|
ما أورد به على الترتب |
|
وقد أورد على (الترتب) بوجوه[1]. |
|
الوجه الأول: تطارد الطلبين |
|
الوجه الأول: ما ذكره صاحب الكفاية (قده) وهو: جريان محذور طلب الضدين في عرض واحد في المقام، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما، إلا أنه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما، بداهة فعلية الأمر بالأهم في هذه المرتبة وعدم سقوطه بمجرد المعصية فيما بعد ـ ما لم يعص ـ أو العزم عليها، مع فعلية الأمر بغيره أيضاً، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضاً. (والتفريق) بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك، بأن الطلب في كل منهما في الأول يطارد الآخر، بخلافه في الثاني، فإن الطلب بغير الأهم لا يطارد طلب الأهم، فإنه يكون على تقدير عدم الإتيان بالأهم فلا يكون يريد غيره على تقدير إتيانه وعدم عصيان أمره (مندفع) بأن عدم إرادة غير الأهم على تقدير الإتيان به لا يوجب عدم التطارد على تقدير العصيان فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير مع ما هما عليه من المطاردة من جهة المضادة بين المتعلقين، مع أنه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهم، فإنه على هذا الحال يكون طارداً لطلب الضد، كما كان في غير هذا الحال. انتهى. وهذا الوجه يمكن أن يتلخص في نقاط: الأولى: فعليه الطلبين على تقدير عصيان الأمر بالأهم. أما فعلية طلب الأهم: فلأن الأمر لا يسقط بالعصيان أو العزم عليه، إذ ذلك لا يوجب فوات الموضوع المسقط للتكليف. وأما فعلية طلب المهم: فلفعلية موضوعه. الثانية: تضاد متعلقي الطلبين، وإلا خرج الفرض عن موضوع المسألة، وأمكن اجتماع الأمرين بلا إشكال. الثالثة: سراية التضاد من المتعلقين إلى نفس الطلبين. الرابعة: إن تضاد الطلبين محال، أما لاستلزامه اللغوية، أو لاستحالة انقداح الطلب الحقيقي المتعلق بالمحال في نفس المولى ـ على اختلاف الوجهين في طلب المحال ـ. الخامسة: إنه لا فرق في استحالة التضاد بين كون التضاد مطلقاً ـ كما في الطلبين المسوقين المتعلقين بالضدين ـ أو على تقدير دون تقدير ـ كما في الطلبين الطوليين المسوقين على نحو الترتب ـ إذ يكفي في بطلان الملزوم ترتب لازم باطل عليه ولو في بعض الأحيان. السادسة: لو فرض عدم التطارد بين الأمرين في صورة تحقق موضوع الأمر بالمهم كفى في الاستحالة طرد أحد الجانبين للآخر، فإن الأمر بالمهم ولو لم يقتض طرد الأمر بالأهم فرضاً لكن الأمر بالأهم لا محالة يقتضي طرد الأمر بالمهم، ومعنى طرده له حينئذ أنه يكون مانعاً عن حدوث الأمر بالمهم ـ كما في (الوصول) ـ وسيأتي بعض البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. |
|
الإيراد الأول |
|
ويرد على هذا الوجه أمور: (أحدها): ما في نهاية الدراية وهو: (إن اقتضاء كل أمر لإطاعة نفسه في رتبة سابقة على إطاعته، لأنها مرتبة تأثيره وأثره، ومن البديهي أن كل علة منعزلة ـ في مرتبة الأثر ـ عن التأثير.. فيكون تمام اقتضاء الأمر لأثره في مرتبة ذاته المقدمة على تأثيره وأثره، ولازم ذلك كون عصيانه في مرتبة متأخرة عن الأمر واقتضائه لكون النقيضين في مرتبة واحدة، وعليه: فإذا أنيط أمر بعصيان مثل هذا الأمر فلا شبهة في أن هذه الإناطة تخرج الأمرين عن المزاحمة في التأثير، إذ في رتبة الأمر بالأهم وتأثيره في صرف القدرة نحوه لا وجود للأمر بالمهم، وفي رتبة وجود الأمر بالمهم لا يكون اقتضاء للأمر بالأهم.. فلا مطاردة بين الأمرين). وحاصل هذا الإيراد دفع محذور التطارد بين الأمرين بالطولية والاختلاف الرتبي فيما بين الطلبين. وهذا الإيراد يمكن تقريره في ضمن مقدمات: الأولى: إن اقتضاء كل علة لمعلولها في مرتبة ذاتها، لأن علية العلة مرتهنة بنحو وجودها الخاص، ونحو الوجود ليس خارجاً عن نفس الوجود، فإن كل مرتبة من الوجود بسيطة، وليس الشديد مركباً من أصل الحقيقة والشدة ولا الضعيف مؤلفاً من أصل الحقيقة والضعف، فليست المرتبة القوية من النور ـ مثلاً ـ نوراً وشيئاً زائداً على النورية، ولا المرتبة الضعيفة بفاقدة من حقيقة النور شيئاً أو بمختلطة بالظلمة التي هي أمر عدمي، بل لا تزيد كل واحدة من مراتبه المختلفة على حقيقة النور المشتركة شيئاً، ولا تفقد منها شيئاً، وإنما هي النور في مرتبة خاصة بسيطة، لم تتألف من أجزاء، ولم ينضم إليها ضميمة، وتمتاز عن غيرها بنفس ذاتها التي هي النورية المشتركة ـ كما مثل بهما في نهاية الحكمة ـ وهكذا الأمر في تقدم الوجود المتقدم، وتأخر الوجود المتأخر. الثانية: إن العلة متقدمة ـ بلحاظ الرتبة العقلية، على المعلول، أما بالعلية كما في العلة التامة، أو بالطبع كما في العلة الناقصة. الثالثة: إن الأمر علة للطاعة، فيكون اقتضاؤه لطاعته في مرتبة ذاته المتقدمة على طاعته. الرابعة: إن المعصية في رتبة الطاعة، بمقتضى كون النقيضين في رتبة واحدة فتكون متأخرة عن الأمر بالأهم. الخامسة: الأمر بالمهم منوط بعصيان الأمر بالأهم، فيكون متأخراً عنه تأخر كل مشروط عن شرطه، والمتأخر عن المتأخر عن الشيء متأخر عن ذلك الشيء فيكون الأمر بالمهم متأخراً عن الأمر بالأهم بمرحلتين. وعليه: فلا يكون ثمة تزاحم بين الأمرين. إذ في مرتبة الأمر بالأهم واقتضائه لا وجود للأمر بالمهم لعدم تحقق شرطه بعد، وفي مرتبة الأمر بالمهم لا وجود للأمر بالأهم، ولعدم تجافي الشيء عن رتبته، فالأمر بالأهم واقتضائه لا يتنزل عن رتبته السابقة ليكون في اللاحقة. |
|
النقيضان في مرتبة واحدة |
|
وفيه: (أولاً): إن مقولة كون النقيضين في مرتبة واحدة تحتمل بلحاظ ذاتها وجوهاً الصحيح منها غير مجدٍ في المقام، والمجدي فيه منها غير صحيح، وهي: الأول: تساوي نسبة الماهية إلى الوجود والعدم، وعدم كون أحد الطرفين أولى بها من الآخر، وكذا كل معروض بالنسبة إلى عوارضه المفارقة، فإنه لا يقتضي بذاته أحد طرفي السلب أو الإثبات، لا على نحو الوجوب ولا على نحو الأولوية، ومثلهما العلل الاختيارية ـ ما لم تبلغ مرحلة الفعلية ـ بالنسبة إلى النقيضين، كالإرادة منسوبة إلى طرفي المراد. والمراد بتساوي النسبة: تكافؤ الاحتمالين عند قصر النظر على ذات المعروض أو العلة ـ بما هي هي ـ وإن لم يخل الشيء عن الوجوب بالغير أو الامتناع كذلك بلحاظ علله أو محمولاته وجوداً وعدماً، فإن الإمكان الذاتي لا ينافي الوجوب أو الامتناع الطارئ من قبل الغير (المعبر عنه بالوجوب السابق)، والوجوب بشرط المحمول (المعبر عنه بالوجوب السابق)، والوجوب بشرط المحمول (المعبر عنه بالوجوب اللاحق)، بل لا يخلو الممكن منهما أبداً. الثاني: إن نقيض وجود الشيء في مرتبة من مراتب الواقع ليس إلا عدم وجوده في تلك المرتبة، وكذا العكس، بداهة عدم تحقق التعاند في غير هذه الصورة، فوجود الناطقية في مرتبة ذات الإنسان يناقضه عدم وجودها فيها، لا عدمه في مرتبة أخرى، ووجود المعلول في المرتبة المعلولية يناقضه عدم وجوده فيها لا عدم وجوده في رتبة العلة، ومن هنا كان عدم الشيء في الحقيقة هو العدم المجامع، أما العدم السابق أو اللاحق فليس عدماً له في الحقيقة للبداهة، واشتراط وحدة الزمان في التناقض. وقد يؤيد ذلك: بأن عدم الوجود في تلك المرتبة مناقض للوجود فيها، فلو كان عدم الوجود في غيرها مناقضاً للوجود فيها لزم تعدد النقائض، مع