الفهرس

   

الصفحة الرئيسية

 

نماذج من الجمع الموضوعي

والآن، لنستعرض بعض النماذج من (الجمع الموضوعي) لآيات القرآن، مع مراعاة الاختصار، لتكون نوافذ متواضعة، تفتح أمام عيون القراء الكرام، الآفاق الواسعة لـ (الفهم الموضوعي لآيات القرآن الكريم).

1 - الشفاعة، ماذا تعني؟

عندما نلقي نظرة موضوعية على الآيات التي تتحدث حول الشفاعة، نجدها تنقسم إلى أربع مجموعات:

المجموعة الأولى: لا، للشفاعة

ويندرج ضمن هذه المجموعة كل الآيات التي تنفي الشفاعة، والتي تنقسم إلى أربعة أقسام:

1 - الآيات التي تنفي الشفاعة بشكل مطلق، وينحصر هذا القسم في الآية الكريمة التالية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[1].

2 - الآيات التي تنفي (الشفاعة) التي كان يتصورها اليهود، والتي سوف نتحدث عنها فيما بعد، يقول القرآن الكريم:

(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ)[2].

ويقول: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ)[3].

3 - الآيات التي تؤكد أن (لا شفاعة للكفار) في يوم القيامة، مثل:

(يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[4].

(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[5].

(.. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[6].

4 - الآيات التي تنفي أن تملك الأصنام المعبودة: الشفاعة، مثل:

(وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)[7].

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[8].

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ)[9].

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ)؟[10].

(ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنْقِذُونِ)؟[11].

المجموعة الثانية: الشفيع، هو الله

المجموعة الثانية: هي مجموعة الآيات التي تصرح بأن الشفاعة مختصة بالله تعالى، وليس هنالك شفيع غيره. وفي هذا المجال يقول القرآن:

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[12].

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ)[13].

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ)[14].

(قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[15].

المجموعة الثالثة: هنالك شفعاء

ولكن بعد إذن الله. ونقرأ في هذه المجموعة الآيات التالية:

(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَ بِإِذْنِهِ)[16].

(مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)[17].

المجموعة الرابعة: شروط خاصة

 وفي هذه المجموعة نقرأ الآيات التالية:

(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً * لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً)[18].

(وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنِ ارْتَضَى)[19].

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)[20].

(يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)[21].

(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ)[22].

والآن، لنلقي نظرة تحليلية - ولكن موجزة - حول هذه المجموعات القرآنية.

1 - المجموعة الأولى من الآيات الواردة حول الشفاعة لا تتناقض مع بقية المجموعات، ذلك لأن سائر المجموعات تثبت أقساماً معينة من الشفاعة، وهذه المجموعة تنفي أقساماً أخرى، ترتبط بالأولى لا من قريب ولا من بعيد. فهذه المجموعة تنفي:

(أ) الشفاعة الاعتباطية، التي لا تتقيد بقيد أو شرط، كما هو مورد القسم الأول من المجموعة الأولى[23].

(ب) الشفاعة التي كانت يحلم بها اليهود، الذين كانوا يقولون: إننا أولاد الأنبياء، ومهما كانت ذنوبنا ثقيلة، فإن آباءنا سوف يشفعون لنا.

هذا النوع من الشفاعة مرفوض في رؤية القرآن، وذلك لأن مجرد الانتساب إلى عائلة (الرسالة) لا تكفي تبريراً لارتكاب المعاصي والذنوب، ومن ثم انتظار الرحمة والغفران الإلهيين من دون أي جهد أو تعب.

(ج) كما أن الكفار الذين قطعوا كل علاقاتهم مع الله، واتخذوا من دونه أوثاناً وشركاء، هؤلاء لا يمكن أن تقبل شفاعة أحد في حقهم، يوم القيامة.

(د) ومن الطبيعي أن (الأصنام) المعبودة من دون الله، لا يمكن أن تقوم بمهمة الشفاعة، خلافاً لكل التصورات الجاهلية التي كانت تقدّس الأصنام لـ (تقربهم إلى الله زلفى) ولتقوم بمهمة الشفاعة لهم عند الله.

2 - وإذا تجاوزنا عن هذه الأقسام الأربعة من (الشفاعات المرفوضة)، نصل إلى (الشفاعة المقبولة). هذه الشفاعة - كما تؤكد ذلك (المجموعة الثانية) - هي مختصة بالله، ويعني ذلك أن من سوى الله لا يستطيع أن يشفع للعصاة باستقلاله.

إذن، فالشفاعة الاستقلالية هي مختصة بالله. بينما (الشفاعة التبعية) يمكن أن تكون نصيب الآخرين[24].

3 - إذن، فإن هنالك شفعاء آخرين، من دون الله، إلا أنهم لا يستطيعون أن يشفعوا إلا من بعد إذنه، وهو ما تؤكده (المجموعة الثالثة) من آيات الشفاعة.

4 - ولكن متى يأذن الله؟!

