صدور (أجوبة المسائل الشرعية) العدد (230)




 

« لا يوم كيومك يا أبا عبدالله »

موقع الإمام الشيرازي

 

    في المحرم الحرام، من كل عام هجري، يبدأ الشيعة موسم إحياء وقائع النهضة الإنسانية الكبرى التي انطلق بها سيد الشهداء، الإمام الحسين صلوات الله عليه، من أرض كربلاء، في يوم عاشوراء.

فقد أخبر الإمام الحسين أخاه محمد بن الحنفية، لما دعاه إلى ترك الخروج إلى كربلاء، أنه رأى جده في المنام، فقال: أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدما فارقتك، فقال: "يا حسين اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً". فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا له راجعون! فما معنى حملك هؤلاء النساء معك، وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟. فقال له: "قد قال لي: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا".

فبذل آخر بنت نبي على وجه الأرض جهده في الله (ليستنقذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة)، ولخلاص الناس من ذل العبودية وقهر الاستبداد، وتحرير عقول تاهت عن الدين الحق الى الدين الباطل.

وباستشهاد الإمام الحسين ومعه أهله وصحبه، كان بقاء اسم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله يُرفَع على المآذن، ولولا فاجعة كربلاء لمحا هذا الذكر معاوية ويزيد وآل مروان بعدهما، ولعادت الجاهلية، فهكذا كان تخطيط معاوية، ولكن الله تعالى شاء أن يرى الإمام الحسين قتيلاً! لأنه تعالى يريد إنقاذ الدين بأساليب طبيعية وغير غيبية.

ومع أول شهر الحزن والأسى والوجع، وإطلالة العام الهجري (1438)، يصدر العدد (230) من (أجوبة المسائل الشرعية) في عام جديد لعمر هذا الإصدار، فقد صدر العدد الأول قبل (25) سنة.

فعلى مدى ربع قرن، حرصت أسرة (أجوبة المسائل الشرعية) على مواكبة مستحدثات عالم الفقه والفكر، وشؤون الإنسان وشجونه، ومتابعة ما يقع على الشيعة من اضطهاد وظلم وقمع، وإرهاب وتكفير، وما يلحق بالبشرية من ظلم واستبداد، وغواية وتضليل، واستغفال واستغلال.  

والى اليوم، تواصل (أجوبة المسائل الشرعية) صدورها، رغم منعها في أكثر من بلد، في الوقت الذي تعيش بلاد المسلمين ظاهرة مساءلة ومراجعة واستكشاف، في الدين والفكر والسياسة والاقتصاد والتراث والتاريخ والإنسان والمجتمع والحزب والدولة والماضي والحاضر والمستقبل.

وإن من أهم دوافع ظاهرة المراجعة هو الإرهاب الذي يضرب عموم العالم، ويستهدف المدنيين دون أي رادع من عقل أو ضمير، والمفجع أن هناك من يحاول "أسلمة" هذا الإرهاب أو يسعى لتعريف الإرهاب بأنه من الإسلام، فإن كل الذبح والنحر والصلب والحرق والقتل والخراب والخوف والدمار يجري باسم الإسلام، والإسلام من براء، وفي الوقت أن جلّ ضحاياه من المسلمين.

(أجوبة المسائل الشرعية) تصدر عن قسم الاستفتاء في مكتب المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، ويصل هذا المطبوع إلى عدد من البلاد العربية والإسلامية، وكذلك أميركا وأوروبا واستراليا وأفريقيا.

كلمة العدد (كربلاء .. منهج إيمان وانتصار) فيها تأكيد ودعوة إلى مزيد من الاهتمام بترسيخ ثقافة عاشوراء، والارتقاء بوسائل إيصالها، مضموناً ومنهجاً وأهدافاً، فقد حفظت قيم كربلاء هوية الإسلام، وهي تعدّ البيئة الصالحة لتنشئة وبناء أجيال صالحة، وأنها قد أعطت الشيعة – فيما أعطت - حصانة من تسرب الفكر التكفيري، ورسّخت عند عموم الشيعة التورع عن ظلم الآخر، وكرّست روح الثبات والانتصار، فكان الشيعة دائماً هم الغالبون، فما انحنوا مرة ولا انكسروا.

(الاستفتاءات)، على الصفحات (2 - 7)، وتشمل مسائل عقدية وفقهية وتاريخية واجتماعية واقتصادية وحقوقية وغيرها، يتفضل المؤمنون الأكارم والمؤمنات الفاضلات، من شتى بقاع العالم، بطرحها (عبر وسائل الاتصال المتنوعة)، للحصول على الإجابات الشرعية عنها، بما يتطابق مع فتاوى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.

(البكاء على الحسين) عمود الصفحة (7) ويحمل إجابة عن سؤال: (كيف يبكي رسول الله على الحسين، وقد نهى (صلى الله عليه وآله) عن البكاء بقوله: (إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه)؟، سؤال يحمله عمود في الصفحة (7)، ويشير إلى أن هذا الحديث المكذوب وغيره آلاف، قد أدى إلى مظالم عديدة ومفاسد عظيمة، منها أن معظم الذين انخرطوا في التنظيمات التكفيرية الإرهابية كان بتأثير ذلك الكذب، وأيضاً بسبب التضليل ضد شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام).