أن نقيض الواحد لا يكون إلا واحداً، وإلا لزم عند صدق أحد طرفي المتعدد دون الآخر ارتفاع النقيضين إن لم يصدق الواحد، واجتماع النقيضين إن صدق الواحد. وكون عدم وجود الشيء ـ مطلقاً وبلا تقييده بقيد مكاني أو زماني أو نحوهما ـ مناقضاً لوجوده المقيد بقيد خاص، مع كون عدم (ذلك الوجود المقيد) مناقضاً له أيضاً لا يستلزم تعدد النقائض، إذ تناقض الأول مع (الوجود المقيد بالقيد الخاص) إنما هو باعتبار تضمنه للأخير، فتناقض السلب الكلي معه تناقض بالتبع وبلحاظ احتوائه على الحصة ـ وهي سلب (الوجود المقيد المزبور) ـ وإلا فسائر حصص السلب لا تتناقض مع الحصة الوجودية الخاصة، لعدم وحدة المصب، ولذا لا يكون ثمة تناف بين القضيتين المحتويتين عليهما، ويكون من الممكن صدقهما معاً. وهذا الوجه (الثاني) إن أريد به ضرورة اتحاد الرتبة المأخوذة في متعلق النفي والإثبات ولزوم صبهما عليه بلحاظ تلك المرتبة فصحيح، ومرجعه إلى اعتبار وحدة الموضوع في التناقض، وإن أريد به أن المرتبة التي تكون قيداً لذات أحد النقيضين تكون قيداً لذات الآخر فغير صحيح. إذ أن قولنا: (نقيض الوجود في مرتبة من مراتب الواقع ليس إلا عدم الوجود في تلك المرتبة) ليس بمعنى (أن نقيض الوجود المقيد بالكون في المرتبة كائن معه في تلك المرتبة)، فإن المرتبة في النقيض يجب أن تكون قيداً للمسلوب لا للسلب، فإن نقيض (الوجود المرتبي) هو (عدم الوجود المرتبي) بجعل القيد قيداً للمنفي لا للنفي، ونقيض (المقيد) هو (انتفاء المقيد) على نحو الإضافة، لا (الانتفاء المقيد) على نحو التوصيف، وإلا اختلت الوحدة الموضوعية المعتبرة في التناقض، وذلك لانحفاظ وحدة موضوع القضيتين المتناقضتين في قولنا: (الوجود المرتبي متحقق) و (ليس الوجود المرتبي متحققاً) ـ بجعل القيد قيداً للمسلوب ـ وعدم انحفاظ الوحدة لو كان القيد للسلب، إذ يصبح الموضوع مقيداً في القضية الموجبة، ومطلقاً في القضية السالبة، مضافاً إلى أن العدم لا ذات له حتى يشغل مرتبة من مراتب الواقع فلابد ـ إذاً ـ من كون المرتبة ظرفاً للمنفي لا للنفي، وكون الرفع رفعاً للمقيد لا رفعاً مقيداً، ومن هنا ذكروا أن انتفاء الوجود والعدم عن الماهية، وسائر المعاني المتقابلة عن المعروضات ـ وإن كانت من لوازمها التي لا تنفك ـ ليس من ارتفاع النقيضين، إذ ليس العدم المرتبي نقيضاً للوجود المرتبي حتى لا يمكن ارتفاعهما معاً، بل نقيض (الوجود المرتبي) عدم (الوجود المرتبي)، وهو صادق في الماهية، لعدم أخذ الوجود في مرتبة ذات الماهية، ولا اللوازم في حد ذات المعروضات، فما هما نقيضان لم يرتفعا، لصدق (عدم الوجود المرتبي) ـ بجعل الرتبة قيداً للمنفي ـ، وما ارتفعا ليسا بنقيضين. وهذا هو الذي ينبغي أن يكون المراد بقولهم: (إن ارتفاع النقيضين عن المرتبة ليس بمستحيل، وإنما المستحيل ارتفاعهما عن الواقع مطلقاً وبجميع مراتبه) فيكون إطلاق النقيضين على الوجود والعدم المقيدين من باب المسامحة وباعتبار حالهما لو أخذا مطلقين، لا ما هو ظاهره، إذ القاعدة العقلية لا تقبل التخصيص. الثالث: أنه لا تقدم ولا تأخر ـ بلحاظ الرتبة ـ بين ذاتي النقيضين فلا يكون وجود الشيء علة لعدمه، ولا عدمه علة لوجوده ببديهة العقل. الرابع: إن النقيض في نفس رتبة البديل مضافاً لثالث ـ يكون علة أو معلولاً أو نحوهما ـ، بأن يكون التأخر الرتبي للثالث عن أحدهما ملازماً لتأخره عن البديل، ويكون التقدم الرتبي له عليه ملازماً لتقدمه على البديل. وما عدا الوجه الأخير لا يجدي في المقام ـ وإن سلم بلحاظ الكبرى ـ وأما الوجه الأخير فيمكن الجواب عنه بأجوبة ثلاثة: الجواب الأول: إن الوجود هو المصحح للسبق واللحوق، فلا سبق إلا في الوجودات، كما لا مسبوقية إلا فيها، فلا يكون العدم علة لعدم آخر، ولا الوجود علة للعدم، ولا العدم علة للوجود، لأن العدم باطل الذات، وهالك الذات، ولا شيئية محضة، فكيف يؤثر في غيره، أو يتأثر عن غيره، أو يكون سابقاً أو لاحقاً، مع أن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، وما يرى من تخلل الفاء بين الأعدام، أو بينها وبين الوجودات ـ على غرار تخللها بين نفس الوجودات ـ فإنما هو بنوع من التقريب والمجاز على ما قرر في محله. ثم إنه إما أن يقال بعدم إمكان تعلق الأوامر بالأعدام ـ باعتبار أنها لا تؤثر ولا تتأثر، فيكون المطلوب ومتعلق الإرادة النفسانية في الأوامر: الفعل، كما ان المكروه ومتعلق الكراهة في النواهي: الفعل، كما ذهب إليه السيد الوالد دام ظله في (الأصول) ـ. أو يقال: بإمكان تعلقها بالأعدام كإمكان تعلقها بالوجودات ـ باعتبار أن الأمر ناشئ عن قيام مصلحة إلزامية في متعلقه، كما أن النهي ناشئ عن قيام مفسدة إلزامية في متعلقه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المتعلق فعل الشيء أو تركه: كالأمر بالصوم الناشئ عن قيام مصلحة ملزمة في التروك المعهودة، ولذا يقال: الصوم واجب، ولا يقال: إن فعل المفطرات محرم، على ما في (المحاضرات) ـ. (فعلى الأول) يقرر الجواب: بأن تقدم الأمر المتعلق بالمهم على طاعته ـ التي يجب أن تكون حيثية وجودية حسب هذا المبنى ـ لا يستلزم تقدمه على نقيضها العدمي، لما ذكر من أن السبق واللحوق لا مسرح له إلا في الوجودات. مع أن إطلاق كون الطاعة في رتبة متأخرة عن ذات الأمر محل تأمل، فإن الوجود الإمكاني تابع ـ في حدوثه وبقائه ـ لعلله الخاصة التي بها وجوده يجب، والأمر وإن أمكن أن يكون علة ـ على ما في النهاية ـ أو جزء علة ـ على ما هو الأصح ـ للطاعة إلا أنه يمكن أن تكون العلة غيره أيضاً، فلا يتم الإطلاق المزبور بلحاظ الكبرى، وعليه ينبغي تقييد التأخر بوقوع الأمر في سلسلة عللها الوجودية. (وعلى الثاني) يقرر الجواب: بأن الطاعة لا تخلو من أن تكون حيثية وجودية أو عدمية، فإن كانت حيثية وجودية فقد ظهر الحكم فيها مما سبق، وإن كانت حيثية عدمية فلا تقدم للأمر عليها كي يستدل بذلك على تقدمه على نقيضها الوجودي ـ وهو العصيان ـ باعتبار اتحاد رتبة النقيضين. الجواب الثاني: إن انتزاع مفهوم معين من شيء خاص لا يكون اعتباطاً، بل لابد من أن يكون في منشأ الانتزاع خصوصية معينة بها صح الانتزاع، وإلا لانتزع كل شيء من كل شيء، فانتزاع مفهوم العلية من العلة لا يكون إلا لوجود خصوصية فيها ـ وهي كون وجوب المعلول قائماً بها مستنداً إليها ودورانه مدارها وجوداً وعدماً ـ وهكذا سائر المفاهيم الانتزاعية كالفوقية والتحتية والمحاذاة ونحوها. والمعية والسبق واللحوق مفاهيم انتزاعية يحتاج انتزاعها إلى مصحح، هو تلك الخصوصية الكامنة في منشأ الانتزاع، فمجرد كون الشيء بديلاً للنقيض لا يصحح تسرية ما اتصف به إليه ما دام فاقداً للخصوصية المصححة للانتزاع. نعم، لو كان البديل واجداً ـ كالنقيض ـ لتلك الخصوصية صح الانتزاع منه ـ كما صح الانتزاع من النقيض ـ لا لكونه بديلاً للنقيض، بل لكونه واجداً للملاك كالنقيض. وإلى هذا أشار المحقق الأصفهاني في (نهاية الدراية) بقوله: (إن تأخر الإطاعة ـ بمعنى الفعل ـ عن الأمر لكونه معلولاً له لا يقتضي تأخر العصيان النقيض لها عن الأمر إذ ليس فيه هذا الملاك، والتقدم والتأخر لا يكونان إلا لملاك يوجبهما فلا يسري إلى ما ليس فيه الملاك). واستشهد على ذلك في موضع آخر: (بأن الشرط وجوده متقدم بالطبع على مشروطه قضاءاً لحق الشرطية، وعدمه لا تقدم له بالطبع على مشروطه، لأن التقدم بالطبع لشيء على شيء بملاك يختص بوجوده أو عدمه لا أن ذلك جزاف بخلاف التقدم الزماني والمعية الزمانية فإن نقيض المتقدم زماماً إذا فرض قيامه مقامه لا محالة يكون متقدماً بالزمان. ولذا قيل: إن ما مع العلة ليس له تقدم على المعلول، إذ التقدم بالعلية شأن العلة دون غيره، بخلاف ما مع المتقدم بالزمان فإنه أيضاً متقدم لأنه في الزمان المتقدم. وبالجملة: التقدم بالعلية أو بالطبع الثابت لشيء لا يسري إلى نقيضه، ولذا لا شبهة في تقدم العلة على المعلول، لا على عدمه كما أن المعلولين لعلة واحدة لهما المعية في الرتبة وليس لنقيض أحدهما المعية مع الآخر كما ليس له التأخر عن العلة) انتهى. ويلاحظ عليه: 1 ـ عدم معقولية اشتراك الملاك وما يتبعه من الوصف الانتزاعي بين النقيضين ـ ولو في الزمانيات ـ لما سبق من أنه لا مسرح للسبق واللحوق إلا في الوجودات إلا أن يكون الكلام مسوقاً على نحو التقريب والمجاز. 