إن المجموعة الرابعة هي التي تجيبنا على هذا السؤال، فهي تحدد شروطاً خاصة في (المشفوع له)، ومن دون توفر هذه الشروط، فإن الله سبحانه، لا يأذن بالشفاعة.

وهذه الشروط هي: أن يكون المشفوع له (مرضياً لله) و (متخذاً عند الرحمن عهداً)، وبعبارة أخرى: أن يكون (الخط العام) في حياته خطاً إلهياً سليماً، وعندئذ تتكفل الشفاعة سائر انحرافاته الجزئية[25].

2 - الاختبار، من وجهة نظر قرآنية

(الجمع الموضوعي المنظم) للآيات القرآنية الواردة في موضوع (الاختبار)، يفرض علينا تصنيف هذه الآيات من المجموعات التالية:

المجموعة الأولى: فلسفة الاختبار

في منظار القرآن الكريم، يأتي (الاختبار) لعدة أسباب:

1 - فرز المؤمنين الواقعيين عن غيرهم:

(ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)؟[26].

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا)[27].

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[28].

2 - تطهير النفوس المؤمنة مما علق بها من الشوائب والأدران (أدران الخوف والمعصية والتردد و): (.. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)[29].

(.. وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[30].

3 - قد يكون (الاختبار) - بكلا شقيه: السلبي والإيجابي - من أجل أن يعود الإنسان إلى ربه، فالبعض تعيدهم النعمة إلى الله، بينما البعض الآخر لا يردعهم عما هم فيه من طغيان وتجبّر إلا اختبارات صعبة وقاسية، التي تكون بمثابة (شدة إذن) بالنسبة إليهم.

وفي هذا المجال يقول القرآن الكريم: (.. وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[31].

المجموعة الثانية: مواقف الناس

من الطبيعي أن يتخذ الناس تجاه (الاختبار الإلهي) موقفين متعاكسين:

الموقف الأول: موقف (الصابرين) الذين يتحملون الآلام والمحن بقلب قوي، ونفس صلبة، وهؤلاء هم (المؤمنون الصادقون).

وطبيعي: أن تكون رحمة الله، ورضوانه من نصيب هذا القسم.

أما الموقف الثاني: فهو موقف (المتراجعين)، الذين ما إن تصيبهم مصيبة حتى ينقلبوا على أعقابهم. ومن الطبيعي أن يكون نصيبهم الخسارة في الدنيا والآخرة.

بالنسبة إلى الموقف الأول يقول القرآن:

(.. فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا)[32].

(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[33].

وبالنسبة إلى الموقف الثاني، يقول القرآن:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ - طرف أو جانب - فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين)[34].

والسؤال الآن هو: ما هي وسائل الاختبار الإلهي؟

والجواب: أنها الفتن المختلفة التي يتعرّض لها المؤمنون، والتي نستعرض بعضها في ضمن المجموعتين القادمتين.

المجموعة الثالثة: فتن عسيرة

يقسم القرآن الكريم الفتن العسيرة إلى ثلاثة أقسام:

1 - فتنة القوة، وهي تلك الضغوط الصعبة، التي توجهها القوى الطاغوتية، إلى المؤمنين بالله، ويضرب لنا القرآن في هذا المجال ضمن ما يضرب النموذجين التاليين:

أ - الفتنة التي تعرض لها بنو إسرائيل على يد فرعون. يقول القرآن الكريم:

(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)[35].

ب - الفتنة التي تعرض لها (أصحاب الأخدود)، وفي هذا المجال يقول القرآن:

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)[36].

ويستعرض القرآن بعض المشاهد من هذه القصة حين يقول:

(قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ)[37].

2 - فتنة الضغوط الاجتماعية، هذه الضغوط التي تتراكم على الإنسان لكي تحرفه عن مسيرته السليمة.

وفي هذا المجال يؤكد القرآن الكريم أن ذلك ضرورة حيوية لا يمكن التخلي عنها.

(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)؟[38].

بيد أن من الضروري أن يحافظ الإنسان على استقامته وصموده، ويكون كالحديدة المثبتة في الأرض كلما ازدادت عليها الضربات ازدادت قوة ورسوخاً، يقول القرآن:

(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ..)[39].

3 - وهنالك أيضاً فتن أخرى يتحدث عنها القرآن في الآيات التالية:

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[40].

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ)[41].

المجموعة الرابعة: فتن مُغرية

ويقسم القرآن الكريم هذه الفتن إلى قسمين:

1 - فتنة الشيطان.

وفي البداية يعطي القرآن قاعدة كلية، هي أن على الإنسان أن يحذر الشيطان، لأنه يحاول إغواءه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً)[42].

ولكن الشيطان، لا يستطيع أن يغري إلا الذين لا يؤمنون: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)[43]، أما بالنسبة إلى المؤمنين فـ (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)[44].

2 - فتنة المادة، من الأزواج، والأولاد، والأموال وغير ذلك.

وفي هذا المجال يقول القرآن:

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[45].

(وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)[46].

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)[47].

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[48].

(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ)[49].

