الفهرس

آية الله السيد محمد رضا الشيرازي

الصفحة الرئيسية

 

الوجه السادس

(الوجه السادس) ـ مما أورد به على الترتب ـ اجتماع الوجوب والحرمة في (ترك المهم)، أما الوجوب فلأن ترك الضد مقدمة لوجود ضده، فيكون ترك المهم واجباً، وأما الحرمة فلأنه نقيض الواجب ـ أي المهم ـ فيكون حراماً.

والجواب:

أولاً: عدم تسليم الاقتضاء ـ كما مر ـ فلا حرمة.

ثانياً: عدم تسليم المقدمية ـ على ما قرر في مسألة (الضد) ـ فلا وجوب.

ثالثاً: عدم تسليم الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، على ما قرر في مبحث (مقدمة الواجب)، فلا وجوب أيضاً.

وقد يورد عليه بأن عدم التلازم بلحاظ عالم الحكم لا يجدي بعد الملازمة في عالم (الإرادة) وما يسبقها من (المبادئ) إذ إرادة الشيء تشريعاً كإرادته تكويناً مستلزمة لإرادة مقدماته فإذا تعلقت الإرادة بعدم المهم ـ لمكان مقدميته ـ استحال أن تتعلق الكراهة به ـ كما هو مقتضى الوجوب والاقتضاء ـ.

لكن قد يجاب ـ كما ذكره بعضهم ـ بأن إرادة المقدمة ليست بمعنى تعلق الشوق بها، بل بمعنى التحرك إليها وأعمال القدرة نحوها، لحكم الوجدان بأن لا شوق إلا نحو المطلوب النفسي فقط، فإن الحب والبغض ينشآن من ملائمة الشيء مع النفس أو منافرته معها، وحيثية المقدمية وتوقف المطلوب النفسي على المقدمة حيثية عقلائية تستوجب أعمال القدرة نحوها، وليست موجبة لملائمة أخرى مع الذات.

وينبه عليه: إمكان بغض المقدمة وحب ذيها فيما لو توقف إنقاذ النفس على بتر عضو من الأعضاء مثلاً، فإنه لا يخرج ـ بسبب مقدميته ـ عن كونه مبغوضاً.

وكذا لو اضطر الإنسان لارتكاب حرام يكرهه لتخليص نفسه من الهلكة.

وأيضاً: قد يبتهج الإنسان بالأثر المترتب على قتل ولي من الأولياء ـ من الهداية والإرشاد ونحوهما ـ مع حزنه على ما أصابه، وهكذا.

وعليه: فإعمال القدرة نحو المقدمة في الإرادة التكوينية لمكان الاضطرار إليها غير مستلزم للشوق إليها في الإرادة التشريعية.

ولا يخفى أن نظير ما ذكرناه في هذا الجواب ـ الثالث ـ يرد في الجواب الأول، فتدبر.

رابعاً: إن حرمة ترك المهم ـ باعتبار كونه نقيضاً للواجب ـ إنما هي على تقدير ترك الأهم لا مطلقاً، وأما وجوبه فهو ـ لكونه مقدمياً ـ يتبع الوجوب المتعلق بالأهم إطلاقاً وتقييداً وإهمالاً، وتقييد وجوب الأهم بتركه وإطلاقه لتركه محال، فترك المهم من حيث نفسه واجب، ومبنياً على تقدير ترك الأهم حرام، فليس في مرتبة ترك الأهم وعلى هذا التقدير إلا الحرمة لاستحالة وجوبه المقدمي في هذه المرتبة.

(وفيه): جواز إطلاق وجوب الأهم لحالة تركه وإلا لورد نظيره في كل موطن استحال فيه تقييد الحكم بتقدير من التقادير، كما في تقييد الحكم بتقدير العلم به أو كان التقييد فيه لغواً، كما في تقييد عدم الإبصار في حالة النوم بتقدير كون الإنسان أبيض ـ مثلاً ـ، ولأن المحذور ليس في ثبوت الحكم على المقيد كي يثبت المحذور في الإطلاق أيضاً، بل هو في التقييد، فلا يجري في المطلق، إذ مركزه نفس التقييد، والمفروض عدمه في المطلق وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى في مناقشة المقدمة الثانية من مقدمات المحقق النائيني (قده).