2 ـ لو سلم الاشتراك فهو لا يختص بالسبق الزماني، بل يشمل أيضاً السبق بالرتب الحسية، ولعل المراد التمثيل لا الحصر. 3 ـ إن تقدم مفاد ليس التامة على الناقصة يصير التعليل بفقدان الذات أولى من التعليل بفقدان الوصف فيما نحن فيه فـ (ليس النقيض العدمي) ـ كما هو مفاد الجواب الأول ـ مقدم على (ليس ذا ملاك) ـ كما هو مفاد الجواب الثاني ـ ولذا يعلل عدم العارض عند عدم المعروض به، لا يفقد المقتضي أو وجود المانع عن العروض ـ اللذين هما مفاد كان الناقصة ـ لأنه لا يكون إلا بعد الفراغ عن ثبوت أصل الشيء ـ الذي هو مفاد كان التامة ـ ومن هنا ذكروا: أن (هل البسيطة) مقدمة على (ما الحقيقية) لتقدم منشأ الانتزاع على العنوان الانتزاعي، وعلى (هل المركبة) لأن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له. نعم: يصح هذا الجواب (الثاني) لو سيق على نحو الترتب على الجواب الأول، بأن يقال: لا ذات للنقيض العدمي، ومع التسليم: فليس ذا ملاك، كما لا يخفى. الجواب الثالث: إن المعية بين النقيضين كما تقتضي اتحادهما في الرتبة كذلك تقتضي وحدة سنخ الملاك الذي يكون فيه التقدم والتأخر الرتبيان، وحينئذ ينتقض ذلك بالتقدم بالعلية، فإن العلة متقدمة على المعلول، وملاك هذا التقدم: اشتراكهما في وجوب الوجود مع كون وجوب العلة بالذات ووجوب المعلول بالغير، فلو كان نقيض المعلول متأخراً عنها بالعلية لزم اجتماع النقيضين لفرض تحقق العلة التي تفيض الوجوب عليهما، وهو محال، مضافاً إلى أنه لابد أن يكون لكل علة طبيعية خصوصية بحسبها يصدر عنها المعلول المعين، ولا يمكن فرض خصوصية في العلة تكون مصدراً للعدم كما هي مصدر للوجود ـ وكذا ينتقض بالتقدم بالتجوهر، وهو تقدم أجزاء الماهية ـ من الجنس والفصل ـ عليها، وملاكه اشتراك المتقدم والمتأخر في تقرر الماهية مع توقف تقرر المتأخر على المتقدم، فلو كانت نقائض أجزاء الماهية متقدمة عليها بالتجوهر لزم دخول النقائض في قوام الماهية، وهو بديهي البطلان، فتأمل. هذا كله (إن) أريد بالطاعة: نفس الفعل، وبالعصيان: نقيضه كما هو مقتضى الاستدلال على اتحاد رتبتهما بمقولة (النقيضان في رتبة واحدة) ـ إذ النقيضان هما نفس الفعل والترك بما هما هما، لا بما أنهما موصوفان بوصف زائد على ذاتهما وإن كان في إطلاق الطاعة والمعصية حينئذ عليهما نوع مسامحة، إذ ليس مطلق الفعل والترك طاعة ومعصية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ. وقد تحصل من ذلك: أن تأخر الطاعة عن الأمر ـ لكونه علة لها أو جزء العلة، على ما تقدم من الوجهين ـ لا يقتضي تأخر العصيان عنه. وأما (إن) أريد الطاعة والمعصية اللتان تنتزعان من موافقة المأتي به للمأمور به وعدمها ـ سواء كان العدم على نحو السالبة بانتفاء الموضوع بأن لا يكون هناك مأتي به، أو السالبة بانتفاء المحمول، بأن يكون المأتي به غير موافق للمأمور به ـ فمع أنهما ليسا بنقيضين، إذ هما من قبيل العدم والملكة، ومع أن كون النقيضين في رتبة واحدة ممنوع، لكن مع ذلك يصح القول بتأخرهما عن الأمر، كما قال المحقق الأصفهاني في (النهاية): (الإطاعة والمعصية الانتزاعيتان لهما التأخر الطبعي عن الأمر، لوجود الملاك لا لكون أحدهما نقيض ما فيه الملاك، فإن ملاك التأخر والتقدم الطبعيين هو أنه يمكن أن يكون للمتقدم وجود ولا وجود للمتأخر، ولا يمكن أن يكون للمتأخر وجود إلا والمتقدم موجود، وهنا كذلك إذ يستحيل تحقق عنوان الإطاعة إلا مع تحقق الأمر، ولكن يمكن أن يتحقق الأمر ولا إطاعة، وكذلك يستحيل تحقق العصيان للأمر بلا تحقق للأمر، ويمكن تحقق الأمر ولا عصيان). انتهى. وما ذكره من تقدم الأمر على طاعته وعصيانه ـ بما هما كذلك ـ متين، وذلك لتقومهما (بتحقق) التكليف المولوي ـ أولاً ـ فمع عدم تحققه لا يكون الفعل أو الترك طاعة أو عصياناً، بل تجرياً أو انقياداً، وحرمة التجرّي ـ لو سلمت ـ ليست بلحاظ التكليف المتجرّى عليه، إذ لا واقعية له، بل باعتبار المخالفة الحقيقية للتكليف الواقعي بعدم هتك حرمة المولى والطغيان عليه. (وبالالتفات) إلى التكليف ـ ثانياً ـ، فمع عدمه لا طاعة ولا عصيان ـ مع عدم التقصير، فإن الامتناع بالاختيار لا ينافيه ـ. وكون التكليف الواقعي ثابتاً في حق غير الملتفت ـ لما تقرر من قاعدة الاشتراك ـ لا ينافي عدم صدقهما في حقه. (وبالانبعاث) عن بعث المولى. والانزجار عن زجره، في الطاعة ـ ثالثاً ـ أما لو كانا بدافع آخر فقط أو مشتركاً بأقسامه، فلا تصدق الطاعة، وسقوط التكليف بالانبعاث ـ لا عن بعثه ـ أو الانزجار ـ لا عن زجره ـ في غير التعبديات ليس لصدق الطاعة، بل لتحقق الغرض. فتحصل من ذلك: تأخر الطاعة والعصيان عن الأمر، بأكثر من مرتبة واحدة ومن هنا قد يستبدل بتعليق (الأمر بالمهم على العصيان بمعنى مجرد الترك) تعليقه على (العصيان الانتزاعي) المتأخر عن الأمر طبعاً، ويستغنى عن مقولة كون النقيضين في رتبة واحدة، في إيراد النهاية عن ما ذكره صاحب الكفاية (قده)، فلا يتم ما ذكر في رد الإيراد لثبوت تأخر العصيان عن الأمر بالأهم، لا لاتحاد رتبة النقيضين، بل لما سبق. فتحصل من كل ما سبق: إن مقولة كون النقيضين في مرتبة واحدة تحتمل عدة معان والثلاثة الأول منها لا تجدي في المقام، ولو سلمت في حد ذاتها والرابع هو المجدي فيه. وحينئذ فإما أن يراد بالطاعة والمعصية: نفس الفعل والترك أو يراد الطاعة والمعصية الانتزاعيتان. فإن أريد الأول: ورد على مقولة (النقيضان في رتبة واحدة) ـ التي استند المستدل إليها لإثبات اتحاد رتبة الطاعة والمعصية ـ: 1 ـ إن مسرح السبق واللحوق يختص بالأمور الوجودية والطاعة إن كانت حيثية وجودية فتقدم الأمر عليها لا يستلزم تقدمه على نقيضها العدمي ـ أي العصيان ـ مع أن تقدمه عليها ليس مطلقاً، إذ لا يتم إلا في صورة وقوع الأمر في سلسلة عللها الوجودية وإن كانت حيثية عدمية فلا تقدم للأمر عليها كي يسري هذا الوصف إلى نقيضها الوجودي ـ أي العصيان ـ. 2 ـ إن التقدم والتأخر لا يكونان إلا بملاك يقتضيهما، فلا يسريان إلى النقيض الفاقد للملاك. 3 ـ وإن الكلية المذكورة تنتقض بالتقدم بالعلية وبالتجوهر. (وإن أريد) الطاعة والمعصية الانتزاعيتان صح ما ذكر من تقدم الأمر ـ تقدماً بالطبع ـ عليهما. |
|
تزاحم الاقتضاءين في فرض التعليق |