والخلاصة أن الاختبار يأتي من أجل الفرز أو التطهير أو الإرجاع إلى الله أو العقوبة.

وأن من الناس من يصمد ويجتاز الامتحان بنجاح، وهؤلاء ينالون سعادة الدنيا والآخرة.

ومنهم من ينقلب على عقبيه، وهؤلاء، سوف يخسرون الدنيا والآخرة.

وأن الوسائل التي يمتحن من خلالها المؤمنون (هي الفتن) ومن خلالها يظهر مدى صدقهم أو كذبهم، وأن هذه الفتن قسمان:

1 - فتن عسيرة، ويدخل ضمن هذا القسم: فتنة القوة، وفتنة الضغوط الاجتماعية، وفتن أخرى متفرقة.

2 - وفتن مغرية، ويدخل ضمن هذا القسم كل من فتنة الشيطان، وفتنة المادة.

إلى هنا نختم حديثنا حول (الجمع الموضوعي) لآيات القرآن الكريم، رغم وجود نماذج أخرى كثيرة في إطار هذا الموضوع.

وعلى القرّاء الكرام أن يحاولوا القيام بـ (الجمع الموضوعي) لآيات القرآن في المواضيع التي تشغل تفكيرهم - لكي يخرجوا برؤية قرآنية شاملة حول تلك المواضيع.

[1]سورة البقرة: 254.

[2]سورة البقرة: 47 - 48.

[3]سورة البقرة: 122 - 123.

[4]سورة الأعراف: 53.

[5]سورة الشعراء: 91 - 100.

[6]سورة المدثر: 46 - 48.

[7]سورة الأنعام: 94.

[8]سورة يونس: 18.

[9]سورة الروم: 13.

[10]سورة الزمر: 43.

[11]سورة يس: 23.

[12]سورة الأنعام: 51.

[13]سورة الأنعام: 70.

[14]سورة السجدة: 4.

[15]سورة الزمر: 44.

[16]سورة البقرة: 255.

[17]سورة يونس: 3.

[18]سورة مريم: 86 - 87.

[19]سورة الأنبياء: 28.

[20]سورة النجم: 26.

[21]سورة طه: 109.

[22]سورة غافر: 18.

[23]والذي يؤيد ذلك أمران:

أ - أن ذلك هو مقتضى الجمع بين الآيات المختلفة الواردة في الشفاعة.

ب - قوله تعالى في تلك الآيات: (وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ) (البقرة: 254)، فكما أن المنفي في جملة (وخلة) هو الخلة الباطلة، بدليل قوله تعالى في آية أخرى: (الأخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَ الْمُتَّقِينَ) (الزخرف: 67)، فكذلك المنفي في قوله (ولا شفاعة) هو الشفاعة الباطلة.

[24]كما أن (علم الغيب) مختص بالله، لكن بمعنى أن أحداً لا يستطيع - باستقلاله - أن يخرق حجب الغيب، ولكنه يستطيع - بالتتبع وبعطاء الله - أن يطلع على ذلك. يقول القرآن الكريم: (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَ اللَّهُ) (النحل: 65) ويقول: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) (فيطلعهم على الغيب) (آل عمران: 179) وليس بين الآيتين أي تناقض، فالأولى تنفي أن يطلع أحد على الغيب باستقلاله - سوى الله - بينما الآية الثانية: تؤكد أن من الممكن أن يمنح الله لبعض رسله (علم الغيب)، فيكون علمهم بالغيب علماً تبعياً لا استقلالياً.

[25]هنا لابد أن نشير إلى نقطتين:

الأولى: أننا اعتمدنا في هذا الوقت بشكل رئيسي على الدراسة المفصلة التي كتبها الأستاذ الشيخ جعفر سبحاني تحت عنوان: (شفاعت در قلمرو: عقل، قرآن، وحديث) (باللغة الفارسية).

الثانية: أننا اختصرنا هذا البحث إلى أبعد الحدود، وذلك لكي لا نخرج عن موضوع الكتاب، ومن أراد التفصيل فعليه بالكتاب المذكور.

[26]سورة العنكبوت: 1 - 3.

[27]سورة آل عمران: 140.

[28]سورة محمد: 31.

[29]سورة آل عمران: 141.

[30]سورة آل عمران: 154.

[31]سورة الأعراف: 168.

[32]سورة العنكبوت: 3.

[33]سورة النمل: 96.

[34]سورة الحج: 11.

[35]سورة البقرة: 49.

[36]سورة البروج: 10.

[37]سورة البروج: 4 - 7.

[38]سورة الفرقان: 20.

[39]سورة المائدة: 49.

[40]سورة البقرة: 156.

[41]سورة آل عمران: 186.

[42]سورة فاطر: 6.

[43]سورة الأعراف: 27.

[44]سورة النساء: 76.

[45]سورة الأنفال: 28.

[46]سورة طه: 131.

[47]سورة الجن: 16 و17.

[48]سورة الكهف: 7.

[49]سورة القلم: 17.