت على الولد دية، أو كان هناك ضمان عليه، وعلى سبيل المثال: كسر آنية الناس، فإذا كان للولد مالاً يستطيع الوالد الأخذ من مال الولد نفسه، والأداء.

الخلاصة: إنّ في العمودين (الأب والأم وكلّما علت، والأبناء وكلّما سفلت) هم واجبوا النّفقة إذا لم يكن لديهم مالاً، بخلاف الزوجة التي تكون واجبة النّفقة على الزوج مطلقاً حتى ولو كانت الزوجة غنيّة وثريّة، وفي هذه المسألة لا توجد فيها خلاف.

ثمّ قال سماحته: هناك مسألة، لم يُلتفت إليها، وهي إذا صدم شخص ولداً غير بالغ، ولهذا السبب هناك دية على هذا الشخص تتعلّق بالولد، فهذه الديّة للولد ولا يحقّ للوالد أن يسامح الضّارب، وإذا سامحه كما نرى في بعض الأحيان وهو غير ملتفت أنه تصرّف في ملك الولد، وهي على خلاف مصلحته، فإذا سامح الأب عليه أن يدفع من ماله إلى ولده، إلاّ إذا كانت هناك مصلحة في المسامحة.

سأل أحد الحاضرين: إذا أصيب الولد في هذا الفرض الذي قلتم، وثبتت دية على الضّارب، هل يستطيع أن يطالب قبل البلوغ؟

قال سماحته: نستفيد من آية {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أن يكون بالغاً ورشيداً أيضاً.

وقال أحد الفضلاء: بالنّسبة إلى تعلّق الخمس إلى مال الطفل غير البالغ، خطاب الآية الشّريفة إلى المكلّفين: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، والطفل غير مكلّف حتى يشمله هذا الخطاب؟

أجاب سماحته: الرّوايات الشّريفة جعلت الخمس متعلّقاً بالمال: «كلّما أفاد الناس من قليل أو كثير فيه الخمس».

وبناءً على هذا، إذا كان للطفل وليّاً فالعهدة عليه بأداء الخمس.

الخلاصة: أن تعلّق الخمس، حكم وضعي، نعم وجوب أدائه حكم تكليفي، وهو ليس على الولد بل على وليّه أو الحاكم الشرعي، وإذا تعلّق الخمس على ماله، ولم يخرج، فيجب عليه بعد البلوغ حتى يؤدّي الخمس.

 

* حديث «رفع القلم» للولد:

سأل أحد الحاضرين: إذا قام الولد بصدم شخص، فهل هو مشمول بـ«رفع القلم عن الصبي»؟

قال سماحته: قال بها بعض، ولكن تبدو غير تامّة في الظّاهر، والمشهور قالوا بأنّ ذمّة الولد مشغول، وإذا كان للولد مالاً، فعلى الوليّ أن يُعطي من ذلك المال، وإذا لم يكن لدى الولد مالاً فعلى إمام المسلمين أن يؤدّي المبلغ.

 

* مداواة الزوجة:

المسألة الأخيرة التي طُرحت كانت: هل أنّ معالجات الزوجة هي جزء من نفقة الزوجة التي يجب على الزوج؟ أم لا؟

أجاب سماحته: لقد طرح العلماء هذه المسألة، وقال بعضهم: معالجات الزوجة ليست جزءاً من النّفقة مطلقاً، لأنّ الأدلة حصرت النّفقة الواجبة بثلاثة موارد، وهي: المأكل والملبس والمسكن، ولذلك فإنّه لا يجب على الزوج مصاريف المعالجة.

لكن جماعة قالوا: إن كانت المعالجات خفيفة يلزم على الزوج أن يصرف عليها، وهي ترجع إلى ملاك إطلاقات النّفقة وعرفاً تعدّ مثل هذه الموارد جزءاً من النفقة، ويبدو أنّه كلام جيّد.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين

14/ شهر رمضان/1440هـ

 

 


www.s-alshirazi.com