|
(ثانياً): إن ما ذكر من خروج الأمرين ـ بالتقييد ـ عن التزاحم في التأثير للاختلاف الرتبي بينهما إنما يتم لو كان الأمر بالمهم مشروطاً، أما لو فرض كونه معلقاً ـ بأن يكون التقييد للمادة، لا للهيئة ـ وسبق الأمر العصيان فيتزاحم الاقتضاءان من دون تقدم وتأخر ـ إذ لا فرق في المعلق بين إناطته بأمر غير مقدور بذاته ـ كالوقت ـ أو بأمر مقدور بذاته ـ كالعصيان ـ لوحدة الملاك، خلافاً لما نسب إلى بعضهم من اشتراط المقدورية بالذات وسيأتي تمام الكلام في ذلك في أدلة القول بالإمكان إن شاء الله تعالى. |
|
ملاك التزاحم: المعية الوجودية |
|
(ثالثاً): ما في (نهاية الدراية) وهو: (إن ملاك التزاحم والتضاد في مورد ليس المعية الرتبية بل المعية الوجودية الزمانية، فمجرد عدم كون أحد المقتضيين في رتبة المقتضي الآخر لا يرفع المزاحمة بعد المعية الوجودية الزمانية، بل اللازم بيان عدم منافاة أحد الاقتضاءين للآخر لمكان الترتب، لا عدم المنافاة، للتقدم والتأخر الرتبيين، وما ذكر من عدم اقتضاء الأمر بالأهم في رتبة وجود الأمر بالمهم معناه عدم معية الاقتضاءين رتبة، لا سقوط أحد الاقتضاءين عن الاقتضاء والتأثير مع وجود الاقتضاء الآخر، والفرض أن مجرد تأخر الأمر بالمهم عن الأمر بالأهم بحسب الرتبة مع المعية في الاقتضاء وجوداً زمانياً لا يدفع الاستحالة، إذ مناطها هي المعية الكونية الزمانية في المتزاحمات والمتضادات، وليست الرتبة من المراتب الوجودية). وهذا الجواب وإن تم بلحاظ الكبرى، لكن لا يخفى عدم تحقق الموضوع ـ وهو التضاد ـ في المقام (لا) لما في (التهذيب) من خروج الأحكام عن تقابل التضاد بأخذ قيد التعاقب على موضوع واحد فيه، إذ المراد من الموضوع هو الموضوع الشخصي لا الماهية النوعية، ومتعلقات الأحكام لا يمكن أن تكون هي الموجود الخارجي فلا معنى للتعاقب وعدم الاجتماع فيها. انتهى. (وذلك) لعدم دخل طبيعة المعروض في تحقق التضاد وعدمه، بل طبيعة العارض هي الملاك، فالمعروض المتصف بوصف خاص يستحيل أن يعرض عليه ما يضاده من الأوصاف وإن كان المعروض كلياً، لعدم حصول ميز له بذلك من هذه الجهة في نظر العقل، ولأن الصفة لا تحمل على الشيء إلا إذا كانت فيه خصوصية بها يصح الحمل، وإلا لحمل كل شيء على كل شيء، ومع وجود تلك الخصوصية يستحيل وجود ما يضادها فيه، فلا يمكن حمل الضد عليه، ولا فرق في ذلك بين كون المعروض ذهنياً أو خارجياً، إذ الذهن مرتبة من مراتب الخارج، وكونه ذهنياً إنما هو بالقياس، فكما أن السواد والبياض صفات للوجودات العينية، كذلك الكلية والجزئية والمعرفية ونحوها صفات للوجودات الذهنية التي هي مرتبة من مراتب الخارج. وعلى هذا فالتضاد يعم: (ما) كان ذا وجود محمولي في العين، كالسواد والبياض. و (ما) كان ذا وجود رابط فيه ـ كالزوجية والإمكان مما كان من المعقولات الثانية الفلسفية التي يتحقق عروضها في الذهن والاتصاف بها في الخارج، وإن لم تنحصر فيه، لشمولها للمنطقية. و (ما) كان ذا وجود ذهني ـ كالكلية والجزئية (بناءً على كونهما ضدين) ونحوهما من المعقولات الثانية المنطقية التي يكون الاتصاف بها ـ كعروضها ـ في الذهن. (نعم) يصح ما في (التهذيب) لو أريد به: أن وجود الشيء رهين بتشخصه، فإن الشيء ما لم يتشخص لم يوجد، ومع عدم وجوده يستحيل أن يكون معروضاً للعوارض، فلا تجري عليه أحكام التضاد ـ من باب السالبة بانتفاء الموضوع ـ وبعبارة أخرى: الماهية بما هي هي أمر اعتباري فلا يتعاقب عليها الضدان، بل المعروض الماهية بما هي موجودة، فتأمل. هذا ويمكن الاستدلال على عدم التضاد في المقام بأن الأحكام الخمسة وما تنطوي عليه من بعث وزجر واقتضاء وتحريك أمور اعتبارية لا تحقق لها إلا في وعاء الاعتبار لكون حدوثها منوطاً بحدوث الاعتبار، وبقائها منوطاً بدوام الاعتبار، ولا شيء من الحقائق التكوينية ـ متأصلة كانت أو انتزاعية ـ كذلك. ومن الواضح: عدم تحقق التضاد في الأمور الاعتبارية ـ بالمعنى الأخص للاعتبار، لا بالأعم الشامل للانتزاعيات ـ لكون مسرحه ـ كالتماثل غيرها، لشهادة الوجدان بعدم التضاد بين الأحكام ـ بلحاظ ذاتها ـ لو جردت عما يكتنفها في طرفي المبدأ والمنتهى من الملاك، والإرادة، ومقدماتها، والجري العملي. وعليه فيكون فرض المعية الوجودية غير قادح في جواز الاجتماع ـ إن قصر النظر على الأمر واقتضائه ـ فلابد أن يراد ـ مما في (النهاية) من أن المعية الوجودية بين الأمرين تستلزم التضاد بينهما ـ التضاد بالعرض، فإن التضاد قد يكون بالذات ـ وهو ما كان التضاد فيه ذاتياً ناشئاً من ذات المتضادين وقد يكون بالتبع ـ وهو ما كان التضاد فيه غيرياً معلولاً لعلة خارجة عن الذات، وقد يكون بالعرض وهو ما وصف بالتضاد تجوزاً لملابسة بينه وبين ما اتصف ـ حقيقة ـ به. والأول: كالتضاد بين المتعلقين. والثاني: كالتضاد بين الإرادتين المتعلقتين بهما. والثالث: كالتضاد بين الأمرين المنصبين عليهما. وحينئذ فيقرر الإيراد: بأن التعدد الرتبي بين المتعلقين، أو الإرادتين لا يدفع محذور التضاد بعد المعية الوجودية المفروضة بينهما. ثم إن ما اعتبره في (النهاية) من (المعية الزمانية) في التضاد لعله باعتبار المورد، أو يراد به مطلق المعية الوجودية وإن لم تكن في أفق الزمان ـ تجوزاً ـ وإلا فالتجرد لا يسوغ التضاد ـ كما ألمع إليه السيد الوالد (دام ظله) في الأصول ـ، ولذا يستحيل اتصاف المجرد بالأوصاف المتضادة كاستحالة اتصاف المادي بها. |
|
النقض بأخذ العلم بالحكم موضوعاً لحكم ضده |
|
(رابعاً): لو كان الاختلاف الرتبي مجدياً في دفع التطارد لأجدى في أخذ العلم بالحكم موضوعاً لحكم ضده لتأخره عنه برتبتين ـ لتأخر العلم فيما نحن فيه عن معلومه والمحمول عن موضوعه ـ فيخرج الحكمان عن المزاحمة في التأثير بنفس التقريب المتقدم. ووحدة سنخ الحكم، وتعدد المتعلق في الأمر الترتبي بخلاف مورد النقض لا تصلح فارقاً ـ على فرض التسليم ـ، بعد وحدة الملاك، إذ كما أن الحكمين في مورد النقض متضادان كذلك الحكمان في مورد الترتب ـ لسراية التضاد من المتعلقين إلى الحكمين ـ فالتعدد الرتبي إن أجدى في دفع التضاد بين الحكمين أجدى في مورد النقض أيضاً، وإن لم يجد لم يجد في الأمر الترتبي أيضاً. ويرد عليه: عدم تسليم الملازمة، لعدم انحصار محذور الأخذ المذكور في تزاحم الاقتضاءين كي ينظر به المقام، بل يمكن أن يكون استلزامه للّغوية ـ مثلاً ـ، لامتناع تصديق المكلف به، لفرض علمه بالضد فلا يمكن جعله بداعي جعل الداعي الامتثالي، لعدم ترتبه عليه، وما لا يترتب على الشيء في علم الجاعل لا يمكن أن يكون غرضاً للجعل. نعم، لا بأس بجعله بدواع أخر، على ما حرر في محله، فما نحن فيه من صغريات الردع عن العمل بالقطع، واستحالته نابعة من استحالته. (اللهم) إلا أن يقال بجريان محذور اللغوية في المقام أيضاً، لامتناع تصديق المكلف بأمرين متواردين على متعلقين متضادين، لمكان التضاد القائم بينهما، فيلزم من منع تسويغ أحدهما ـ وهو أخذ العلم بالحكم موضوعاً لحكم ضده ـ منع تسويغ الآخر، وبعبارة أخرى: كلا المقامين من مصاديق توجيه حكمين متضادين إلى المكلف فتكون المحاذير مشتركة بينهما، لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد. (لكن) هذا الكلام لا يخلو من نظر على ما سيأتي في أدلة القول بإمكان الترتب إن شاء الله. |