(مضافاً) إلى ما ذكره المحقق الأصفهاني في (النهاية) من أنه بعدما كانت الذات واحدة، وهي محفوظة في هذه المرتبة، لا يعقل أن تكون من حيث نفسها واجبة ومن حيث مرتبتها المتأخرة عن مرتبة الذات محرمة، لأن مناط رفع التضاد ليس اختلاف الموضوع بالرتب، بل بالوجود. انتهى.

وقد سبق البحث في ذلك في الوجه الأول من ما أورد به على الترتب.

خامساً: إن الواجب هو المقدمة الموصلة، لا مطلق المقدمة، فيكون الواجب هو ترك المهم الموصل ومع الإيصال ينتفي موضوع الأمر بالمهم، فلا يكون المهم واجباً، ليكون تركه حراماً. ومع عدم الإيصال لا وجوب للمقدمة فلا يجتمع الوجوب والحرمة على أي واحد من التقديرين.

ثم إنه يمكن تقرير هذا الوجه ـ السادس ـ بأن ترك المهم واجب ـ لمكان المقدمية ـ فلا يعقل أن يكون فعله أيضاً واجباً ومأموراً به بالأمر الترتبي.

وبهذا يستغنى في الدليل عن الاقتضاء.

لكن لا يخفى أن المحذور على هذا التقرير ليس هو الاجتماع، بل الحكم على طرفي الإيجاب والسلب لأمر واحد بحكمين لزوميين متماثلين، وهو محال.

ويرد على هذا التقرير بعض ما تقدم.

ثم إنه يمكن جعل مصب اجتماع الوجوب والحرمة (فعل المهم) بتقريب: أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص، فيكون المهم منهياً عنه ـ لكونه ضداً للأهم ـ ومأموراً به ـ لأنه المفروض عند القائل بالترتب ـ.

ويرد عليه:

أولاً: عدم تسليم الاقتضاء.

ثانياً: عدم تسليم المنافاة، فإن مبغوضية (فعل المهم) غيرية، فلا تنافي تعلق المحبوبية النفسية به، فإن مبغوضية الفعل ليست لملاك فيه يقتضيها، بل لمجرد المزاحمة للواجب الأهم. فيكون الفعل على ما هو عليه من الملاك المقتضي لمحبوبيته، لكن هذا الجواب لا يخلو من نظر، لأن الكلام في الأمر لا في المحبوبية، فتأمل.

ثم إنه يمكن جعل مصب الاجتماع (فعل المهم) بتقريب آخر وهو:

أن ترك المهم واجب ـ لمكان مقدميته لفعل الأهم ـ فيكون نقيضه ـ وهو فعل المهم ـ حراماً، فإذا فرض كون فعل المهم مأموراً به بالأمر الترتبي لزم الاجتماع.

وقد يجاب عنه ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ بأن مانعية الضد لكل واحد من أضداده غير مانعيته للآخر، فسد باب عدم الضد من ناحيته غير سد باب عدم ضد آخر من ناحيته، ومقدميته للضد الأهم تقتضي تفويته من هذه الجهة لا من سائر الجهات ونقيضه حفظه من هذه الجهة لا من سائر الجهات، فهو المبغوض، دون حفظه وسد باب عدمه من جميع الجهات، فلا مانع من محبوبية حفظه وسد باب عدمه من سائر الجهات.

وأورد عليه: بأن وجود المهم بوحدته مضاد لجميع أضداده ومانع عنها، وتركه مقدمة لكل واحد واحد منها، ولا يتعدد هذا الواحد بإضافته إلى أضداده وبكثرة اعتباراته، فإن مطابق طرد جميع أعدامه المضافة إلى أضداده شخص هذا الوجود.