الصفحتان (8 - 9) حملت إضاءات من محاضرة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بعنوان (عاشوراء.. هدف وأمانة)، ويذكّر فيها سماحته أن التضحيات التي قدّمها الأسلاف والوالهون بسيّد الشهداء (عليه السلام) هي التي أوصلت إلينا المدرسة العاشورائية، المناهضة للظلم العريقة بأهدافها المقدسة. ولا يمكننا أن ندّعي انتماءنا لهذه المدرسة ما لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهدافها العالية، ونسلّم هذه الأمانة الحسينية إلى الأجيال اللاحقة مصونة لا تشوبها شائبة، فاعلة ومحفوظة من أي زيغ أو حرف. مبيناً (دام ظله) أن هذا يكون فيما إذا خلصت النوايا، وذابت المصالح الشخصية، ليحلّ محلّها طلب تحقيق مرضاة الله (عز وجلّ).

مقال الصفحة (10) بعنوان (الإمام الصادق عليه السلام .. دوحة الفكر الإسلامي وعلومه) – (الحلقة السادسة عشرة)، من سلسلة مقالات تتناول حياة الإمام جعفر الصادق صلوات الله عليه، ويشير مقال هذه الحلقة، إلى أن الفقه في مدرسة آل البيت (عليهم السلام) كان قد تحرك ضمن مراحل متصاعدة، تمثلت في المدارس التي تأسست، استجابة لمتطلبات المكان والزمان، والحراك الفكري والمعرفي، غير أن التأسيس العمود في هذه المدارس، ينحصر في مدرستي المدينة المنورة والكوفة المشرفة، والتي كان الإمام جعفر الصادق فيهما، مؤسساً وراعياً، أستاذاً وموجهاً.

الصفحة (11) تحمل (الحلقة الخامسة عشرة) من سلسلة مقالات بعنوان (الإمام المهدي في التوراة والإنجيل)، وتتضمن بشارات جاءت في (العهد القديم) من (الكتاب المقدس) عند اليهود والنصارى، وما تشير إليه تلك البشارات من أن الإمام المهدي المنتظر سيفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

هذه الحلقة تتناول ما تحدث به (يوحنا) صاحب الرؤيا عن صفات القائد، الملقب بـ(الأمين الصادق)، والمُعيَّن مِنَ الله والمؤيَّد من قِبَلِه تعالى للقضاء على أعدائه، في معركة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. وتتناول هذه الحلقة صفة (تُقاتل معه الملائكة).

وفي سلسلة (أعلام الشيعة)، في الصفحتين (12–13)، تسلط (الحلقة الثانية) الضوء على جانب من المعرفة النورية اليقينية الإلهامية للسيد (ابن طاووس)، وما حظي به من قرب، كما أنه كان آية في الأخلاق الكريمة والفضائل النبيلة.

ومن توفيقاته (رضوان الله عليه) انفتاحه على الآخر، الآخر في المذهب والدين والمعتقد، فقد اتسع أُفقه الإنساني على كل الانتماءات، في إطار الحوار من أجل تبيين الحقائق وإيصالها إلى الآخر ثم تبصيره وهدايته، وأن أعماله تلك هي من بركات السير على خطى أهل البيت صلوات الله عليهم.

وتحت عنوان (خطاب للشيعة على مدار التاريخ) تنقل الصفحة (14) جانباً من لقاءات سماحة السيد المرجع مع زائرين من دول إسلامية، ويشير فيها سماحته إلى أهمية استثمار تطور وسائل الإعلام والتواصل في نشر وتعريف أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) إلى العالم، وهذا العمل بحاجة إلى أمرين، وهما: الهمّة في توفير الإمكانات المالية، وامتلاك لجان علمية وإدارية قديرة وجديرة.

وفي آخر العدد، عمود يتضمن جانباً من رؤى وأفكار الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي، بعنوان (رسالة عاشوراء) وفيها يشير، أعلى الله مقامه، إلى أن إحياء الإسلام، وإرجاع القرآن إلى الحياة، هو ما كان يهدف إليه الإمام الحسين (عليه السلام) من نهضته وشهادته، وذلك لأن الإسلام، الذي أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلّغه رسوله (صلى الله عليه وآله)، وضحّى من أجله أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل، والقانون الشامل، الذي باستطاعته وفي كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان، والمجتمع البشري، ويضمن له التقدم والرقي، والتطلع والازدهار.

وفي العدد أيضاً فقرات متنوعة على الصفحات (9، 13، 15، 16) تتضمن ومضات وعظية وإرشادية ومحطات فقهية وتاريخية.

نسأل الله تبارك وتعالى، أن يتقبل أعمالنا وأعمال العاملين في إحياء أمر أهل البيت صلوات الله عليهم، (قيم ومناسبات، مبادئ وذكريات)، والتمنيات لملايين المؤمنين والمؤمنات الذين سيكرسون أرواحهم وجهودهم وأموالهم وأوقاتهم للعمل بما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: "أما تحبّ أن تكون فيمن يُسْعِد فاطمة صلوات الله عليها". وذلك بإقامة الشعائر الحسينية في شتى بقاع العالم.

ودعاؤنا الى العلي القدير أن يحرس العتبات المقدسة وزوراها، في العراق وفي كل بقاع العالم، خاصة في كربلاء المقدسة، وقد أكملت استعداداتها لاستقبال ملايين الزائرين الذين يفدون من كل فج عميق:

لتلبية نداء الإيمان والعدل والحرية والثبات والبطولة: (لبيك يا أبا عبد الله

وليجددوا العهد الذي يتوهج في وجدان الشيعة، فيقولون ما قاله إمامهم الصادق عليه السلام، حينما خاطب جده سيد الشهداء: (إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري).

1/ المحرم الحرام/1438