|
النقض بتقييد الأمر بالمهم بفعلية الأمر بالأهم |
|
(خامساً): ما في (مباحث الدليل اللفظي) من النقض بما إذا قيد الأمر بالمهم بفعلية الأمر بالأهم، فإنه فيه تتعدد رتبة الأمرين واقتضائهما، مع عدم ارتفاع غائلة تعلق الأمر بالضدين بذلك. ويرد عليه نظير ما ورد على سابقه بتقريب: إن سد باب العدم على (تقييد الأمر بالمهم بفعلية الأمر بالأهم) من ناحية تطارد الأمرين، بتعدد الرتبة لا يجدي في جوازه، وإن أجدى في (التقييد بالعصيان) فرضاً لأن وجود الشيء مشروط بسد جميع أبواب العدم عليه ـ فإن تحقق الشيء ـ مرهون بوجود علته التامة، ولا تحصل إلا بسد جميعها عليه بخلاف عدمه الذي يكفي فيه انفتاح باب واحد من أبواب العدم، ولو مع سد جميع الأبواب الأخر فسد باب العدم على (التقييد بالفعلية) من ناحية تزاحم الاقتضاءين بتعدد الرتبة لا يجدي ما لم ينسد باب العدم من النواحي الأخر، كلزوم اللغوية، إذ يكون الأمر بالأهم لغواً، لعدم صلاحيته للمحركية والباعثية، فيلغو جعله، بل يستحيل انقداح الداعي لجعله في نفس المولى لوجود المانع عن الانبعاث نحوه عند فعليته ـ وهو الأمر بضده ـ والمانع الشرعي كالعقلي فكما يستحيل انقداح الداعي الحقيقي للأمر الجدي بالمحال العقلي، كذلك يستحيل انقداح الداعي للأمر بالمحال الشرعي. وعليه: فلا يصح النقض على (الأمر الترتبي المنوط بالعصيان) بـ (الأمر الترتبي المنوط بالفعلية) لإمكان التفريق بينهما بإمكان الأول ـ لإجداء تعدد الرتب وعدم اللغوية ـ واستحالة الأخير ـ للغوية ـ. وسوق باقي الكلام فيه كسوقه فيما تقدمه. |
|
النقض بتقييد الأمر بالمهم بامتثال الأمر بالأهم |
|
(سادساً): ما في المباحث ـ أيضاً ـ من النقض بما إذا قيد الأمر بالمهم بامتثال الأمر بالأهم لا بعصيانه، فإن تعدد الرتبة لا يجدي حتى عند القائل بالترتب. وأجاب عنه: بأنه على تقدير الامتثال يكون فعل المهم غير مقدور في نفسه، إذ الضد المقيد بوجود ضده ممتنع، فيكون الأمر به أمراً بالممتنع في نفسه، بخلاف الأمر بالضد حال ترك ضده، إذ هو مقدور في نفسه. وفيه: إن مقدورية (فعل الشيء) ـ أي المهم ـ حال (ترك الضد) ـ أي الأهم ـ إنما تتم لو أخذ مطلقاً وبما هو هو، أما لو أخذ بما أنه مأمور بضده ـ الأهم ـ فلا فرق بين الحالين في استحالة الشيء ـ أي المهم ـ لوجود المانع عنه ـ وهو الأمر بضده الأهم ـ. نعم، عدم قدرة المكلف على إتيان المهم ـ حين ترك الأهم ـ شرعي أما عدم قدرته عليه ـ حين الإتيان بالأهم ـ فهو عقلي لكن ذلك لا يكون فارقاً لأن المانع الشرعي كالعقلي، وليس عدم القدرة شرعاً باعتبار اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده، بل باعتبار داعوية الأمر بالأهم إلى امتثاله وصرفه قدرة المكلف نحوه، فلا يبقى للمكلف قدرة شرعية لصرفها في الإتيان بالمهم. وبعبارة أخرى: داعوية الأمر بالأهم إلى امتثاله مساوقة لإفناء موضوع الأمر بالمهم ـ شرعاً ـ فيكون تقريباً الأمر بالأهم للمكلف نحو امتثاله مساوقاً للتبعيد عن امتثال الأمر بالمهم. هذا ولكن سيأتي في أدلة الإمكان عدم مانعية الأمر بالأهم عن المهم فالكبرى ـ وهي أن المانع الشرعي كالعقلي ـ وإن كانت مسلمة، إلا أن صغروية المقام لها واندارجها تحت موضوع (المانع) ممنوعة، فتأمل. |
|
نزول الأمر بالأهم إلى مرتبة الأمر بالمهم |
|
(سابعاً): ما في المباحث أيضاً من (أن الأمر بالمهم وإن لم يصعد إلى مرتبة الأمر بالأهم، ولكن الأمر بالأهم ينزل إلى مرتبة الأمر بالمهم، فإن العلة وإن كانت أقدم من المعلول رتبة، لكن معنى ذلك عدم تقيد العلة بالرتبة المتأخرة، لا أنها متقيدة بالرتبة المتقدمة، بل لها إطلاق، فيلزم فعلية الاقتضاءين في الرتبة المتأخرة). انتهى. وفيه: أنه لا يعقل تجافي المتقدم عن رتبته، ليكون في المرتبة المتأخرة ـ كما هو في المرتبة المتقدمة ـ بداهة أنه لا يكون التقدم والتأخر إلا لملاك يقتضيهما، ومع حصول ملاك التقدم في الشيء لا يعقل أن يحصل فيه ملاك التأخر أيضاً، إذ هو جمع بين المتنافيين، كيف لا..؟ والرتبة هي نحو وجود الشيء ـ على ما سبق ـ فما اتصف بنحو من الوجود كيف يكون موصوفاً بنحو آخر منه؟ فمثلاً: ملاك التقدم بالطبع أن لا يكون للمتأخر وجود إلا وللمتقدم وجود، ولا عكس، فإنه يمكن أن يكون للمتقدم وجود وليس للمتأخر وجود، كالواحد والكثير، فإنه لا يمكن أن يكون للكثير وجود إلا والواحد موجود، ويمكن أن يكون الواحد موجوداً والكثير غير موجود، فوجود المتقدم بالطبع في الرتبة المتأخرة مساوق لتوقف الوجود عليه، ـ بمقتضى كونه في الرتبة المتقدمة ـ وعدم توقفه عليه ـ بمقتضى كونه في الرتبة المتأخرة ـ كما أن وجود المتقدم بالعلية في الرتبة المتأخرة مساوق لاستناد الوجوب إليه وعدم استناده إليه وهو تهافت. نعم، لو لم يرد بالرتبة: الرتبة العقلية، بل المعية الوجودية الخارجية أمكن اجتماع المتقدم مع المتأخر، كالعكس لكنه لا يجدي في دفع كلام (النهاية) لكون مفاده: أن اجتماع الأمرين في الوجود غير ضائر بعد التعدد الرتبي العقلي فيما بينهما. والحاصل: أنه إن أريد الرتبة العقلية الاصطلاحية فلا محصل له، وإن أريد الرتبة الوجودية الزمانية فلا يجدي، إذ المحقق الأصفهاني لم ينكر ـ فيما نقله ـ اجتماع المتقدم مع المتأخر في الزمان بل تمسك باختلاف رتبة الأمرين لدفع محذور التطارد بينهما. ومن هنا يعلم: أنه لابد من أن يراد بالمرتبة في كلام صاحب الكفاية (قده): (التقدير) لا (الرتبة الاصطلاحية)، فيكون مفاد كلامه: إنه على تقدير امتثال الأمر بالأهم لا يتحقق التطارد بين الأمرين، لعدم وجود الأمر بالمهم، لانتفاء موضوعه أما على تقدير العصيان فيتطارد الأمران لاجتماعهما في مرتبة وجودية واحدة. |
|
الإيراد الثاني |
|
(ثانيها): ما نقله في (المباحث) من (أن الأمر بالمهم معلول لعصيان الأهم، وسقوط الأهم أيضاً معلول لعصيان الأهم ـ أو ما هو لازمه وهو انتفاء الموضوع ولو بنحو الشرط المتأخر ـ لأن العصيان كالامتثال سبب للسقوط، فالأمر بالمهم مع سقوط الأهم في رتبة واحدة لأنهما معلولان لشيء واحد، ففي رتبة الأمر بالمهم لا أمر بالأهم كي يقتضي الامتثال، فلا يتنافى الأمران). ولا يخفى أن هذا الإيراد (ليس) مسوقاً بلحاظ الزمان ليورد عليه بأن تحقق موضوع الترتب منوط بتعاصر فعلية الأمرين، فسقوط الأمر بالأهم حين فعلية الأمر بالمهم خروج عن موضوع الترتب (بل) هو مسوق بلحاظ الرتب التحليلية العقلية مع تعاصر فعلية الأمرين خارجاً. ولكن يرد عليه: أولاً: ما سبق من أن ملاك التضاد هو المعية الوجودية، فالاختلاف الرتبي لا يدفع التضاد ـ بعد تحقق المعية الوجودية الخارجية ـ. ثانياً: إن سقوط الأهم ليس معلولاً لعصيان الأهم، كما أنه ليس معلولاً لفوات الموضوع. أما الدعوى الأولى: فلما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من عدم علية العصيان لسقوط الأمر. وأما الدعوى الثانية: فلعدم العلية في الأعدام، وواقع الأمر هو انتفاء العلقة العلية بين وجود الموضوع ـ بالمعنى الأعم ـ وثبوت الأمر بالأهم، فالتعبير بكون انتفاء الموضوع علة لسقوط الأمر بالأهم ليس حقيقياً، بل هو مسوق على سبيل التقريب والمجاز. ثالثاً: سلمنا كون سقوط الأهم معلولاً لفوات الموضوع، لكن انتفاء الموضوع ليس لازماً للعصيان، بل العصيان مصاحب اتفاقي لفوات الموضوع، وقد تقرر ـ في محله ـ أن الرتب لا تقتنص بالملازمة الدائمية، فكيف بالصحابة الاتفاقية؟ فعلية الفوات للسقوط لا تقتضي علية العصيان ـ الملازم له ـ للسقوط. اللهم إلا أن يقال: بكفاية اتحاد المعاليل في طبيعي الرتبة، وإن لم تتحد في شخصها، فالأمر بالمهم وسقوط الأمر بالأهم وإن لم يكونا معلولي علة واحدة ليكونا في رتبة شخصية واحدة، إلا أن كونهما معلولين ـ ولو لعلتين مختلفتين ـ يسبغ عليهما وحدة الرتبة، إذ كلاهما في رتبة معلولية لاحقة، كما أن عليتهما في رتبة متقدمة سابقة، فتأمل. رابعاً: لو سلم كون سقوط الأهم معلولاً لانتفاء الموضوع اللازم للعصيان لم يجد في المقام، ضرورة تأخر المعلول عن علته واللازم عن ملزومه، فيكون سقوط الأهم متأخراً عن عصيان الأهم برتبتين، والمفروض أن وجود المهم متأخر عن عصيان الأهم برتبة واحدة ـ لمكان أخذه فيه ـ فيجتمع الأمران في الرتبة السابقة على سقوط الأمر بالأهم. |
