الفهرس

آية الله السيد محمد رضا الشيرازي

الصفحة الرئيسية

 

الوجه الثالث

(الوجه الثالث) ـ مما أورد به على الترتب ـ ما نسب إلى المحقق التقي الشيرازي (قدس سره) وهو:

(إن الترك المحرم من المهم إما أن يكون الترك المطلق حتى إلى فعل الأهم، أو خصوص الترك المقارن لترك الأهم، وهو الترك غير الموصل إلى فعل الأهم.

فإن كان الأول فهو مناف لفرض الأهمية فإن مقتضاها جواز ترك المهم إلى فعل الأهم، ومناف لفرض طلب المهم على تقدير ترك الأهم ومعه كيف يعقل حرمة ترك المهم الموصل إلى فعل الأهم؟

وإن كان الثاني فنقيض ترك المهم المحرم حينئذ هو ترك الترك غير الموصل فهو المعروض للوجوب لا فعل المهم، نعم: له لا زمان أحدهما: الترك الموصل إلى فعل الأهم والآخر فعل المهم لكن الحكم ـ وهو الوجوب ـ لا يسري إلى لازم النقيض ـ ليكون المهم واجباً.

ومع فرض السريان أو فرض مصداقية الفعل لترك الترك يكون فعل المهم ـ حيث أنه له البدل ـ واجباً تخييرياً مع أن وجوب المهم تعييني، بناءً على ثبوته). انتهى.

ويرد عليه:

أولاً: ما في (النهاية) وهو: إن إيجاب المهم ليس من ناحية ترك المهم، بل لدليله المقتضي لحرمة نقيضه عرضاً.

ثانياً: سلمنا لكن نقيض (ترك المهم) هو (فعل المهم) لا (ترك ترك المهم).

وقولهم: (نقيض كل شيء رفعه) تخصيص بلا مخصص، ولذا أبدله بعضهم بقوله (رفع كل شيء نقيضه)، وإن لم يصلح معرّفاً، لكونه تعريفاً للرفع، لا للنقيض، فلا يدل على كونه أعم أو أخص أو مساوياً.

أو يراد بالمصدر القدر المشترك بين المبني للفاعل والمبني للمفعول فيراد بالرفع في السلب الرافع وفي الإيجاب المرفوع.

أو يراد بالرفع: الطرد الذاتي، حيث إن كل واحد من المتناقضين يطرد ما يقابله، بذاته.

وأما تفسير الرفع بالنفي والسلب، فيكون نقيض الإنسان هو (اللا إنسان)، ونقيض اللاإنسان هو (الا لا إنسان)، وأما الإنسان فهو لازم النقيض وليس بنقيض فهو يستلزم عدم تحقق التناقض بين شيئين أبداً، لعدم كون الإيجاب رفعاً للسلب، وإن كان السلب رفعاً للإيجاب، والمناقضة إنما تكون بين طرفين.

وعلى هذا يكون (فعل المهم) هو المعروض للوجوب ـ بناءً على اقتضاء حرمة الشيء وجوب ضده ـ لا (ترك ترك المهم) ليرد الإشكال المذكور في كلامه (قده).

ثالثاً: مع التسليم نقول: لم ترد كلمة (النقيض) في النصوص الشرعية لتكون هي محور الكلام في المقام، بل المحور هو (الملاك) الذي على أساسه بنيت دعوى (الاقتضاء)، والملاك كما يشمل (ترك ترك المهم) كذلك يشمل (فعل المهم) وإن فرض عدم كونه نقيضاً للترك في الاصطلاح.

رابعاً: ما في (النهاية) من أنه لو فرض قيام الدليل على حرمة ترك المهم على تقدير ترك الأهم ـ كما هو معنى الترتب ـ فنقيضه الواجب هو ترك الترك على هذا التقدير أيضاً، وليس لترك الترك في هذا التقدير إلا لازم واحد أو مصداق واحد وهو الفعل، إذ لا يعقل فرض الترك الموصل في تقدير ترك الأهم للزوم الخلف، فليس للفعل حينئذ عدل وبدل حتى يكون وجوبه تخييرياً. انتهى.

وهذا الجواب لا يخلو من تأمل، وذلك لأن القيد المأخوذ في القضية يجب أن يؤخذ قيداً للمنفي في القضية المناقضة لها، لا قيداً للنفي، وذلك لاشتراط وحدة موضوع القضيتين، في تحقق التناقض، ولا تتم الوحدة المذكورة إلا بذلك كي يتوارد النفي والإثبات على مصب واحد.

ومن هنا ذكروا جواز ارتفاع النقيضين عن المرتبة الماهوية، لعدم استلزامه ارتفاع النقيضين، إذ نقيض الوجود ـ المطلق أو المقيد ـ في المرتبة عدم الوجود في المرتبة على أن يكون الظرف قيداً للمنفي لا للنفي، فنقيض وجود الكتابة المرتبية هو: عدم الكتابة المرتبية لا عدم الكتابة المرتبي، فكذب الأولى لا يستلزم صدق الأخيرة لعدم كونها نقيضاً لها، فما هما نقيضان لم يرتفعا ـ لصدق عدم الكتابة المرتبية ـ وما ارتفعا ـ وهما الأولى والأخيرة ـ ليسا بنقيضين.

وعليه: يكون نقيض (ترك المهم حال ترك الأهم) ـ المعروض للحرمة ـ هو ترك (ترك المهم حال ترك الأهم) ـ بجعل الظرف قيداً للترك المدخول لا الداخل ـ فيكون واجباً ـ بناءً على اقتضاء حرمة الشيء وجوب ضده ـ ومن الواضح أن (ترك المهم حال ترك الأهم) مفاده الجمع بين التركين، فيكون مفاد ترك (ترك المهم حال ترك الأهم) ترك الجمع بين التركين، وهو كما يتم بفعل المهم كذلك يتم بفعل الأهم، فيكون لترك (ترك المهم حال ترك الأهم) لا زمان كما ذكره المحقق النقي (قدس سره).

والأقرب في رد إشكال تخييرية الوجوب ما سيأتي في الجهة الثالثة، من الفرض الخامس من (ما يناط به الأمر بالمهم) إن شاء الله تعالى.

ثم إن مصداقية الفعل لترك الترك غير تامة لما ذكره السيد الوالد (دام ظله) في مبحث (ثمرة المقدمة الموصلة) من (الأصول) وهو استحالة اتحاد الحيثية الوجودية مع الحيثية العدمية، فلا تكون إحداهما فرداً للأخرى.