|
الإيراد الثالث |
|
(ثالثها): ما نقله في (المباحث) من (أن ترتب الأمر بالمهم على عصيان الأمر بالأهم المترتب على الأمر بالأهم مانع عن مزاحمته له، إذ ما يكون وجوده في طول وجود شيء آخر يستحيل أن يكون مانعاً عنه، لأنه إن كان مانعاً في ظرف عدمه لزم مانعية المعدوم وإن كان مانعاً في ظرف وجوده فظرف وجوده هو ظرف ثبوت الأول في رتبة سابقة فمانعيته عنه خلف، بل تستلزم أن يكون مانعاً لنفسه، وإذا لم يكن الأمر بالمهم طارداً للأمر بالأهم فلا وجه لفرض العكس لأن ملاك المطاردة هو التضاد، ولو كان لتحققت المطاردة من الطرفين). ويرد عليه أمور: (الأول): عدم تسليم الطولية بين (الأمر بالأهم) و (عصيان الأمر بالأهم) لأن العصيان معلول لعلله التكوينية الخاصة، ولا يقع (الأمر بالأهم) في سلسلة تلك العلل عادة. وهذا الجواب يصح فيما لو أريد بالعصيان: مجرد الترك، وأما لو أريد به الترك بما هو موصوف بكونه عصياناً ومخالفة لأمر المولى فلا، إذ المعصية الانتزاعية في طول الأمر بالأهم، باعتبار تقدمه عليها بالطبع، إذ لا تحقق لها بدونه، مع إمكان تحققه بدونها، وقد سبق ذلك. (الثاني): إن وجود نسبة التضاد بين شيئين يمنع العلية بينهما، لأن رابطة العلية مستلزمة للتعاصر الزمني بين العلة والمعلول فيلزم منها فيهما اجتماع الضدين في آن واحد، وهو محال. هذا في العلة التامة.. وأما في غيرها فكذلك مع وجود ما رتب عليه غيره ـ كما هو كذلك في المقام ـ والأمر بالأهم وإن لم يضاد الأمر بالمهم بالذات، لكنه يضاده بالعرض لكونه معلولاً لعلة مضادة لعلة الأمر بالمهم ـ وهي إرادة الأهم التي تضاد إرادة المهم ـ ولا يعقل أن يكون معلول علة مضادة لعلة معلول آخر واقعاً في سلسلة علل ذلك المعلول الآخر لأنه يستلزم اجتماع الضدين بالنتيجة، بمقتضى ارتهان وجود كل معلول بوجود علته. وبعبارة أخرى: تضاد الإرادتين (تبعاً لتضاد المتعلقين) يستتبع تضاد الحكمين بالعرض، فكيف يقع أحدهما في سلسلة علل الآخر؟ ومنه ينقدح عدم خلو هذا الوجه ـ المنقول في المباحث ـ عن المصادرة إذ مدعى صاحب الكفاية (قده) هو: مانعية التضاد في المقام عن الترتب، فرده برافعية الترتب للتضاد مصادرة، واختبر ذلك فيما لو أريد رفع التضاد بين السواد والبياض مثلاً بترتب أحدهما على الآخر، إذ مدعي التضاد يمنع وقوع الترتب ومع عدم وقوع الرافع لا يعقل الرفع بمقتضى قاعدة الفرعية. هذا ولكن سيأتي عدم تحقق التضاد بين الأمرين في أدلة القول بالإمكان، إن شاء الله تعالى. وأما الإيراد على هذا الوجه ـ المنقول في المباحث ـ باستلزامه للدور بتقريب: أن الترتب موقوف على عدم التضاد فتوقف عدم التضاد عليه دوري ففيه: أن نحوي التوقف مختلفان فأحدهما ثبوتي والآخر إثباتي، ولا مانع منه، نظير توقف الدخان على النار ـ ثبوتاً ـ مع توقفها عليه إثباتاً ونحوه جميع البراهين الإنيّة التي ينتقل فيها من المعلول إلى العلة. (الثالث): إنه كما يصح نعت كل من الضدين بـ (المطاردة) لو لوحظا بما هما كذلك يصح نعت أحدهما المعين بـ (الطرد) للآخر لو لوحظ سبقه في الوجود ـ لأهمية أو غيرها ـ إذ الضد السابق في الوجود يمنع ضده من التحقق مادام موجوداً. نعم يمكن أن يرتفع ـ بارتفاع علته ـ فيحل محله بديله. والأمر كذلك فيما نحن فيه، إذ انقداح إرادة الأهم في نفس المولى مانع عن انقداح إرادة المهم في نفسه ـ لسراية التضاد من المتعلقين إلى الإرادتين ـ فلا يكون معه له مجال أصلاً. وعلى هذا: ففرض (التطارد) بين الإرادتين مبني على ملاحظتهما بما هما هما وفرض (الطرد) مبني على ملاحظة انقداح إرادة الأهم المانعة عن انقداح إرادة المهم وهذا الأمر مطرد في جميع الأضداد، فقولنا: (السواد والبياض ـ مثلاً ـ متطاردان) مبني على ملاحظتهما بما هما هما، وقولنا: (السواد طارد للبياض) مبني على ملاحظة وجوده المانع من تحقق ضده ـ مادام موجوداً ـ. ولعل المشكيني (رحمه الله) نظر إلى الفرض الأول حيث منع الطرد من جانب واحد بقوله: (إن عدم طرد طلب المهم لطلب الأهم مع طرده له فرض غير متحقق، لأنه إذا فرض طرد طلب الآخر فلا محالة يحصل الطرد من الآخر أيضاً) فتأمل. وأما ما نقله المحقق الأصفهاني (قده) في تصوير الطرد من طرف الأمر بالأهم فقط من (أن تمامية اقتضاء الأمر بالمهم حيث أنها بعد سقوط مقتضي الأهم عن التأثير فلا يعقل أن يزاحمه في التأثير، لكن الأمر بالأهم لم يسقط بعدم التأثير عن اقتضائه للتأثير، ولذا لا يسقط الأمر بالأهم بمقارنة عصيانه بل بمضي زمانه، فحيث أنه بعد يقتضي التأثير فيزاحم المقتضي الآخر في التأثير). ففيه: أنه إن أريد بالبعدية في قوله: (إن تمامية اقتضاء الأمر بالمهم بعد سقوط مقتضى الأهم عن التأثير) البعدية الزمانية فهو خروج عن موضوع الترتب، لاشتراط تعاصر الفعليتين فيه، وإن أريد البعدية الرتبية فلا يجدي في ما رامه، إذ الأمران إن كانا ضدين كان التطارد بينهما من الجانبين وإن لم يكونا ضدين لم يكن طرد أصلاً ـ ولو من قبل أحدهما للآخر ـ فلا وجه لفرض الطرد من جانب الأهم فقط. وبتقرير آخر: أنه إن أريد إناطة اقتضاء الأمر بالمهم بسقوط الأمر بالأهم عن اقتضاء التأثير فهو ممنوع لخروجه بذلك عن موضوع الترتب، وإن أريد إناطته بسقطه عن فعلية التأثير فهو مسلم لكنه يستلزم تعاصر الأمرين فإما أن يكون التطارد من الجانبين، وإما أن لا يكون ثمة طرد أصلاً. هذا مضافاً إلى ما ذكره المحقق الأصفهاني (قده) بقوله: (إن المقتضي وإن كان في طرف الأهم موجوداً، لكنه لا يترقب منه فعلية التأثير بعدم مقارنته لعدم التأثير، وإلا لزم الخلف أو الانقلاب أو اجتماع النقيضين، وما لا يترقب منه فعلية التأثير لا يزاحم ماله إمكان فعلية التأثير بحيث لا يمتنع تأثيره ذاتاً ووقوعاً وبالغير) فتأمل. ثم إن كلية ما ذكر في هذا الجواب ـ المنقول في المباحث ـ من استحالة مانعية ما يكون وجوده في طول وجود شيء آخر عنه لا تخلو من نظر، وذلك لأن الطولية بين شيئين أعم من العلية بينهما، إذ ما يكون في طوله آخر إن كان بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم فهو علة والآخر معلول، وإن كان بحيث يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود فالآخر في طوله بلا علية ومعلولية فما يكون في طوله آخر ـ بدون وجود العلقة العلية بينهما ـ يمكن ـ في الجملة ـ طرو العدم عليه حال وجود الآخر، كما يمكن مانعية الآخر عنه، لعدم ارتهان وجوده ببقائه، فلا يلزم منها الخلف ولا مانعية الشيء لنفسه. وقد يمثل للأول بالكون في المقصد فإنه في طول التحرك نحوه مع طرو العدم عليه حال وجود الكون فيه ـ لانتهاء أمده ـ، وللثاني: بإعدام المعد له للمعد الموجود، فتأمل. |
|
الإيراد الرابع |
|
(رابعها): ما نقله في نهاية الدراية وحاصله: (أن وجود كل شيء طارد لجميع أعدامه المضافة إلى أعدام مقدماته أو وجود أضداده، فطلب مثل هذا الوجود يقتضي حفظ متعلقة من قبل مقدمات وجوده وعدم أضداده بقول مطلق، وفي هذه الصورة يستحيل الترخيص في مقدمة من مقدمات أو وجود ضد من أضداده، بخلاف ما إذا خرج أحد أعدامه عن حيز الأمر ـ أما لكونه قيداً لنفس الأمر أو بأخذ وجوده من باب الاتفاق ـ فإنه لا يكون العدم من قبل هذه المقدمة مأموراً بطرده، بل المأمور بطرده عدمه من قبل غيره. وعليه: فالأمر بالأهم يرجع ـ لمكان إطلاقه ـ إلى سد باب عدمه من جميع الجهات حتى من قبل ضده المهم، والأمر بالمهم، ـ لترتبه على عدم الأهم ـ يرجع إلى سد باب عدمه في ظرف عدم انسداد باب عدم الأهم من باب الاتفاق، ولا منافاة بين قيام المولى بصدد سد باب عدم الأهم مطلقاً، وسد باب عدم المهم في ظرف انفتاح باب عدم الأهم من باب الاتفاق، فالأمر بالمهم حيث إنه تعلق بسد باب عدم المهم في ظرف انفتاح باب عدم الأهم من باب الاتفاق فلا محركية له نحو طرد عدم المهم إلا في ظرف انفتاح باب عدم الأهم اتفاقاً. وبتعبير آخر: إن عدم المعلول مع وحدته يتصور له حصص حيث إنه تارة يستند إلى عدم المقتضي وأخرى إلى عدم الشرط وثالثة إلى وجود الضد، فربما يكون العدم المطلق بجميع حصصه مأموراً بطرده وربما يكون ببعض حصصه ووجود كل ماهية وإن لم يعقد إلا بسد باب عدمه بجميع حصصه لأن الوجود الواحد ليس له حيث وحيث لتكون الماهية الواحدة موجودة من حيثية ومعدومة من حيثية، لكنه ربما يكون باب عدمه من حيثية منسداً من باب الاتفاق أو يفرض سده فيؤمر بسد عدمه بسائر حصصه، فإذا كانت الحصة الملازمة لوجود الضد مأموراً بطردها من الطرفين كان مرجع الأمرين إلى الأمر بطرد الحصتين المتقابلتين وهو محال، وأما لو كان الأمر في أحد الطرفين بسد باب العدم وطرده بسائر حصصه في ظرف انفتاح باب عدم الحصة الملازمة لوجوده فلا أمر بطرد الحصتين المتقابلتين). وقال المحقق العراقي (قدس سره) في (نهاية الأفكار) ـ ضمن كلام له ـ: (إن عمدة المحذور في عدم جواز الأمر بالضدين هو لزوم إيقاع المكلف فيما لا يطاق بلحاظ اقتضاء كل واحد من الأمرين لصرف القدرة نحو متعلقه ومن المعلوم أن هذا المحذور إنما يكون إذا كان كل واحد من الأمرين تاماً بنحو يقتضي حفظ متعلقه على الإطلاق حتى من ناحية ضده، أما لو كانا ناقصين أو كان أحدهما تاماً والآخر ناقصاً بنحو لا يقتضي إلا حفظ متعلقه من قبل مقدماته وأضداده غير هذا الضد فلا محذور أصلاً، حيث لا يكون مطاردة بين الأمرين في مرحلة اقتضائهما حتى يكون منشأً لتحير العقل ويصدق أن المولى من جهة أمره أوقع المكلف فيما لا يطاق، وذلك لأن الأمر بالأهم حسب كونه تاماً وإن اقتضى حفظ متعلقه على الإطلاق حتى من ناحية ضده فيقتضي حينئذ إفناء المهم أيضاً، ولكن اقتضائه لإفناء المهم إنما هو بالقياس إلى حده الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقاً حتى بالقياس إلى حدوده الأخر التي لا تضاد وجود الأهم. وحينئذ فإذا لم يكن الأمر بالمهم ـ حسب نقصه ـ مقتضياً لحفظ متعلقه على الإطلاق حتى من الجهة المضافة إلى الأهم بل كان اقتضاؤه للحفظ مختصاً بسائر الجهات والحدود الأخر غير المنافية مع الأهم في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل الأهم فلا جرم ترتفع المطاردة بينهما، حيث إن الذي يقتضيه الأمر بالأهم من إفناء المهم بالقياس إلى الحد المضاف عدمه إليه لا يقتضي الأمر بالمهم خلافه، وما اقتضاه الأمر بالمهم من إيجاد حفظ متعلقه من سائر الجهات الأخر لا يقتضي الأمر بالأهم إفناءه من تلك الجهات فأمكن حينئذ الجمع بين الأمرين..). ويرد على التقرير الأول ـ الذي أفاده المحقق الأصفهاني ـ أمور: (الأول): إن وجود الشيء وإن كان طارداً لجميع أعدامه المضافة إلى أعدام مقدماته أو وجود أضداده، إلا أن طلب مثل هذا الوجود لا يقتضي طلب طرد تلك الأعدام لأن الأمر الشرعي ـ المتعلق بإيجاد الأهم أو المهم ـ شيء وحداني لا تكثر فيه، حيث ما قرر في مسألتي (الضد) و (مقدمة الواجب) فقياس الطلب الاعتباري بالوجودات التكوينية لا يخلو من نظر. اللهم إلا أن يراد بالاقتضاء: العقلي ـ لا الشرعي ـ ويساق البرهان المزبور بلحاظه، لا بلحاظ الاقتضاء الشرعي. (الثاني): إن محذور الأمر بطرد الحصتين المتقابلتين جار في الأمر الترتبي أيضاً، وذلك لعدم سقوط الأمر بالأهم بعصيانه ـ ما لم يفت الموضوع بعد كما هو المفروض في المقام ـ ففي ظرف العصيان يكون طلب الأهم مستلزماً لسد باب عدمه بجميع حصهه ومنها الحصة الملازمة لوجود الضد المهم، ومن الواضح أن طرد عدم الشيء لا يتحقق إلا بطرد ضد ذلك الشيء، فيكون المهم مأموراً بطرده، وهكذا الأمر في طرف المهم فيكون كل منهما مأموراً بطرده، لكن لا مطلقاً، بل في هذه الحالة. ولا فرق في استحالة الشيء ـ أو قبحه ـ بين لزومهما على كل تقدير ـ كما في الأمر بالضدين مطلقاً، أو على تقدير دون تقدير ـ كما في الأمر المسوق على سبيل الترتب ـ إذ المحالية وصف لازم للمحال فلا ينفك عنه أبداً، فلا يعقل أن يتحقق ولو على بعض التقادير كما لا يخفى. وعلى هذا فقول المحقق الأصفهاني: (لا منافاة بين قيام المولى... إلخ) إن أريد به عدم المنافاة مطلقاً ففيه: أن الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية، والمنافاة متحققة على تقدير العصيان، وإن أريد به عدم المنافاة المطلقة ففيه: أن عدمها لا يكفي في الحكم بالإمكان، إذ لزوم المحذور أحياناً كاف في الحكم بالاستحالة. وفيه: أن الأمر بطرد عدم المهم مشروط بعصيان الأهم، ففي ظرف انعدام الأهم يكون المهم مأموراً بطرد عدمه، ومن المقرر أن المشروط لا ينقلب مطلقاً، مطلقاً ولو بعد تحقق شرطه، وعلى هذا يكون الأمر بطرد الأهم ـ الذي هو باب من أبواب عدم المهم ـ تحصيلاً للحاصل، إذ أخذ وجوب المهم في ظرف عدمه، فلا يعقل الأمر بطرده، فلا يكون ثمة أمر بطرد الحصتين المتقابلتين ولو في تقدير العصيان. اللهم إلا أن يقال: أنه وإن صح ذلك بلحاظ الأمر الشرعي، إلا أنه لا يصح بلحاظ الأمر العقلي الواقع في سلسلة معاليل الأمر الشرعي، إذ العقل بعد تحقق شرط الواجب المشروط يأمر به منجزاً بلا تعليق، فيلزم من الأمر الترتبي الشرعي أمر العقل بطرد الحصتين المتقابلتين، وهو محال، فتأمل. (الثالث): لو فرض عدم استلزام الأمر الترتبي للأمر بطرد الحصتين المتقابلتين، لكن يلزم منه حصول التناقض بين الأمر بالمهم ـ عند تحقق مقدم شرطية وجوب المهم ـ والأمر بطرد عدم الأهم مطلقاً، ولو كان عدمه معلولاً لوجود المهم، فعند تحقق مقدم الشرطية يكون المهم مأموراً به ـ لمكان تحقق شرطه ـ ومنهياً عنه لأن الأمر بالأهم (المفروض عدم سقوطه بمجرد العصيان) يقتضي حفظ متعلقه من جميع الجهات حتى من قبل وجود ضده المهم، فيكون المهم منهياً عنه، لأنه باب من أبواب عدم الأهم، فيكون المهم مصباً لاجتماع الحكمين المتضادين، وهو محال. (الرابع): إن استحالة الأمر بطرد الحصتين المتقابلتين المتحقق في مورد الأمر بطرد عدم الأهم مطلقاً ولو كان معلولاً لوجود المهم، وعدم المهم مطلقاً ولو مع نشوئه من وجود الأهم، وبعبارة أخرى: الأمر بالضدين مطلقاً المستلزم بناءً على الاقتضاء للأمر بطرد عدمهما مطلقاً ـ ليست بالذات، بل هي استحالة عرضية تنشأ من أنه تكليف بالمحال لعدم قدرة المكلف على الجمع بين الضدين، وهذا محذور في المنتهى، ومن أنه تكليف محال لعدم تعلق الإرادة ومبادئها بالمتضادين، بسبب سراية التضاد من المراد إلى الإرادة، وهذا محذور في المبدأ، ولا فرق في ترتب هذا المحذور في نظر العقل بين الأمر بالضدين مطلقاً، أو على سبيل الترتب لوحدة الملاك في الاثنين، فتأمل. (الخامس): إن ملازمة وجود المهم لعدم الأهم ـ المنهي عنه حسب الفرض ـ مقتضية ـ على الأقل ـ لكون وجود المهم غير محكوم بحكم أصلاً لاستحالة اختلاف المتلازمين في الحكم على ما قرر في محله، فلا يمكن أن يكون وجود المهم متعلقاً للوجوب الترتبي، فتأمل. ويرد على التقرير الثاني ـ الذي أفاده المحقق العراقي ـ مضافاً إلى بعض ما تقدم: أنه وإن كان للعقل أن ينتزع من المتعلق حيثيات وجهات متعددة، وأن يحلل الأمر الشرعي الواحد إلى أوامر متعددة ـ بمقتضى استلزام إرادة العقل للشيء مجموعة من الإرادات الجزئية المتعلقة بطرد أعدامه المضافة إلى أعدام مقدماته أو وجود أضداده ـ إلا أن التكثير العقلي ـ للمتعلق أو الأمر ـ لا يستلزم تكثر الشيء خارجاً، فإن تعدد الجهات التحليلية العقلية لا يثلم الوحدة الخارجية للشيء، بداهة إمكان انتزاع عناوين متعددة من وجود واحد خارجي دون أن تنثلم بذلك وحدته الخارجية، كما في مفاهيم صفات الجمال والجلال في الواجب، وعناوين المعلوم والمقدور ونحوها في الممكن، ومع انحفاظ الوحدة الخارجية للمتعلقين لا يجدي تعدد الجهات الانتزاعية في دفع التضاد القائم بينهما، فيسري التضاد من المتعلقين إلى الطلبين، فلا يصح الأمر بهما ولو على سبيل الترتب، فما يظهر من المحقق العراقي (قده) من تكثير جهات المهم، ودفع التنافي بين الأمرين بذلك لا يخلو من تأمل. مع أنه لو فرض استلزام تعدد العناوين والحيثيات لتعدد المعنون لم يجد ذلك أيضاً، لمكان التركيب الانضمامي بين المعنونات، وهو مانع عن الأمر الترتبي بالضدين، كيف لا؟ وقد ذكروا استحالة اختلاف المتلازمين في الحكم، مع عدم وجود التركيب بينهما، فكيف بالمتحدين؟ |
|
الإيراد الخامس |
|
(خامسها): ما أورده صاحب الكفاية (قدس سره) على نفسه قال: (لا يقال: نعم ولكنه بسوء اختيار المكلف، حيث يعصي فيما بعد بالاختيار فلولاه لما كان متوجهاً إليه إلا الطلب بالأهم، ولا برهان على امتناع الاجتماع إذا كان بسوء الاختيار...). وفي (الوصول): التمثيل للفقرة الأخيرة من كلام صاحب الكفاية (قدس سره) بما لو توسط الدار المغصوبة، إذ حينئذ يتوجه إليه خطاباً (لا تغصب بالخروج عن الدار) و (لا تغصب بالبقاء في الدار) فيكون كل من بقائه وخروجه محرماً مع أنه لا يتمكن إلا من أحدهما، فتحريم كليهما تحريم للضدين اللذين لا ثالث لهما، مما لا يخلو المكلف منهما على سبيل منع الخلو، فكما أن تحريم الضدين الناشئ من سوء الاختيار غير مستحيل كذلك طلب الضدين الناشئ منه ـ انتهى. ونحوه من أوقع نفسه في الاضطرار فدار أمره بين الموت جوعاً وأكل الحرام. وفيه: (أولاً): إن طلب المحال قبيح على الحكيم مطلقاً، ولو كان بسوء الاختيار. والسبب في ذلك أن الأمر إنما يساق بداعي إيجاد الداعي في نفس العبد، ويستحيل إيجاد الداعي نحو المحال في نفس المكلف، إذ الداعي إنما يمكن وجوده في ظرف الاختيار، ولا يمكن ذلك بالنسبة إلى المحال، فتأمل. ويشهد له قبح خطاب المولى عبده بالمحال ولو كان ذلك بسوء اختياره، فلو سقط العبد من شاهق لم يصح للمولى نهيه حال السقوط عن الارتطام بالأرض ـ إذ لم يكن ذلك داخلاً تحت قدرته ـ ولو نهاه والحال هذه عد عابثاً عند العقلاء. نعم لا مانع من نهيه عن ذلك من قبل، إذ المقدور بالواسطة مقدور. ولا فرق في ذلك بين كون الخطاب جزئياً شخصياً أو كلياً قانونياً، إذ المحال ـ أو القبيح ـ لا ينقلب عما هو عليه بمجرد تبديل صياغته اللفظية، فخطاب العاجز ـ مثلاً ـ حال عجزه قبيح مطلقاً، سواء كان بتوجيه الخطاب الشخصي نحوه، أو بإدراجه تحت كلي يستوعبه ويعمه. لا يقال: الامتناع بالاختيار لا ينافيه. فإنه يقال: أولاً: لا موضوع للقاعدة في المقام، لارتهان تحققه بعدم وجود المندوحة، وهي حاصلة في المقام، إذ يمكن للمكلف أن يمتثل الأمر بالأهم مما ينتفي به موضوع الأمر بالمهم، فلا يكون ثمة عصيان أبداً، وعلى ذلك فلا (امتناع) في المقام. وثانياً: إن الامتناع بالاختيار ـ وكذا الإيجاب به ـ وإن لم يناف الاختيار عقاباً، إلا أنه ينافيه خطاباً، ولا ملازمة بين استحقاق العقاب وجواز الخطاب فيمكن ثبوت الأول وانتفاء الثاني. ولا ينافيه ما دل على عدم العقاب عند عدم بعث الرسول إذ انتفاء الفعلية أعم من انتفاء الاستحقاق، ولفرض وجود الخطاب قبل طرو العجز، ولأن الرسول يعم الحجة الظاهرة والباطنة، فتأمل. هذا فيما كان الامتناع بالاختيار التسبيبي بأن كان الامتناع معلولاً لعلله التكوينية الخارجة عن إرادة المكلف ـ وإن انتهى بالآخرة إليها، كما في صورة تعجيز المكلف نفسه عن امتثال الأمر ـ أما لو كان الامتناع بالاختيار المباشري بأن كان الامتناع بسبب اختيار العصيان فلا ينافيه عقاباً ولا خطاباً، بداهة جواز تكليف الكفار والعصاة ـ بل وقوعه ـ مع امتناع الإطاعة لعدم وجود عللها الإرادية، ومن المعلوم استحالة وجود المعلول بدون وجود علته التامة، إلا أن هذه الاستحالة لا تنفي استحقاق العقاب، ولا جواز الخطاب، كما هو واضح. ولا يخفى أن المقام من قبيل الأول، إذ الجمع بين الضدين محال تكويني، فتأمل. (ثانياً): النقض بما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من أنه لو صح طلب الضدين في صورة سوء اختيار العبد لصح طلب ذلك فيما علق على أمر اختياري في عرض واحد بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب مع أنه محال بلا ريب ولا إشكال. مثاله: ما لو قال المولى للعبد: إن زرت زيداً وجب عليك القيام والقعود في آن واحد. ونظيره ـ في غير طلب الضدين من سائر أنواع المحال ـ أن يقول: إن طلقت زوجتك وجب عليك الطيران في السماء. (ثالثاً): ما ذكره المشكيني (قدس سره) من: (أن الطلب المتعلق بالمحال محال في نفسه، لأنه لا تنقدح إرادة الضدين في النفس مع العلم بالضدية.. فطلب المحال من المستحيلات الذاتية مثل اجتماع النقيضين، لا لقبحه حتى يقال: بعدمه إذا كان بسوء الاختيار أو من غير الحكيم). وأما التمثيل بمن توسط الدار المغصوبة ونحوه ففيه بحث طويل، محله باب اجتماع الأمر والنهي فراجع. .. هذه بعض الإشكالات التي أوردت على الوجه الأول مما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) في استحالة الترتب، وقد انقدح عدم نهوضها بدفع ما أفاده (قدس سره)، وسيأتي تمام الكلام حول ذلك في أدلة القول بالإمكان إن شاء الله تعالى. |
|
[1] لا يخفى أن بعض المناقشات المذكورة في هذا الفصل إنما سيقت لبيان ما يمكن أن يكون مدعى منكر الترتب، ويعلم الحال فيها بما ذكر في أدلة القول بالإمكان. |